• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    صيغ العموم وتطبيقاتها عند المناوي من خلال فيض ...
    عبدالقادر محمد شري
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    ياسر بن صالح العضيبي
  •  
    حسن الخلق
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    خطبة: الشتاء موسم العبادة والصدقة
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    أمنيات في يوم الحسرات (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة الفقه: التيمم
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    صفة العزة
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    فضل الإيمان (خطبة)
    عبدالله أحمد علي الزهراني
  •  
    حاجتنا إلى الصلاة (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    تفسير سورة الضحى
    أ. د. كامل صبحي صلاح
  •  
    الفرع الأول: أحكام اجتناب النجاسات، وحملها ...
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    التفسير الذي مستنده النص الصريح في القرآن الكريم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    من قام من نومه فوجد بللًا في ثوبه هل يجب عليه ...
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ضوابط التسويق في السنة النبوية (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    الآمنون يوم الفزع الأكبر (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الموت والقبر واليوم الآخر
علامة باركود

أمنيات في يوم الحسرات (خطبة)

أمنيات في يوم الحسرات (خطبة)
د. عبد الرقيب الراشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/12/2025 ميلادي - 8/7/1447 هجري

الزيارات: 60

حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعةأرسل إلى صديقتعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أمنيات في يوم الحسرات

 

الخطبة الأولى

الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

عباد الله: اعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هديُ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور مُحدثاتها، وكلَّ مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذنا الله وإياكم من البدع والضلالات والنار؛ أما بعد أيها المؤمنون:

فقد روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فيُوقف بين الجنة والنار، فيُقال: يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا؟ فيشرئِبُّون وينظرون، ويقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم يُقال: يا أهل النار، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيُذبح، ثم يُقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ﴾ [مريم: 39])).

 

أيها المؤمنون: هذا الحديث النبوي الشريف يخبرنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن مشهدٍ من مشاهدِ يوم القيامة؛ حيث يُؤتى بالموت في صورة كبش أملح - أي: فيه بياض وسواد - فيُوقف بين الجنة والنار، ويُقال لأهل الجنة وأهل النار: هل تعرفون هذا؟ فيجيبون بنَعم نعرفه؛ لأنهم قد رأوه عند موتهم، ثم يُذبح الموت بين الجنة والنار، وبعد ذلك يُقال لأهل النار: خلود فلا موت؛ أي إنهم سيبقون في النار خالدين فيها أبدًا بدون موت، ويُقال لأهل الجنة: خلود فلا موت؛ أي إنهم سيبقون في الجنة خالدين فيها أبدًا دون موت؛ كما قال تعالى عن أهل الجنة: ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [الدخان: 56].

 

أيها المؤمنون: وبعد أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموقفَ؛ تلا قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم: 39]، ويوم الحسرة هو أحد أسماء يوم القيامة، وهو يوم يتحسَّر فيه الصالحون والطالحون؛ فالصالحون يتحسرون فيه على ما فاتهم في دنياهم من أعمال صالحة، والطالحون يتحسرون فيه على ما قدموا في دنياهم من أعمال سيئة، وأشد الناس حسرة في يوم الحسرات من كذَّبوا بلقاء الله تعالى في يوم القيامة؛ لأنهم سيجدون ما كذبوا به حقيقة ماثلة أمام أعينهم، وتزداد حسرتهم عندما يأتون في يوم الحسرات وهم يحملون على ظهورهم أوزارهم وأوزار من أضلوهم من الناس؛ وصدق الله القائل: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [الأنعام: 31]، وتزداد حسراتهم أكثر حين يُريهم الله أعمالهم التي كانت سببًا لدخولهم النار؛ كما قال الله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 167].

 

أيها المؤمنون: وبعد هذه الحسرات تكون لهؤلاء الخاسرين أمنياتٌ كثيرة، يودون لو أنها تتحقق لهم في يوم الحسرات، لكن أنى لهم ذلك، وقد ذهبت الدنيا، وانتهي زمن العمل، ووقفوا بين يدي الله للحساب والعقاب؟ وفي خطبتنا هذه سوف نتحدث عن أمنيات الخاسرين في يوم الحسرات؛ علَّنا أن نعمل على تحقيقها في حياتنا الدنيا قبل فوات الأوان، فما هي أمنيات الخاسرين في يوم الحسرات؟ وكيف نحققها في دنيانا؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذه الخطبة.

 

أيها المؤمنون: أولى أمنيات الخاسرين في يوم الحسرة، أمنيتهم لو أنهم قدموا في دنياهم أعمالًا صالحة، تكون سببًا لنجاتهم في أخراهم، وذلك أنَّ ما كذبوا به من لقاء الله تعالى في اليوم الآخر قد رأوه حقيقةً، فيشاهدون أهوال يوم القيامة، فالأرض قد دُكت دكًّا، وأصبحت قاعًا صفصفًا، الملائكة قد جاءت وأحاطت بالخلائق من كل الجهات، والخلائق قد أصابهم كرب عظيم، ثم يجيء الله جل جلاله لفصل القضاء بين الخلائق، عند ذلك تكون أمنية كل مفرِّط في طاعات ربه في الدنيا، لو أنه عمِل في دنياه أعمالًا صالحة، تكون سببًا في نجاته في يوم الحسرات؛ وقد ذكر الله هذه الأمنية في قوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 21 - 24]؛ قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "يخبر تعالى عن الإنسان أنه يقول يوم القيامة: ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24]؛ أي: لعلمتُ حينئذٍ أن العمل الصالح ينفع وإن كان قد فات وقته، والغرض من هذا التمني: التندم والأسف على ما فات، والندامة على ما فرَّط في عمره، فليس له إلا الحسرة والندامة، والخسران المبين".

 

وفي يوم الحسرة يتيقن الخاسرون أن دنياهم التي عاشوها كانت لعبًا ولهوًا، وأن الحياة الحقيقة التي لا نهاية لها إنما هي في الآخرة؛ وصدق الله القائل: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]، وسمَّى الله الدار الآخرة بالحيوان؛ لأنها الحياة الحقيقية الدائمة الباقية، أما الحياة الدنيا فهي حياة زائلة؛ قال ابن عباس كما في تفسير الطبري: "سمى الله الآخرة بالحيوان؛ لأنها هي الحياة الدائمة التي لا موت فيها".

 

فيا من مدَّ الله في عمره ولا تزال روحه في جسده، اغتنم ساعاتِ عمرك وحياتك في طاعات ربك، قبل ندمك في وقتٍ لا ينفعك فيه الندم.

 

أيها المؤمنون: ومن أمنيات الخاسرين في يوم الحسرات أمنيتهم لو أنهم استلموا كُتُبَ أعمالهم بأَيْمانهم، وذلك أن الناس يوم القيامة على صِنفين؛ صِنفٍ يستلمون كتب أعمالهم بأيمانهم؛ وهؤلاء هم الناجُون في يوم الحسرات، والصنف الآخر من يستلمون كتب أعمالهم بشمائلهم؛ وهذا الصنف هم الخاسرون الذين يتمنَّون لو أنهم استلموا كتب أعمالهم بأيمانهم؛ وقد وصف الله حال هذين الفريقين في قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19 - 29]، وتزداد حسرة هؤلاء الخاسرين، عندما يجدون كتاب أعمالهم قد أحصى كلَّ صغيرة وكبيرة من أعمالهم التي عمِلوها في دنياهم، ويعلمون يقينًا أن الله ما ظلمهم نقيرًا ولا قطميرًا؛ وصدق الله القائل: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].

 

وإذا حاول هؤلاء الأشقياء إنكارَ شيء مما وجدوه في كتب أعمالهم، يخرج لهم كتابُ أعمالهم؛ ليقرؤوا كل ما عملوا من أعمالهم، وتُعاد لهم أعمالهم التي عملوها بصوتهم وبصورهم، في اللحظة التي عملوا فيها تلك الأعمال؛ لتقوم عليهم الحُجة، وتنقطع عنهم أعذارهم، وليكون عليهم من أنفسهم شاهدٌ ومحاسبٌ؛ قال تعالى: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ﴾ [الإسراء: 13]، هذه أمنية ثانية من أمنيات الخاسرين يوم الحسرات، وأنى لهم تحقيقها؟ وقد ذهبت عنهم الدنيا، وانقطع زمن العمل.

 

أيها المؤمنون: ومن أمنيات الخاسرين في يوم الحسرات أمنيتهم لو أنهم يتحولون إلى تراب في يوم الحسرات، ويتمنون هذه الأمنية عندما يقضي الله بين البهائم يوم القيامة، فيقتص الله من الشاة الظالمة للشاة المظلومة، ثم يقول لها: كوني ترابًا، وعندما يرى الخاسرون هذه النهايةَ لهذه البهائم، يتمنون في ذلك اليوم لو أنهم يصيرون ترابًا مثلها، ولا يقفون للحساب بين يدي الله، وخاصة إذا علِموا أن مصيرهم سيكون إلى نار جهنم؛ وقد ذكر الله أمنيتهم هذه في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ [النبأ: 40]؛ قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "إن هذه الآية نزلت في قوم كانوا يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون: أين هذا العذاب الذي تُهددنا به؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية لتأكيد أن العذاب قريب الحدوث؛ ثم قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ [النبأ: 40]؛ أي: يوم يرى الإنسان ما عمِل من خيرٍ أو شرٍّ، فيرى أعماله التي قدمها في الدنيا، ﴿ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ [النبأ: 40]؛ أي: يتمنى الكافر يوم القيامة أنه لو كان ترابًا، ولا يُعذب في النار، ويتمنى ذلك لأنه يرى العذاب الشديد الذي يقع عليه، ويئس من الخلاص منه، فيتمنى أنه لو كان ترابًا، ولا يُعذَّب بهذا العذاب.

 

أسأل الله بمنِّه وكرمه أن يُوقظنا من غفلتنا، وأن يُعيننا على اغتنام ما بقيَ من أعمارنا في طاعته، قلت ما قد سمعتم، فاستغفروا الله، يا فوز المستغفرين!

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد أيها المؤمنون:

فمن أمنيات الخاسرين في يوم الحسرات أمنيتهم لو أن الله أعادهم إلى الدنيا لعمل الصالحات، ويتمنون هذه الأمنية عندما يُؤمر بهم إلى نار جهنم، وقبل دخولهم إليهم يقفون عليها، فيرَون ما فيها من الأهوال والعذاب الذي لا يُطاق؛ وقد أخبر الله تعالى عن أمنيتهم هذه في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنعام: 27].

 

وعندنا يدخلون نار جهنم، ويُقاسُون حرَّها وعذابها، وعندما تقلب وجوههم في النار، تكون أمنيتهم لو أنهم كانوا أطاعوا الله ورسوله في الدنيا، وتركوا طاعة ما سواهما؛ وقد ذكر الله أمنيتهم هذه في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴾ [الأحزاب: 64 - 67]، هؤلاء الكفرة يتذكرون وهم في نار جهنم أنَّ طاعتهم لساداتهم وكبرائهم، ولأحبارهم ولرهبانهم في الدنيا، هي التي حالت بينهم وبين طاعتهم لله تعالى ولرسوله، وعندما يستقر بهم المقام في نار جهنم، يتبرؤون من ساداتهم وكبرائهم، ويلعنونهم لعنًا كبيرًا، ويدعون عليهم بأن يضاعف الله لهم العذاب في نار جهنم، فها هُمُ اليوم يلعنونهم ويتمنون لهم عذابًا مضاعفًا، فيدعون عليهم قائلين: ﴿ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 68]، ويندمون على طاعتهم من دون الله في وقتٍ لا ينفع فيه الندم، ولا تنفع فيه الأمنيات.

 

أيها المؤمنون: ومن أمنيات الخاسرين في يوم الحسرات أمنيتهم لو أنهم ما صاحبوا جُلساء السوء في الدنيا؛ لأنهم زيَّنوا لهم الباطل، وأوقعوهم في الغواية والضلالة، لقد كان رفقاء السوء سببًا في إعراضهم عن ربهم، عند ذلك يتبرؤون منهم، ويَعَضُّون أصابع الندم، في وقتٍ لا ينفع فيه الندم؛ وقد ذكر الله حال هؤلاء الأشقياء وأمنيتهم في قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 - 29]، فلا تكفي الواحدَ منهم يدٌ واحدة يعَضُّها، فيجمع كلتا يديه فيعضهما معًا؛ لشدة ما يعانيه من الندم، لقد بلغت حسرته منتهاها، ولو أنهم تبرؤوا منهم في الدنيا، لنفعهم ذلك في يوم الحسرات.

 

أيها المؤمنون: ومن أمنيات الخاسرين في يوم الحسرات أمنيتهم لو أنهم نالوا جهادًا في سبيل الله في الدنيا، واصطفاهم الله شهداء في سبيله، ويتمنون هذه الأمنية عندما يرَون المنازلَ العالية التي أكرم الله بها الشهداء في سبيله؛ جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة مائةَ درجةٍ، أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض...))، وهذه الأمنية كرهها كثيرٌ من المسلمين في حياتهم الدنيا؛ وذلك لأنها شاقة عليهم، ولأن فيها تَزهق الأنفس، ويتيتَّم الأبناء، وترمَّل النساء، فلا يُقدم عليها إلا مؤمن صادق في إيمانه، باع نفسه لله وابتغاء ما عنده سبحانه وتعالى؛ لهذا استحقوا الفوز العظيم في الآخرة، بأن نالوا مرتبة الشهداء في الجنة، وهي مرتبة بعد مرتبة الأنبياء والصِّدِّيقين، ونعمتِ الرفقة في جنات النعيم؛ وصدق الله القائل: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].

 

وعندما يُشاهد المُتقاعسون عن الجهاد في سبيل الله في الدنيا ما أعدَّه الله للشهداء من درجات عالية في الجنة، تكون أمنيتهم لو أنهم كانوا من المجاهدين في سبيل الله، ونالوا مرتبة الشهادة؛ وتكون أمنيتهم كما قال الله تعالى حكايةً عنهم: ﴿ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 73].

 

وهذه الدرجة نحسب أن الله تعالى سيُكرم بها شهداء المسلمين في أرض فلسطين، الذين جاهدوا الصهاينة المحتلين للمسجد الأقصى مسرى نبيهم، وأول قِبلة للمسلمين لمدة عامين كاملين، وقد تلقَّوا في سبيل الله أنواعًا من القتل والتدمير والتنكيل من قِبل جيش الاحتلال الصهيوني، كما لا يخفى على كل متابع لأخبارهم عبر وسائل الإعلام، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، فنسأل الله تعالى أن يتقبل شهداءهم، وأن يحقق أمنياتهم بأن يرفع درجاتهم في الجنة مع النبيين والصديقين، وحسن أولئك رفيقًا؛ إنه سميع مجيب.

 

أيها المؤمنون: دونكم هذه الأمنياتِ المستحيلة في يوم الحسرات في الآخرة، وبإمكانكم تحقيقها في دنياكم، فاغتنموا ما بقيَ من أعماركم في طاعة الله ورسوله، واملؤوا صحائف أعمالكم بما تسركم رؤيتُه في آخرتكم، وصاحِبوا الأخيار من عباد الله الصالحين، وجاهدوا في الله حق جهاده؛ تنجوا من الندامة في يوم الحسرات.

 

أسأل الله بمنِّه وكرمه أن يُحقق أمنياتنا وإياكم في الدنيا والآخرة، وأن يُجيرنا وإياكم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة؛ إنه سميع مجيب.

 

هذا، وصلوا وسلموا - رعاكم الله - على محمد بن عبدالله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشرًا)).

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر، وعثمان وعليٍّ، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين.

 

اللهم بارك لمن حضر معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفَّقًا مسدَّدًا أينما حلَّ أو ارتحل، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتُّقى، والعَفاف والغِنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وقوموا إلى صلاتكم، يرحمكم الله.





حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعةأرسل إلى صديقتعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المغضوب عليهم (خطبة)
  • موت الفجأة (خطبة)
  • المشتاقون إلى لقاء الله (خطبة)
  • اغتنموا أوقاتكم.. (خطبة)
  • بادروا إلى الأعمال الصالحة (خطبة)
  • الآمنون يوم الفزع الأكبر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • رحلة على مركب الأمنيات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنت الآن في الأمنية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التربية الإسلامية للأولاد: أمانة ومسؤولية شرعية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أمنيات الموتى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أمنيات متأخرة: وقفات مع مجموعة آيات نستلهم منها الدروس والعبر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أمنيات مستحيلة(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • أمنيات الموتى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أمنيات كثيرة وأفكار مشتتة(استشارة - الاستشارات)
  • أمنيات الفتيات(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • أمنية الصحابة (رضي الله عنهم)... رفقة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) في الجنة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة قرآنية في سراييفو تجمع حفاظ البوسنة حول جمال العيش بالقرآن
  • سلسلة ورش قرآنية جديدة لتعزيز فهم القرآن في حياة الشباب
  • أمسية إسلامية تعزز قيم الإيمان والأخوة في مدينة كورتشا
  • بعد سنوات من المطالبات... اعتماد إنشاء مقبرة إسلامية في كارابانشيل
  • ندوة متخصصة حول الزكاة تجمع أئمة مدينة توزلا
  • الموسم الرابع من برنامج المحاضرات العلمية في مساجد سراييفو
  • زغرب تستضيف المؤتمر الرابع عشر للشباب المسلم في كرواتيا
  • نابريجني تشلني تستضيف المسابقة المفتوحة لتلاوة القرآن للأطفال في دورتها الـ27

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/7/1447هـ - الساعة: 8:21
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب