• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تقوية القول في تفسير الآية بعدم نقل بعض المفسرين ...
    الشيخ عايد بن محمد التميمي
  •  
    القرآن واللغة العربية والحفاظ على الهوية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    آهات الندم (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    بين المحكم والمتشابه - تأصيل قرآني لاجتهاد ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    فقد حبط عمله.. (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    من مائدة التفسير: سورة التكاثر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    صفة العينين
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    شموع (115)
    أ. د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    خطوات عملية تكون سببا في الثبات على ما كان السلف ...
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    جمال الإحسان إلى الجيران (خطبة)
    السيد مراد سلامة
  •  
    المحرومون من الهداية
    د. جمال يوسف الهميلي
  •  
    الفرع الثامن: ما يستثنى جواز لبسه من الحرير من ...
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    علامات صحة القلب وسعادته
    إبراهيم الدميجي
  •  
    تخلق بأخلاق نبيك (صلى الله عليه وسلم)... تكن ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    ادعوا الله بصالح أعمالكم وأخلصها (خطبة)
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    مواطن القرب من الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

آهات الندم (خطبة)

آهات الندم (خطبة)
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/12/2025 ميلادي - 23/6/1447 هجري

الزيارات: 17

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

آهات الندم

الحمد لله الذي وَسِعَ كلَّ شيء رحمةً وعلمًا، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، من اتَّبع هداه فلا يندَم ولا يَضِلُّ ولا يَشقى، ومن أعرَض عن ذِكْره فإنَّ له معيشة ضنكًا، ويُحشَرُ يومَ القيامةِ أعمى، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، المبعوث بالرحمة والهدى، صلى الله وسلم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه، ومَنْ سار على نهجهم واقتفى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أهمية الحديث عن الندم:

أيها المسلمون، تتكرر في حياتنا مشاهدُ يومية، رجل خرج من بيته فضاع منه مالٌ في الطريق، فندِم على ضياع هذا المال منه، وآخر سار بسيارته في طريق، فأُصيب بحادث، فندِم لأنه لم يسلك طريقًا آخر، وطالِب ندم على اختبار لم ينجَح فيه، وآخر قيل له: اهتمَّ بولدك، فلم يستمع لكلام الناصحين، حتى وقع ولدُه في جريمة، فندم على أنه لم يستمع لكلام الناصحين، وهكذا، مشاهد كثيرة يندم الناس فيها على أمور جرت، وعلى أخطاء حصَلت، وعلى أموال ضاعت ونحوها.

 

فالندم شعور إنسانيٌّ له أسباب عديدة، إما فعلُ ما يَستوجب الندم، أو فَوات ما يستوجب الندم، والشعور بالندم له مرارةٌ وغُصَّة لا ينساها مَن يتجرَّعها، وأشد أنواع الندم هو ما يكون على التقصير في حق الله تعالى، وفوات رحمته، ويقال: "الندم لا يعني تغيير الماضي، بقدر ما يعني تحسين المستقبل".

القرآن والسنة يُحدِّثاننا عن الندم:

أيها المسلمون، لقد تعدَّدت صور الندم في القرآن الكريم والسنة بين إسرار الندامة وإظهارها؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ [يونس: 54]، ندِموا على ما قدَّموا، ولات حينَ مناص، ويقول الله تعالى: ﴿ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [الشورى: 44]؛ قال السعدي رحمه الله: يُظهرون الندم العظيم والحزن على ما سلف منهم.

 

ويقول الله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم: 39]؛ قال الشنقيطي الحسرة: أشدُّ الندم والتلف على الشيء الذي فات، ولا يمكن تداركه، ويقول الله عن نظر الكفار إلى الحياة الدنيا والموت حينما تنكشف الحقيقة؛ قال الله عن الكافرين: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ * قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾[المؤمنون: 37 - 41].

 

وفي السنة النبوية عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفارةُ الذَّنبِ النَّدامةُ، ولو لم تُذنِبوا لأتَى اللهُ بقومٍ يُذنِبونَ لِيغفِرَ لهم)؛ رواه أحمد، وقال الأرنؤوط: حسن لغيره.

الحياة التي يجب أن نحياها بلا ندم:

أيها المسلمون، إن الحياة ليست إلا نهرًا جاريًا لا يتوقف ولا يعود، لحظاتها تمرُّ كأنفاسٍ متسارعة، تتلاشى بين أيدينا بينما ننشغل بانتظار الوقت المناسب، أو اللحظة الكاملة التي قد لا تأتي أبدًا، لكن سرَّ الحياة يكمُن في فَهْم أن كمالها ليس في خلوِّها من النقص، بل في امتلاك الشجاعة لعيشها كما هي، بكل عَثراتها وبهائها، فهل يمكن أن نعيش في هذه الحياة بلا ندم؟ وهذا سؤال عميق لمن تفكَّر فيه، وللإجابة عليه لابد أن نعلم أصول الندم الأربعة وهي:

أولًا: تضييعُ الأموال والأوقات:

صُور ضياع المال كثيرةٌ لا عددَ لها ولا حصْرَ، ومنها: الانغماس في الملذات التافهة، والرَّكْض وراء الرَّغبَات الفائتة، مما يجانبُه الشَّرفُ، ولا يخلوْ منه السَّرفُ، ومنها: تقديمُ المال إلى من لا يستحقُّه بِلُؤمِهِ، أو حسدِهِ أو دناءتِهِ، أو غيرِ ذلك مما يكون مُكدِّرًا، أو باعثًا على النَّدم كلَّما جدَّ له سببٌ.

 

وتضييعُ الأوقاتِ يُفوِّتك كلَّ فرصةٍ ثمينةٍ قد تنال بها لقبًا أو نجاحًا أو مُلْكًا، ثم يُعرِّضُك للنَّدم ذليلًا.

ثانيًا: عدمُ القيامِ بالواجبات وعدمُ أداء الحقوق، أو التَّقصيرُ فيهما:

أعظم الواجبات هي الواجبات الإلهية التي هي حقُّ الله؛ من توحيد وإيمان وصلاة، وصيام وزكاة وإحسانٍ، وإيمان بجنة ونارٍ وحسابٍ وعذابٍ، فإن قصَّر في هذا الحق عاش بالندم والضنك في الدنيا، والحسرة في الآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].

 

أو عدمُ أداء الحقوق البشريَّة، فإنَّ ذلك جالبٌ للتوتُّرِ وطاردٌ للسعادة؛ لأنه يربي الإنسان على الأنانية وحب الذات، وأحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وفي الحديثِ عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يُدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا)؛ السلسلة الصحيحة.

ثالثًا: التدخلُ فيما لا يعني:

منْ دخَل فيما لا يعنيه طال ندمُه، واتَّصل هَمُّه، وغاب فرحُه، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ)؛ ابن ماجه؛ حسن.

رابعًا: عدمُ وجودِ هدفٍ حياتي سامٍ يُسعى إليه، أو التقصيرُ في تحصيلِه:

الهدف هاديك إلى غايتك، وكاشِفٌ عن سُمُوِّكَ، وباعثُك على التشميرِ، ومُعرِّفُك بحقيقتِك، وبه تَقدِر أن تَقيس نفسك بنفسك، ومِن دون الهدف يستحيل الرِّضا عن المستوى، ويأتي الضياعُ بحذافيرِه، ثم يكون الندم بعد ذلك! فإذا انتبهت لهذه الأصول الأربعة عشت بلا ندمٍ، وخذ هذه الكلمات هَديةً مني إليك؛ لتعيش بلا ندمٍ في هذه الحياة:

افتَح قلبك للفُرص مهما بدت صغيرة، وواجِه خوفَك من الخسارة بشجاعة العطاء، وقدِّر قيمة اللحظة الحاضرة، واخلُق من كل يومٍ قصةً، ومن كل علاقة معنًى، ومن كل خُطوة على الطريق بصمةً لا تُنسى، لا تَنتظر الغد لتعمل، أو لتبني، الغد ليس وعدًا، لكنه احتمالية قد تتحقق أو لا، عِش اليوم بكل ما فيه، وامنَح نفسك الحرية لتُخطئ وتتعلم، لتُعطي وتقبَل، لتَسقُط وتَنهَض؛ لأن الحياة بلا ندم ليست حياة خالية من الألم، لكنها حياة نواجه فيها الألم بشجاعة، ننظر فيها إلى الوراء ليس بحسرةٍ، بل بفخرٍ على المحاولة، وعلى الاختيارات التي صنعت ما نحن عليه، عِش الآن، عِش الحياة بصدقٍ، لأن الزمن لا ينتظر أحدًا، لكنك تستطيع أن تترك فيه أثرًا لا يُمحى.

 

ولا يعني أن تعيش في الحياة بلا ندمٍ ألا تنظر إلى عواقب الأشياء ومآلاتها؛ لأن من خصائص الرسالة الإسلامية النظر في عواقب الأمور ومآلاتها، فالنظر في المآلات معتبَر ومقصود شرعًا، ومن صفات العقلاء، فالقرارات الحكيمة والمواقف المصيبة هي التي تُبنَى على رويَّة تامة، ورؤية ثاقبة، واعتبار لمآلاتها وعواقبها، ولذلك كان مما جاء في دعاء الاستخارة قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري:(اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي)، فالمؤمن لا يضع قدمهُ إلا في موضع صلب، ولا يُقدم إلا عند وضوح الرؤية، وينظر دائمًا أمامه، ويُبصر عاقبة ما يُقدم عليه.

حقيقة آهات الندم:

أيها المسلمون، إذا كان الإنسان يستطيع أن يعيش في هذه الحياة بلا ندمٍ، فهناك من يعيش ويموت بآهات الندم والتحسُّر، وكلمات التمني والرجاء، عند الموت ويوم الحساب، وتطايُر الصحف والميزان والصراط، ليست لأجل دنيا أو شهوة نفسٍ، أو منصب أو مُلك، ولا على أولاد وزوجة وأم وأب، ولا على ابن وبنت وأخ وصديق، ولكنه ندم على توحيد ضيَّعوه؛ قال تعالى: ﴿ وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾ [الكهف: 42]، وطاعة لله ورسوله فرَّطوا بها، فيقولون: ﴿ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴾ [الأحزاب: 66]، ويندمون على أعمار ضيِّعت، ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، ويندمون على دماء سفَكوها، ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ [المائدة: 30، 31]، ويَندَمون على ظلم حملوه من مالٍ أو دمٍ أو عرضٍ، ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه: 111]، وقال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [يونس: 54].

 

وآهات الندم على اتخاذ الصحبة السيئة؛ قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ [الفرقان: 27، 28]، وآهات الندم على موالاة الكافرين والمنافقين والظالمين؛ قال تعالى: ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ [المائدة: 52].

 

وآهات الندم من الاتباع لقادتهم المجرمين؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [سبأ: 33].

 

وآهات الندم على التسرع في الحكم على المواقف والأشخاص دون بيِّنة أو بُرهانٍ؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]؛فحذاري من أذية بلسانك، أو بما يَخطُّه قلمُك، ويَكتُبه بنانُك على جهازك وجوَّالك، فلا تَلقى الله يوم القيامة وفي ذمتك وصحيفة أعمالك أعراضٌ أو حقوقٌ، أو دماء أو أَمْوَال.

 

وأعظم آهات الندم أن تَعرِف أنك كنتَ على باطلٍ حينما تَنكشف السرائر؛ قال الله تعالى:﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [الأنعام: 30، 31]، وقال الله عز وجل: ﴿ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ [يونس: 54].

 

أيها الأحبة، لقد وجَّهنا ربُّنا إلى اتباع أحسن ما أنزَل من الهدى قبل نزول العذاب، ثم الندامة والحسرة في وقت لا ينفَع معه الندم والتحسرُ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الزمر: 55، 58].

الندم بين الإيجابية والسلبية:

أيها المسلمون، الندم شعور مزدوج؛ سلبي لأنه قد يسبِّب مشاعرَ مؤلمة كالذنب والحزن، وإيجابي لأنه يمكن أن يكون دافعًا للتعلم والتغيير، وتحسين القرارات المستقبلية يتوقف على التحول من الندم السلبي إلى الإيجابي، فالندم الإيجابي هو الشرارة الأولى في التغيير الإيجابي نحو التوبة، فعنابنمَسعود رَضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: (النَّدمُ توبَةٌ)؛ صحيح ابن ماجه.

 

وبهذا المعنى يُصبح الندم شرطًا ضروريًّا للعودة إلى الصراط المستقيم، فهو ذلك الألم الذي ينبِّه القلب الحي إلى أنه قد حاد عن فِطرته السليمة، وعن أمر خالقه، ومن ثم فالقدرة على الشعور بالندم على الزَّلل، هي علامة صحة رُوحية، تمامًا كقدرة الجسد على الشعور بالألم كإنذار بالخطر، ومن هذا المنظور فالندم هو صوت الحق في داخل الإنسان، وهو القوة التي تحفِّزه على مراجعة حساباته، وتقويم سلوكه، وبناء عزيمة أقوى للمستقبل، إنه آلية ربانية تحوِّل الخطأ من نهاية مأساوية إلى بداية واعية، وتجعل من الانكسار سبيلًا إلى معرفة الجبَّار سبحانه وتعالى، فيكون الندم هنا إيجابيًّا.

 

وعلى النقيض تمامًا من الإيجابية، فقد يتحول الندم إلى عبء مدمِّر حين يخطئ وجهته ويجاوز حدَّه، يحدث ذلك عندما يتوقف الندم عن كونه دافعًا للتغيير والتوبة والإيجابية، ويصبح حالة من اجترار الماضي ولوم الذات، هنا ينتقل من كونه "ندم توبة" إلى "يأس وقنوط"، وهو ما حذَّر منه القرآن أشدَّ التحذير؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

 

فاليأس من رحمة الله هو الوجه المظلم للندم؛ حيث ينسى الإنسان سعةَ مغفرة الخالق، ويركِّز على فداحة خطئه، فيتحوَّل شعوره من حياء من الله إلى سخط على الذات قد يصل إلى سخطٍ على الأقدار، هذا النوع من الندم يُصبح سجنًا يَعزِل الإنسان عن حاضره، ويَسرِق منه أملَ مستقبله، ويجعله عاجزًا عن أداء واجبات وقته.

 

إذًا الفيصل في تحديد طبيعة الندم ليس الشعور ذاته، بل ثمرته، هو نعمة ما دام جسرًا نعبُر به من ضفة الخطأ إلى ضفة الإصلاح، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الجهل إلى العلم، ومن الكسل إلى العمل، ومن الإكراهٍ إلى الحب، ومن التقصير إلى الاستقامة، وهو عبء ما أن استقرَّ الإنسان على هذا الجسر، وبنى عليه بيتًا من الأحزان، فلا هو عاد إلى ما كان عليه، ولا هو أكمَل طريقه إلى وجهته الجديدة، فالندم قيمتُه تَكمُن في كونه حالةً مؤقتة دافعة، لا مقامًا دائمًا ومقعدًا نَستريح عليه وننام، فإن أدَّى إلى عملٍ ورجاء فهو رحمة، وإن أدَّى إلى شللٍ ويأس وقنوطٍ وضعف، فهو نِقمة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ساعات الندم (2)
  • من أقوال السلف في الندم
  • الندم حين لا ينفع الندم
  • الاستخارة والندم والنفس اللوامة

مختارات من الشبكة

  • فقد حبط عمله.. (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جمال الإحسان إلى الجيران (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ادعوا الله بصالح أعمالكم وأخلصها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مواطن القرب من الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اغتنموا أوقاتكم.. (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوصف الشجي لصبر الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحياة الطيبة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة بعدما حجوا وضحوا(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • فضائل الورع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: العبرة من الحوادث وسرعة الفناء(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دورة علمية في مودريتشا تعزز الوعي الإسلامي والنفسي لدى الشباب
  • مبادرة إسلامية خيرية في مدينة برمنغهام الأمريكية تجهز 42 ألف وجبة للمحتاجين
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان
  • فاريش تستضيف ندوة نسائية بعنوان: "طريق الفتنة - الإيمان سندا وأملا وقوة"
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/6/1447هـ - الساعة: 11:11
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب