• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حقوق المطلقات
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    بيان حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على العمل بكل ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أقسام القلوب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    بين حمدين تبدأ الحياة وتنتهي (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    وقفات تربوية مع سورة الفلق
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    سر الإلحاح في الدعاء
    د. مصطفى طاهر رضوان
  •  
    صفة الرحمة
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    حديث: المطلقة ثلاثا: ليس لها سكنى ولا نفقة
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    الفرع الرابع: أحكام طارئة متعلقة بالعورة (من ...
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: استحالة استمرار ...
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    من مائدة التفسير: سورة القارعة
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    وقفات مع حديث جامع لآفات النفس (خلاصة خطبة جمعة)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    العدل في الرضا والغضب (خطبة)
    سعد محسن الشمري
  •  
    خطبة: ليس منا (الجزء الأول)
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    شموع (114)
    أ. د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    مختارات من كتاب الباعث الحثيث في مصطلح الحديث
    مجاهد أحمد قايد دومه
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

حقوق المطلقات

حقوق المطلقات
د. أمير بن محمد المدري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/11/2025 ميلادي - 2/6/1447 هجري

الزيارات: 135

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حقوق المطلقات

 

الحمد لله الحكم الحق المبين؛ قسم الأرزاق وقدر الآجال، وجعل النساء سكنا للرجال، وفطر كل جنس منهما على الميل للجنس الآخر، ووثق العلاقة بينهما بميثاق غليظ، نحمده على ما هدانا وكفانا، ونشكره على ما أعطانا وأولانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ دلنا على ما يرضيه، وشرع لنا من الأحكام ما يرتضيه، وعلق فلاحنا في الدنيا والآخرة على التزام شرعه ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ [البقرة: 138].

 

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بعثه الله تعالى رحمة لعباده، فجاء بدين الرحمة، وأمر الناس بالتراحم فيما بينهم، وحرج حق الضعيفين المرأة واليتيم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فإن لله تعالى حقوقا عليكم، وللخلق حقوقا وجبت بإيجاب الله تعالى لها، فمن فرط فيها وجد خصومه يوم القيامة ينتظرون القصاص، ويتقاضونه من الحسنات والسيئات، "فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار" [صحيح مسلم: كتاب البر (2581) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].

 

أيها الناس: حين شرع الله تعالى الزواج أراد سبحانه أن يتمم به سعادة البشر، ويستمر به النسل، فيعيش الأزواج والزوجات والأولاد في مودة ورحمة ووئام واستقرار.

حقوق المطلقات

وقد تتعكر الحياة الزوجية بمشكلات يمكن حلها فتحل وتكون ملحا يعطي للأسرة نكهتها، وتجديدا يكسر رتابتها، ويطرد مللها، ويجدد العلاقة بين الزوجين، ويحس كل واحد منهما بحاجته إلى الآخر.

 

وقد تكون المشكلة بين الزوجين معضلة لا تحتمل، ومزمنة لا تنتهي، ككراهية أحد الزوجين للآخر، وحينئذ شرع الله تعالى الطلاق؛ لأن استمرار الحياة الزوجية والحالة هذه سيرجع على الزوجين بالشقاء، ويقلب البيت إلى جحيم لا يطاق. وحين حرم رهبان النصارى الطلاق فشت الفواحش في الأزواج والزوجات، وعزف الشباب والفتيات عن الزواج؛ إذ كيف يوثق الإنسان نفسه برباط لا فكاك له منه.

 

إن الله تعالى شرع الطلاق كما شرع النكاح، فلعل في التحلل من زواج لم يكتب له الاستمرار أن تجد المرأة خيرا من طليقها، ولعل الرجل يجد خيرا من طليقته، فيعيش كل واحد منها حياة جديدة سعيدة: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 130].

 

ولأن عصمة النكاح بيد الرجل، وهو الذي يملك الطلاق، وهو أقدر من المرأة على الفراق؛ شرع الله تعالى للمطلقة حقوقا تجبر كسر قلبها، وتكمل نقصها، وتطيب خاطرها؛ فإن ضرر المرأة بالطلاق أكثر من ضرر الرجل. وهي حقوق على المطَلِّق، وحقوق على أهل المطلَّقة، وحقوق على جماعة المسلمين تجاه المطلقات.

 

حفظ حقوقها:

فحق على من طلق زوجته أن يحفظ لها حقوقها التي أعطاها الله تعالى إياها، وأن لا يجعل حقوقها سلاحا يبتزها به، أو طريقا إلى الانتقام منها؛ لأن الله تعالى لم يجعل الطلاق في أيدي الأزواج يلوحون به لإخافة زوجاتهم، أو ابتزازهن، أو سلبهن حقوقهن، ولم يشرعه سبحانه سلاحا للانتقام من الزوجة، وإنما شرعه الله تعالى للتحلل من زواج بدا ضرره على الزوجين وأولادهما أكبر من نفعه.

 

عدم الضجر منها وتشجيعها على الزواج:

وحقٌّ على أهل المطلقة أن لا يضجروا من ابنتهم حينما تعود إليهم - ولا سيما إذا لم تكن سببا للطلاق - فيجعلون كربها كربين، ويحملونها همين، بل عليهم أن يظهروا الفرح بها كما كانت قبل زواجها.

 

وواجب على المجتمع أن يزيل شعور المطلقة بأنها فاشلة أو ناقصة أو لا تصلح زوجة، بل يشجعها على الزواج مرة أخرى، ولو كانت زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة، فنصف زوج وثلثه وربعه خير لها من بقائها بلا زوج؛ فإن العزوبة ليست من دين الإسلام كما قال الإمام أحمد رحمه الله.

 

وما جاءت ثقافة عزوف المطلقات عن الزواج إلا من المسلسلات الهابطة، والقنوات الماجنة، والثقافة المنحرفة التي تشربت بأفكار الغرب، وإلا فإن الصحابيات رضي الله عنهن ترملن وطلقن وتزوجن أكثر من مرة، وأسماء بنت عميس رضي الله عنها تزوجت جعفرا ثم أبا بكر ثم عليا رضي الله عنهم أجمعين.

 

وما خاف المطلقات من القبول بمعددي الزوجات إلا بسبب ظلم كثير من المعددين لزوجاتهم؛ فإما مال إلى الثانية لأنها جديدة أو أصغر أو أجمل، وأهمل الأولى وأولادها، وإما مال إلى الأولى لأنها أم أولاده أو قريبة له.

 

ولا يمنعن مطلقة الزواج برجل متزوج خوفا من دعاء زوجته الأولى عليها؛ فإنه دعاء بإثم فلا يستجاب، فمن حق الرجل أن يعدد، ومن حق المطلقة أن تتزوج، ولو أن كل متزوجة تشبثت بزوجها فحبسته عن التعدد فمن إذن للمطلقات والمترملات والعوانس؟!

 

وكون المرأة تكره الزواج عليها وتتأثر به فذلك من جبلتها، ولا تُلام عليه، ولكن يلام على ذلك مطلقات وأرامل وعوانس يخطبهن معددون فيرفضن بحجج واهية ليست من شرع الله تعالى في شيء، حتى تمضي أعمارهن ولما يتزوجن.

 

رفع الظلم عنها:

كما يجب على جماعة المسلمين أن يرفعوا الظلم عن المطلقات إن وقع عليهن ظلم؛ فقرابة المطلق الظالم لطليقته يعظونه، وينكرون عليه، ولا يتركونه حتى ينصفها، وأولياء المطلقة يترافعون عنها لاستخراج حقوقها، وأما أن تترك المطلقة لهمومها وأحزانها، وتسلب حقوقها، وترمى كما يرمى المتاع فذلك ظلم لا يرضاه الله تعالى، وحري بعقوبة عاجلة مجتمع تظلم فيه المطلقات فلا يُنصفن، ولا يُنتصر لهن.

 

عناية القرآن بالمطلقات:

وحين يتأمل المؤمن كتاب الله تعالى يجد فيه عناية بالغة بالمطلقات وحقوقهن؛ ففي سورة البقرة آيات في معالجة الفراق بين الزوجين وأحكامه وأنواعه، ثم خص سبحانه النساء بسورة في القرآن دون الرجال، وبث في سورتهن شيئا من أحكام النكاح والطلاق، ثم خص الطلاق بسورة سميت به، ذكر سبحانه فيها أحكام الطلاق والرجعة وأنواع العدة، وحقوق المطلقة.

 

وفي سورتي البقرة والطلاق عولجت مشكلة أولاد الطليقين، في حضانتهم ورضاعتهم والإنفاق عليهم، وهذا يدل على عناية الشارع الحكيم تبارك وتعالى بالزواج وبناء الأسرة، وبالطلاق وأحكامه، حتى تحفظ الحقوق، ويرفع الظلم.. ولو فقه الناس ما في هذه السور من أحكام الفراق، وأدركوا أهمية ذلك عند الله تعالى؛ لكان النكاح يسيرا، والطلاق يسيرا؛ ولحفظت الحقوق، واستقامت الأسر، وقضي على الشقاق والنزاع؛ ولعاش أولاد المطلقين والمطلقات في أجواء هادئة بعيدة عن الشحن النفسي والعداوة والبغضاء؛ ولما غصت المحاكم بمشاكل الأزواج والزوجات والمعلقات والمطلقات.

 

إن الله تعالى فصل في أحكام الطلاق تفصيلا يقضي على النزاع، ولكن الناس بجهلهم يجترئون على الله تعالى، ويعطلون حدوده، ولا يأبهون بأحكامه في الطلاق، فيحدث النزاع والشقاق حتى يصار إلى الشرط والقضاء.. فما أعظم جناية الناس على أحكام الطلاق، وما أشد جرأتهم على الله تعالى.. وفي أول آية من سورة الطلاق قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾[الطَّلاق: 1] وكُرر ذكر التقوى في ثلاثة مواضع من السورة، كل هذه المواضع تعالج مشكلة الطلاق وتبين أحكامه.

 

ولو اتقى المطلقون ربهم في طليقاتهم لما وقع النزاع، ولما صير إلى المحاكم، ولما سلبت حقوق المطلقات، ولما تقاطعت الأسر وتشتت الأولاد، ولكنه الجهل بالله تعالى، والجهل بعظم الجناية، وفداحة الجرم، وضعف الإيمان، وضعف التقوى، وإجلاب الشيطان على كثير من الرجال، وإلا فمن اتقى راعى حدود الله تعالى فلا يتعداها.

 

وفي خلال آيات الطلاق يقول سبحانه: ﴿ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [الطلاق: 2] وفي سورة البقرة مثلها وهي أيضا في آيات الطلاق، وفي أخريات آيات الطلاق من سورة الطلاق يقول الله ﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ﴾ [الطلاق: 5] سبحانه فهذه الأحكام في الطلاق هي أوامر الله تعالى إلى من يطلقون زوجاتهم فعليهم تعلمها ومعرفتها، والعمل بها، والسؤال عما أشكل عليهم منها لئلا يقعوا في الظلم وهم لا يعلمون، فإذا لم يفعلوا ذلك فإنهم لم يأخذوا بموعظة الله تعالى لهم، ولم يعملوا بأمره، ولم يلتزموا حدوده. ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1].

 

في آيات الطلاق من سورة البقرة مواعظ تلين منها الجبال الصلاب، وتتأثر بها القلوب لو ذكرت بها فوعتها.

 

ذكر الله تعالى عَدَد الطلاق، وحقوق المرأة المالية، وأنه لا يحل للرجل أن يسلبها حقها ثم ختم الآية بقوله سبحانه: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].

 

ياله من زجر وتخويف يجب على كل مطلق أن يضعه نصب عينيه؛ لئلا يتعدى حدود الله فيكون من الظالمين. ويليها مباشرة قول الله تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 230].

 

يحرم الإضرار بها:

وبعد هذه الآيات والمواعظ يحرم الله تعالى الإضرار بالمرأة سواء بتعليقها، أو تطليقها ومراجعتها ولا رغبة له فيها، وإنما يريد التلاعب بها، واستفزاز أعصابها، وتدمير مشاعرها، وإطالة عدتها، وحبسها وهو لا يريدها فقال سبحانه ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ ﴾ [البقرة: 231] فأمر سبحانه بإمساك الزوجة بمعروف أو تسريحها بإحسان، ونهى عن الإضرار بها، وبين أنه ظلم، ونهى عن اتخاذ آياته هزوا بالتلاعب بأحكام الطلاق، أو التحايل لإسقاط حقوق المطلقات، وبين أن فاعل ذلك ظالم لنفسه، وأمر بتذكر نعمته سبحانه على المؤمنين بما أنزل من الآيات، وما فصّل من الأحكام، وذكر تعالى أن هذه الآيات موعظة لمن قبلها ووعاها، ثم أمر عز وجل بالتقوى، وأخبر سبحانه بأنه عليم بكل شيء، فهو عليم بتحايل المطلقين وكيدهم بالمطلقات للإضرار بهن، أو سلب حقوقهن. وكفى بهذه الزواجر المتعددة المتنوعة التي انتظمت في سياق واحد عظة للأزواج أن لا يضاروا زوجاتهم، وللمطلقين أن يحسنوا إلى طليقاتهم، وأن يوفوا لهن حقوقهن.

 

ثم بعدها بآيات وفي ذات السياق ذكّر الله تعالى المطلقين والمطلقات بما كان بينهم من العشرة والفضل أيام زواجهم فقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 237] وفي هذا إرشاد للمطلقين والمطلقات وأهلهما بطيِّ صفحة السيئات ولو كانت معتمة، وفتح صفحة الحسنات؛ فإن ذلك من الفراق بإحسان، فلا تعتلج الصدور بالكراهية، ولا تنطق الألسن بالبغي والغيبة والنميمة؛ فإن أثر ذلك يعود على الأولاد، فالمذكور بسوء أحد والديهم، ولا يرضى بشر سوي أن يذكر أحد والديه بسوء.

 

ثم يختم الله تعالى آيات الطلاق في سورة البقرة بقوله عز وجل: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 242].

 

والمطلوب من كل مطلق أو عازم على الطلاق أن يقرأ آيات الطلاق بتدبر، ويطالع تفسيرهن، ويتعلم أحكامهن، ويسأل عما له وما عليه؛ لئلا يقع في الظلم وهو لا يشعر، فيدمر حياة امرأة ضعيفة أوصى بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقابل إحسان أهلها له حين قبلوه زوجا لها بإساءته هو لهم حين يضطرهم إلى المحاكم لأخذ حقوق ابنتهم.

 

عليها نسيان الماضي:

وواجب على المطلقات أن ينسين الماضي، ويتفاءلن بمستقبل مشرق، ويقبلن الأكفاء إذا تقدموا لهن، ولا يتوجسن خيفة من الزواج مرة ثانية وثالثة وأكثر من ذلك.


الواجب على المجتمع:

وواجب على جماعة المسلمين أن يخففوا نسب الطلاق ببحث أسبابه وعلاجها كل بحسب طاقته ووسعه، وأن يحتووا المطلقات بالسعي في تزويجهن، وتذليل العقبات أمامهن، واستخراج حقوقهن، ورعاية أولادهن، وإلا انتشر الظلم والبغي الجالبان للعقوبات العاجلة والآجلة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ البَغْيِ وقَطِيعَةِ الرَّحِمِ"[1].

 

طلاق السنة:

وإذا أراد الرجل أن يطلق زوجته لتعذر العيش بينهما فيجب عليه أن يطلقها طلاق السنة؛ وذلك بأن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، وإن كانت حاملا طلقها أثناء حملها؛ لتنتهي عدتها بوضع جنينها. وللمطلقة حقوق يجب عليه أداؤها إليها.

 

البقاء في منزل من طلقها:

فمن حق المطلقة على طليقها: أن يبقيها في منزله بعد طلاقها؛ لأنها لا زالت زوجته ما دامت في العدة، وله مراجعتها؛ فتجب لها النفقة والسكنى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].

 

ففي العدة لا يجوز بُعدها عن بيت الزوجية وفراش الزوجية، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً من الحب بعد الكره، والرغبة في العودة بعد الطلاق. وقد نسب البيت لهن ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ﴾ [الطلاق: 1] مع أن البيت غالباً مِلْكُ الزوج، حتى تعيش المطلقة في راحة نفسية فلا تطلب الخروج منه، ولا تحس بأنها غريبة عنه، وهذا الإيناس للمرأة فيه حث على بقائها، ورجاء في عودة الحياة الزوجية إلى مجاريها. وفي أثناء عدتها تتفانى في خدمة زوجها ورضاه، وتتصنع له ما استطاعت، لعله يرجع عن فكرة الطلاق.

 

عدم مضايقتها:

ولا يحل لطليقها أن يضايقها حتى ينفرها من البيت فتخرج منه؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ﴾ [الطلاق: 6] أي: لا تضاروهن عند سكناهن بالقول أو الفعل، لأجل أن يمللن، فيخرجن من البيوت قبل تمام العدة، فتكونوا أنتم المخرجين لهن، وحاصل هذا أنه نهى عن إخراجهن، ونهاهن عن الخروج.

 

أما إِن سلكت المطلقة مسلك الفحش في القول أو في الفعل فلا حكمة من بقائها، وخروجها أفضل لها ولمطلقها؛ لئلا تستفزه فيرتكب حماقة في حقها. والزوجة الفاحش في قولها وفعلها لا حرص عليها، ولا خير في بقائها؛ ولذا قال سبحانه: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ [الطلاق: 1].

 

ثبوت النفقة والسكنى لها ما دامت في العدة:

ومن حقوق المطلقة: ثبوت النفقة والسكنى لها ما دامت في العدة؛ لأنها لا تزال زوجته، فيجب لها ما يجب للزوجة من النفقة والسكنى. وإذا بانت منه بانتهاء عدتها، أو بكون طلقتها الثالثة التي لا رجعة فيها، فلا نفقة لها ولا سكنى إلا أن تكون حاملا؛ لأن الحمل ولده فتجب عليه نفقته، ولا سبيل إلى الإنفاق عليه إلا بالإنفاق على أمه: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 6]. ولما بانت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها من زوجها وسألت عن نفقتها أفتاها النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَا نَفَقَةَ لَكِ إلّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا»[2].

 

الرضاعة على الرجل:

ومن عظمة الإسلام وإنصافه للمرأة: أن جعل الإرضاع بعد الطلاق على الرجل لا على المرأة، فيدفع للمطلقة أجرة إرضاعها لولده ولو كان ولدها؛ لأن إطعام الولد واجب على الرجل لا على المرأة، فترضع ولدها بأجرة: ﴿ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾ [الطلاق: 6].

 

أَيْ: إِنْ أَرْضَعْنَ أَوْلَادَكُمْ ﴿ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾عَلَى إِرْضَاعِهِنَّ ﴿ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ﴾والْخِطَابُ لِلزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِالْمَعْرُوفِ، وبِمَا هُوَ الْأَحْسَنُ، ولَا يَقْصِدُوا الضِّرَارَ. ﴿ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ ﴾ فِي الرَّضَاعِ والْأُجْرَةِ، فَأَبَى الزَّوْجُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْأَةَ رِضَاهَا، وأَبَتِ الْأُمُّ أَنْ تُرْضِعَهُ، فَلَيْسَ لَهُ إِكْرَاهُهَا عَلَى إِرْضَاعِهِ، ولَكِنَّهُ يَسْتَأْجِرُ لِلصَّبِيِّ مُرْضِعًا غَيْرَ أُمِّهِ، وذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾. وفي آية أخرى قال سبحانه: ﴿ وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ [البقرة: 233] أي: لا يحل أن تضار الوالدة بسبب ولدها، إما أن تمنع من إرضاعه، أو لا تعطى ما يجب لها من النفقة والكسوة، أو الأجرة ﴿ وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ [البقرة: 233] بأن تمتنع من إرضاعه على وجه المضارة له، أو تطلب زيادة عن الواجب، ونحو ذلك من أنواع الضرر. فأي دين أنصف المرأة غير الإسلام، بأن ترضع ولدها بعد طلاقها بأجرة يدفعها لها مطلقها، فإن لم ترضها أجرة الرضاع فلا يلزمها إرضاعه، ويلتمس أبوه مرضعة غيرها؟!

 

ترث طليقها إذا مات وهي في العدة:

ومن حقوق المطلقة: أنها ترث طليقها إذا مات وهي في العدة؛ لأنها لا زالت زوجته.

 

وكثير من الناس يحرمون المطلقة طلاقا رجعيا من إرثها وهو حق ثابت لها. والحامل على ذلك الجهل أو الهوى، والجهل ظنهم أن كل مطلقة لا ترث ولو كانت في العدة، ورفع الجهل بالعلم والسؤال. وأما الهوى فبالطمع في تركة الرجل، أو تنفيذ وصية الزوج بأن لا يورثوا طليقته، وهي وصية جور لا يحل تنفيذها ولا العمل بها؛ لأن حقها في الميراث ثابت بأمر الله تعالى، وهو أقوى وأوجب من وصية زوجها.

 

ولو طلقها في مرضه ليحرمها من الميراث فإنها ترثه ولو خرجت من عدتها، وبذلك قضى عثمان رضي الله عنه، ووافقه الصحابة رضي الله عنهم.

 

فصّل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أحكام الطلاق وحقوق المطلقة؛ ليعمل بهذه الأحكام المطلق ويسعى في حفظ حقوق المطلقة مطلقها وذووه وذوو المطلقة، وخص سبحانه الطلاق بسورة في القرآن؛ لأهمية أحكامه؛ ولإنصاف المرأة المطلقة وحفظ حقوقها؛ إذ يعرفها المطلق كلما قرأ سورتي البقرة والطلاق. ويلاحظ في سياق آيات الطلاق من السورتين الكريمتين كثرة التذكير بتقوى الله تعالى والتزام حدوده، وتكرار الوعظ مما يدل على أهمية هذا الموضوع، ودونكم جملا من ذلكم؛ ففي سورة البقرة وفي سياق آيات الطلاق: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229] ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 230]، ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 231].

 

﴿ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 232]، فحري بالمطلقين والمطلقات أن يقرؤوا هذه الآيات، ويعلموا ما فيها من المواعظ والأحكام؛ ليؤدي كل واحد منهم ما عليه من الحقوق، ولا يطلب أكثر من حقه فيقع في الظلم الذي لا يرضاه الله تعالى، وأن يجعلوا تقوى الله تعالى نصب أعينهم في كل خطوة يتخذونها؛ لأن الله تعالى أمر بالتقوى في أكثر آيات الطلاق، ومن اتقى الله تعالى وفقه لكل خير، ومن جانب التقوى جانب الخير.

 

لا يضارها:

ومن حقوق المطلقة: أن لا يضارها زوجها بالطلاق وبالرجعة؛ وذلك بأن يطلقها فإذا قاربت عدتها على الانتهاء أرجعها، ثم مكث مدة ثم طلقها لتعتد من جديد، وليس له رغبة فيها، وإنما يريد الإضرار بها، وبسبب ذلك حُد الطلاق بمرتين، والثالثة تبين منه ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]؛ وذلك لأن أهل الجاهلية كانوا يفعلون هذا الإضرار بالنساء، وليس للطلاق عندهم حد، بل يطلقونها أكثر من ثلاث ويسترجعونها للإضرار بها، فجاء الإسلام بجعل الطلاق مرتين يمكن فيهما استرجاع المطلقة؛ حفظاً لحق المرأة لئلا يلعب الرجل بها. وفي الإضرار بالمرأة في الطلاق والرجعة قول الله تعالى: ﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾ [البقرة: 231].

 

المتعة لها بعد طلاقها:

ومن حقوق المطلقة: المتعة لها بعد طلاقها، وهو عوض مالي يدفع للمطلقة بسبب ما يلحقها من ضرر الطلاق، وفي هذه المتعة تطييب لخاطرها، وجبر لكسرها، وبها تدبر شؤونها إلى أن يرزقها الله تعالى زوجاً آخر، فلا تحتاج إلى الناس، وهذه المتعة حق واجب للمطلقة، منصوص عليه في القرآن الكريم في عدد من الآيات ﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 241].

 

﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 236].

 

﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49].

 

حضانة أطفالها:

ومن حقوق المطلقة: حقها في حضانة أطفالها ما داموا صغاراً ما لم تتزوج؛ لأنها إذا تزوجت فقد تُشغل بحق زوجها عن رعاية أطفالها، والأصل في ذلك حديث عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وعَاءً، وثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ©أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي»[3].

 

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رحمه الله: «لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ السَّلَفِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ إِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ أَنَّهَا أَحَقُّ بِوَلَدِهَا مِنْ أَبِيهِ مَا دَامَ طِفْلًا صَغِيرًا لَا يُمَيِّزُ شَيْئًا».

 

والأفضل لأولاد المطلقين والمطلقات أن يصطلح آباؤهم وأمهاتهم على قضايا الحضانة ورعاية الأولاد؛ لأن الخلاف إذا وقع بين والديهم في هذه المسائل كانوا هم ضحيته، فيتضاعف عليهم الألم ضعفين، ألم الفراق بين آبائهم وأمهاتهم، وألم اختلافهم عليهم.

 

وتنازل الأب للأم عن رعاية الأولاد ما داموا صغارا، وما دامت أمهم امرأة صالحة ولم تتزوج أرأف بالأولاد وأصلح لهم. فإذا وقع بينهما خلاف على رعاية أولادهم، وبلغ الطفل سن التمييز فله الخيار بين أمه وأبيه؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وأُمِّهِ»[4]. وعنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ رحمه الله «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وأُمِّهِ».

 

مصلحة الولد مقدمة:

وتراعى مصلحة الولد في تعليمه وتربيته، فمن كان من أبويه أحرص على ذلك كان أولى به، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: «فَإِذَا كَانَتِ الْأُمُّ تَتْرُكُهُ فِي الْمَكْتَبِ، وتُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ، والصَّبِيُّ يُؤْثِرُ اللَّعِبَ ومُعَاشَرَةَ أَقْرَانِهِ، وأَبُوهُ يُمَكِّنُهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا أَحَقُّ بِهِ بِلَا تَخْيِيرٍ ولَا قُرْعَةٍ، وكَذَلِكَ الْعَكْسُ، ومَتَى أَخَلَّ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ بِأَمْرِ اللَّهِ ورَسُولِهِ فِي الصَّبِيِّ وعَطَّلَهُ، والْآخَرُ مُرَاعٍ لَهُ فَهُوَ أَحَقُّ وأَوْلَى بِهِ. قال: وسَمِعْتُ شَيْخَنَا -يعني ابن تيمية- رحمه الله يَقُولُ: تَنَازَعَ أَبَوَانِ صَبِيًّا عِنْدَ بَعْضِ الْحُكَّامِ، فَخَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا، فَاخْتَارَ أَبَاهُ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: سَلْهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَخْتَارُ أَبَاهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: أُمِّي تَبْعَثُنِي كُلَّ يَوْمٍ لِلْكُتَّابِ، والْفَقِيهُ يَضْرِبُنِي، وأَبِي يَتْرُكُنِي لِلَّعِبِ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَقَضَى بِهِ لِلْأُمِّ، قَالَ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ».

 

وإذا كان الأولاد عند أمهم لم يُمنع أبوهم من زيارتهم وتربيتهم وتعليمهم؛ لأن ذلك أصلح لهم. وإذا كانوا عند أبيهم بحكم القاضي، أو لأن أمهم تزوجت، فلا يُمنعون من زيارة أمهم، ولا تُحرم هي من أولادها. وكم من قساة قلوب يجعلون أولادهم موضعا لانتقامهم من طليقاتهم، وهذا من الظلم العظيم الذي لا يرضاه الله تعالى، ولا يوفق صاحبه للخير؛ لما فيه من كسر قلوب الأمهات والأولاد جميعًا، وهم في حقيقة الأمر ينتقمون من أنفسهم وأولادهم؛ لأنهم يزرعون في قلوبهم الضغائن والأحقاد عليهم، فإذا ما كبروا وضعف آباؤهم انتقموا منهم بتخليهم عنهم، وهم أحوج ما يكونون إليهم، وكما تدين تدان.

 

وجاء في حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ والِدَةٍ ووَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّـهُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الْأَحِبَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[5]. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ رحمه الله: «أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْأُمِّ ووَلَدِهَا الطِّفْلِ غَيْرُ جَائِزٍ».

 

نسأل الله تعالى أن يرزقنا العدل في الأقوال والأفعال، ونعوذ به سبحانه من أن نضل أو نضل، أو نزل أو نزل، أو نظلم أو نظلم، أو نجهل أو يجهل علينا، إنه سميع مجيب.

 

حقها في الزواج:

ومن حقوق المطلقة: حقها في الزواج مرة ثانية، وثالثة، وأكثر من ذلك، فإذا لم توفق مع بعض الرجال فلا تمنع من بقيتهم، وهي أدرى بحاجتها من غيرها. وكثير من الأسر تمنع المطلقة من تكرار الزواج، وهذا انتهاك لحقها الشرعي الذي جعله الله تعالى لها. وكان الصحابيات رضي الله عنهن إذا طلقن أو ترملن تزوجن، ولم تكن الواحدة منهن بلا زوج، وهن خير نساء هذه الأمة، وقدوة لهن.

 

بل لو عاد طليقها يخطبها بعد انتهاء عدتها، فليس لأهلها منعها منه إن أرادته، بحجة أنه طلقها من قبل؛ لأن الشأن شأنها؛ فإن هي أرادته لم تمنع منه، فيتزوجها بعقد جديد، ومهر جديد، وفي ذلك حديث الحَسَنِ رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ [البقرة: 232] قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ، قَالَ: «زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وفَرَشْتُكَ وأَكْرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا، لاَ واللَّهِ لاَ تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وكَانَ رَجُلًا لاَ بَأْسَ بِهِ، وكَانَتِ المَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ [البقرة: 232] فَقُلْتُ: الآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ» رواه البخاري، وفي رواية للترمذي: «فَلَمَّا سَمِعَهَا مَعْقِلٌ قَالَ: سَمْعًا لِرَبِّي وطَاعَةً، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: أُزَوِّجُكَ وأُكْرِمُكَ».

 

هذا؛ وإن من أشد الحقوق المهدرة إثمًا حقوق المرأة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرّج أمته في حقهن لضعفهن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ»[6].

 

فحق على كل مطلق أن يعرف حقوق مطلقته عليه؛ لئلا يقع في الظلم وهو لا يدري، وحق على أولياء المطلقات أن ينتصروا لهن من أي ظلم يقع عليهن في أنفسهن أو أولادهم؛ فإن تبعات الظلم ثقيلة.

 

نسأل الله تعالى أن يصلح لنا أزواجنا وذرياتنا، وأن يعلمنا من ديننا ما ينفعنا، وأن يرزقنا العمل بما علمنا، وأن يجعل الرحمة والعدل خلقنا فيمن هم تحت أيدينا، إنه سميع مجيب.



[1] سنن ابن ماجه: كتاب الزهد (4211)،سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة (2511)، مستدرك الحاكم (3359)، وأخرجه أيضا أحمد (5/ 36)، وأبو داود في الأدب (4902)، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (455، 456)، وهو في السلسلة الصحيحة (918).

[2] أبو داود: (2/ 716) (7) كتاب الطلاق (39) باب في نفقة المبتوتة - رقم (2290).

[3] رواه أبو داود (2276).

[4] حديث صحيح: أخرجه أحمد (7352)، وأبو داود (2277)، والترمذي (1357)، والنسائي (6/ 185)، وابن ماجة (2351)، والحاكم (4/ 97)، والبيهقي (8/ 3).

[5] أخرجه أحمد 5/ 413، والدارمي 2/ 227-228، كتاب: السير باب النهي عن التفريق بين الوالدة وولدها، والترمذي 43/ 580، كتاب البيوع: باب في كراهية الفرق بين الأخوين، أو بين الوالدة وولدها في البيع، الحديث 1283، والدارقطني 3/ 67، كتاب البيوع، الحديث 256، والحاكم 2/ 55، كتاب البيوع: باب من فرق بين والدة وولدها، والبيهقي في الشعب 11081، والقضاعي في مسند الشهاب 1/ 289، الحديث 456.

[6] أخرجه ابن ماجة فى الأحكام (2426) وقال الشيخ الألبانى: صحيح 2/ 810.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نيجيريا: مشروع تزويج المطلقات والأرامل دعمًا للاستقرار الأسري
  • تقويم خدمات الرعاية الاجتماعية لفئة المطلقات
  • تفسير: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ... )
  • تعدد الزوجات إعفاف للعوانس والأرامل والمطلقات
  • تفسير قوله تعالى: { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ... }

مختارات من الشبكة

  • خطبة المسجد الحرام 23 / 10 / 1434 هـ - حقوق الجار في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق الطريق (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القول المبين في بيان حقوق الإمام على المأمومين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق المساجد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق المعلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق البيئة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حقوق الطفل العقدية في ضوء الكتاب والسنة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (2)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (1)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حقوق العمال(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • متطوعو أورورا المسلمون يتحركون لدعم مئات الأسر عبر مبادرة غذائية خيرية
  • قازان تحتضن أكبر مسابقة دولية للعلوم الإسلامية واللغة العربية في روسيا
  • 215 عاما من التاريخ.. مسجد غمباري النيجيري يعود للحياة بعد ترميم شامل
  • اثنا عشر فريقا يتنافسون في مسابقة القرآن بتتارستان للعام السادس تواليا
  • برنامج تدريبي للأئمة المسلمين في مدينة كارجلي
  • ندوة لأئمة زينيتسا تبحث أثر الذكاء الاصطناعي في تطوير رسالة الإمام
  • المؤتمر السنوي التاسع للصحة النفسية للمسلمين في أستراليا
  • علماء ومفكرون في مدينة بيهاتش يناقشون مناهج تفسير القرآن الكريم

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/6/1447هـ - الساعة: 9:53
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب