• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    بيع فضل الماء
    محمد علي عباد حميسان
  •  
    بين هيبة الذنب وهلاك استصغاره
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    ثواب التسبيح خير من الدنيا وما فيها
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    كلام الرب سبحانه وتعالى (1) الأوامر الكونية.. ...
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    القواعد الأصولية المؤثرة في اللقاحات الطبية (PDF)
    د. إسماعيل السلفي
  •  
    صفة الصلاة
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير قوله تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    خطبة: التوحيد عليه نحيا ونموت
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    من درر العلامة ابن القيم عن الفراسة
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات تربوية مع سورة النصر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    خطبة: استشعار التعبد وحضور القلب (باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    وقفات ودروس من سورة آل عمران (6)
    ميسون عبدالرحمن النحلاوي
  •  
    ﴿ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ﴾
    بدر شاشا
  •  
    الابتهاج في شرح المنهاج للإمام تقي الدين أبي ...
    أ. د. عبدالمجيد بن محمد بن عبدالله ...
  •  
    العفاف حصن المرأة وسياج المجتمع
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    حقوق الطفل العقدية في ضوء الكتاب والسنة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

وقفات ودروس من سورة آل عمران (6)

وقفات ودروس من سورة آل عمران (6)
ميسون عبدالرحمن النحلاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/10/2025 ميلادي - 1/5/1447 هجري

الزيارات: 108

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفات ودروس من سورة آل عمران (6)

3- وقفات في قلب سورة آل عمران


وفيها: ميثاق الأنبياء ومسألة الرِّدة، ومن ثَم تفنيد مغالطات اليهود بشأن المطاعم، وبيت الله المحرَّم.

الوقفة الرابعة:

رسالة التوحيد الإسلام وميثاق أنبياء الله:

الأنبياء ورسالة التوحيد:

في هذه الوقفة نطالع توصيفًا لمهمة الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله لتبليغ رسالة التوحيد، وذلك في سياق الرد على وفدٍ من النصارى واليهود الذين جاؤوا الرسول صلى الله عليه وسلم فسألوه: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟

 

فأنزل الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 79، 80].

قال ابن عباس: "قال أبو رافع القرظي: حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يُقال له الرئيس: أو ذاك تريد منا يا محمد، وإليه تدعوننا؟ أو كما قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((معاذ الله أن نعبد غير الله، أو أن نأمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني))، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهما: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ﴾ [آل عمران: 79]؛ الآية، إلى قوله: ﴿ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 80].

 

فما من نبيٍّ يبعثه الله، له أن يدَّعي الربوبية أو الألوهية أو الحاكمية، أو أن ينصِّب للناس آلهة يعبدونها من دون الله، سواء كانت هذه الآلهة ملائكة أو أنبياء سابقين، فإذا كان هذا لا يصلح لنبي ولا لمرسل، فكيف يصلح لأحد من الناس؟ ولهذا قال الحسن البصري: "لا ينبغي هذا لمؤمن أن يأمر الناس بعبادته".

 

قال ابن كثير: "وذلك أن القوم كان يعبد بعضهم بعضًا - يعني أهل الكتاب - كانوا يتعبدون لأحبارهم ورهبانهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]، وفي المسند، والترمذي، أن عدي بن حاتم قال: يا رسول الله، ما عبدوهم، قال: ((بلى، إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم)).

 

ولكن يقول الرسول للناس: ﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾ [آل عمران: 79]؛ قال ابن عباس: أي: كونوا حكماء علماء حلماء، وقال الحسن وغير واحد: فقهاء، وكذا رُوي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعطاء الخراساني، وعطية العوفي، والربيع بن أنس، وعن الحسن أيضًا: يعني أهل عبادة وأهل تقوى، ولا يأمركم بعبادة أحد غير الله، لا نبيٍّ مرسل ولا ملَك مقرب؛ ﴿ أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 80]؛ أي: لا يفعل ذلك، لأن من دعا إلى عبادة غير الله، فقد دعا إلى الكفر، والأنبياء إنما يأمرون بالإيمان؛ وهو عبادة الله وحده لا شريك له؛ [انتهى].

ميثاق النبيين:

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 81].

 

بعد أن بيَّن لنا الله تعالى مهمة الأنبياء في الالتزام بالدعوة إلى عبودية الله وحده، يحكي لنا جل في علاه عن الميثاق الذي أخذه عليهم.

 

ومضمون هذا الميثاق الذي أخذه الله على النبيين امتدَّ منذ آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام؛ أنه مهما آتى الله أحدهم – أي: النبيين - من كتاب وحكمة، وبلغ أي مبلغ من العلم والفهم، ثم جاءه رسول من بعده، ﴿ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ﴾ [آل عمران: 81]، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته؛ ولهذا قال جل في علاه: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ﴾ [آل عمران: 81].

 

• ثم زاد عليهم في التأكيد على إبرام الميثاق؛ فقال: ﴿ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي ﴾ [آل عمران: 81]؛ قال ابن عباس، ومجاهد، والربيع، وقتادة، والسدي: يعني عهدي، وقال البغوي في تفسيره: والإصر: العهد الثقيل، فأقروا وقالوا: أقررنا.

 

• ثم صدَّق الله على الميثاق بشهادتهم وشهادة من اتبعهم وشهادته معهم.

قال ابن كثير: "﴿ فَاشْهَدُوا ﴾ [آل عمران: 81]؛ أي: فاشهدوا أنتم على أنفسكم وعلى أتباعكم، ﴿ وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 81] عليكم وعليهم"؛ [انتهى].

 

• وكانت خاتمة الميثاق: أن دين أنبياء الله الإسلام، ولا يُقبل من بشر غيره، وبهذا يُختم الميثاق.

 

﴿ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ * قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 82 - 85].

 

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به، إلا كان من أصحاب النار)).

 

كما روى البخاري عن ابن عباس قوله: "يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أُنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله، تقرؤونه لم يشِب، وقد حدَّثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله، وغيَّروا بأيديهم الكتاب، فقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا؟! أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟! ولا والله ما رأينا منهم رجلًا قط يسألكم عن الذي أُنزل عليكم".

 

وهكذا خُتم الميثاق بختم الإيمان الخالص بجميع أنبياء الله، وبما أُنزل إليهم من ربهم دون تفريق: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84]؛ أي: إننا لا نفرق بينهم، بل نؤمن بهم جميعًا، ونحن له مسلمون، فالمؤمنون من هذه الأمة يؤمنون بكل نبي أُرسل، وبكل كتاب أُنزل، لا يكفرون بشيء من ذلك، بل هم مصدقون بما أُنزل من عند الله، وبكل نبيٍّ بعثه الله.

 

وأن الإسلام هو الدين الوحيد المقبول عند الله من أي إنسان على وجه البسيطة: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].

الوقفة الخامسة: الرِّدة عن الإسلام:

الحالة الأولى: الردة والتوبة بعد الردة:

حكم من ارتد ثم تاب وأناب وأراد أن يرجع للإسلام، هل تُقبل توبته؟

 

بعد أن وضع الله عز وجل القاعدة العقائدية الأزلية للبشرية، فقرر أنه من يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، يخبرنا عن شأن من اتبع هذه القاعدة فدخل الإسلام واعترف به، ثم عاد وكفر به، ماذا يكون من أمره؟ فيقول جل في علاه:

﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 86 - 89].

فالجواب إذًا:

أن الله عز وجل لا يهدي من ارتدَّ، ما دام مقيمًا على كفره وظلمه، باقيًا على إنكار الإسلام ومحاربته، وجزاؤه: ﴿ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [آل عمران: 87]، فأما إذا أسلم وتاب فإن الله يتوب عليه، وهذا معنى الاستثناء: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 89]، ويلفتنا هنا إلى اقتران الإصلاح مع التوبة كشرطٍ لتوبة الله عليه، والله تعالى أعلم.

وسبب نزول الآية، كما أخبر ابن جرير عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتدَّ ولحق بالشرك، ثم ندم، فأرسل إلى قومه: أن سلوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لي من توبة؟ قال: فنزلت: ﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ﴾ [آل عمران: 86] إلى قوله: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 89]".

 

وهذا من لطفه وبره، ورأفته ورحمته، وعائدته على خلقه: أنه من تاب إليه تاب عليه.

 

الحالة الثانية: الرِّدة والموت عليها: حكم من ارتد بعد إسلامه، ثم أمعن في كفره فمات عليه:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 90، 91].

 

وهذا توعُّد من الله أنه من مات على الكفر فلن يُقبل منه خير أبدًا، ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهبًا فيما يراه قُربة؛ كما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن عبدالله بن جُدعان، وكان يَقري الضيف، ويفك العاني، ويطعم الطعام: هل ينفعه ذلك؟ فقال: ((لا، إنه لم يقُل يومًا من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)).

 

يقول ابن كثير: "من كفر بعد إيمانه ثم ازداد كفرًا؛ أي: استمر عليه إلى الممات، لا يُقبل لهم توبة عند مماتهم؛ كما قال تعالى في سورة النساء 18: ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 18]؛ ولهذا قال ها هنا: ﴿ لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ﴾ [آل عمران: 90]؛ أي: الخارجون عن المنهج الحق إلى طريق الغي؛ قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عبدالله بن بزيع، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا ابن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن قومًا أسلموا ثم ارتدوا، ثم أسلموا ثم ارتدوا، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ ﴾ [آل عمران: 90]، هكذا رواه، وإسناده جيد.

 

وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يُقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتديًا به؟ قال: فيقول: نعم، قال: فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم ألَّا تشرك بي شيئًا، فأبيتَ إلا أن تشرك))؛ [وهكذا أخرجه البخاري ومسلم]"؛ [انتهى، ابن كثير].

 

وإن كان ذاك الإنفاق لا يُقبل مهما بلغ لخُبث عمل صاحبه وكفره، فإن المؤمن لا يبلغ مرتبة البر حتى يُنفق مما يحب، وعندما يفعل فإن هذا الإنفاق مقبول منه لكونه مشفوعًا بالإيمان.

 

قال جل في علاه: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92].

 

قال الشوكاني في (فتح القدير): "والبر: العمل الصالح، وقال ابن مسعود، وابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعمرو بن ميمون، والسدي: هو الجنة، فمعنى الآية: لن تنالوا العمل الصالح، أو الجنة، أي: تصلوا إلى ذلك، وتبلغوا إليه ﴿ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]؛ أي: حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها، وقد أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن أنس: ((أن أبا طلحة لما نزلت هذه الآية أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أحب أموالي إليَّ بَيْرُحاء، وإنها صدقة...))؛ [الحديث].

الوقفة السادسة: تفنيد مغالطات اليهود بشأن المطاعم، وبيت الله المحرم:

ولكل منهما قصة وسبب نزول.

أولًا: تحريم المطاعم: ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 93 - 95].

 

أخرج الترمذي، وحسَّنه، عن ابن عباس: ((أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: فأخبِرنا ما حرم إسرائيل على نفسه، قال: كان يسكن البدو، فاشتكى عِرق النساء، فلم يجد شيئًا يلائمه إلا تحريم الإبل، وألبانها، فلذلك حرَّمها، قالوا: صدقت... وذكر الحديث))، وأخرجه أيضًا أحمد، والنسائي، وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، عن ابن عباس في الآية؛ قال: العرق أجده عِرق النساء، فكان يبيت له زقٌّ يعني صياح، فجعل لله عليه إن شفاه ألَّا يأكل لحمًا فيه عرق، فحرمته اليهود.

 

ثم أمره الله سبحانه بأن يحاجهم بكتابهم، ويجعل بينه وبينهم حكمًا ما أنزله الله عليهم لا ما أنزله عليه، فقال: ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آل عمران: 93]، حتى تعلموا صدق ما قصه الله في القرآن من أنه لم يحرم على بني إسرائيل شيئًا من قبل نزول التوراة، إلا ما حرمه يعقوب على نفسه، وفي هذا من الإنصاف للخصوم ما لا يُقدَر قدره، ولا يُبلغ مداه، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه، قال: قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل، فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آل عمران: 93]، وكذبوا ليس في التوراة؛ [فتح القدير للشوكاني].

 

ثم لما كان ما يفترونه من الكذب بعد قيام الحُجة عليهم بكتابهم باطلًا مدفوعًا، وكان ما قصَّه الله سبحانه في القرآن، وصدَّقته التوراة صحيحًا صادقًا، وكان ثبوت هذا الصدق بالبرهان الذي لا يستطيع الخصم دفعه، أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بأن ينادي بصدقِ الله بعد أن سجل عليهم الكذب، فقال: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [آل عمران: 95]؛ أي: ملة الإسلام التي أنا عليها، وقد تقدم بيان معنى الحنيف، وكأنه قال لهم: إذا تبين لكم صدقي، وصدق ما جئت به، فادخلوا في ديني، فإن من جملة ما أنزله الله عليَّ: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ [آل عمران: 85]؛ [تفسير فتح القدير للشوكاني].

ثانيًا: بيت الله المحرَّم:

﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96، 97].

 

وهذا شروع في بيان شيء آخر مما جادلت فيه اليهود بالباطل، وذلك أنهم قالوا: إن بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة؛ لكونه مهاجرَ الأنبياء، وفي الأرض المقدسة، فردَّ الله ذلك عليهم بقوله: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 96]؛ الآية، فقوله: ﴿ وُضِعَ ﴾ [آل عمران: 96] صفة لبيت، وخبر إن قوله: ﴿ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا ﴾ [آل عمران: 96] فنبَّه تعالى بكونه أولَ متعبَّد على أنه أفضل من غيره، وقد اختُلف في الباني له في الابتداء، فقيل: الملائكة، وقيل: آدم، وقيل: إبراهيم، ويُجمع بين ذلك بأول من بناه الملائكة، ثم جدده آدم، ثم إبراهيم، وبكَّةُ علَم للبلد الحرام، وكذا مكة، وهما لغتان، وقيل: إن بكة اسم لموضع البيت، ومكة اسم للبلد الحرام، وقيل: بكة للمسجد، ومكة للحرم كله، قيل: سُمِّيت بكة لازدحام الناس في الطواف، يُقال: بكَّ القوم: ازدحموا، وقيل: البكُّ: دق العنق، سُميت بذلك؛ لأنها كانت تدق أعناق الجبابرة، وأما تسميتها بمكة، فقيل: إنها سميت بذلك؛ لأنها تمك من ظلم فيها، أي: تهلكه؛ [فتح القدير للشوكاني].

ومن صفات هذا البيت الحرام:

• أنه أول بيت وضع للناس: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96]؛ أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن أبي ذر قال: ((قلت: يا رسول الله، أي مسجد وُضع أولَّ؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة)).

• أنه مبارك، والبركة: كثرة الخير الحاصل لمن يستقر فيه، أو يقصده، أي: الثواب المتضاعف.

• وهدًى للعالمين، فهو قِبلة المؤمنين.

• و﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [آل عمران: 97]؛ قال القرطبي: "فسَّر مجاهد مقام إبراهيم بالحرم كله؛ فذهب إلى أن من آياته الصفا والمروة، والركن والمقام، والباقون بالجمع، أرادوا مقام إبراهيم والحجر الأسود، والحطيم وزمزم، والمشاعر كلها، قال أبو جعفر النحاس: من قرأ: ﴿ آيات بينات ﴾ فقراءته أبين؛ لأن الصفا والمروة من الآيات، ومنها أن الطائر لا يعلو البيت صحيحًا، ومنها أن الجارح يطلب الصيد، فإذا دخل الحرم تركه، ومنها أن الغيث إذا كان ناحية الركن اليماني كان الخصب باليمن، وإذا كان بناحية الشامي كان الخصب بالشام، وإذا عم البيت كان الخصب في جميع البلدان"؛ [انتهى].

• ﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران: 97]، وبه استدل من قال: إن من لجأ إلى الحرم، وقد وجب عليه حدٌّ من الحدود، فإنه لا يُقام عليه الحد حتى يخرج منه؛ وهو قول أبي حنيفة، ومن تابعه، وخالفه الجمهور، وقد قال جماعة: إن الآية خبر في معنى الأمر، أي: ومن دخله، فأمِّنوه؛ كقوله: ﴿ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ ﴾ [البقرة: 197]؛ أي: لا ترفثوا، ولا تفسقوا، ولا تجادلوا، وما عليه الجمهور من العلماء أن الحدود تُقام في الحرم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة.

• وأن الحج إليه فرض؛ ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾ [آل عمران: 97]، اللام في قوله: ﴿ لِلَّهِ ﴾ هي التي يُقال لها: لام الإيجاب والإلزام، ثم زاد هذا المعنى تأكيدًا حرف "على"، فإنه من أوضح الدلالات على الوجوب عند العرب، كما إذا قال القائل لفلان: عليَّ كذا، فذكر الله سبحانه الحج بأبلغ ما يدل على الوجوب تأكيدًا لحقه، وتعظيمًا لحرمته، وهذا الخطاب شامل لجميع الناس لا يخرج عنه إلا من خصصه الدليل كالصبي والعبد؛ روى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصري قال: قال عمر بن الخطاب: "لقد هممت أن أبعث رجالًا إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جِدة فلم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين"؛ وقوله: ﴿ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]؛ أي: من استطاع إليه سبيلًا فعليه الحج، وقد اختلف أهل العلم في الاستطاعة، ماذا هي؟ فقيل: الزاد، والراحلة، وإليه ذهب جماعة من الصحابة، وحكاه الترمذي، عن أكثر أهل العلم، وهو: الحق، قال مالك: إن الرجل إذا وثق بقوته لزمه الحج، وإن لم يكن له زاد وراحلة، إذا كان يقدر على التكسب، والظاهر أن من تمكَّن من الزاد والراحلة، وكانت الطريق آمنة بحيث يتمكن من مرورها، ولو بمصانعة بعض الظلمة بدفع شيء من المال يتمكن منه الحاج؛ [فتح القدير].

• وأنه يكفر من جحد فرضية الحج؛ قوله: ﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، قيل: إنه عبَّر بلفظ الكفر عن ترك الحج؛ تأكيدًا لوجوبه، وتشديدًا على تاركه، وقيل: المعنى: ومن كفر بفرض الحج، ولم يرَه واجبًا، وقيل: إن من ترك الحج، وهو قادر عليه، فهو كافر، وفي قوله: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97] من الدلالة على مقت تارك الحج مع الاستطاعة، وخذلانه؛ وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن عكرمة قال: ((لما نزلت: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا ﴾ [آل عمران: 85]، قالت اليهود: فنحن مسلمون، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض على المسلمين حج البيت، فقالوا: لم يُكتب علينا، وأبَوا أن يحجوا، قال الله: ﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]))؛ [فتح القدير للشوكاني].

ثم يعنِّفهم الله تعالى بعد تفنيد مغالطاتهم على عنادهم للحق؛ فيقول جل في علاه:

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [آل عمران: 98، 99].

يقول الشوكاني في تفسيره: "هذا تعنيف من الله تعالى لكفرة أهل الكتاب، على عنادهم للحق، وكفرهم بآيات الله، وصدهم عن سبيله من أراده من أهل الإيمان بجهدهم وطاقتهم، مع علمهم بأن ما جاء به الرسول حق من الله، بما عندهم من العلم عن الأنبياء الأقدمين، والسادة المرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وما بُشِّروا به ونُوهوا من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وقوله: ﴿ تَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [آل عمران: 99]؛ أي تطلبون لها اعوجاجًا، وميلًا عن القصد، والاستقامة بإبهامكم على الناس بأنها كذلك؛ تثقيفًا لتحريفكم، وتقويمًا لدعاويكم الباطلة، وقوله: ﴿ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ ﴾ [آل عمران: 99] جملة حالية؛ أي: كيف تطلبون ذلك بملة الإسلام، والحال أنكم تشهدون أنها دين الله الذي لا يقبل غيره، كما عرفتم ذلك من كتبكم المنزلة على أنبيائكم؟ [فتح القدير].

نتابع إن شاء الله في الحلقة القادمة مع محورَي الثبات العقائدي الداخلي، وخيرية الأمة.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (1)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (2)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (3)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (4)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (5)

مختارات من الشبكة

  • وقفات تربوية مع سورة النصر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الكافرون (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الكوثر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة قريش (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الماعون (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الفيل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة العصر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الهمزة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة التكاثر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة العاديات(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/5/1447هـ - الساعة: 11:7
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب