• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    موت العلماء (رحيل خطيب عرفة)
    محمد الوجيه
  •  
    صدى المعنى في نسيج الصوت: الإعجاز التجويدي ...
    د. مصطفى يعقوب
  •  
    أسرار خاتمة سورة المؤمنون: ﴿وقل رب اغفر وارحم ...
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (35) «لا ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    النهي عن جعل اليمين سببًا لترك خير أو فعل طاعة
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة النعي وأحكامه
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ضبط الشهوة وتأثيره في التحصيل العلمي لدى الشباب
    د. محمد موسى الأمين
  •  
    علة حديث ((الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف))
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    فضل ما يقوله عند القيام من المجلس
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    ما أقبح الجحود!
    دحان القباتلي
  •  
    الترحم على العلماء والاقتداء بهم
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    موت العلماء مصيبة للأمة (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة}
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفطرة الإنسانية في القرآن الكريم وأبعادها
    محمد عبدالعاطي محمد عطية
  •  
    أركان الصلاة
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    إدخال اللوح المحفوظ واسطة بين جبريل ورب العزة في ...
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

صدى المعنى في نسيج الصوت: الإعجاز التجويدي والدلالة القرآنية

صدى المعنى في نسيج الصوت: الإعجاز التجويدي والدلالة القرآنية
د. مصطفى يعقوب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/9/2025 ميلادي - 3/4/1447 هجري

الزيارات: 142

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صدى المعنى في نسيج الصوت

الإعجاز التجويدي والدلالة القرآنية

 

نقف اليوم على عتبة معجزة لم تُكتَشف أسرارها التفصيلية بعد- على الرغم من كثرة الدراسات الصوتية- في العلاقة الخفية بين نسيج الصوت وعمق المعنى في القرآن الكريم، آياته ليست مجرد نص تُقرأ، بل هي كون صوتي معجز يخفق بإيقاعات المدود، ويرن بغنة اليقين، وينبض بالتلاوة والترتيل وأحكام التجويد.

 

إن كل حركة في مخارج الحروف، وكل امتداد في أزمنة المدود، وكل رنين في صدى الغنة، هي لغة خفية تتحدث إلى أعماق الروح قبل أن تصل إلى منطق العقل، فضلًا عن قواعد تقنية وُضِعت لتحسين الأداء عندما نقرأ ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، فإن ترقيق لام الجلالة في البسملة يرسم لحنًا من القرب والحنان، بينما تفخيمها في ﴿قَالَ اللهُ﴾ في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [النحل: 51] يدوِّي بجلال الآمر المطاع.

 

وبعد:

فهذه إضاءات تأملية ورحلة استكشافية عبر آيات الكتاب العزيز، من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، لنكتشف كيف يصبح الصوت شريكًا في صناعة المعنى، وكيف تتحوَّل أحكام التجويد من ضوابط نطقية إلى أدوات بلاغية تنحت المعاني في قلوب القُرَّاء والمستمعين نحتًا لا يُمحى.

 

صوت القرآن وحيٌ مُنزل:

إن الحكمة الإلهية في حفظ الوحي لم تقتصر على حفظ حروفه وكلماته ومعانيه ولغته وتبيانه من السُّنَّة فحسب، بل امتدت لتشمل حفظ طريقة أدائه وتلاوته، فالقرآن نزل مسموعًا قبل أن يُكتب محفوظًا، وقد بلَّغ النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّته "ما يُقال" و"كيف يُقال"، وهذا يكشف عن حقيقة جوهرية: أن "صوت" الوحي جزء لا يتجزأ من ماهيته، وأن طريقة الأداء ليست زينة خارجية؛ بل عنصر دلالي أساسي؛ وهذا ما أكَّده البيان الإلهي ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 4].

 

المشكلة البحثية المحورية التي يعالجها هذا التحليل تتمثل في كشف العلاقة الخفية بين النظام الصوتي للقرآن (المُحدد هنا بأحكام التجويد) وبين أنساق المعاني والدلالات القرآنية، فهل التطابق بين امتداد المد اللازم في ﴿الضَّالِّينَ﴾ وبين اتساع مفهوم الضلال تطابُق عفوي؟ وهل المحاكاة الصوتية في ﴿فَكُبْكِبُوا﴾ للتساقط والانهيار مصادفة لغوية؟

 

المقصد الإيماني الأساسي هنا هو إثبات أن الإعجاز القرآني لا يقتصر على البيان والتشريع والإخبار، بل يمتد ليشمل البُعْد الصوتي الذي يتكامل مع هذه الأبعاد ليُشكِّل منظومة إعجازية شاملة، إن فهم هذه العلاقة يعمق من تجربة تدبر القرآن، ويفتح آفاقًا جديدة لتذوُّق جماله الفني والروحي، وفي زمن وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الصناعي الذي تهيمن عليه الثقافة البصرية والتقنيات الرقمية، يواجه الإنسان المعاصر تحديًا حقيقيًّا في استعادة "الحاسة السمعية" التي كانت الوسيلة الأولى لتلقي الوحي، وهذا التحليل محاولة تسعى لإعادة تأهيل الأُذُن المؤمنة لتستمع إلى القرآن بوعي جديد، وتدرك فيه أن كل صوت يحمل رسالة، وكل إيقاع يرسم صورة، وكل نبرة تنقل إحساسًا.

 

فاتحة الكتاب:

تبدأ رحلتنا مع أعظم سورة في القرآن العظيم، حيث تتجلى المفارقة الصوتية الأولى في قلب الفاتحة، في قوله تعالى: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 7]، نجد أنفسنا أمام تدرُّج صوتي يحبس الأنفاس؛ المد الطبيعي المتكرر في قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6] و﴿صِرَاطَ الَّذِينَ﴾ [الفاتحة: 7] يأتي رقيقًا يناسب الطريق السوي المستقيم، يتدفَّق بنعومة تناسب فيض النعمة الإلهية ورقة العطاء الرباني، وكأنك على طريق مُعبَّد لا عوج فيه على الإطلاق، ولا تكاد تشعر بالسير عليه، ثم يأتي ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: 7] بصوت مفخم في الغين والضاد، ليرسم جلجلة الغضب وثقل العقوبة، أما ﴿الضَّالِّينَ﴾ فتختتم الفاتحة بمد لازم كلمي مثقل يمتدُّ ست حركات كاملة، كأن الصوت نفسه يتيه ويضلُّ في فضاء لا نهاية له، مجسدًا اتساع الضلال وعمق التيه الذي لا مخرج منه.

 

هذا التدرُّج الصوتي من نعومة النعمة إلى ثقل الغضب، ثم امتداد الضلال خريطة صوتية ترسم مصائر البشر الثلاثة أمام الهداية الإلهية، إن القارئ والمستمع يعيش هذه المصائر صوتيًّا قبل أن يفهمها عقليًّا.

 

فاتحة سورة البقرة:

تفتتح أطول سور القرآن بـ ﴿الم﴾ [البقرة: 1]، فالألف تنتهي بفاء ساكنة تهمس وتنبه إلى عظمة ما سيأتي، ثم يتجلى المد اللازم الحرفي في أقوى صوره، اللام والميم يُمدان ست حركات كاملة، تضفيان حالة من التشويق والترقُّب والغموض والتنبيه، وكأنه إعلان صوتي عن قدوم نص استثنائي يتجاوز حدود الكلام البشري المعتاد، بينما دمج الميمين بغنتها الكاملة ترن في الخيشوم رنينًا يوحي بالسر الخفي المودع في هذه الحروف النورانية، ومد الميم الطويل يمهد القلب لاستقبال ما سيأتي، هذا الأداء التجويدي لهذه الحروف يخلق مناخًا صوتيًّا مهيبًا يهيئ النفس لتلقي أطول نص تشريعي في القرآن، يبدأ بإعلان ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2].

 

الأنعام: استطالة الجدال وعقم المحاجَّة:

وفي حوار سيدنا إبراهيم عليه السلام مع قومه، يأتي قوله تعالى: ﴿قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ﴾ [الأنعام: 80]، في كلمة ﴿أَتُحَاجُّونِّي﴾ نجد مدَّين لازمين مثقلين متتاليين؛ المد اللازم الكلمي المثقل يستغرق ست حركات، يتبعه مباشرة المد الطبيعي التالي في ﴿نِّي﴾ بحركتين، فهذا التوالي الصوتي الممتد يخلق إيقاعًا مطولًا ومملًّا، يجسد بإعجاز استطالة الجدال العقيم وامتداد المحاججة الباطلة إلى ما لا نهاية، ثم إن النون المشددة بغنتها الكاملة مع الياء في نهاية الكلمة ﴿نِّي﴾ تخلق صدًى يتردد في الأذن، كأنه صدى أصوات المتجادلين التي تمتد دون طائل، وهذا كله يجعل السامع يعيش فعليًّا الشعور بالملل والضجر الذي يصاحب الجدال العقيم، فيصبح الأداء التجويدي نقدًا صوتيًّا مباشرًا لطبيعة المحاججة الباطلة وعبثيتها المُطلقة.

 

الإسراء: محاكاة الضجر في أصغر الكلمات:

عندما ينهى القرآن عن عقوق الوالدين، يستخدم أصغر تعبير ممكن عن الإيذاء: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: 23]، كلمة ﴿أُفٍّ﴾ هي تحفة في المحاكاة الصوتية، حيث تبدأ بانغلاق في الحنجرة عند نطق الهمزة، ثم تنتهي بنفخة هواء طويلة عند إعطاء الفاء المشددة حقَّها، وهذا الأداء يحاكي تمامًا الحركة الجسدية للتأفُّف والضجر؛ حيث ينقبض الصدر ثم ينفث الهواء في حركة تعبر عن التبرُّم، إن القرآن هنا لا ينهى عن المعنى فقط، بل ينهى حتى عن الصوت الذي يحاكي هذا المعنى؛ مما يبرز دقة التحريم ولطف التوجيه القرآني.

 

الكهف: إيقاع الرحلة والسكتة الحارسة للمعنى:

وفي بداية السورة، تأتي السكتة الواجبة في ﴿عِوَجًا * قَيِّمًا﴾ [الكهف: 1، 2] كحارس صوتي للمعنى، فلولا هذه الوقفة اللطيفة، ربما توهم السامع أن "قيمًا" صفة لـ"عوجًا"، وهو تناقض صريح، فالسكتة هنا تعمل فاصلًا دلاليًّا يحمي النص من التباسٍ قد يؤدي إلى فهم خاطئ؛ مما يؤكد أن علم التجويد هو علم لحماية المعنى قبل أن يكون علمًا لتحسين الصوت.

 

وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام، يرسم القرآن إيقاع الرحلة صوتيًّا: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا﴾ [الكهف: 77] تتابع ألفات المثنى "فَانطَلَقَا، حَتَّىٰ، إِذَا، أَتَيَا، أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا، أَهْلَهَا"، وتتابع المد المنفصل يخلق إيقاعًا رتيبًا طويلًا متكررًا، كوقع الأقدام ولهث الأنفاس في رحلة طويلة شاقة، فهذا التكرار الصوتي للمدود الطبيعية يجسد امتداد المسافة، ومشقة السفر، وشدة الجوع، والحاجة الملحَّة لطلب الضيافة.

 

الشعراء: المحاكاة الصوتية للانهيار:

وفي مشهد عذاب المشركين، يأتي قوله تعالى: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ﴾ [الشعراء: 94]، كلمة ﴿فَكُبْكِبُوا﴾ تُعتبر قمة في المحاكاة الصوتية، حيث تكرار المقطعين (كُبْ - كِبُوا) مع الكاف الشديدة والباء الانفجارية يخلق صوتًا متقطعًا عنيفًا، يحاكي أصوات الأجسام وهي تتساقط وتتدهور وتتصادم في فوضى مرعبة أثناء الإلقاء في جهنم، وكأنها شاحنة تقلب الأحجار في هاوية سحيقة، إن الأداء التجويدي لهذه الكلمة يجعل السامع وكأنه يسمع فعليًّا صوت الانهيار والسقوط، فيصبح النص صورة سمعية مُجسمة للعذاب، لا مجرد وصف لفظي له.

 

سورة القيامة: لحظة الترقب الأخيرة:

وفي مشهد الاحتضار المُهيب، يصور القرآن اللحظة الأخيرة: ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ [القيامة: 26 - 30]، ولندقق فقط في هذه الآية: ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾، السكتة الواجبة على ﴿مَنْ﴾ تصور وقفة صوتية مؤثرة، تجسد لحظة الترقب والحيرة والبحث اليائس عن منقذ في اللحظة الأخيرة، عندما يهجم الموت على أحد أفراد الأسرة، ويتحيرون، وتأتيهم السكتة، ولا يدرون ماذا يفعلون، فهذا الصمت اللحظي يحمل من التوتُّر الدرامي ما لا تحمله آلاف الكلمات.

 

عبس: صيحة القيامة المدوية:

﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ﴾ [عبس: 33] هنا يبلغ الإعجاز الصوتي ذروته؛ المد اللازم الكلمي المثقل في ﴿الصَّاخَّةُ﴾ يستغرق ست حركات، متبوعًا بالخاء المشددة المفخمة، هذا الامتداد الصوتي الطويل المتبوع بالانفجار الحاد يحاكي تمامًا الصيحة التي "تصخ" الآذان وتصمها لشدتها، إن الأداء التجويدي هنا لا يصف الصوت، بل يُنتجه.

 

الزلزلة: رجفة الأرض في النطق:

﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ [الزلزلة: 1] تكرار حرف الزاي المجهور مع قلقلة اللام الساكنة في ﴿زُلْزِلَت﴾ يخلق اهتزازًا صوتيًّا حقيقيًّا في مخارج الحروف، فالسامع لا يسمع عن الزلزال فحسب، بل يشعر بالاهتزاز في جهازه النطقي ذاته؛ مما يجعل التلاوة تجربةً حسيةً كاملةً.

 

العلق: قوة الأمر الإلهي الأول:

في أول كلمة من الوحي ﴿اقْرَأْ﴾، تأتي القلقلة في القاف الساكنة لتمنح هذا الأمر الإلهي التأسيسي قوةً وصدًى يتردَّد عبر التاريخ، إن الاهتزاز الصوتي في (اقْ) يجعل الأمر ليس مجرد طلب رقيق؛ بل أمر إلهي مدوٍّ يفتتح عهد العلم والمعرفة.

 

القدر والتكرار المعجز:

﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ القلقلة في ﴿الْقَدْرِ﴾ عند الوقف تعمل علامة صوتية بارزة تلفت الانتباه إلى هذه الكلمة المحورية، وتكرار الكلمة ثلاث مرات في السورة، مع نفس القلقلة المميزة، يرسخها في الذاكرة السمعية، ويبرز أهميتها الاستثنائية.

 

الإخلاص: الوحدانية المطلقة:

القلقلة عند الوقف على نهايات الآيات في سورة الإخلاص ﴿أَحَدٌ﴾ ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ تمنح الكلمة نهاية قاطعة وحاسمة، هذا الانقطاع الصوتي الحاد يمنع أي امتداد أو استرسال؛ مما يعزز صوتيًّا معنى الوحدانية المطلقة التي لا تقبل التجزئة أو الشراكة.

 

الفلق: تجسيد الانفلاق والانشقاق:

﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق: 2 - 5] تتوالى أحكام الإخفاء الحقيقي في ﴿مِن شَرِّ﴾ أربع مرات؛ حيث تختفي النون وتتوارى قبل ظهور الشين، محاكية صوتيًّا طبيعة الشر الخفي المستتر الذي تستعيذ منه.

 

وفي تصميم صوتي معجز، تختتم كل آية من آيات السورة بحرف قلقلة عند الوقف: ﴿الْفَلَقِ﴾، ﴿خَلَقَ﴾، ﴿وَقَبَ﴾، ﴿الْعُقَدِ﴾، ﴿حَسَدَ﴾ وهذا التوالي المستمر للقلقلة في نهايات الآيات يخلق إيقاعًا انفجاريًّا متكررًا، يحاكي أصوات التشقُّق والانفلاق والتفجير، مجسدًا صوتيًّا معنى "الفلق" الذي هو الانشقاق والانفتاح، وتنتهي بسلسلة من القلقلة التي تحاكي صوت اسم السورة، في تناغم إعجازي بين الاسم والصوت والمعنى.

 

الناس: الهمس والاختفاء:

ومسك الختام نختمه مع سورة الناس في تصميم صوتي فريد، تتوالى الغنة الكاملة عبر سورة الناس بأكملها: ﴿النَّاسِ﴾، ﴿الْخَنَّاسِ﴾، ﴿الْجِنَّةِ﴾ كل نون مشددة تحمل غنة كاملة، وهذا التكرار المهيمن للغنة يخلق جوًّا صوتيًّا مشحونًا بالترقب والحذر، وكأن صوت الغنة المتردد في الخيشوم يحاكي همس الوساوس وخفاء تسللها إلى النفوس.

 

والإخفاء في قوله: ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾ [الناس: 4] يُضاعف من هذا الجو الصوتي للخفاء والستر؛ حيث تختفي النون قبل الشين، مجسدة طبيعة الوسوسة الخفية التي تتوارى وتختفي عندما يُذكر الله، إن تناغم الغنة المتكررة مع الإخفاء المتوالي يرسم صورة سمعية متكاملة للصراع الخفي بين الإنسان والشياطين، حيث كل صوت يحمل دلالته ورمزيته في هذا المشهد الغيبي المعقد.

 

تفعيل الحاسة السمعية في التدبُّر:

إن فهم هذه العلاقة العضوية بين الصوت والمعنى يقتضي من المؤمن إعادة تأهيل حاسته السمعية للقرآن، لا يكفي أن نقرأ القرآن بعيوننا فقط، بل لا بد من "الاستماع" إليه بوعي جديد يدرك أن كل صوت يحمل رسالة، وكل إيقاع يرسم صورة.

 

والخطوات العملية تبدأ بالتدرُّب على الإنصات الواعي للتلاوة، مع التركيز على العلاقة بين الصوت والمعنى، عند سماع المد الطويل، يسأل المستمع نفسه: ما المعنى الذي يجسده هذا الامتداد؟ وعند سماع القلقلة، يتأمل: ما الذي يحاكيه هذا الاهتزاز؟

 

هذا الوعي الصوتي يحول تلاوة القرآن من مجرد تحريك للسان إلى رحلة روحية شاملة تشارك فيها كل حواس الإنسان ومَلَكاته، إن القرآن لم ينزل ليُقرأ فقط، بل ليُعاش بكل الحواس والمشاعر، والهدف الأكبر هو فهم مراد الله تعالى منا وتطبيق ما يريده الله تعالى.

 

الخاتمة:

وهكذا نختتم رحلتنا الصوتية عبر المصحف الشريف، وقد اكتشفنا أن القرآن الكريم الذي لا تنتهي عجائبه يستحث العقل والقلب لإيصال رسالة الله إلى الإنسان بشتى الطرق، ومن ذلك أن الصوت في القرآن لم يكن زخرفة أو زينة فحسب، بل كان شريكًا أساسيًّا في بناء المعنى وتشكيل التجربة الإيمانية، من امتداد الضلال في ﴿الضَّالِّينَ﴾ إلى قاطعية الوحدانية في ﴿أَحَدٌ﴾، ومن محاكاة الانهيار في ﴿فَكُبْكِبُوا﴾ إلى رقة الرحمة في البسملة، نجد أن كل حكم تجويدي يحمل في طيَّاته حكمة بلاغية عميقة، ولعل هذا الاكتشاف يفتح آفاقًا جديدة أمام الإنسان المعاصر لتذوق جمال القرآن وعمق إعجازه، فالقرآن يخاطب الإنسان بكليته: عقله، وقلبه، وحواسه، ومشاعره، جاعلًا من التلاوة والاستماع حالة كونية شاملة تتجاوز حدود اللغة والثقافة لتصل إلى أعماق الفطرة الإنسانية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مبادئ علم التجويد
  • مبادئ علم التجويد
  • الكنز المفيد في علم التجويد (1)
  • الكنز المفيد في علم التجويد (2)
  • الكنز المفيد في علم التجويد (3)

مختارات من الشبكة

  • أثر التناقض اللفظي في المعنى(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الاشتقاق بين الإجماع والابتداع: نظرة في أثر جودة استخلاص المعنى المحوري على دقة تعيين المعنى المعجمي الحرفي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • واو الحال وواو المصاحبة في ميزان المعنى(مقالة - حضارة الكلمة)
  • معنى الحال ونصب المضارع بعد واو المعية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • واو الحال وتعريف الحرف(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ما ورد في معنى استغفار النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الواو هي الميزان الفصل بين الحال والمعية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • معنى الحال ورفع المضارع بعد الواو(مقالة - حضارة الكلمة)
  • معنى عالمية الدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جوامع الكلم النبوي: دراسة في ثراء المعاني من حديث النغير(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • برنامج تعليمي إسلامي شامل لمدة ثلاث سنوات في مساجد تتارستان
  • اختتام الدورة العلمية الشرعية الثالثة للأئمة والخطباء بعاصمة ألبانيا
  • مدرسة إسلامية جديدة في مدينة صوفيا مع بداية العام الدراسي
  • ندوة علمية حول دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية بمدينة سراييفو
  • مركز تعليمي إسلامي جديد بمنطقة بيستريتشينسكي شمال غرب تتارستان
  • 100 متطوع مسلم يجهزون 20 ألف وجبة غذائية للمحتاجين في مينيسوتا
  • مسابقة الأحاديث النبوية تجمع أطفال دورات القرآن في بازارجيك
  • أعمال شاملة لإعادة ترميم مسجد الدفتردار ونافورته التاريخية بجزيرة كوس اليونانية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/4/1447هـ - الساعة: 6:39
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب