• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحريم النفاق الأكبر وهو إظهار الإسلام وإبطان ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    أوقات النهي عن الصلاة (درس 2)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    المسلم بين النضوج والإهمال (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    ما ورد في معنى استغفار النبي صلى الله عليه وسلم
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    متى تزداد الطيبة في القلوب؟
    شعيب ناصري
  •  
    الثبات على الدين: أهميته، وأسبابه، وموانعه في ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (34) «من رأى ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    استشعار عظمة النعم وشكرها (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    فضل حلق الذكر والاجتماع عليه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الحياة مع القرآن
    د. مرضي بن مشوح العنزي
  •  
    فوائــد وأحكــام من قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    مرتكزات منهج التيسير في الشريعة الإسلامية
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    الجامع لغزوات نبينا صلى الله عليه وسلم
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    ومضة: ولا تعجز... فالله يرى عزمك
    نوال محمد سعيد حدور
  •  
    سلسلة آفات على الطريق (2): الإسراف في حياتنا ...
    حسان أحمد العماري
  •  
    نفحات تربوية من الخطب المنبرية (PDF)
    عدنان بن سلمان الدريويش
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

ما ورد في معنى استغفار النبي صلى الله عليه وسلم

ما ورد في معنى استغفار النبي صلى الله عليه وسلم
د. أحمد خضر حسنين الحسن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/9/2025 ميلادي - 30/3/1447 هجري

الزيارات: 92

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ما ورد في معنى استغفار النبي صلى الله عليه وسلم


1- في القرآن الكريم، ولنا معها هذه الوقفات:

الآية الأولى: قوله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [محمد:19]، قال القرطبي: قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ يحتمل وجهين:

أحدهما: يعني استغفر الله أن يقَع منك ذنبٌ.


الثاني: استغفر الله: ليَعصِمَك من الذنوب.

وقيل: لَما ذكر له حال الكافرين والمؤمنين أمَرَه بالثبات على الإيمان؛ أي: اثبت على ما أنت عليه من التوحيد والإخلاص والحذر عما تحتاج معه إلى استغفار، وقيل: الخطاب له والمراد به الأمة، وعلى هذا القول توجب الآية استغفار الإنسان لجميع المسلمين، وقيل: كان عليه السلام يضيق صدره من كفر الكفار والمنافقين، فنزلت الآية؛ أي: فاعلم أنه لا كاشف يكشِف ما بك إلا الله، فلا تعلِّق قلبك بأحد سواه، وقيل: أمر بالاستغفار لتقتدي به الأمة.

 

وفي آية أخرى قال تعالى: ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [الفتح: 2]، فذكر الذنب في حق الرسول صلى الله عليه وسلم رغم أنه معصوم، والعلماء حينما بحثوا مثل هذه الآيات قالوا: هي من باب: حسنات الأبرار سيئات المقربين.

 

ومعلوم أن المقربين درجة من درجات الطاعة والامتثال لله أعلى من درجة الأبرار؛ لأن الأبرار هم الذين يُطيعون الله ويفعلون الخيرات وينفذون الأوامر.

 

أما المقربون فهم الذين يزيدون على ذلك تقربًا إلى الله، حتى في عُرْف الناس المقرَّب منك هو الصديق الملازم لك الذي لا يُفارقك، ويُحبك ويخاف عليك، كذلك المقرب من الله له قانون آخر في التعامل غير قانون الأبرار، ومقياس آخر للحسنات والسيئات يناسب درجة قُربه من ربه عز وجل.

 

ترى لو أنك مثلًا مرِضت لا قدر الله، وجاءك أحدُ معارفك وزارك في مرضك ولو مرة واحدة، ماذا تفعل؟ تشكره وترى أنه أدى الواجب.

 

أما صديقك المقرب، فلو زارك مرة احدة مثله ماذا تفعل؟ تُعاتبه وتلومه؛ لأنك كنت تنتظر منه أكثر من زيارة، هذا هو معنى: حسنات الأبرار سيئات المقربين.

 

إذًا: الحسنة من الإنسان العادي قد تُعدُّ سيئة بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم مقَّرب، وللمقرب حسابٌ آخر، ولهذه القربى ثَمن، وكان الله يقول لك: حافظ على هذه الدرجة من القرب مني، وإياك أن يَحدُث منك ولو شيئًا يسيرًا بالنسبة لغيرك.


أو أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال: "رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه"، فقوله (عن أمتي) يعني: أنه غير داخل في هذا الحكم، فلا يجوز منه النسيان الذي يجوز من غيره، والنسيان في حقه إذًا يُعدُّ ذنبًا.


وقال الآلوسي رحمه الله تعالى:

والأمر في قوله تعالى: واستغفِر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات، قيل على معنى الثبات أيضًا، وجعل الاستغفار كنايةً عما يَلزمه من التواضع وهضم النفس، والاعتراف بالتقصير؛ لأنه صلى الله عليه وسلم معصوم أو مغفور، لا مُصر ذاهل عن الاستغفار، وقيل: التحقيق أنه تَوطئة لِما بعده من الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، ولعل الأَولى إبقاؤه على الحقيقة من دون جعله توطئة.

 

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يُكثر الاستغفار، والذنب بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام ترك ما هو الأولى بمنصبه الجليل، ورُبَّ شيءٍ حسنة من شخص سيئة من آخر؛ كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقد ذكروا أن لنبينا صلى الله عليه وسلم في كل لحظة عروجًا إلى مقام أعلى مما كان فيه، فيكون ما عرج منه في نظره الشريف ذنبًا بالنسبة إلى ما عرج إليه، فيستغفر منه، وحملوا على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (إنه ليُغان على قلبي)؛ الحديث، وفيه أقوال أُخر.

 

وقوله تعالى: وللمؤمنين على حذف مضاف بقرينة ما قبل؛ أي: ولذنوب المؤمنين، وأُعيد الجارُّ؛ لأن ذنوبهم جنسٌ آخر غير ذنبه عليه الصلاة والسلام، فإنها معاص كبائر وصغائر، وذنبه صلى الله عليه وسلم ترك الأَولى بالنسبة إلى منصبه الجليل، ولا يَبعُد أن يكون بالنسبة إليهم من أجل حسناتهم، قيل: وفي حذف المضاف وتعليق الاستغفار بذواتهم إشعارٌ بفرط احتياجهم إليه، فكأن ذواتهم عين الذنوب، وكذا فيه إشعار بكثرتها، وجوَّز بعضهم كون الاستغفار للمؤمنين بمعنى طلب المغفرة لهم، وطلب سببها كأمرهم بالتقوى، وفيه الجمع بين الحقيقة والمجاز، مع أن في صحته كلامًا، فالظاهر إبقاء اللفظ على حقيقته.

 

الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [الفتح: 2]؛ قال في التفسير الوسيط: ذكر- سبحانه - مظاهر فضله على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾، واللام في قوله: ﴿ لِيَغْفِرَ ﴾ متعلقة بقوله: فَتَحْنا وهي للتعليل، والمراد بما تقدم من ذنبه صلى الله عليه وسلم ما كان قبل النبوة، وبما تأخر منه ما كان بعدها.

 

والمراد بالذنب هنا بالنسبة له صلى الله عليه وسلم، ما كان خلاف الأولى، فهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، أو المراد بالغفران: الحيلولة بينه وبين الذنوب كلها، فلا يصدُر منه صلى الله عليه وسلم ذنب؛ لأن غفران الذنوب معناه: سترها وتغطيتها وإزالتها.


قال الشوكاني: وقوله - تعالى-: ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ﴾: اللام: متعلقة بفتحنا وهي لام العلة، قال المبرد: هي لام كي ومعناها: إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا - أي: ظاهرًا واضحًا مكشوفًا - لكي يجتمع لك مع المغفرة تمامُ النعمة في الفتح، فلما انضمَّ إلى المغفرة شيء حادثٌ واقع، حسُن معنى (كي).

 

وقال بعض العلماء:

وقوله: ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ﴾: هو كناية عن عدم المؤاخذة، أو المراد بالذنب ما فرط منه صلى الله عليه وسلم من خلاف الأولى بالنسبة لمقامه صلى الله عليه وسلم، أو المراد بالغفران: الحيلولة بينه وبين الذنوب كلها، فلا يصدر منه ذنب؛ لأن الغفر هو الستر، والستر إما بين العبد والذنب، وهو اللائق بمقام النبوة، أو بين الذنب وعقوبته، وهو اللائق بغيره.

 

والمعنى: يَسرنا لك هذا الفتح لإتمام النعمة عليك، وهدايتك إلى الصراط المستقيم، ولنصرك نصرًا عزيزًا، ولَما امتنَّ الله عليه بهذه النعم، صدَّرها بما هو أعظم، وهو المغفرة الشاملة ليجمع له بين عزَّي الدنيا والآخرة، فليست المغفرة مسببة عن الفتح.

 

ولقد كان صلى الله عليه وسلم مع هذه المغفرة من الله تعالى له - أعبدَ الناس لربه، وأشدهم خوفًا منه، وأكثرهم صلة به.

 

قال ابن كثير: قال الإمام أحمد عن المغيرة بن شعبة يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه؛ أي: تتورم، فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: (أفلا أكون عبدًا شكورًا).


وعن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه - أي: تتشقق - فقالت له عائشة: يا رسول الله، أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: (يا عائشة، أفلا أكون عبدًا شكورًا).


وهذا نص سؤال وجًّه إلى ركن الفتوى في وزارة الأوقاف الإماراتية:

قال تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: 1، 2].

 

كيف يغفر الله ذنبًا تقدم لمن هو معصوم من الخطأ؟ أليس الرسول صلى الله عليه وسلم معصومًا من الخطأ؟ فكيف ارتكب ذنبًا؟ هذا سؤال سأله لي أحد الناس ولم أستطع الإجابة عليه لقلة علمي، أفيدوني أفادكم الله.

 

نص الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فجزاك الله خيرًا أيها الأخ السائل على سؤالك، زادك الله حرصًا، وبارك فيك، واعلم رعاك الله أن الجواب عن هذه المسألة من جانبين:

أما الجانب الأول - وهو مسألة عصمة الأنبياء - فقد اتفقت الأمة على أن الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام معصومون في أمر الرسالة، وأنهم لا تقع منهم الكبائر، وكذا الصغائر التي تحطُّ من قدرهم وتزري بفاعلها، قال الإمام ابن بطال رحمه الله في شرح البخاري: "أجمعت الأمة على أنهم معصومون في الرسالة، وأنه لا تقع منهم الكبائر؛ ا.هـ، أما باقي الصغائر، ففي عصمتهم منها خلاف بين العلماء: فقد ذهب بعض المحققين إلى عصمتهم من الجميع، وتأوَّلوا وقوع هذا منهم على سبيل السهو، أو أن الله أَذِنَ لهم فيها، وأنهم أشفقوا من المؤاخذة فيها، وذلك حتى يكونوا أهلًا للبلاغ عنه، ومحلًّا لتلقي الوحي، ولِيحسُن اتباع الناس لهم، وإلا لَما صحَّ اتباعنا لهم، وصحَّح هذا الرأي القاضي عياض رحمه الله"؛ اهـ.

 

الجانب الثاني: وهو قوله تعالى: ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾، وهو استشكال مَفاده أن الله تعالى قد تكفل بمغفرة ذنوبه صلى الله عليه وسلم، فكيف يغفر الله ذنب نبيه صلى الله عليه وسلم وهو معصوم من الخطأ؟

 

والجواب على هذا من وجوه:

الأول: قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم معصوم من الكبائر والصغائر كلها على التحقيق كما أسلفنا.

 

الثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلق، وقد منَحه الله تعالى المنح العظيمة، وأعطاه الدرجة العالية والمنزلة المنيفة، وجمع له كلَّ كمال بشري لم يجتمع في بشرٍ قبله ولا بعده لا من الأنبياء ولا من غيرهم، وفي هذا تشريفٌ عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومقتضى كل هذه العطايا والمنح أن يُقابلها صلى الله عليه وسلم بالقيام بواجب شكر الله تعالى عليها، وقد قام صلى الله عليه وسلم بذلك، وبذل الشكر على النعم قدر طاقته، واستفرَغ ما في وسعه من أجل تحقيق الشكر، ولذا كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، وفي رواية (تتصدع)، وفي رواية (تتشقق)، وفي رواية (تتورَّم)، وكان يجيب عن ذلك بسعادة بالغة، وراحة تامة: (أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا؟)، وأنفق ماله في سبيل الله، وكان يواصل الصيام، ويعفو عمن أساء إليه أو ظلَمه، إلى غير ذلك، وهو صلوات الله وسلامه عليه في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم يَنلها بشرٌ سواه، لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو أكمل البشر على الإطلاق، وسيدهم في الدنيا والآخرة.

 

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخلوق وهو بشرٌ، والبشر والمخلوق يَعتريه الضعف والعجز، مهما صلى وقام، وعبد وصام، وذكر وتضرَّع، ودعا وجاهد، وبذل وصبر لله تعالى، فلما علم الله تعالى هذه العجز من نبيه صلى الله عليه وسلم بعد استفراغ طاقته وجهده؛ لينهض بواجب الشكر عليه، خفَّف الله عنه وغفر له عجزه الذي لا قدرة له صلى الله عليه وسلم على تجاوزه مهما قدَّم من طاعة، أو بذل من عبادة.


قال الإمام ابن بطال في شرحه نقلًا عن الإمام الطبري رحمهما الله: كان يسأل ربه في صلاته حين اقترب أجله، وبعد أن أنزل عليه: ﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر:1] ناعيًا إليه نفسه فقال له: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر:3]، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة"، فكان هذا مِن فعله في آخر عمره وبعد فتح مكة، وقد قال الله تعالى له: ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [الفتح:2]، باستغفارك منه، فلم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يغفر له ذنبًا قد غفر له، وإنما غفر له ذنبًا وعدَه مغفرته له باستغفاره، ولذلك قال: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر:3].

 

قال ابن بطال: وفيها قول آخر يحتمل - والله أعلم - أن يكون دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - ليغفر الله له ذنبه على وجه ملازمة الخضوع لله تعالى، واستصحاب حال العبودية والاعتراف بالتقصير شكرًا لِما أولاه ربُّه تعالى مما لا سبيل له إلى مكافأة بعملٍ، فكما كان يصلي - صلى الله عليه وسلم - حتى تَرِم قدماه، فيقال له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيقول: "أفلا أكون عبدًا شكورًا"، فكان اجتهاده في الدعاء، والاعتراف بالذلل والتقصير، والإعواز والافتقار إلى الله تعالى شكرًا لربه، كما كان اجتهاده في الصلاة حتى ترم قدماه شكرًا لربه؛ إذ الدعاء لله تعالى من أعظم العبادة له، وليَسُنَّ ذلك لأمته - صلى الله عليه وسلم - فيستشعروا الخوف والحذر، ولا يركَنوا إلى الأمن، وإن كثُرت أعمالهم وعبادتهم لله تعالى، وقد رأيت المحاسبي أشار إلى هذا المعنى فقال: خوف الملائكة والأنبياء لله تعالى هو خوف إعظامٍ؛ لأنهم آمنون في أنفسهم بأمان الله لهم، فخوفهم تعبُّد لله إجلالًا وإعظامًا؛ اهـ.

 

الثالث: أنه لا يلزم من مغفرة الله لذنوبه وقوعُ الذنب منه صلى الله عليه وسلم ابتداءً، بل لو وقع منه صلى الله عليه وسلم لوقع مغفورًا، قال صاحب مرعاة المفاتيح: قيل: هو محمول على ترك الأولى، وسُمي ذنبًا لعِظم قدره - صلى الله عليه وسلم - كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، قيل: المراد: لو وقع منك ذنب لكان مغفورًا، ولا يلزم مِن فرض ذلك وقوعه، والله أعلم.

 

وقال الإمام المناوي رحمه الله في فيض القدير عند تعليقه على حديثه صلى الله عليه وسلم: "إنه لَيُغَان على قلبي"، قال العارف الشاذلي: هذا غين أنوار لا غين أغيار؛ لأنه كان دائم الترقي، فكلما توالت أنوار المعارف على قلبه ارتقى إلى رُتبة أعلى منها، فيعد ما قبلها كالذنب؛ اهـ، والله تعالى أعلم[1].


للاستغفار في حياته - صلى الله عليه وسلم - شأنٌ عظيم، واهتمام بالِغ، ومِمَّا يدلُّ على ذلك:

1- أنه كان يُكثر من الاستغفار في مَجالسه العامة والخاصة؛ ففي الصحيحين: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (والله إنِّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثرَ من سبعين مرة).

 

2- وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: "حسن صحيح"، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "إنَّا كنا لنعدُّ لرسول الله في المجلس: (ربِّ اغفر لي وتُب عليَّ؛ إنك أنت التوَّاب الرحيم) مائة مرة."

 

3-أنه كان يكثر من الاستغفار في أدعيته عامَّة؛ كما جاء في البخاري: عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدعو بِهذا الدعاء: (ربِّ اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري كلِّه، وما أنت أعلم به منِّي، اللهم اغفِر لي خطاياي وعمدي، وجهلي وهَزْلي، وكلُّ ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، وأنت على كلِّ شيء قدير).

 

4- أنه كان يستغفر الله في ركوعه وسجوده: فبَعد أن نزلتْ عليه سورة النصر لتُعْلِمه بقُرب أجله، وانتقاله إلى ربِّه، ما ترك الاستغفار بعد نزولها؛ كما في البخاري ومسلم: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما صلَّى النبِيُّ صلاة بعد أن نزلت: ﴿إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: 1]، إلاَّ يقول فيها: (سبحانك ربَّنا وبِحَمدك، اللهم اغفر لي).

 

5- وفي صحيح مسلم وغيره عنها - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِر أن يقولَ في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربَّنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)؛ يتأوَّل القرآن".

 

6- وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن حبان عن الأغر المزني رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليُغان على قلبي، وإني لأَستغفر الله كل يوم مائة مرة).

 

7- وأخرج النسائي وابن ماجه وغيرهما عن أبي موسى قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصبحت غداةً قط إلا استغفرتُ الله فيها مائة مرة).

 

8- وأخرج أبو داود والترمذي، وصححه والنسائي وابن ماجه وجماعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (إنَّا كنا لنَعُدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول: رب اغفر لي وتُب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة)، وفي لفظ: (التواب الغفور)، إلى غير ذلك من الأخبار الصحيحة.



[1] موقع الأوقاف وزارة الإماراتية - رقم الفتوى( 8277 20) - يناير-2010 ) .





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة
  • حديث: استغفار النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين والمؤمنات كل جمعة

مختارات من الشبكة

  • معنى الحال ورفع المضارع بعد الواو(مقالة - حضارة الكلمة)
  • معنى الحال ونصب المضارع بعد واو المعية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • معنى عالمية الدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح متن طالب الأصول: (1) معنى البسملة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • واو الحال وتعريف الحرف(مقالة - حضارة الكلمة)
  • واو الحال وواو المصاحبة في ميزان المعنى(مقالة - حضارة الكلمة)
  • واو الحال بين إعرابها وتفسيرها(مقالة - حضارة الكلمة)
  • لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نظم ما ورد من أسماء خيل النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أخبارها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما ورد من دفاع الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم في المعوذتين(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدرسة إسلامية جديدة في مدينة صوفيا مع بداية العام الدراسي
  • ندوة علمية حول دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية بمدينة سراييفو
  • مركز تعليمي إسلامي جديد بمنطقة بيستريتشينسكي شمال غرب تتارستان
  • 100 متطوع مسلم يجهزون 20 ألف وجبة غذائية للمحتاجين في مينيسوتا
  • مسابقة الأحاديث النبوية تجمع أطفال دورات القرآن في بازارجيك
  • أعمال شاملة لإعادة ترميم مسجد الدفتردار ونافورته التاريخية بجزيرة كوس اليونانية
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 30/3/1447هـ - الساعة: 7:8
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب