• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    وجادلهم بالتي هي أحسن (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    خطبة: كيف نربي شبابنا على العقيدة الصافية؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    مع بداية العام الدراسي (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    حقيقة الدنيا في آية
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    لأنه من أهل بدر
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    بيان كريم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مما لا ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { قل آمنا بالله وما ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    ذكر الله حياة القلوب
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تحريم جعل الله عرضة للأيمان
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    ما مر بي بؤس قط
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    بين الخوف والرجاء
    إبراهيم الدميجي
  •  
    البخاري والدولة الأموية والعباسية: دراسة علمية في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    من محاسن الدين الإسلامي وجود بدائل لكل عمل صالح ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون ...
    الشيخ حسن حفني
  •  
    أمران من عقائد النصارى أبطلهما القرآن بسهولة ويسر ...
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
  •  
    استحباب أن يقدم المسلم صدقة بين يدي صلاته ودعائه
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

بيان كريم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مما لا يحيط به وصف

بيان كريم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مما لا يحيط به وصف
د. أحمد خضر حسنين الحسن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/8/2025 ميلادي - 2/3/1447 هجري

الزيارات: 59

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بيان كريم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مما لا يحيط به وصف

 

اعلم أن الكلام في أخلاقه الشريفة وصفاته المنيفة، يحتاج إلى عدد من المجلدات الكبيرة، ولكن على حسب المقام أكتفي بذكر ثلاث آيات وبعض الأحاديث النبوية:

الأولى: قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90].

 

قال السعدي - رحمه الله -: ﴿ أُولَئِكَ ﴾ المذكورون ﴿ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾؛ أي: امش - أيها الرسول الكريم - خلف هؤلاء الأنبياء الأخيار، واتَّبع ملتهم، وقد امتثل صلى الله عليه وسلم، فاهتدى بهدي الرسل قبله، وجمع كل كمال فيهم، فاجتمعت لديه فضائل وخصائص، فاق بها جميع العالمين، وكان سيد المرسلين، وإمام المتقين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وبهذا الملحظ استدل بهذه من استدل من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل كلهم)؛ اهـ.

 

قلت: هذا كلام صحيح وحقٌّ في حق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه مجمل وتفاصيله موجودة في كتب السيرة النبوية والأحاديث الشريفة، فلا يكاد نبي من الأنبياء السابقين تعرَّض لموقف ظهر فيه حُسن خلقه، إلا وتعرَّض النبي صلى الله عليه وسلم لموقف مثله أو أشد منه، فتجد منه التخلق بالخلق الكريم في الوقت المناسب.


ولربما يسأل سائل: فأين الميزة هنا؟ وما وجه الموازنة؟ فالجواب أن تلك الأخلاق كانت مفرقة في الأنبياء عليهم السلام، فاجتمعت فيه صلى الله عليه وسلم، ورحِم الله البوصيري حيث أشار إلى هذا المعنى بقوله:

فاق النبيين في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ
ولم يُدانُوه في عِلمٍ ولا كَرَمِ

وموضع الشاهد في الشطر الأول (وفي خُلُقٍ)؛ أي: كان عنده من مكارم الأخلاق ما فاق بها جميع الأنبياء عليهم السلام، فلم يدانوه فيها؛ أي: لم يكونوا مقاربين له في خلقه على ما هم عليه من جميل الخلال ومكارم الأخلاق، فالفرق بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم بيِّن وواضحٌ.

 

قال الفخر الرازي: في الآية مسائل:

المسألة الأولى: لا شبهة في أن قوله: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾: هم الذين تقدم ذكرهم من الأنبياء، ولا شك في أن قوله: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) أمرٌ لمحمد - عليه الصلاة والسلام - وإنما الكلام في تعيين الشيء الذي أمر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقتدي فيه بهم:

فمن الناس من قال: المراد أنه يقتدي بهم في الأمر الذي أجمعوا عليه، وهو القول بالتوحيد والتنزيه عن كل ما لا يليق به في الذات والصفات والأفعال.

 

وقال آخرون: المراد الاقتداء بهم في جميع الأخلاق الحميدة والصفات الرفيعة الكاملة من الصبر على أذى السفهاء والعفو عنهم.

 

وقال آخرون: المراد الاقتداء بهم في شرائعهم إلا ما خصَّه الدليل، وبهذا التقدير كانت هذه الآية دليلًا على أن شرع مَن قبلنا يَلزَمُنا.

 

المسألة الثانية: احتج العلماء بهذه الآية على أن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أفضل من جميع الأنبياء - عليهم السلام - وتقريره: هو أنَّا بيَّنا أن خصال الكمال وصفات الشرف، كانت مفرقة فيهم بأجمعهم، فداود وسليمان كانا من أصحاب الشكر على النعمة، وأيوب كان من أصحاب الصبر على البلاء، ويوسف كان مستجمعًا لهاتين الحالتين، وموسى - عليه السلام - كان صاحب الشريعة القوية القاهرة والمعجزات الظاهرة، وزكريا، ويحيى، وعيسى، وإلياس، كانوا أصحاب الزهد، وإسماعيل كان صاحب الصدق، ويونس صاحب التضرع، فثبت أنه تعالى إنما ذكر كل واحد من هؤلاء الأنبياء؛ لأن الغالب عليه كان خصلة معينة من خصال المدح والشرف، ثم إنه تعالى لما ذكر الكل، أمَر محمدًا - عليه الصلاة والسلام - بأن يقتدي بهم بأسْرهم، فكان التقدير كأنه تعالى أمر محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع من خصال العبودية والطاعة كل الصفات التي كانت مفرقة فيهم بأجمعهم، ولما أمره الله تعالى بذلك، امتنع أن يقال: إنه قصَّر في تحصيلها، فثبت أنه حصَّلها، ومتى كان الأمر كذلك، ثبت أنه اجتمع فيه من خصال الخير ما كان متفرقًا فيهم بأسْرهم، ومتى كان الأمر كذلك، وجب أن يقال: إنه أفضل منهم بكُليتهم، والله أعلم.

 

وقال في تفسير المنار: وقد شهِد الله تعالى بأنه جاء بالحق وصدق المرسلين، وأنه لم يكن بدعًا من الرسل، فعلم بهذا أنه كان مهتديًا بهداهم كلهم، وبهذا كانت فضائله ومناقبه الكسبية أعلى من جميع مناقبهم وفضائلهم؛ لأنه اقتدى بها كلها، فاجتمع له من الكمال ما كان متفرقًا فيهم، إلى ما هو خاص به دونهم، ولذلك شهد الله تعالى له بما لم يشهد به لأحد منهم، فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

 

وأما فضائله وخصائصه الوهبية، فأمر تفضيله عليهم فيها أظهرُ، وأعظمها عموم البعثة، وختم النبوة والرسالة، وإنما كمال الأشياء في خواتيمها، صلى الله عليه وعليهم أجمعين.

 

الثانية: قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].


قال القرطبي: قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ فيه مسألتان:

الأولى: قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾، قال ابن عباس ومجاهد: "على خُلق": على دين عظيم من الأديان، ليس دين أحبَّ إلى الله تعالى ولا أرضى عنده منه، وفي صحيح مسلم عن عائشة أن خلقه كان القرآن، وذكر أقولًا أُخَر، ثم قال: وحقيقة الخلق في اللغة: هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب يسمى خُلُقًا؛ لأنه يصير كالخلقة فيه، وقد أوضح الأعشى ذلك في شعره، فقال:

وإذا ذُو الفضول ضَنَّ على المو
لَى وعادت لخيمها الأخلاقُ

أي: رجعَت الأخلاق إلى طبائعها.

 

قال القرطبي رحمه الله تعالى: ما ذكرته عن عائشة في صحيح مسلم أصح الأقوال، وسُئلت أيضًا عن خلقه عليه السلام، فقرأت ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: 1] إلى عشر آيات، وقالت: ما كان أحد أحسن خُلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال لبيك، ولذلك قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾، ولم يُذكَر خلقٌ محمود إلا وكان للنبي صلى الله عليه وسلم منه الحظ الأوفر.

 

وقال الجنيد رحمه الله تعالى: سُمي خلقه عظيمًا؛ لأنه لم تكن له همة سوى الله تعالى، وقيل: سُمي خلقه عظيمًا لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، يدل عليه قوله عليه السلام: (إن الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق، وكمال محاسن الأفعال)[1]، وقيل: لأنه امتثل تأديب الله تعالى إياه بقوله تعالى: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين). انتهى باختصار.

 

وعن سفيان بن عيينة أنه كان يقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر، فعليه تعرض الأشياء، على خلقه وسيرته وهدْيه، فما وافَقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل)[2].


فائدتان:

الأولى: قال في التفسير الوسيط: والتعبير بلفظ (على) يشعُر بتمكُّنه صلى الله عليه وسلم ورسوخه في كل خلق كريم، وهذا أبلغ ردٍّ على أولئك الجاهلين الذين وصفوه بالجنون؛ لأن الجنون سفه لا يَحسُن معه التصرف، أما الخلق العظيم، فهو أَرْقى منازل الكمال، في عظماء الرجال، وإن القلم ليَعجِز عن بيان ما اشتملت عليه هذه الآية الكريمة مِن ثناءٍ مِن الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم.

 

الثانية: قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره هذه الآية ما ملخصه: قال قتادة: ذكر لنا أن سعد بن هشام سأل السيدة عائشة عن معنى هذه الآية، فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن، ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمرًا ونهيًا، سجية له وخلقًا وطبعًا، فمهما أمره القرآن فعَله، ومهما نهاه عنه ترَكه، هذا ما جبَله الله عليه من الخلق الكريم؛ كالحكمة، والعفة، والشجاعة، والعدالة.

 

وكيف لا يكون صلى الله عليه وسلم جماعَ كلِّ خلقٍ عظيم وهو القائل: (إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق)[3].

 

الثالثة: قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].


قال الرازي: فيه مسائل:

المسألة الأولى: اعلَم أنه تعالى لَما أمر رسوله عليه السلام أن يبلغ في هذه السورة إلى الخلق تكاليف شاقة شديدة صعبة يَعسر تحمُّلُها، إلا لِمَن خصَّه الله تعالى بوجوه التوفيق والكرامة - ختَم السورة بما يوجب سهولةَ تحمُّل تلك التكاليف، وهو أن هذا الرسول منكم، فكل ما يحصل له من العز والشرف في الدنيا فهو عائد إليكم، وأيضًا فإنه بحال يشق عليه ضررُكم، وتعظُم رغبتُه في إيصال خير الدنيا والآخرة إليكم، فهو كالطبيب المشفق والأب الرحيم في حقكم، والطبيب المشفق ربما أقدم على علاجات صعبة يعسر تحمُّلها، والأب الرحيم ربما أقدم على تأديبات شاقة، إلا أنه لما عرف أن الطبيب حاذق، وأن الأب مشفق، صارت تلك المعالجات المؤلمة متحملة، وصارت تلك التأديبات جارية مجرى الإحسان، فكذا ها هنا لَما عرَفتم أنه رسول حق من عند الله، فاقبَلوا منه هذه التكاليف الشاقة لتفوزوا بكل خير، ثم قال للرسول عليه السلام: فإن لم يَقبلوها، بل أعرضوا عنها وتولَّوا، فاترُكهم ولا تلتفت إليهم، وعوِّل على الله، وارجع في جميع أمورك إلى الله، ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129]، وهذه الخاتمة لهذه السورة جاءت في غاية الحسن ونهاية الكمال.

 

المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى وصف الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بخمسة أنواع من الصفات:

الصفة الأولى: قوله: ﴿ مِنْ أَنفُسِكُمْ ﴾، وفي تفسيره وجوه - أقربها إلى الصواب وجهان -:

الأول: يريد أنه بشر مثلكم؛ كقوله: ﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ﴾ [يونس: 2]، وقوله: ﴿ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾ [فصلت: 6]، والمقصود أنه لو كان من جنس الملائكة لصعب الأمر بسببه على الناس، على ما مرَّ تقريره في سورة الأنعام.

 

والثاني: ﴿ مِنْ أَنفُسِكُمْ ﴾؛ أي من العرب، قال ابن عباس: ليس في العرب قبيلة إلا وقد ولدت النبي عليه السلام بسبب الجدات، مُضرها وربيعها ويَمانيها، فالمضريون والربيعيون هم العدنانية، واليمانيون هم القحطانية، ونظيره قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [آل عمران: 164]، والمقصود منه ترغيب العرب في نُصرته، والقيام بخدمته، كأنه قيل لهم: كل ما يحصل له من الدولة والرِّفعة في الدنيا، فهو سببٌ لعزكم ولفخركم؛ لأنه منكم ومِن نسبِكم.

 

الصفة الثانية: قوله تعالى: ﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾، اعلَم أن العزيز هو الغالب الشديد، والعزة هي الغلبة والشدة، فإذا وصلت مشقة إلى الإنسان عرَف أنه كان عاجزًا عن دفعها؛ إذ لو قدِر على دفعها لما قصَّر في ذلك الدفع، فحيث لم يدفعها، علم أنه كان عاجزًا عن دفعها، وأنها كانت غالبة على الإنسان، فلهذا السبب إذا اشتدَّ على الإنسان شيء قال: عزَّ عليَّ هذا، وأما العنت فيقال: عنت الرجل يَعنت عنتًا: إذا وقَع في مشقة وشدة لا يُمكنه الخروج منها.

 

ومنه قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 25]، وقوله: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ ﴾ [البقرة: 220]، وقال الفراء: ﴿ مَا ﴾ في قوله: ﴿ مَا عَنِتُّمْ ﴾ في موضع رفع، والمعنى: عزيزٌ عليه عنتُكم، أي يشق عليه مكروهُكم، وأَولى المكاره بالدفع مكروه عقاب الله تعالى، وهو إنما أُرسل ليدفع هذا المكروه.

 

والصفة الثالثة: قوله: ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ﴾، والحرص يمتنع أن يكون متعلقًا بذواتهم، بل المراد حريص على إيصال الخيرات إليكم في الدنيا والآخرة.


واعلَم أن على هذا التقدير يكون قوله: ﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾، معناه: شديدة معزته عن وصول شيء من آفات الدنيا والآخرة إليكم، وبهذا التقدير لا يحصل التكرار؛ قال الفراء: الحريص الشحيح، ومعناه: أنه شحيح عليكم أن تدخلوا النار، وهذا بعيد؛ لأنه يوجب الخلو عن الفائدة.

 

والصفة الرابعة والخامسة: قوله: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾، قال ابن عباس رضي الله عنهما: سماه الله تعالى باسمين من أسمائه، وقد سبق بيان هذا في الفصل السابق.

 

وقال ابن كثير: وقوله تعالى: ﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾: أي: يَعز عليه الشيء الذي يُعنت أمتَّه، ويشق عليها، ولهذا جاء في الحديث المروي من طرق عنه أنه قال: "بُعثت بالحنيفية السمحة"، وفي الصحيح: "إن هذا الدين يُسر، وشريعته كلها سهلة سمحة كاملة، يسيرة على من يسَّرها الله تعالى عليه".

 

﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ﴾؛ أي: على هدايتكم، ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم، ثم ذكر رحمه الله آثارًا تدل على حرصه صلى الله عليه وسلم على الأمة:

1- عن أبي ذر قال: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يَقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكر لنا منه علمًا، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بقي شيء يقرِّب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم"؛ رواه الطبراني.

 

2- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يحرِّم حرمة إلا وقد علِم أنه سيَطَّلعها منكم مُطَّلعٌ، ألا وإني آخذ بِحُجَزكم أن تَهافتوا في النار كتهافت الفَراش أو الذباب"؛ رواه أحمد.

 

3- عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ملكان فيما يرى النائم، فقعد أحدهما عند رجليه، والآخر عند رأسه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمته، فقال: إن مثله ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى رأس مفازة، ولم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة، ولا ما يرجعون به، فبينما هم كذلك، إذ أتاهم رجل في حُلة حبرة، فقال: أرأيتم إن وردت بكم رِياضًا مُعْشِبة وحِياضًا رِواءً تتبعوني؟ فقالوا: نعم، قال: فانطلق بهم، فأوردهم رياضًا معشبة، وحياضًا رواء، فأكلوا وشربوا وسمنوا، فقال لهم: ألم ألفكم على تلك الحال، فجعلتم لي إن وردت بكم رياضًا معشبة وحياضًا رواءً أن تتبعوني؟ فقالوا: بلى، فقال: فإن بين أيديكم رياضًا هي أعشب من هذه، وحياضًا هي أروى من هذه، فاتبعوني، فقالت طائفة: صدق والله لَنَتَّبِعَنَّهُ، وقالت طائفة: قد رضينا بهذا نقيم عليه)؛ رواه أحمد.


4- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينه في شيء، قال عكرمة: أراه قال: في دم، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، ثم قال: "أحسنت إليك"، قال الأعرابي: لا، ولا أجملت، فغضب بعض المسلمين، وهموا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أن كفُّوا، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله، دعا الأعرابي إلى البيت، فقال: "إنك إنما جئتنا تسألنا، فأعطيناك، فقلت ما قلت"، فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، وقال: "أحسنت إليك؟"، فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك، فقلت ما قلت، وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء، فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب عن صدورهم"، فقال: نعم، فلما جاء الأعرابي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن صاحبكم كان جاء فسألنا فأعطيناه، فقال ما قال، وإنا قد دعوناه فأعطيناه، فزعم أنه قد رضي، كذلك يا أعرابي؟"، فقال الأعرابي: (نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة، فشردت عليه، فاتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفورًا، فقال لهم صاحب الناقة: خلُّوا بيني وبين ناقتي، فأنا أَرفق بها، وأنا أعلم بها، فتوجه إليها، وأخذ لها من قتام الأرض، ودعاها حتى جاءت واستجابت، وشد عليها رحلَها، وإني لو أطعتكم حيث قال ما قال، لدخل النار)[4].

 

وكمال حُسن الخلق في الأدب ولم يكن أحدٌ أكمل منه أدبًا صلوات الله عليه، فقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (أدَّبني ربي فأحسن تأديبي)[5].



[1] مشكاة المصابيح – للعلامة محمد بن عبد الله المعروف بالخطيب التبريزي - حديث رقم (5770).

[2] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع- للعلامة أبي بكر أحمد بن علي المعروف بالخطيب البغدادي، (1 /9).

[3] رواه البخاري في الأدب المفرد رقم (273)، وأحمد والحاكم وغيرهم، وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/ 75): وهذا إسناد حسن، وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي.

[4] مسند البزار 2 /465، وفي سنده ضعف، وذكره ابن الجوزي في كتابه الوفا بتعريف فضائل المصطفى 305 .

[5] رواه ابن السمعاني في أدب الإملاء والاستملاء ص 1، ونسبه السخاوي في المقاصد ص 29 للعسكري في الأمثال، وضعفه أيضًا الألباني؛ انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة 1 /101 -102، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن معناه صحيح، ولكن لا يعرف به إسناد ثابت؛ (انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 18 /375).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من فضائل النبي: إعلام الله تعالى لأهل الكتاب وسائر الأمم بأوصافه الخَلْقية والخُلُقية
  • من فضائل النبي: إعطاؤه حق التشريع دون غيره من المرسلين
  • من فضائل النبي: أكرمه الله تعالى بخير الشرائع وأفضلها وأيسرها وأدومها
  • من فضائل النبي: جعل الله له نورا في نفسه وقلبه وفي أعضائه الشريفة كلها ونورا من حوله
  • من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم: رفقه بالناس على اختلاف طبقاتهم
  • من فضائل النبي: أدبه مع الناس
  • بيان اتصاف النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة
  • حديث القرآن عن خلق الأنبياء عليهم السلام

مختارات من الشبكة

  • بيان فضل علم النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان اتصاف الأنبياء عليهم السلام بالرحمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان ما يتعلق بعلوم بعض الأنبياء عليهم السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان نسبة القول أو الفعل إلى الله تعالى وهو قول أو فعل الملائكة بأمره (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • خطابات الضمان، تحرير التخريج، وبيان الحكم، ومناقشة البدائل (PDF)(كتاب - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • مختارات من كتاب الإسلام: في بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام(كتاب - موقع الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر)
  • عصمة النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • هل من خصائص النبي محمد عليه الصلاة والسلام أنه لا يورث دون غيره من الأنبياء؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان شيء من أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاربات بيانية إيمانية لسورة الفجر(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • 51 خريجا ينالون شهاداتهم من المدرسة الإسلامية الأقدم في تتارستان
  • بعد ست سنوات من البناء.. افتتاح مسجد أوبليتشاني في توميسلافغراد
  • مدينة نازران تستضيف المسابقة الدولية الثانية للقرآن الكريم في إنغوشيا
  • الشعر والمقالات محاور مسابقة "المسجد في حياتي 2025" في بلغاريا
  • كوبريس تستعد لافتتاح مسجد رافنو بعد 85 عاما من الانتظار
  • 57 متسابقا يشاركون في المسابقة الرابعة عشرة لحفظ القرآن في بلغاريا
  • طلاب هارفارد المسلمون يحصلون على مصلى جديد ودائم بحلول هذا الخريف
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/3/1447هـ - الساعة: 0:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب