• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الشيطان وما الشيطان!
    إبراهيم الدميجي
  •  
    الاطلاع والانتفاع بما قال فيه الرسول - صلى الله ...
    بكر البعداني
  •  
    خطبة: اتق المحارم تكن أعبد الناس
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    إفادة خبر الآحاد للعلم بين مقاييس أهل الحديث ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    من مائدة السيرة: إيذاء قريش للمسلمين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خالق الناس بخلق حسن (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    فضل زيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    مدينة أشباح
    سمر سمير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { قل آمنا بالله وما أنزل علينا ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    خطبة: فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الحرص على الوقت (خطبة)
    أحمد إبراهيم الجوني
  •  
    خاطرة تربوية: على ضفاف حالة
    د. عوض بن حمد الحسني
  •  
    تحريم الحلف بالله تعالى كذبا
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    حديث القرآن عن خلق الأنبياء عليهم السلام
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    فوائد وعبر من قصة قارون (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

إفادة خبر الآحاد للعلم بين مقاييس أهل الحديث وتوظيفات المتكلمين

إفادة خبر الآحاد للعلم بين مقاييس أهل الحديث وتوظيفات المتكلمين
د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/8/2025 ميلادي - 25/2/1447 هجري

الزيارات: 85

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إفادَةِ خبرِ الآحاد للعلم

بين مقاييس أهل الحديث وتوظيفات المتكلمين

 

الحمد لله..

لم يعد من دواعي التعجب، عند مطالعة كتب مثيري الشبهات، ما يظهر فيها من تغافل متعمَّد عن النقول التي لا توافق أهواءهم، فكثيرًا ما يُعرض عن عشرات، بل مئات النصوص التي تزخر بها كتب أهل العلم في بيان فضائل الإمام البخاري و«صحيحه»، وإظهار مكانته في علم الحديث وإمامته فيه، في الوقت الذي يُبرَز فيه كلام من خالفه، ويُرفع شأنه ويُثنى عليه، ويُجعل نقله حجة مقدمة. ولو التزموا الإنصاف ما تغافلوا عن تلك النقولات، ولو تحرَّوا العدل لعرضوا الصورة كاملة، ومن شواهد هذا المسلك ما ذكره أحدهم في كتابه حين تطرَّق إلى انتقاد بعض العلماء للبخاري؛ حيث قال - بنص عبارته- ما يأتي:

«ابن برهان ت 514 هجریًّا: كان ابن برهان حنبلي المذهب، ثم انتقل إلى المذهب الشافعي، وكان متبحرًا في الفقه وأصوله والخلاف، وكان حادَّ الذهن، سريع الحفظ، مواظبًا على العلم، حتى صار يُضرب به المثل. يقول في كتابه «الوصول إلى الأصول» الجزء الثاني: «خبر الواحد لا يفيد العلم، خلافًا لبعض أصحاب الحديث فإنهم زعموا أن ما رواه مسلم والبخاري مقطوع بصحته، وعمدتنا أن العلم لو حصل بذلك لحصل لكافة الناس كالعلم بالأخبار المتواترة». وقال: «لأن البخاري ليس معصومًا عن الخطأ، فلا نقطع بقوله؛ لأن أهل الحديث وأهل العلم غلطوا مسلمًا والبخاري وثبتوا أوهامهما، ولو كان قولهما مقطوعًا به لاستحال عليهما ذلك».

 

هذه أمثلة من العلماء القدامى الذين نقدوا متون الأحاديث التي أوردها البخاري بكتابه، بالرغم من صحة سندها في الأغلب، وذلك لأسباب حقيقية منطقية، فمنها ما يتنافى مع عدل الله تعالى، ومنها ما يتنافى مع التاريخ، ومنها ما يتنافى مع اتصال السند، ومنها ما يتنافى مع الأصح، ومنها ما يتنافى مع شروط صحة الرجال.. وهكذا»؛ انتهى.

 

هنا نحتاج أن نتكلم باختصار عن عدة أمور:

الأمر الأول: إفادَة خبرِ الآحاد للعلم بين مقاييس أهل الحديث وتوظيفات المتكلمين:

يثير بعض المعاصرين شبهة قديمة جديدة تتعلق بحجية خبر الآحاد، مستندين إلى قول الإمام أبي الحسين ابن برهان (ت 518هـ) في كتابه «الوصول إلى علم الأصول» (2 / 172 - 174)، حيث صرَّح بأن «خبر الواحد لا يفيد العلم، خلافًا لبعض أصحاب الحديث، فإنهم زعموا أن ما رواه مسلم والبخاري مقطوع بصحته». ويستدل أصحاب هذه الشبهة بهذا القول للطعن في بعض الأحاديث التي وردت في «الصحيحين»، بدعوى أنها مخالفة للعدل، أو للعقل، أو للواقع التاريخي، وتستلزم هذه الدعوى بيانًا علميًّا مؤصَّلًا يُفَكِّك الشبهة ويوضح الخلط بين أقوال العلماء في سياقها الأصيل، وبين توظيفها في سياق الطعن الحديثي.

 

موقف ابن برهان ومسلك المتكلمين في خبر الآحاد:

لم يكن ابن برهان شاذًّا في قوله، بل مثَّل قول طائفة من المتكلمين والأصوليين، ممن يرون أن خبر الواحد لا يفيد العلم بذاته، إلا إذا انضمَّت إليه قرائن متعدِّدة، وهذا الرأي مبني على قياس خبر الآحاد على الأخبار المتواترة، من حيث عموم الإفادة القطعية لكل أحد، وقد اعترض أهل الحديث على هذا المعيار، وعدُّوه متكلفًا؛ إذ يشترط ما لا يشترطه الشرع في باب العمل والاعتقاد، وقد قرر علماء الحديث أن خبر الآحاد الثقة يفيد العلم إذا احتفت به القرائن، خصوصًا إذا ورد في الصحيحين، وتلَقَّتْه الأمة بالقبول[1].

 

تلقي الأمة للصحيحين بالقبول قرينة قطعية:

ادِّعاء أن أحاديث الصحيحين مجرد آحاد لا تفيد العلم هو إسقاط لقرينة التلقي بالقبول التي تجعل خبر الواحد هنا مختلفًا عن غيره، فقد أجمع المحدثون أن ما ورد في الصحيحين وتلقته الأمة بالقبول يفيد العلم. والخلط هنا ناشئ من إسقاط معيار أهل الحديث وإبداله بمنطق المتكلمين الذين قدَّموا النظر العقلي على النقل؛ ومن ثم اشترطوا شروطًا غير منضبطة في إفادة العلم.

 

البخاري ومسلم ليسا معصومين، ولكن منهجهما أقرب للقطع:

استدلال الشبهة بأن البخاري «ليس معصومًا» هو تلبيس؛ إذ لم يَدَّعِ أحدٌ من أئمة الحديث عصمة البخاري أو مسلم، بل قرروا أن عملهما قائم على الجهد والاجتهاد، وأنهما قد يخطئان كما يخطئ غيرهما، ولكن ما وقع منهما من أوهام أو إشكالات نادر معدود، وقد نبَّه عليه الأئمة.

 

إن القول بوقوع الخطأ في مواضع لا يقدح في أصل صحة الصحيحين، بل يدل على أمانة النقد الحديثي، الذي لا يُقدِّس الأشخاص، وإنما يُمحِّص الرواية ويزنها بالميزان الشرعي، فلو نظرنا إلى جهد الإمام الدارقطني على سبيل المثال في تتبُّع أحاديث في الصحيحين خلصنا إلى التالي: لم يكن عمل الدارقطني في «التتبُّع» انتقادًا محضًا، بل كان معه ذكر اختلاف أحيانًا وترجيح عمل الشيخين أحيانًا، واحتجاج بعمل الشيخين أحيانًا أخرى، مع ما وقع له من وَهَمٍ رحمه الله، شأنُه في ذلك شأنُ أيِّ عالم، ولوجدنا أن انتقادات الدارقطني على الصحيحين غالبُها للأسانيد، وفي الصحيحين أسانيدُ أخرى بديلةٌ تصحُّ بها هذه المتون غالبًا، وأن انتقادات الدارقطني للمتون قليلة جدًّا، وقد تبيَّن أنَّ بعض المتون في الصحيحين ضعيفة، وهي قليلةٌ للغاية، وبعض المتون يُضَعَّفُ جزءٌ منها وباقي المتن صحيح. لم يضعِّف الدارقطني في الصحيحين متنًا ويكون هذا المتن أصلًا في بابه ينبني عليه عمل، ولا يوجد متنٌ بديلٌ له يدلُّ على حُكمه، أو يدلُّ على أنَّه خطأ.

 

هل طعن الأئمة في أحاديث الصحيحين لأسباب عقلية أو تاريخية؟

ادِّعاء أن علماء الحديث نقدوا أحاديث الصحيحين؛ لأنها تتنافى مع عدل الله، أو مع التاريخ، أو مع العقل، هو محض دعوى لا سند لها من التحقيق العلمي، فالنقد الذي وُجِّه لبعض الروايات في الصحيحين كان إمَّا:

إعلالًا في السند بسبب انقطاع أو شذوذ أو اضطراب.

 

أو محاولة للتأويل في المتن مع التوفيق بين الروايات.

 

أما مخالفة العقل أو العدل أو التاريخ، فهي اصطلاحات فضفاضة تتأثر بالأهواء، ولا تُعتمد وحدها معيارًا للطعن في النصوص، إلا إذا اقترنت بمعايير الجرح والتعديل والتأصيل الحديثي.

 

التوظيف المعاصر لأقوال المتقدمين:

إن توظيف أقوال ابن برهان وأمثاله خارج سياقها التاريخي والمنهجي، لا يجوز علميًّا، بل يحمل قدرًا من سوء الفهم أو سوء النية، فالمتكلمون الذين نفوا إفادة العلم بخبر الآحاد لم ينكروا العمل به، بل رأوا أن خبر الآحاد حجة في الأحكام العملية، وإن لم يُفد العلم اليقيني. أما استخدام هذه الأقوال للطعن في أحاديث «الصحيحين»، أو رفض ما تضمنته من الأخبار الغيبية أو النبوية، فهو خروج على الإجماع، وفتح لباب الطعن في السُّنَّة. وكان يجب على الكاتب إن كان أمينًا ويريد الوصول إلى الحق أن يبرز العلاقة بين أهل الحديث والمتكلمين (أهل الرأي).


أهل الحديث: هم الجماعة التي اعتمدت في إثبات مسائل العقيدة على النصوص الشرعية من القرآن والسُّنة، مع الالتزام بمنهج التسليم، وعدم التأويل في الأمور الغيبية التي وردت بها النصوص، واعتبار العقل تابعًا للوحي وليس قاضيًا عليه.

 

المتكلمون (أهل الرأي): هم الجماعة الذين بنوا منهجهم على إعمال العقل في فهم العقائد، مع استخدام الأدوات الفلسفية والمنطقية في الدفاع عن العقيدة، ومن أبرزهم المعتزلة، والأشاعرة، والماتريدية، الذين تفاوتت مناهجهم في التعامل مع النصوص بين التأويل والتفويض.

 

ويمكن التعبير عن محاور الخلاف الأساسية فيما يلي:

المصدر المعرفي: يَعُدُّ أهلُ الحديث الوحيَ المصدرَ الأساسي الوحيد في إثبات العقيدة، بينما يرى المتكلمون أن العقل له سلطة في تفسير وتأويل الوحي، بل اعتبروا أن العقل قد يكون حاكمًا على ظاهر النصوص في بعض المسائل.

 

قضية الصفات الإلهية: اتفق أهل الحديث على إثبات الصفات الإلهية كما وردت في النصوص، مع تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين، فيما قام بعض المتكلمين مثل المعتزلة بالتأويل المجازي لتلك الصفات، ووافقهم في ذلك جزئيًّا الأشاعرة والماتريدية الذين مالوا إلى التفويض الجزئي أو التأويل العقلي.

 

حقيقة الإيمان: ذهب أهل الحديث إلى أن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، بينما اختار عدد من المتكلمين تعريفه بالتصديق القلبي دون إدخال العمل في مسماه.

 

الاحتجاج بخبر الآحاد: اعتمد أهل الحديث خبر الآحاد في العقيدة والعمل، بينما اشترط بعض المتكلمين- كالمعتزلة- التواتر لقبول الحديث في العقائد؛ مما أدى إلى رفضهم عددًا كبيرًا من الأحاديث الصحيحة.

 

ويمكننا بيان أثر هذا المنهج من خلال نماذج من المواقف التاريخية:

انتقد الإمام الشافعي بشدة علم الكلام، واعتبره خروجًا عن منهج السلف الصالح، فقال في أهل الكلام: «حكمي في أهل الكلام أن يطاف بهم على العشائر ويضربوا بالجريد والنعال، ويقال: هذا جزاء من ترك كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم».

 

خاض الإمام أحمد بن حنبل صراعًا فكريًّا ضد المعتزلة في قضية خلق القرآن، وانتصر لمنهج أهل الحديث في التمسُّك بالنص دون التأويل.

 

وبالتأكيد كان هناك تداخل وتأثير متبادل. فقد أثمر تفاعل التيارين أحيانًا عن حالة من التقارب النسبي، حيث استفاد بعض المتكلمين من علوم الحديث في استدلالاتهم، كما فعل الجويني والغزالي، بينما تبنَّى بعض علماء أهل الحديث، مثل ابن تيمية وابن القيم، مناهج عقلية في الرد على الفلاسفة والمعتزلة، رغم معارضتهم لعلم الكلام.

 

ومما يثير الاستغراب منهجًا ومضمونًا أن يستدل الكاتب بأقوال المتكلمين في نقد أهل الحديث في مسألة أصولية قد وافق فيها أهلُ الحديث الحقَّ، وخالفهم فيها المتكلمون، ثم يخص الإمام البخاري بذلك، ويجعل من هذا الاستدلال أساسًا لما قرره من باطل في كتابه.

 

وقد فنَّد الشيخ الدكتور علي العمران – حفظه الله– هذه الشبهة في كتابه «إعلاء صحيح البخاري» (133) فقال:

يستدل بعض الطاعنين في أحاديث صحيح البخاري: بأن الإمام البخاري غير معصوم، وأن غير المعصوم يجوز منه وقوع الخطأ، وذلك يعني أن وصف جميع أحاديثه بالصحة أمر مبالغ فيه. ا هـ

 

ثم قال- حفظه الله- بعد أن نقل قول ابن برهان السابق:

(ويُردُّ على هذه الشبهة بما يلي:

أهل السُّنَّة لا يوجبون عصمةً لغير الأنبياء والرسل، فالعصمة عندهم من خصائص الأنبياء، وأبرز صفات الرسل، وهذا أمرٌ متفق عليه عندهم.

 

أن الذي أفاده إخراج الإمام البخاري للحديث هو العلم النظري الذي يكون بعد الفحص والتأمل، ويحصل هذا العلم لأهل كل فن وعلمائه، وليس لعامة الناس، وعامة الناس تَبَعٌ لهم.

 

أن علماء الفنِّ حين حكموا بالصحة على أحاديث صحيح البخاري، لم يحكموا بذلك من منطلق عصمة الإمام البخاري، فإن هذا لم يقُلْه أحدٌ، فضلًا عن نقله عن عالم، وإنما حكموا بصحة أحاديث صحيح البخاري لوجود عددٍ من الأسباب، وهي كما يلي:

• إجماع العلماء على إمامة البخاري في هذا الفن، والاعتراف بتقدُّمه في معرفة الأحاديث وعللها.

 

• إجماع العلماء على صحة أحاديث صحيح البخاري، ووجوب العمل بما فيه. قال ابن الصلاح: «الأمة في إجماعها معصومةٌ من الخطأ؛ ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد حجةً مقطوعًا بها، وأكثر إجماعات العلماء كذلك». وقال ابن خلدون: «إذا وجدنا طعنًا في بعض رجال الأسانيد بغفلةٍ أو بسوءِ حفظٍ أو ضعفٍ أو سوء رأي؛ تطرَّق ذلك إلى صحَّة الحديث وأوهن منها، ولا تقولنَّ: مثل ذلك ربَّما يتطرَّق إلى رجال الصحيحين؛ فإن الإجماع قد اتصل في الأمة على تلقيهما بالقبول، والعمل بما فيهما، وفي الإجماع أعظم حماية وأحسن دفع».

 

ويوضح ذلك: أن صحيح البخاري لم يكن عملًا فرديًّا، وإنما يصح أن يقال عنه: إنه نتاج عمل أئمةٍ وحُفَّاظٍ، فإن علماء السُّنة على مرِّ العصور قد درسوا هذا الكتاب دراسةً فاحصةً عميقةً، ونقدوا أحاديثه وتَتَبَّعوها، فاستقرت كلمتهم على جملة أحاديث كتابه وأكثرها. وقد ظهرت عناية العلماء بهذا الكتاب في صورٍ كثيرةٍ، من أهمها:

• تصحيح الإمام البخاري لأحاديث قد صحَّحها العلماء من قبله ومن بعده، وأخرجوها في مصنفاتهم، فقد انتفع الإمام البخاري بمن سبقه من الأئمة المصنفين، فكان كتابه بمثابة حلقة في سلسلة ممتدة إلى المصنفين الأوائل، من أمثال: ابن جريج، والأوزاعي، ومالك بن أنس، وعبدالله بن المبارك، ووكيع بن الجراح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «البخاري أحذق وأخبر بهذا الفن من مسلم؛ ولهذا لا يتفقان على حديثٍ إلا يكون صحيحًا لا ريب فيه، قد اتفق أهل العلم على صحته».

 

• دراسة أحاديث الصحيح وسَبْرها، والبحث عن عللها- كما فعل الدارقطني وغيره من الأئمة- وإقرارهم بصحة أحاديث الصحيح عدا أحاديث يسيرة وقع نزاع فيها، والحق في أغلبها مع البخاري.

 

• كثرة المستخرجات على أحاديث الصحيح؛ مما يدل على شهرة أحاديثها، وكثرة طرقها وأسانيدها، ومشاركة الأئمة للإمام البخاري في رواية الأحاديث التي أخرجها في صحيحه. فقد بلغ عدد الكتب المؤلفة المستخرجة على أحاديث صحيح البخاري أكثر من عشرة كتب.

 

عدم عصمة الإنسان لا يستلزم وقوع الخطأ منه في كل عملٍ، هذا من حيث الافتراض العقلي، ويصدقه الواقع حيث جزم جماهير العلماء بوقوع الإجماع على صحة أحاديثه، وإفادة العلم بأخباره.

 

أنه لو افترض وقوع الخطأ في أي عملٍ بشري، فإن للخطأ وجوهًا عديدةً، فقد تكون أحاديث الكتاب صحيحة ثابتة، ولكن قد يقع النقص والخطأ في ترتيب كتابه مثلًا، أو في فهمه للأحاديث التي ذكرها في تراجم أبوابه، ونحو ذلك مما تتضح فيه بشرية الإمام البخاري، وعدم عصمته التي يلحُّون عليها ولا ينكرها أحد، رغم أنه في هذه أيضًا قد بلغ الغاية في التجويد والبراعة.

 

خاتمة:

ذهب بعض المتكلمين، ومنهم الإمام ابن برهان، إلى أن خبر الواحد لا يفيد العلم بذاته، وإنما يفيده بقرائن إضافية. وهذا المنهج يعكس استخدامًا لمعايير فلسفية ومنطقية في التعامل مع النصوص. بالمقابل، قرر علماء الحديث أن خبر الآحاد الثقة، خاصة إذا تلقته الأمة بالقبول، يفيد العلم. ويدل على ذلك تلقي الأمة لأحاديث الصحيحين بالقبول، وهو ما يشكل قرينة قاطعة تجعل هذه الأحاديث من أعلى درجات الثبوت.

 

يدندن بعض مثيري الشبهات بأن البخاري ومسلم ليسا معصومين، مستغلين ذلك للطعن في صحة أحاديث الصحيحين. والحقيقة أن علماء الحديث لم يدَّعوا قط عصمة البخاري ومسلم، وإنما أقروا بإمكانية وقوع الخطأ منهما، إلا أن هذه الأخطاء قليلة جدًّا، ونادرة، ولا تقدح في الأصل العام لصحة الكتابين. فجهود أئمة النقد الحديثي أمثال الدارقطني وابن حجر أكدت على أن معظم الانتقادات لا تقدح في صحة جوهر الروايات، بل هي نقد في مسائل فرعية وجزئية لا تؤثر على مكانة الكتابين.

 

إن تلقي الأمة للصحيحين بالقبول يمثل إجماعًا عمليًّا، والإجماع حجة شرعية وعقلية عند الأصوليين وعلماء الحديث، ويستحيل أن تجتمع الأمة على خطأ في النقل؛ ولهذا السبب اعتبر العلماء أحاديث الصحيحين قطعية في الجملة، وإن وقع نزاع في مواضع قليلة، فهذا لا يقدح في القطعية الإجمالية.

 

يدعي أصحاب الشبهات أن علماء الحديث انتقدوا متون الصحيحين لأسباب عقلية أو تاريخية أو لأنها تناقض العدل الإلهي. وهذه دعوى غير دقيقة، فالنقد الحديثي منضبط بقواعد صارمة، تدور حول اتصال السند وعدالة الرواة وضبطهم، وعدم الشذوذ أو العلة. أما ما يتعلق بالعقل والتاريخ، فهو مجال التأويل والاجتهاد في الفهم، لا مجال الطعن والرد. وهذا النوع من النقد لا يرقى ليكون سببًا لرد روايات صحيحة مجمع على صحتها.

 

إن استخدام أقوال ابن برهان والمتكلمين للطعن في الصحيحين يمثل إخراجًا لها عن سياقها الحقيقي. فالخلاف بين أهل الحديث والمتكلمين في خبر الآحاد هو خلاف منهجي يتعلق بمصادر المعرفة وموقع العقل من النقل، وليس متعلقًا بصحة النقل ذاته. فقد اعتمد أهل الحديث في مسائل العقيدة على النقل مع التسليم، بينما قدم المتكلمون العقل وجعلوه حاكمًا أحيانًا على النص.

 

يبين التاريخ بوضوح موقف علماء السلف من المتكلمين، فقد انتقدهم الإمام الشافعي بشدة لابتعادهم عن منهج التسليم، وخاض الإمام أحمد بن حنبل مواجهة كبيرة مع المعتزلة في مسألة خلق القرآن. لكن هذا لا يمنع استفادة بعض المتكلمين من منهج الحديث كالإمام الغزالي والجويني، وكذلك استفادة بعض علماء الحديث من مناهج عقلية مضبوطة في الرد على الفلاسفة والمعتزلة كابن تيمية وابن القيم.

 

يتبين من هذا العرض المنهجي أن الشبهة المتعلقة بعدم إفادة خبر الآحاد للعلم وإسقاط ذلك على الصحيحين، تقوم على مغالطات منهجية وتاريخية وعقلية. فالعلماء الذين ناقشوا خبر الآحاد لم ينكروا العمل به، بل اختلفوا فقط في مستوى إفادته للعلم النظري واليقيني. وتلقي الأمة للصحيحين بالقبول، والإجماع على صحة ما فيهما سوى أحرف يسيرة، يجعل هذه الشبهة منتهية الصلاحية علميًّا؛ لذا يجب أن تبقى مناقشة هذه المسائل ضمن إطار علم الحديث وقواعده الصارمة، بعيدًا عن التوظيف المغرض أو الجاهل الذي يهدف إلى التشكيك في مصادر الشريعة الإسلامية الأساسية.

 

والحمد لله رب العالمين.



[1] وللاستزادة حول هذه المسألة يمكن الرجوع إلى مقال: «قالوا عن صحيح البخاري»، المنشور على موقع شبكة الألوكة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من المضامين العقدية والدعوية لخطبة الحاجة
  • أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة (خطبة)
  • ملخص كتاب: المجملات النافعات في مسائل العلم والتقليد والإفتاء والاختلافات - الرابع: الاجتهاد والاتباع
  • ملخص كتاب: لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟
  • فائدة في أوصاف عرش الرحمن
  • هل فعلا "شيوخ أبي داود كلهم ثقات"؟

مختارات من الشبكة

  • بيان ما يتعلق بعلوم بعض الأنبياء عليهم السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • واو الحال وتعريف الحرف(مقالة - حضارة الكلمة)
  • وما ظهر غنى؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حجية خبر الآحاد (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • خبر الآحاد في العقائد الأحكام: دراسة تأصيلية (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • حجية خبر الآحاد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح قاعدة: خبر الآحاد إذا ورد مخالفا لنفس الأصول لم يقبل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خبر الآحاد في العقائد والأحكام (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • حديث: حسابكما على الله، أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حديث: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • كوبريس تستعد لافتتاح مسجد رافنو بعد 85 عاما من الانتظار
  • 57 متسابقا يشاركون في المسابقة الرابعة عشرة لحفظ القرآن في بلغاريا
  • طلاب هارفارد المسلمون يحصلون على مصلى جديد ودائم بحلول هذا الخريف
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية
  • كاتشابوري تحتفل ببداية مشروع مسجد جديد في الجبل الأسود
  • نواكشوط تشهد تخرج نخبة جديدة من حفظة كتاب الله
  • مخيمات صيفية تعليمية لأطفال المسلمين في مساجد بختشيساراي
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/2/1447هـ - الساعة: 9:22
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب