• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ذكر الله سبب من أسباب نزول السكينة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطبة: عندما يكون الشاب نرجسيا
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    علمتنا الهجرة (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    خطبة: تدبر أول سورة البقرة
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    تفسير: (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحريم الحلف بالأمانة
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الإسلام دعا إلى تأمين معيشة أهل الذمة من غير ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    منهج السجاوندي في الوقف على ما قبل (إذ) (PDF)
    د. محمد أحمد محمد أحمد
  •  
    خطبة: حسن الظن بالله
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    من طامع في مال قريش إلى مؤمن ببشارة سيدنا محمد ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    حكم عمليات التجميل
    د. مصطفى طاهر رضوان
  •  
    بيع الكلاب
    محمد علي عباد حميسان
  •  
    ما يلقاه الإنسان بعد موته
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    مفهوم الشرك في القرآن الكريم: قراءة تفسيرية ...
    سائد بن جمال دياربكرلي
  •  
    النخوة خلق عربي زكاه الإسلام
    حمدي بن حسن الربيعي
  •  
    الطلاق غير الطبيعي: حين تفشل البداية، لا تستقيم ...
    د. محمد موسى الأمين
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

علمتنا الهجرة (خطبة)

علمتنا الهجرة (خطبة)
د. عبد الرقيب الراشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/8/2025 ميلادي - 20/2/1447 هجري

الزيارات: 161

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

علمتنا الهجرة

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

عباد الله: اعلموا أن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أعاذنا الله وإياكم من البدع والضلالات والنار؛ أما بعد:

فقد روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنَّث فيه - وهو التعبد - اللياليَ ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملَك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطَّني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني، فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1].

 

فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجُف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زمِّلوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الرَّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لَتصل الرَّحم، وتحمل الكَل، وتكسِب المعدوم، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق.

 

فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل - ابن عم خديجة - فقالت له خديجة: يا بن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا بن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوَ مخرجيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئتَ به إلا عُودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا)).

 

أيها المؤمنون: في أول لقاء في غار حراء جمع بين جبريل عليه السلام وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في هذا اللقاء المبارك تلقى النبي صلى الله عليه وسلم أولى آيات الوحي من ربه تبارك وتعالى، وقد أنزل الله عليه صدر سورة الفلق، ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، وبعد عودته صلى الله عليه وسلم من الغار، وذهاب أم المؤمنين خديجة به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، علِم منه صلى الله عليه وسلم أنه سوف يؤذيه قومه، وسيضطرونه إلى الهجرة من بلده مكة، فوطَّن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على تحمُّل مشاق الدعوة، وأعدَّ نفسه بعد ذلك للهجرة.

 

وقد أشار الله تعالى في كتابه الكريم إلى حدث الهجرة، وخروج النبي صلى الله عليه وسلم من بلده مكة، ووصف الله أهلها من أهل الكفر بأنهم أشد كفرًا وعنادًا؛ فقال الله تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ﴾ [محمد: 13].

 

أيها المؤمنون: فطَر الله الإنسان على محبة داره ووطنه الذي وُلد فيه وترعرع، وخروج الإنسان من بلده مكرهًا ليس بالأمر الهين على النفوس، بل هو من الأمور الشاقة عليها، وهذا الإخراج قد يعدل قتل الإنسان نفسه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء: 66]، ومرارة الخروج من الدار والهجرة منه، شعر به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد وقف خارج مكة، وألقى عليها نظرات الوداع، وهو في غاية الحزن والألم؛ فعن عبدالله بن عدي بن حمراء رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقفًا على الحزورة - مكان خارج مكة - فقال: ((والله إنكِ لَخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منكِ ما خرجتُ))؛ [رواه الترمذي (3925)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1192)].

 

ومشقة الهجرة وترك الديار لم يتأثر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، وقد كان للصحابة من ذلك حظ ونصيب؛ فقد أُصيب الكثير منهم بالأمراض والأسقام؛ بسبب أنهم هاجروا إلى دار لم يألفوها، ولم يتعودوا على أجوائها؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ((لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وُعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما، قلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: وكان أبو بكر إذا أخذته الحُمَّى، يقول:

 

كل امرئ مصبح في أهله    والموت أدنى من شراك نعله

 

وكان بلال إذا أقلعت عنه يقول:

ألَا ليت شعري هل أبيتن ليلةً
بواد وحولي إذخر وجليلُ
وهل أردن يومًا مياه مجنة
وهل تبدون لي شامة وطفيلُ

 

قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم وصحِّحها، وبارك لنا في مُدِّها وصاعها، وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجُحفة))؛ [رواه البخاري].

 

أيها المؤمنون: وبسبب الألم الذي شعر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء هجرته من داره ووطنه، فقد واساه الله تعالى وأخبره بأنه سيعود إلى مكة فاتحًا لها منتصرًا؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [القصص: 85]، ورغم ما كابده رسول الله صلى الله عليه وسلم من آلام الهجرة، إلا أن الله تعالى وصف الهجرة بأنها نصر؛ وذلك لِما ترتب عليها من نتائج، فبعد الهجرة أُقيمت للمسلمين دولة، أصبح المسلمون في عزة ومنعة، وبعد الهجرة جعل الله كلمته هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى؛ قال تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].

 

أيها المؤمنون: في تاريخ الأمم والشعوب أحداث هامة، كان لها أعظم الأثر في ماضي تلك الأمم وحاضرها؛ لهذا تظل تلك الأمم والشعوب تتذكر تلك الأحداث وتحييها؛ لتستلهم منها الدروس والعبر، وحدث الهجرة النبوية مليء بالدروس والعِبر، يجدر بنا أن نقف عند بعض هذه الدروس ونحن نخرج من شهر الله المحرم، الشهر الذي جعله المسلمون بداية التاريخ الهجري لأمة الإسلام، ومن هذه الدروس ثناء الله تعالى في كتابه الكريم على المهاجرين بأوصاف حميدة؛ فقد شهد الله تعالى لهم بصدق الإيمان؛ لأنهم تركوا ديارهم وأموالهم نصرة لله ورسوله؛ قال الله تعالى: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر: 8]، وأخبر الله تعالى في كتابه الكريم أنه قد رضِيَ عنهم بسبب تضحياتهم التي قدموها في سبيله سبحانه وتعالى؛ فقال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]، كما وعدهم الله بتكفير السيئات ودخول الجنة؛ قال تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾ [آل عمران: 195]، كما وعدهم الله بسعة الرزق في أرض المهجر، ووعد من مات منهم في أرض هجرته بالأجور العظيمة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 100].

 

أيها المؤمنون: ومن الدروس التي نتعلمها من الهجرة درس أهمية الأخذ بالأسباب، والمتأمل في حدث الهجرة يجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بكل الأسباب الممكنة لإنجاح الهجرة، ولم يطلب من الله معجزة لإنجاحها كما حصل له مع حادثة الإسراء والمعراج، فقد تمت بواسطة البُراق، وكان وقتها في أقل من ليلة، كل ذلك لإرشاد أمته لتقتدي به وتأخذ بالأسباب المتاحة في كل شؤون حياتها، إن أرادت النجاح في كل أمر من أمور حياتها ومعادها، ويتجلى أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسباب في حدث الهجرة في جوانب متعددة؛ فقد اختار الصاحب المناسب في الهجرة، فكان صاحبَه في الهجرة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي كان أول من أسلم من الرجال، والذي سخر كل ما يملك لخدمة دين الله تعالى، وقد فرح الصديق فرحًا شديدًا باختيار النبي صلى الله عليه وسلم له ليكون صاحبه في الهجرة، حتى سالت دموع الفرح على خديه رضي الله عنه.

 

ومن أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسباب في الهجرة أنه اختار الوقت المناسب للهجرة؛ فقد جاء صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر في وقت الظهيرة، وهو وقت تشتد فيه الحرارة، ولا يكاد يخرج في هذا الوقت أحد من أهل مكة، ولم يكن من عادته صلى الله عليه وسلم الخروج فيه، وإنما فعل ذلك حتى لا يراه أحد من المشركين فيتعقبه ويتبعه.

 

ومن أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسباب في الهجرة أنه اختار الطريق المناسب لنجاح الهجرة، ويتجلى ذلك في اختياره صلى الله عليه وسلم طريقًا غير مألوفة للناس؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن قريشًا ستبحث عنه في الطريق الرئيسي المتجه إلى المدينة، وهذا الطريق يقع شمال مكة، فسلك النبي صلى الله عليه وسلم عكس هذا الطريق، وهو الطريق الواقع جنوب مكة والمتجه نحو اليمن، وهذا الطريق يوصله إلى جبل ثور، وهذا جبل شامخ في مكة، طريقه وعرة، كثيرة الأحجار صعبة المرتقى، وفي هذا الجبل غار يعرف بغار ثور، فدخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم للاختباء فيه، وهو مكان لا يتوقع أحد من المشركين أن يصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بسبب المواصفات التي سبق ذكرها، فتأسَّوا برسولكم في هجرته، وخذوا بأسباب سعادتكم في دنياكم وأُخراكم، تنالوا النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة.

 

قلت ما قد سمعتم، فاستغفروا الله، يا فوز المستغفرين...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد أيها المؤمنون:

فمن أعظم الدروس التي نتعلمها من الهجرة، أهمية التضحية لنصرة دين الله تعالى، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطر إلى مغادرة بلده الذي وُلد فيه وترعرع، وترك أقرباءه وعشيرته، كل ذلك من أجل نصرة دين الله تعالى وإعلاء كلمته.

 

ومن نماذج التضحية في الهجرة التضحيةُ بالنفس، فهذا عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه يضحي بنفسه، فينام في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الهجرة، وهو يعلم أن المشركين قد أجمعوا أمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جمعوا لذلك خيرة فرسانهم وشجعانهم، وأنهم قد اجتمعوا على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرصدونه حتى ينام، فيثِبون عليه ويضربونه ضربة رجل واحد، فيقتلونه، ومع ذلك ينام في فراش الرسول ويتسجى ببردته، فقدم بهذا الموقف صورة مشرقة من صور الفداء والتضحية، في سبيل نصرة دين الله تعالى.

 

وهذه أم سلمة رضي الله عنها تضحي بنفسها وولدها، من أجل أن تلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم مهاجِرةً في سبيل الله، وقد تحدثت عن هجرتها قائلة: "لما أجمع أبو سلمة على الخروج إلى المدينة، رحل على بعير له، وحملني وحمل معي ابنه سلمة، ثم خرج يقود بعيره، فلما رآه رجال بني المغيرة بن مخزوم، قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه، علامَ نتركك تسير بها في البلاد؟ فأخذوني، وغضِبت عند ذلك بنو عبدالأسد، وأهووا إلى سلمة، وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها؛ إذ نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبدالأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة، ففرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني، فمكثت رضي الله عنها سنة كاملة تبكي، حتى أشفقوا من حالها، فخلوا سبيلها، وردوا عليها ابنها، فجمع الله شملها بزوجها في المدينة".

 

أيها المؤمنون: ومن نماذج التضحية في الهجرة التضحية بالمال، ويتجلى ذلك فيما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين أخذ ماله كله ولم يترك لأهل بيته منه شيئًا، قالت ابنته أسماء رضي الله عنها: "لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله، وكان خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم، فانطلق به معه، قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت: قلت: كلا يا أبتِ، إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا، قالت: فأخذت أحجارًا، فوضعتها في كوة في البيت، التي كان أبي يضع أمواله فيها، ثم وضعت عليها ثوبًا، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبتِ، ضع يدك على هذا المال، قالت: فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إذا ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا بلاغ لكم، ولا والله ما ترك لنا أبي شيئًا، ولكنني أردت أن أسكن الشيخ".

 

ومن نماذج التضحية بالمال من أجل الهجرة ما فعله صهيب الرومي رضي الله عنه، فإنه لما أراد الهجرة، قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكًا حقيرًا، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك؟ والله لا يكون ذلك، فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي، أتخلون سبيلي؟ قالوا: نعم، قال: فإني قد جعلت لكم مالي، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ربح صهيب)).

 

أيها المؤمنون: هذا هو حدث الهجرة، وهذه بعض الدروس المستفادة منها، فتأسَّوا برسولكم في هجرته، فخذوا بأسباب سعادتكم في دنياكم وأخراكم، وضحوا في سبيل التزامكم بدينكم، وتمسكوا به في زمن التغيرات والتقلبات، تنالوا أجر المهاجرين إلى الله ورسوله.

الدعاء...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة: الهجرة من المعاصي والذنوب
  • الهجرة: دروس وعبر (خطبة)
  • الهجرة إلى الحبشة (خطبة)
  • من دروس الهجرة: التضحية في سبيل الدين (خطبة)
  • خطبة: الهجرة النبوية دروس وعبر
  • الهجرة النبوية: دروس وعبر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • من سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خلاصة بحث علمي (أفكار مختصرة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: "أنتم أعلم بأمر دنياكم"‏(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المدخل الميسر لعلم المواريث(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب الأصول الثلاثة: اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • علمتنا روح الروح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عيد الفطر 1438 ـ علمتنا مدرسة رمضان(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية
  • كاتشابوري تحتفل ببداية مشروع مسجد جديد في الجبل الأسود
  • نواكشوط تشهد تخرج نخبة جديدة من حفظة كتاب الله
  • مخيمات صيفية تعليمية لأطفال المسلمين في مساجد بختشيساراي
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/2/1447هـ - الساعة: 11:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب