• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    كسب القلوب مقدم على كسب المواقف (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الإمداد بالنهي عن الفساد (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    سورة البقرة: مفتاح البركة ومنهاج السيادة
    د. مصطفى يعقوب
  •  
    لطائف من القرآن (3)
    قاسم عاشور
  •  
    المشتاقون إلى لقاء الله (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    من صفات الرجولة في القرآن الكريم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    إنسانية النبي صلى الله عليه وسلم
    محمد عبدالعاطي محمد عطية
  •  
    الكشف الصوفي
    إبراهيم الدميجي
  •  
    تفسير: ( وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    إشراقة آية {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ...
    علي بن حسين بن أحمد فقيهي
  •  
    تفسير قوله تعالى: { ولا يحزنك الذين يسارعون في ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    حديث القرآن عن عيسى عليه السلام وأمه (خطبة)
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    الله الخالق الخلاق (خطبة) – باللغة النيبالية
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    الوصف بالجاهلية (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    منهج الاستدلال بين القرآن والسنة: دراسة نقدية ...
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    تلك نتائج السرائر!
    عبدالرحيم بن عادل الوادعي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

أين تقف حريتك؟! (خطبة)

أين تقف حريتك؟! (خطبة)
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/8/2025 ميلادي - 17/2/1447 هجري

الزيارات: 8434

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أين تقف حُرِّيَّتُك؟!

 

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ؛ مُنذُ أَن وُجِدَ النَّاسِ عَلَى هَذِهِ الأَرضِ، وَالحَربُ بَينَ أَهلِ الحَقِّ وَأَهلِ البَاطِلِ قَائِمَةٌ، يَتَدَافَعُونَ وَيَتَغَالَبُونَ، وَيُجَابِهُ بَعضُهُم بَعضًا، يَكِيدُ الكُفَّارُ وَالفُجَّارُ لِلمُسلِمِينَ الأَبرَارِ، وَيَجتَمِعُونَ وَيُخَطِّطُونَ وَيَمكُرُونَ، وَيَحرِصُونَ عَلَى نَشرِ كُفرِهِم وَإِعلانِ ضَلالِهِم، وَإِظهَارِ شَعَائِرِهِم وَرَفعِ شِعَارَاتِهِم، وَمَنعِ المُؤمِنِينَ مِن عِبَادَةِ رَبِّهِم وَإِظهَارِ دِينِهِم الحَقِّ، وَلَكِنَّ مِن فَضلِ اللهِ أَن شَرَعَ لِلمُسلِمِينَ جِهَادَ أَعدَائِهِم وَالدِّفَاعَ عَن دِينِهِم، عِلمِيًّا وَمَادِّيًّا وَمَعنَوِيًّا وَعَلَى كُلِّ صَعِيدٍ، وَبِكُلِّ مَا يَستَطِيعُونَ وَيَقدِرُونَ عَلَيهِ مِن وَسِيلَةٍ وَطَرِيقَةٍ.

 

وَإِنَّ أَعدَاءَ اللهِ لَمَّا وَجَدُوا أَنَّهُم كَثِيرًا مَا يُخفِقُونَ في حَربِ المُوَاجَهَةِ العَسكَرِيَّةِ، وَأَنَّ النَّصرَ يَكُونُ لِلمُسلِمِينَ في المَعَارِكِ المَيدَانِيَّةِ، اتَّجَهُوا إِلى حُرُوبٍ أُخرَى نَاعِمَةٍ، بِصُوَرٍ خَادِعَةٍ وَطَرَائِقَ خَفِيَّةٍ، تُلامِسُ شُعُورَ النَّاسِ وَتُدَغدِغُ عَوَاطِفَهُم، وَتُثِيرُ شَهَوَاتِهِم وَتُحَقِّقُ لَهُم بَعضَ رَغَبَاتِهِم، وَإِن كَانَت في عَاقِبَتِهَا خَسَارَةً وَنَدَامَةً وَعَذَابًا، وَإِنَّ مِن أَشَدِّ تِلكَ الحُرُوبِ النَّاعِمَةِ حَربَ المَفَاهِيمِ؛ إِذْ يَعمَدُ أُولَئِكَ المُخَادِعُونَ إِلى مَفهُومٍ تُحِبُّهُ النُّفُوسُ وَيُنعِشُهَا ذِكرُهُ، فَيَنشُرُونَهُ وَيُلِحُّونَ عَلَيهِ، وَيُرَدِّدُونَهُ كَثِيرًا حَتَّى تَتَشَرَّبَهُ النُّفُوسُ، وَلَكِنْ بِالمَعنى الَّذِي يُرِيدُونَهُ هُم، لا عَلَى المَعنَى الصَّحِيحِ الَّذِي يَعرِفُهُ الأَتقِيَاءُ وَيَألَفُهُ العُقَلاءُ، وَمِن ذَلِكُمُ الحُرِّيَّةُ، تِلكُمُ الكَلِمَةُ الَّتي لم يُرَدَّدْ عَلَى الأَلسِنَةِ في العَالَمِ أَكثَرُ مِنهَا جَمَالًا، وَلم يُرَ في الوَاقِعِ أَبعَدَ مِنهَا حُصُولًا وَمَنَالًا، وَخَاصَّةً لِلضُّعَفَاءِ وَالمَغلُوبِينَ وَالمَقهُورِينَ، وَقَدِ ابتَعَدَ الأَعدَاءُ بِخُبثِهِم بِهَذِهِ الكَلِمَةِ عَن مَفهُومِهَا الصَّحِيحِ، وَأَلبَسُوهَا مَفهُومًا صَنَعُوهُ وَفَصَّلُوهُ عَلَى مَا يَشتَهُونَ، ثم عَمِلُوا عَلَى إِلقَائِهِ في أَذهَانِ الأَغبِيَاءِ، وَتَلمِيعِهِ بِالكَلامِ وَتَزيِينِهِ بِالادِّعَاءِ ؛ لِيَتَمَكَّنُوا بِهِ مِنَ القُلُوبِ وَالعُقُولِ، وَيَستَولُوا عَلَى الإِرَادَاتِ وَالهِمَمِ، فَيَتَّجِهُوا بِالنَّاسِ إِلى سُفلٍ بَعدَ أَن كَانُوا في عُلُوٍّ، وَيَنحَطُّوا بِهِم إِلى الحَضِيضِ بَعدَ أَن كَانُوا في رُقِيٍّ وَسُمُوٍّ.

 

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، فَإِنَّ اللهُ تَعَالى قَد خَلَقَ بَني آدَمَ أَحرَارًا لَيسُوا عَبِيدًا لِلعَبِيدِ مِن جِنسِهِم، وَأَعطَاهُم إِرَادَةً وَمَشِيئَةً وَاختِيَارًا، وَجَعَلَ حِسَابَهُم عِندَهُ بِنَاءً عَلَى مَا مَنَحَهُم مِن حُرِّيَّةٍ وَاختِيَارٍ وَمَشِيئَةٍ، وَإِلاَّ فَلَو كَانُوا مُكرَهِينَ مُجبَرِينَ، لَمَا حُوسِبُوا عَلَى أَفعَالِهِم، وَفي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَابنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لي عَن أُمَّتي الخَطَأَ وَالنِّسيَانَ وَمَا استُكرِهُوا عَلَيهِ".

 

وَالحُرِّيَّةُ الَّتي أَعطَاهَا اللهُ تَعَالى الإِنسَانَ، لَيسَت كَمَا يُرِيدُ أَعدَاءُ اللهِ أَن يُقَرِّرُوهَا، وَإِنَّمَا هِيَ حُرِّيَّةٌ في اختِيَارِ المُبَاحَاتِ، فَلِلإِنسَانِ أَن يَأكُلَ أَو يَشرَبَ مَا يَشَاءُ، وَأَن يَلبَسَ أو يَتَزَيَّنَ بِمَا يَشَاءُ، وَأَن يَتَنَقَّلَ حَيثُ يَشَاءُ، وَأَن يَعمَلَ فِيمَا يَشَاءُ أَو يَبِيعَ مَا يَشَاءُ لِيُحَصِّلَ رِزقَهُ، وَأَن يَشتَرِيَ مَا يَشَاءُ مِن حَاجَاتٍ، وَأَن يَستَأجِرَ أَو يُؤَجِّرَ مَا يَشَاءُ، مَا دَامَ كُلُّ ذَلِكَ مَحدُودًا بِالضَّوَابِطِ الَّتي جَاءَ بِهَا الإِسلامُ، وَهَكَذَا فَلِلرَّجُلِ أَن يَتَزَوَّجَ مَن يَشَاءُ مِنَ النِّسَاءِ، وَلِلمَرأَةِ أَلاَّ تُزَوَّجَ إِلاَّ بِمَن تَقبَلُ مِنَ الرِّجَالِ؛ قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، وَفي الصَّحِيحَينِ عَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تُنكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُستَأمَرَ، وَلا تُنكَحُ البِكرُ حَتَّى تُستَأذَنَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيفَ إِذْنُهَا؟! قَالَ: "أَن تَسكُتَ".

 

وَهَكَذَا فَقَد جَاءَ الإِسلامُ بِحُرِّيَّةِ الابتِكَارِ، فَلِلإِنسَانِ أَن يَكتَشِفَ وَأَن يَختَرِعَ وَأَن يَصنَعَ، وَكَذَلِكَ فَهُوَ حُرٌّ أَن يَتَكَلَّمَ بِمَا في نَفسِهِ، وَأَن يُعَبِّرَ عَن رَأيِهِ مَا دَامَ في حُدُودِ مَا شَرَعَهُ اللهُ لَهُ وَأَذِنَ لَهُ بِهِ، لَكِنَّ أَعدَاءَ الإِسلامِ لم تُعجِبْهُمُ الحُرِّيَّةُ في حُدُودِ مَا أَحَلَّهُ اللهُ وَأَبَاحَهُ، فَنَفَخُوا البَاطِلَ في رُؤُوسِ بَعضِ النَّاسِ بِاسمِ الحُرِّيَّةِ، وَهُم في الحَقِيقَةِ إِنَّمَا يُرِيدُونَ أَن يَجعَلُوهُم عَبِيدًا لِشَهَوَاتِهِم، أَرِقَّاءَ لأَهوَائِهِم وَرَغَبَاتِهِم؛ غَيرَ أَنَّنَا وَإِن قَالُوا وَإِن خَادَعُوا، يَجِبُ أَن نَعلَمَ أَنَّنَا عِبَادُ اللهِ، مَأمُورُونَ مَنهِيُّونَ، مَحكُومُونَ بِشَرِيعَةٍ كَامِلَةٍ، وَاللهُ تَعَالى يَقُولُ: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]، وَيَقُولُ سُبحَانَهُ: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [النور: 51].

 

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في المُتَّفَقِ عَلَيهِ: "فَإِذَا نَهَيتُكُم عَن شَيءٍ فَاجتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرتُكُم بِأَمرٍ فَأتُوا مِنهُ مَا استَطَعتُم"، وَلِهَذَا فَإِنَّ مِمَّا يَجِبُ أَن يَتَقَرَّرَ لَدَينَا وَيَستَقِرَّ في عُقُولِنَا، أَن الحُرِّيَّةَ شَيءٌ وَتَركَ الوَاجِبِ وَفِعلَ الحَرَامِ شَيءٌ آخَرُ، وَأَنَّ الحُرِّيَّةَ لا يُمكِنُ أَن تَكُونَ في سَبِّ اللهِ، أَوِ التَّعَرُّضِ لأَنبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، أَوِ التَّطَاوُلِ عَلَى ثَوَابِتِ الدِّينِ وَأَحكَامِهِ كَأَحكَامِ المِيرَاثِ وَالوِلايَةِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلاقِ، أَوِ انتِقَادِ الحُدُودِ وَالشَّرَائِعِ كَحَدِّ السَّرِقَةِ أَو حَدِّ الزِّنَا أَوِ القِصَاصِ وَنَحوِ ذَلِكَ، وَلا يُمكِنُ بِحَالٍ أَن تُترَكَ عُقُوبَةُ الزِّنا وَإِن كَانَ الزَّاني رَاضِيًا أَو رَضِيَتِ الزَّانِيَةُ، وَلا أَن يَكُونَ الرِّبَا حَلالًا وَإِن كَانَ الآخِذُ وَالمُعطِي رَاضِيَينِ، وَلا يُمكِنُ أَن تَكُونَ المَرأَةُ حُرَّةً في طَرِيقَةِ لِبَاسِهَا، أَو نَوعِ جِلبَابِهَا وَحِجَابِهَا، وَلا أَن تُبدِيَ مَا تَشَاءُ مِنَ الزِّينَةِ أَو تَتَبَرَّجَ أَو تَتَعَطَّرَ، فَتَمُرَّ عَلَى مَن تَشَاءُ مِنَ الرِّجَالِ، وَلا أَن تَمشِيَ بِأَيِّ طَرِيقَةٍ في الأَسوَاقِ، وَلا أَن تَخلُوَ بِمَن تَشَاءُ في المَقَاهِي أَوِ الحَدَائِقِ، وَلا أَن تَفعَلَ مَا تَشَاءُ بِحُجَّةِ الحُرِّيَّةِ الشَّخصِيَّةِ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالى لا يَرضَى عَن كُلِّ هَذَا، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ ضَابِطَ الحُرِّيَّةِ الشَّيطَانيِّ الَّذِي شَرَعَّهُ الكُفَّارُ في قَوَانِينِهِم، وَيُرَدِّدُهُ المُنَافِقُونَ وَيَبُثُّونَهُ في كَلامِهِم وَإِعلامِهِم، وَهُوَ أَنَّكَ حُرٌّ مَا لم تَضُرَّ بِالآخَرِينَ، أَو أَنَّ حُرِّيَّتَكَ تَقِفُ عِندَ ضَرَرِ الآخَرِينَ، إِنَّ هَذَا عِندَنَا في الإِسلامِ خَطَأٌ فَادِحٌ وَتَقَدُّمٌ بَينَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَهُوَ وَرَبِّ الكَعبَةِ عَينُ الضَّلالِ والفَسَادِ وَالإِضلالِ وَالإِفسَادِ، وَهُوَ مِن أَكبَرِ مَكَائِدِ الشَّيطَانِ وَتَلبِيسِ إِبلِيسَ، وَإِلاَّ فَإنَّهُ لا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَن يَفعَلَ الحَرَامَ وَلَو لم يَضُرَّ إِلاَّ نَفسَهُ، وَلا أَن يَقَعَ في المَعصِيَةِ وَلَو كَانَ وَحدَهُ وَأَغلَقَ عَلَيهِ بَابَهُ؛ لأَنَّ الحَرَامَ يَبقَى حَرَامًا، وَلَيسَ مِنَ الحُرِّيَّةِ في شَيءٍ أَن يَضُرَّ المَرءُ نَفسَهُ أَو يُلقِيَ بِهَا لِلتَّهلُكَةِ، فَهُوَ في الحَقِيقَةِ عَبدٌ للهِ، وَرَبُّهُ قَد وَكَّلَ بِهِ مَلَكَينِ يُقَيِّدَانِ عَلَيهِ مَا يَفعَلُهُ في أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَحِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ يَومَ القِيَامَةِ، وَلَو كَانَتِ الحُرِّيَّةُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ أَهلُ الضَّلالِ، لَمَا كَانَت دُوَلٌ وَلا وُلاةٌ وَلا مَسؤُولُونَ وَلا قُضَاةٌ، وَلا أَنظِمَةٌ وَلا جَزَاءٌ وَلا عُقُوبَاتٌ.

 

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، فَإِنَّ المَعصِيَةَ مَعصِيَةٌ وَالكَبَائِرَ كَبَائِرُ وَالمُوبِقَاتُ مُوبِقَاتٌ، وَلَيسَ مِنَ الحُرِّيَّةِ الشَّخصِيَّةِ أَن يُترَكَ النَّاسُ سُدًى، لا يُنكَرُ عَلَيهِم وَلا يُحَاسَبُونَ، بَل إِنَّ الأَمرَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ مِن أَعظَمِ شَعَائِرِ الدِّينِ، وَمِن أَكبَرِ عَوَامِلِ حِفظِ المُجتَمَعَاتِ، وَلِلإِنسَانِ بَعدَ ذَلِكَ رَبٌّ يُحَاسِبُهُ، وَيُثِيبُهُ إِن أَطَاعَ وَيُعَاقِبُهُ إِن عَصَى، ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ * فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ * وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 65 - 70].

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ لا حُرِّيَّةَ مُطلَقَةً في الإِسلامِ، وَإِلاَّ لم يَكُنْ لِلعُبُودِيَّةِ للهِ مَعَنًى، وَمَفهُومُ الحُرِّيَّةِ الصَّحِيحُ هُوَ مَا في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِمَجمُوعِ طُرُقِهِ: "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ"؛ أَي: لا ضَرَرَ بِالنَّفسِ وَلَو كَانَ المَرءُ وَحدَهُ، وَلا ضِرَارَ بِالآخَرِينَ وَلَو رَضِيَ بَعضُهُم، وَالعُبُودِيَّةُ للهِ تَقتَضِي التَّقَيُّدَ بِأَمرِهِ وَنَهيِهِ وَالوُقُوفَ عِندَ حُدُودِهِ، وَبِهَذَا يَتَمَايَزُ النَّاسُ، وَيَظهَرُ صَلاحُ الصَّالِحِ وَاستِجَابَةُ الطَّائِعِ فَيُمدَحُ وَيُثَابُ، وَفَسَادُ الفَاسِدِ وَتَمَرُّدُ العَاصِي فَيُذَمُّ وَيُعَاقَبُ، ﴿ وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 111 - 117].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة عيد النحر 1446 هـ
  • يوم العيد وأيام التشريق (خطبة)
  • من عوفي فليحمد الله (خطبة)
  • عاشوراء بين مهدي متبع وغوي مبتدع (خطبة)
  • السهر وإضعاف العبودية لله (خطبة)
  • كن ذكيا واحذر الذكاء الاصطناعي (خطبة)
  • لنصلح أنفسنا ولندع التلاوم (خطبة)
  • كلنا رجال تربية وتعليم (خطبة)
  • البركة مع الأكابر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • أمي تقف في طريق خطبتي(استشارة - الاستشارات)
  • أين تقف اللغة العربية في الألفية الجديدة؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • وقفات مع قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عثمان السبت)
  • وقفات مع قوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عثمان السبت)
  • أيها المظلوم.. لا تقف(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • موسى: الجامعة العربية تقف ضد المساس بالمسجد الأقصى(مقالة - المسلمون في العالم)
  • كسب القلوب مقدم على كسب المواقف (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإمداد بالنهي عن الفساد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المشتاقون إلى لقاء الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطورة الكبر وجمال التواضع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا
  • القرم تشهد انطلاق بناء مسجد جديد وتحضيرًا لفعالية "زهرة الرحمة" الخيرية
  • اختتام دورة علمية لتأهيل الشباب لبناء أسر إسلامية قوية في قازان
  • تكريم 540 خريجا من مسار تعليمي امتد من الطفولة حتى الشباب في سنغافورة
  • ولاية بارانا تشهد افتتاح مسجد كاسكافيل الجديد في البرازيل
  • الشباب المسلم والذكاء الاصطناعي محور المؤتمر الدولي الـ38 لمسلمي أمريكا اللاتينية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/6/1447هـ - الساعة: 14:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب