• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: {أفمن زين له سوء عمله...}
    د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
  •  
    عالم الفساد والعفن: السحر والكهانة والشعوذة
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    بين الاجتهاد الشخصي والتقليد المشروع: رد على شبهة ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    الإسلام والحث على النظافة
    عبد الإله جاورا أبو الخير
  •  
    فتنة تطاول الزمن.. قوم نوح عليه السلام نموذج
    بدر عبدالله الصاعدي
  •  
    كيف أصبح مؤمنا حقيقيا وأفوز بالجنة؟
    بدر شاشا
  •  
    لا تغرنكم الحياة الدنيا (خطبة)
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    شرح حديث: "أنتم أعلم بأمر دنياكم"‏
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    حقوق الجيران
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    حديث: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    أفضل أيام الدنيا
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خطبة شهر صفر 1445هـ
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    خطبة: أهمية ممارسة الهوايات عند الشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    خطبة: العلاقات العاطفية وأثرها على الشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    نفحات.. وأشواق (خطبة)
    محمد موسى واصف حسين
  •  
    إذا ذكرت الله في ملأ ذكرك الله في ملأ خير منه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

حقوق الجيران

حقوق الجيران
د. أمير بن محمد المدري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/8/2025 ميلادي - 8/2/1447 هجري

الزيارات: 153

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حقوق الجيران

 

الحمد لله على عظيم نعمه وجزيل إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله الناصر الحافظ لأوليائه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله وخيرة خلقه وأنبيائه، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه.

 

وبعد:

اليوم الحديث عن حقوق الجيران في الإسلام.

نتكلم عن حقوق الجيران في زمن أصبحنا نسمع ـ ما يندى له الجبين مما يحدث بين بعض الجيران من تقاطع ومن تهاجر ومن تحاسد ومن بغضاء، وأمور ينبغي أن لا توجد في مجتمعات المسلمين، نتكلم عن حقوق الجيران يوم وصل التقصير والاستهانة بحق الجار إلى درجة أن الجار ـ في بعض الأحياء ـ لا يعرف جاره، نعم لا يعرف جاره الذي ليس بينه وبينه إلا جدار.

 

إن الروابط بين الناس كثيرة، والصلاتِ التي تصلُ بعضَهم ببعض متعددة، فهناك رابطةُ القرابة ورابطةُ النسب والمصاهرة ورابطةُ الصداقة ورابطةُ الجوار، وغيرها من الروابط التي تقوم الأمم بها وتقوى بسببها، فمتى سادت هذه الروابط بين الناس على أساس من البر والتقوى والمحبة والرحمة عظمت الأمة وقوي شأنها، ومتى أُهملت هذه الحقوق وتفصّمت تلك الروابط شقيت الأمة وهانت وحل بها التفكك والدمار، من أجل ذلك جاء الإسلام بمراعاة هذه الروابط وتقويمها وتمكينها وإحاطتها بما يحفظ وجودها ويعلي منارها بين المسلمين.

 

ومن بين هذه الروابط العظيمة التي دعمها الإسلام وأوصى بمراعاتها وشدّد في التقصير في حقوقها وواجباتها رابطةُ الجوار، تلك الرابطةُ العظيمة التي فرّط كثير من الناس فيها ولم يرعوها حق رعايتها؛ إما جهلاً منهم بحقوق الجوار وإمّا تناسيًا لها، أو لا مبالاة بأذى الجار والاعتداء عليه، مما سبب التنافر والتباغض بين المسلمين، بل والعداء والكيد فيما بينهم، أفرادًا وجماعات، وحتى دُولاً مسلمةً متجاورة!!

 

إن حق الجار على جاره مؤكد بالآيات البينات والأحاديث الواضحة، فهو شريعة محكمة وسنة قائمة، ومن عظم حق الجار أن الله تعالى قرنه مع حقه جل وعلا وحق الوالدين والأرحام، قال الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].

 

ففي الآية الوصية بالجيران كلهم قريبهم وبعيدهم، مسلمهم وكافرهم.

 

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلمحق الجار تأكيدًا عظيمًا، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهم قالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه». سبحان الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم ظن أن نهاية هذا الحرص وتلك الوصايا من جبريل عليه السلام أن يكون للجار نصيب من الميراث.

 

وجاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يؤذي جاره».وفي رواية: «فليحسن إلى جاره» وفي رواية: «فليكرم جاره».

 

ولقد كان العرب في الجاهلية والإسلام يحمون الأعراض، ويتفاخرون بحسن الجوار، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار.

اطلب لنفسك جيراناً تجاورهم
لا تصلح الدار حتى يصلح الجار

نعم والله إن الدار لا تصلح حتى يصلح الجار.

 

وها هو أحدهم يبيع داره بثمنٍ بخس فلامه الناس على ذلك فأجابهم شعراً بقوله:

يلومونني أن بعت بالرخص منزلي
ولم يعرفوا جاراً هناك ينغص
فقلت لهم كفوا الملام فإنها
بجيرانها تغلوا الديار وترخص

 

فاختيار الجار يكون قبل شراء الدار.

 

وها هي آسيا بنت مزاحم عليها السلام تقول كما قال تعالى:

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11]، اختارت الجار قبل الدار.

 

كم نجن جميعا بحاجة إلى أن نعي حقوق الجار لأننا مقصرون جميعا ونحتاج إلى تذكير والذكرى تنفع المؤمنين.

 

إن الجار الصالح أخٌ لك لم تلده أمك، يذب عن عرضك، ويعرف معروفك، ويكتم عيوبك، ويفرح إذا فرحت، ويتألم إذا حزنت. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «أربعٌ من السعادة وذكر منها الجار الصالح»، ثم قال: «أربعٌ من الشقاوة: وذكر منها الجار السوء»، [رواه ابن حبان في صحيحه]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتعوذ من جار السوء فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول» [رواه ابن حبان في صحيحه].

ولم أر مثل الجهل يدعو إلى الردى
ولا مثل جار السوء يكره جانبه

قال صلى الله عليه وسلم: «تعوذوا من الفواقرِ الثلاث أي المهلكات الثلاث وذكر منها من مجاورة جارِ السوءِ، إن رأى خيرًا دفنه، وإن رأى شرًا أذاعَهُ» [رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة بسند ضعيف واللفظ الآخر رواه الطبراني من حديث فضالة بن عبيد].

 

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الجيران عند الله خيرهم لجاره» [صححه ابن خزيمة وابن حبان].

 

الجيران ثلاثة:

الجيران كما يقول العلماء ثلاثة، فالجار الأول له ثلاثة حقوق، وهو الجار المسلم ذو الرحم، الذي له حق الجوار وحق الإسلام وحق القرابة، أما الجار الثاني فهو الذي له حقان: حق الإسلام وحق الجيرة، وأما النوع الثالث فهو الجار الكافر، فهذا له حق واحد وهو حق الجوار.

 

واسم الجار كما يقول ابن حجر يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والنافع والضار والقريب والأجنبي والأقرب داراً والأبعد. والجار له مراتبُ بعضُها أعلى من بعض، تزيد وتنقص بحسب قربه وقرابته ودينه وخلقه، فيُعطى كلٌ بحسب حاله وما يستحق.

 

فالجار الملاصق لك في الدار ليس كالبعيد، وله ما ليس للبعيد، والجارُ ذي القربى ليس كالجار الجُنب، وصاحبُ الدين ليس كالفاسق المؤذي. وكما يكون الجوار في المسكن فيكون في العمل والسوق والمسجد والسفر والدراسة ونحو ذلك، بل يشمل مفهوم الجوار التجاور بين الدول، فلكل دولةٍ على جارتها حقوق.

 

وأما حد الجار فاختُلِف فيه، فعن علي رضي الله عنه قال: «من سمع النداء فهو جار، وقيل من صلى معك الصبح في المسجد فهو جار».


أقسم صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن»، قيل: من يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه»، يعني شروره [متفق عليه].

 

ولقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكيه من أذية جاره، فقال له: « اذهب فاصبر»، فأتاه الرجل مرتين أو ثلاثاً، فقال له صلى الله عليه وسلم: «اذهب فاطرح متاعك في الطريق»، ففعل ذلك، فجعل الناس يمرون به ويسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنون جاره وينالون منه، فجاء إليه الجار قائلاً: ارجع، لا ترى مني شيئاً تكرهه.

 

إن الأمر ليس كما تتوقعون، ولا كما تحسبون وتحسبونه هيناً وهو عند عظيم.

 

روي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من آذى جاره فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله» [عزاه المنذري في الترغيب: 3/234 لأبي الشيخ ابن حبان في كتاب (التوبيخ) وضعفه].

 

اختر ما شئت - أيها الجار - الجنة أو النار.

 

روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها، وصدقتها، وصيامها. وفي رواية تصوم النهار، وتقوم الليل، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: «هي في النار»، نعم لان صلاتها لم تؤثر في أخلاقها وصيامها لم يحسن من معاملاتها وقيل يا رسول الله: إن فلانة تذكر من قلة صيامها، وصلاتها، وإنها تتصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها، قال: «هي في الجنة» [قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/169): رواه أحمد والبزار، ورجاله ثقات].

 

ولله در من قال:

أقول لجاري إذا أتاني معاتبا
مدلا بحق أو مدلاً بباطل
إذا لم يصل خيري وأنت مجاوري
إليك فما شري إليك بواصل

 

روى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول خصمين يوم القيامة جاران» [قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/80): رواه أحمد والطبراني بنحوه، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح، غير أبي عشانة، وهو ثقة].

 

فكيف بك أيها المسكين حين تقف بين يدي رب العالمين وجارك يقول: يا رب! إن جاري هذا لم يرع حق الجيرة، ولم يحسن معي السيرة، آذاني بعينه ينظر إلى محارمي، آذاني بسمعه يتسلط على أسراري، آذاني بلسانه يتفكه بمعايبي.

 

عباد الله: إن المؤمن من أمنه الناس، وإن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

 

قال أبو حازم: «كان أهل الجاهلية أحسن منكم جواراً، فإن قلتم: لا، فبيننا وبينكم قول شاعرهم:

ناري ونار الجار واحدة
وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضر جاراً لي أجاوره
ألا يكون لبيته ستر


عبد الله أيها المسلم:اعلم أن من حق جارك عليك، إن مرض عدته، وإن مات شيعته وإن استقرضك وأنت قادر أقرضته، وإن أعوز سترته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، ولا ترفع بناءك على بنائه تؤذيه.

 

وإذا رأيته على منكر نهيته، وإذا رأيته على معروف أعنته، فلربما تعلق برقبتك يوم القيامة، يقول: يا رب رآني على منكر فلم يأمرني ولم ينهني.

 

وواجب المسلم تجاه جاره أن يتحسس حاله، فإن رآه على خير أعانه، وإن رآه معوجاً أقامه. كما عليه أن يتفقد حاله ومعاشه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما آمن من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهم يعلم» [أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (751) بلفظ "من آمن بي..."].

 

وليتق الله عز وجل كل جار بينه وبين جاره قطيعة وضغينة.

 

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» [متفق عليه].

 

وليتق الله عز وجل أهل الدور والزروع لا يعتدي بعضهم على بعض، وليرعوا حق الجيرة.

 

روى الإمام أحمد: عن أبي مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعظم الغلول عند الله عز وجل ذراع من الأرض تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً».


وقال صلى الله عليه وسلم: « من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة» [رواه البخاري في كتاب المظالم. قال - باب إثم من ظلم شيئاً من الأرض].

 

وإن المطلوب من أهل الحي أن يتزاوروا فيما بينهم؛ ليتعارفوا وتتآلف قلوبهم. وخير مكان يلتقون فيه وتزداد محبتهم المسجد بيت الله.

 

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم» [رواه مسلم].

 

ومن الآداب الإسلامية: تبادل الهدية، والعطية، فإنها ترقق القلوب، وتذهب الغل.

 

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا» [أخرجه البخاري في الأدب المفرد (594)]، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك».


وها هو حاتم الطائي يقول:

إذا كان لي شيئان يا أم مالك
فان لجاري منهما ما تخيرا

وعلى الجار أن يتصف بالعفو والتسامح مع جيرانه، ويسعى إلى نفعهم، وكف الأذى عنهم، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره».


والجار المسلم يبادل جاره الصبر والاحتساب قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يحب ثلاثة: وذكر منهم رجل كان له جار سوء يؤذيه فيصبر على أذاه حتى يكفيه الله إياه بحياة أو موت» [رواه أحمد ]. و ليس حسن الجوار ترك الأذى، ولكنه الصبر على الأذى. كم نرى ونسمع في مخالفات لهذا الحق بين الجيران، فكم من الناس من هو كثيرُ الخصومة والملاحاةِ مع جيرانه، يشاجرُ على كل صغيرة وكبيرة، وربما وصل الأمر إلى الاشتباك بالأيدي، أو تطوّرَ إلى الشُرطِ والمحاكم، وعلى أمور لا تستدعي. وكم من جيران تهاجرُوا وتقاطعُوا عند أسباب تافهة أو ظنون سيئة، أو لخلافات يسيرة، لا تستدعي ما وصلت إليه. لذلك وجد في الإسلام من أهل حفظ الجار أناس كثير، أذكر على سبيل المثال: أبو حنيفة، عالم الأمة، كان من أعبد عباد الله وأزهدهم، كان له جار يؤذيه.

 

كان أبو حنيفة يأتي بعد صلاة العشاء يريد أن يسبح الله، ويصلي ويبكي ويدعو ويقرأ القرآن، لكن هذا الجار عزوبي ليس عنده إلا طبل يضرب عليه ويرقص وفي رواية عود ويقول:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسداد ثغر

فكان أبو حنيفة لا يستطيع أن ينام ولا يستطيع أن يقرأ، ولا أن يصلي، فيصبر ويحتسب، وفي ليلة من الليالي الطويلة ما سمع أبو حنيفة الصوت، انتظر هل يسمع صوتاً، ما سمع الرقص ولا سمع ضرب الطبل، فعجب! طرق على باب الدار فما أجابه أحد، سأل الجيران: أين فلان؟

 

قالوا: أخذته شرطة السلطان، قال: سبحان الله! جاري يأخذونه ولا يخبرونني! ثم ذهب في الليل فركب بغلته ولبس ثيابه، فاستأذن على السلطان وسط الليل.

 

قال الجنود للسلطان: أبو حنيفة إمام الدنيا يريد مقابلتك، فقام السلطان من نومه والتقى به عند الباب يعانقه، قال له: يا أبا حنيفة لماذا ما أرسلت إلينا؟ نحن نأتيك لا أن تأتينا، قال: كيف أخذتم جاري وما أخبرتموني به؟

 

قالوا: إنه فعل وفعل وفعل، قال: ردوا عليّ جاري، قالوا: لو طلبت الدنيا لأعطيناك الدنيا، فركب جاره معه على البغلة وأخذ جاره يبكي.

 

قال أبو حنيفة: ما لك؟ قال: آذيتك كل هذه الأيام والأعوام والسنوات وما تركتك تنام ولا تصلي ولا تقرأ، ولما فقدتني ليلة أتيت تتشفع فيّ، أشهد الله ثم أشهدك أنني تائب إلى الله.

 

لقد كانوا يدعون الناس بأخلاقهم وبتعاملهم.

 

وهذا يهودي سكن بجانب عبد الله بن المبارك رحمه الله أحد العلماء الصالحين- فكان عبد الله بن المبارك إذا اشترى لحماً من السوق بدأ بأولاد الجار اليهودي، نحن لا نقول: نبدأ بأولاد اليهود لكن بأولاد المسلمين، ونحن لا نقول: أعطوا الناس لحماً أو اكسوا أبناء الناس، لكن نكف أذانا فقط، نعم.

 

عبد الله بن المبارك كان إذا اشترى لحماً أعطى أبناء الجيران، وإذا اكتسى كسا أبناء جيرانه، وإذا أخذ فاكهة بدأ بهم، فأتى أناس من التجار يشترون دار اليهودي، فقال: داري ثمنها ألفا درهم، أما الألف الأولى فقيمة الدار، وأما الثانية فقيمة جوار عبد الله بن المبارك، فسمع عبد الله بن المبارك، وقال: والله لا تبيعها، هذا ألف درهم وابق عندي جاراً لي، ثم قال عبد الله بن المبارك اللهم اهده إلى الإسلام، فما أصبح اليوم الثاني إلا وقد أسلم لله رب العالمين.

 

ولا شك أن الإحسان إلى الجار من أفضل الأعمال والقربات، كيف لا وهو سبب من أسباب نيل محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «إن أحببتم أن يحبكم الله ورسوله فأدوا إذا ائتمنتم واصدقوا إذا حدثتم وأحسنوا جوار من جاوركم» [( حسن) انظر حديث رقم: 1409 في صحيح الجامع].

 

ويعظم ويتأكد حق الجار إن كان الجار مسكيناً أو يتيماً أو مسناً أو أرملة لا عائل لها، والنبي صلى الله عليه وسلم يجيب من سأله أي الذنب أعظم؟ فيقول: «أن تزاني حليلة جارك» [متفق عليه]. وعن المقداد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تقولون في الزنا؟» قالوا: حرام حرّمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره» قال: فقال صلى الله عليه وسلم: «ما تقولون في السرقة؟» قالوا: حرمها الله ورسوله، فهي حرام، قال: « لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره» [أخرجه أحمد وصححه الألباني].

 

فاتقوا الله وصونوا حرمات جيرانكم كما تصونوا حرمات أمهاتكم وأخواتكم، تفقدوا جيرانكم وتعاهدوهم بالصلة والسؤال، واتقوا الله فيهم ولا تؤذوهم، فليس بمؤمن من آذى جاره، وإن من أذية الجار أن يرفع المرء صوت المذياع أو المسجل بالموسيقى التي تغضب الله وتؤذي الجار المسلم.

 

ومن الأذية رمي القاذورات أمام بيت الجار وهو أمر كان يفعله المشركون مع نبينا صلى الله عليه وسلم، كذلك من الأذية تجمع الصبية والشباب مع أصحابهم أما بيت الجار، مع ما يصحب ذلك من ضجيج وإزعاج وربما كلمات نابية قذرة وهيئات وأشكال مزرية قبيحة تؤذي أعين الناظر إليها فضلاً عن أذية الجيران، ومن الأذية كذلك خروج النساء سواء كن ربات البيوت أو الخادمات من البيوت وهن متبرجات متهتكات، فذلك أيضاً يؤذي المؤمنين ويغضب الله رب العالمين، فاستروا بناتكم وزوجاتكم والخادمات اللاتي تحت أيديكم، ولا تؤذوا جيرانكم وعباد الله بمناظرهن، ولا تجعلوهن عرضة لأذية الفساق، والله تعالى يقول: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب: 59].

 

والمسلم يعرف نفسه إذا كان قد أحسن إلى جيرانه أو أساء إليهم ففي الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل لرسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنت، فقد أحسنت وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت» [رواه ابن ماجه وهو حديث صحيح].

 

إن المسلم ليتألم عندما يلاحظ في المجتمع الإسلامي كثرة المشاكل والتدهور في العلاقات بين الجيران، فتجد جارا يكيد بجاره المكائد والمصائب، وآخر لا يتكلم مع جاره لأيام طويلة، والنبي صلى الله عليه وسلميقول: «من هجر أخاه فوق ثلاث فمات دخل النار إلا أن يتداركه الله برحمته» [رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح وقال الألباني: حسن لغيره].

 

أي: ثلاث ليال، وآخر لا يعرف أن جاره يمر بمناسبة سعيدة فيهنيه أو حزينة فيواسيه ويعزيه، وأخطر من ذلك أن تجد جيراناً يعيشون في عمارة واحدة ولا يتعارفون، وإن سألت أحدهم عن أقرب الجيران منه لا يعرفه، وربما لا يلتقون إلا على باب المبنى، فأين هؤلاء من الاقتداء برسول الله في معاملته مع جيرانه؟!

 

كان للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة جار يهودي يؤذيه، وكان صلى الله عليه وسلم يصبر ويحتسب، فلما مرض اليهودي زاره، فدخل الرعب في قلب اليهودي ظناً منه أن محمداً صلى الله عليه وسلم جاء لينتقم منه مستغلاً مرضه، وإذا به يفاجأ بأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ليواسيه ويسأل عن حاله ويقدّم له العون إن لزم الأمر، عندئذٍ طأطأ اليهودي رأسه اعترافاً له بالجميل وأعلن الشهادة وأصبح من المسلمين.

 

أسأل الله أن يوفقني لما يحب ويرضى، وأن يهدنا لصالح الأقوال والأعمال والنيات، ولما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حقوق المسلم: عيادة المريض
  • حقوق المسلم: النصيحة
  • حقوق الأولاد (1)
  • حقوق الأولاد (2)
  • حقوق الأولاد (3)
  • حقوق المسنين (1)
  • حقوق الانسان (1)
  • حقوق المظلوم
  • حقوق الزوجة على زوجها (1)
  • حقوق الزوج على زوجته
  • حقوق اليتيم (1)

مختارات من الشبكة

  • حقوق الحيوان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق المرأة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق المرأة (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق اليتيم (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في حقوق الأخوة من النسب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بريطانيا: استبيان لمفوضية حقوق الإنسان عن حقوق المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • خطبة المسجد الحرام 23 / 10 / 1434 هـ - حقوق الجار في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسلام وحقوق المعاقين: دراسة فقهية في كيفية حماية حقوق المعاقين في المجتمعات الإسلامية وفق الشريعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رعاية حقوق الجيران(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • اتِّفاقيات حقوق الإنسان(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/2/1447هـ - الساعة: 3:54
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب