• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير قوله تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    المبالغة في تشقيق العلم
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    السياسة النبوية في اكتشاف القدرات وتنمية المهارات ...
    د. مراد باخريصة
  •  
    توبة الأمة (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    هوس الشهرة عند الشباب والفتيات (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    كشف الأستار بشرح قصة الثلاثة الذين حبسوا في الغار
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (اللطيف، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    {يغشى طائفة منكم}
    د. خالد النجار
  •  
    جوامع الكلم النبوي: دراسة في ثراء المعاني من حديث ...
    د. ثامر عبدالمهدي محمود حتاملة
  •  
    الخشية من الله تعالى (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    حتى لا تفقد قلبك
    بدرية بنت حمد المحيميد
  •  
    وفاة ملكة جمال الكون!
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    الإمام أبو بكر الصديق ثاني اثنين في الحياة وبعد ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    حقوق الحيوان
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تلاوة آيات ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    دعاء الربانيين: مفتاح النصر وسر المحن
    د. مصطفى يعقوب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / تفسير القرآن الكريم
علامة باركود

{يغشى طائفة منكم}

{يغشى طائفة منكم}
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/7/2025 ميلادي - 5/2/1447 هجري

الزيارات: 138

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ ﴾

 

قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 154].

 

﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ ﴾ نعاسًا يغشى.. يدل على تجلل النعاس واستعلائه وغلبته، وسمي الْإِغْشَاءُ إنزالًا؛ لأنه لما كان نعاسًا مقدرًا من الله لحكمة خاصة، كان كالنازل من العوالم المشرفة؛ كما يقال: "نزلت السكينة".

﴿ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ ﴾: كل الغموم السابقة، فالمراد بالغَمِّ هنا جنس الغَمِّ، فشمل الغَمَّ بعد الغَمِّ.

 

﴿ أَمَنَةً ﴾ الأمنة والأمن سواء، وقيل: الأمنة أمن مؤقت يكون معه أسباب الخوف، والأمن: يكون أمنًا مطردًا مع عدم الخوف؛ كما في قوله تعالى: ﴿ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]؛ أي: في الجنة.. والظاهر القول الأول، وأنه لا فرق بينهما.

 

وقد بيَّن سبحانه نوع الأمن أو مظهره، بقوله: ﴿ نُعَاسًا ﴾ استرخاء يصيب الجسم قبل النوم «مقدمة النوم»، وهو يزيل التعب، ولا يغيب وعي صاحبه بالكلية؛ فلذلك كان أمنة؛ إذ لو ناموا ثقيلًا لأخذوا.

 

امتنَّ وتفضل الله تعالى على المؤمنين بعد هذه الغموم في يوم أُحُد بالنعاس حتى نعس أكثرهم؛ وإنما ينعس من يأمن، والخائف لا ينام؛ حيث اطمأنت فيه النفوس، واسترخت الأعضاء، واستسلمت لمقادير الله تعالى وإرادته في خلقه ونصرة دينه، مطرحين الماضي، مكتفين منه بالعبرة، ومتخذين منه نورًا يضيء للمستقبل بخطئه وبصوابه.

 

وكان مقتضى الظاهر أن يقدم "النعاس" ويؤخر "أمنة"؛ لأن "أمنة" بمنزلة الصفة، كما جاء في آية الأنفال: ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ﴾ [الأنفال: 11]؛ ولكنه قدم "الأمنة" هنا تشريفًا لشأنها؛ لأنها جعلت كالمنزل من الله لنصرهم، فهو كالسكينة، فناسَبَ أن يجعل هو مفعول أنزل، ويجعل "النعاس" بدلًا منه.

 

﴿ يَغْشَى ﴾ يغطي الحس، ويستر الإدراك والتنبه ﴿ طَائِفَةً مِنْكُمْ ﴾ أهل الإيمان، واليقين والثبات، والتوكل الصادق، وهم الجازمون بأن الله سينصر رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وينجز له مأموله.

 

عن عبدالله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: "النعاس في القتال من الله، وفي الصلاة من الشيطان".

 

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى النعاس مظهرًا للاطمئنان قبل واقعة بَدْر: ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾ [الأنفال: 11].

 

قال ابن كثير رحمه الله: "روى البيهقي بإسناده عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك؛ أن أبا طلحة قال: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أُحُد، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه، قال: والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرعنه، وأخذله للحق ﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ [آل عمران: 154] كَذَبَةَ، أهل شك وريب في الله عز وجل...هكذا رواه بهذه الزيادة، وكأنها من كلام قتادة رحمه الله.

 

والمصاف الذي أخبر عنه أبو طلحة كان في الجبل بعد الكسرة، أشرف عليهم أبو سفيان من علو في الخيل الكثيرة، فرماهم من كان انحاز إلى الجبل من الصحابة بالحجارة، حتى أنزلوهم، وما زالوا صافين حتى جاءهم خبر قريش أنهم عزموا على الرحيل إلى مكة، فأنزل الله عليهم النعاس في ذلك الموطن، فأمنوا ولم يأمن المنافقون.

 

﴿ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ﴾ حملتهم على الهم، فلا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف من أن يعود إليهم أبو سفيان وجيشه، وعدم رضاهم بقدر الله تعالى، وهم أهل الشك والنفاق الذين حرمهم الله تعالى من تلك الأمنة، فما زال الخوف يقطع قلوبهم، والغم يُسَيْطر على نفوسهم، وهم لا يفكرون إلا في أنفسهم: كيف ينجون من الموت، غير مكترثين بما أصاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.

 

لكن من هم الطائفة التي أهمتهم أنفسهم، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، ونحن نعلم من خلال كتب السِّيَر أن رأس المنافقين عبدالله بن أُبَيِّ بن سلول كان لا يريد أن يقاتل مع المؤمنين في معركة أُحُد، فرجع هو وثلث الجيش معه إلى المدينة، وتابع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ومعه المؤمنون إلى الحرب، حيث جرت معركة أُحُد مع الكُفَّار؛ ولهذا أستبعد أن تكون الطائفة التي أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظنَّ الجاهلية هم من المنافقين؛ لأن المنافقين لم يشاركوا في القتال مع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ولقد رجعوا من منتصف الطريق إلى المدينة بأمر من عبدالله بن أُبَيِّ بن سلول، هل يعقل أن هذه الطائفة كانت مؤمنة؟!

 

والجواب: لا.. فرجوع رأس المنافقين ومَنْ تَبِعَه منهم، لا يمنع أن يكون بعض المنافقين بقوا مع المسلمين ولم يرجعوا، مثل مُعْتَب بن قُشَير وأصحابه، وكانوا خرجوا طمعًا في الغنيمة وخوف ملامة المؤمنين.. وهذا هو الذي تدل عليه الآيات.

 

﴿ يَظُنُّونَ ﴾ والظن هنا ليس هو الاعتقاد الجازم؛ بل هو الوهم الملازم للضعف، المسيطر على النفس.

 

﴿ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾ كأنه قيل: «الباطل»، فبدأ ببطلان هذا الظن أولًا.. أي: ليس هو الحق، ولا الذي يجب أن يظن بالله تعالى، وهو سبحانه أهل المعاونة الصادقة، والتأييد عند الثبات.

 

ثم بيَّن أن هذا الظن صادر عن جهل، فقال: ﴿ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾؛ أي: ظن أهل الجاهلية، فلا يظن مثل ذلك الظن إلا أهل الشرك الجاهلون بالله.. ظنًّا ينافي اليقين بالقدر، وظنًّا ينافي بأن الله ينصر رسوله، فكان عقابهم على ترك اليقين ووجود الشك أن كشف الله تعالى عن سرائرهم، مما يعتقدون أن الإِسلام باطل، وأن محمدًا ليس رسولًا، وأن المؤمنين سينهزمون ويهلكون، وينتهي الإسلام ومن يدعو إليه.

 

كما قال تعالى: ﴿ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ﴾ [الفتح: 12]، وهكذا هؤلاء، اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة، وأن الإسلام قد باد وأهله، هذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من الأمور الفظيعة تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة.

 

وفي هذا تعريض بأنهم لم يزالوا على جاهليتهم، ولم يخلصوا الدين لله، فهم الذين لم يعرفوا الإيمان أصلًا، والمتظاهرون بالإيمان في قلوبهم، فبقيت معارفهم كما هي من عهد الجاهلية.

 

والجاهلية صفة جرت على موصوف محذوف يقدر بالفئة أو الجماعة، وربما أُريد به حالة الجاهلية في قولهم: أهل الجاهلية، والظاهر أنه نسبة إلى الجاهل؛ أي: الذي لا يعلم الدين والتوحيد، فإن العرب أطلقت الجهل على عدم العلم.

 

ولفظ الجاهلية من مبتكرات القرآن، وصف به أهل الشرك تنفيرًا من الجهل، وترغيبًا في العلم؛ ولذلك يذكره القرآن في مقامات الذم في نحو قوله: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ﴾ [المائدة: 50]، ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]، ﴿ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ [الفتح: 26]، ولم يسمع ذلك كله إلا بعد نزول القرآن، وفي كلام المسلمين.

 

وفيه: أنه لا يظن أحد بالله ظنًّا غير الحق إلا وهو جاهل؛ لقوله تعالى: ﴿ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾، فكل من ظن بالله غير الحق، فإنه بلا شك جاهل لم يقدر الله حق قدره.

 

﴿ يَقُولُونَ ﴾ في تلك الحال.. والأصل في القول إذا أطلق فهو قول اللسان، وإذا كان قول النفس فلا بد أن يقيد؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ﴾ [المجادلة: 8]، فإذن تكون الآية دالة على أن هذا القول صادر منهم بألسنتهم.

 

﴿ هَلْ لَنَا ﴾ استفهام إنكاري بمعنى النفي المطلق الشامل، كأنهم يقولون: هل نحن روجعنا، هل أخذت مشورتنا.

 

﴿ مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْء ﴾؛ أي: من أمر الخروج، وإنما خرجنا كرهًا، وقولهم: ﴿ مِنْ شَيْءٍ ﴾ زيادة للتأكيد.

 

وهذا القول قالوه سرًّا فيما بينهم، ومعناه: ليس لنا من الأمر من شيء، ولو كان لنا ما خرجنا، ولا قاتلنا، ولا أصابنا الذي أصابنا، فهو وإن كان ظاهره صورة العتاب عن ترك مشورتهم فنيَّتُهم منه تخطئة النبي في خروجه بالمسلمين إلى أُحُد، وأنهم أسَدُّ رأيًا منه.

 

فأطلعه الله تعالى على سرهم وقال له: رد عليهم بقولك:

﴿ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾ وأفعال الله تعالى لا تخلو أبدًا من حكم عالية، فيجب التسليم لله تعالى، والرضا بأفعاله في خلقه.

 

ولما أكَّد في كلامهم بزيادة ﴿ مِنْ ﴾ في قوله: ﴿ مِنْ شَيْء ﴾، جاء الكلام مؤكدًا بـ ﴿ إِنَّ ﴾، وبولغ في توكيد العموم بقوله: ﴿ كُلَّهُ لِلَّه ﴾، فكان الجوابُ أبلغَ.

 

أي: إن تقدير الأمور كلها لله سبحانه وتعالى، لا أمر النصر والهزيمة فقط، فكل شيء عنده بمقدار؛ ولكنه سبحانه وتعالى خلق كل شيء بحكمته ومشيئته وإرادته وحده، وهو الذي قدر الأسباب ومسبباتها، وربط بين الأفعال ونتائجها، فمن اختلفوا ولم يطيعوا قائدهم، وأقدموا على الغنائم في غير الوقت المعلوم فلا بد أن يحدث عن فعلهم الهزيمة والاضطراب؛ لأن هذا هو النظام الذي سَنَّه ربُّ البرية في الارتباط بين الأسباب ومسبباتها، فكون الأمر كله لله لَا ينفي عنكم التبعة، بل يؤكدها.

 

قال ابن عاشور: "وهذا الجواب جارٍ على حقيقة جريان الأشياء على قدر من الله، والتسليم لذلك بعد استفراغ الجهد في مصادفة المأمول، فليس هذا الجواب ونظائره بمقتضى ترك الأسباب؛ لأن قدر الله تعالى وقضاءه غير معلومين لنا إلا بعد الوقوع، فنحن مأمورون بالسعي فيما عساه أن يكون كاشفًا عن مصادقة الله لمأمولنا، فإن استغفرنا جهودنا وحرمنا المأمول، علمنا أن قدر الله جرى من قبل على خلاف مرادنا، فأما ترك الأسباب فليس من شأننا، وهو مخالف لما أراد الله منا، وإعراض عما أقامنا الله في هذا العالم، وهو تحريف لمعنى القدر".

 

وهذه الجملة معترضة بين متلازمين، وهو قولهم: ﴿ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْء ﴾، وقوله تعالى بعد ذلك: ﴿ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ.. ﴾.

 

﴿ يُخْفُونَ ﴾ يضمرون ﴿ فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ من الشرك والكفر والتكذيب، ﴿ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ ﴾ يظهرون ﴿ لَكَ ﴾، ثم هتك تعالى مرة أخرى سترهم، وكشف سرهم في أنهم يخفون في أنفسهم من الكفر والبغض والعداء لك ولأصحابك ما لا يظهرونه لك، ثم فسر ما أخفوه في أنفسهم بقوله: ﴿ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ﴾؛ أي: يسرون هذه المقالة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. يريدون لو كان الأمر بأيديهم ما خرجوا لقتال المشركين؛ لأنهم إخوانهم في الشرك والكفر، ولا قتلوا مع من قتل في أُحُد.. وهذه المقولة تشير إلى أنهم ما كانوا يريدون القتال؛ ولكنه قدر الله وأمره لهم الذي جعلهم يقعون في هذا الخطأ.

 

وفيه: أن "لو" بعد القدر لا تفيد شيئًا، وهي من عمل الشيطان.

 

قال محمد بن إسحاق بن يسار: فحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه، عن عبدالله بن الزبير قال: قال الزبير: لقد رأيتني مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين اشتدَّ الخوف علينا، أرسل الله علينا النوم، فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره، قال: فوالله، إني لأسمع قول مُعْتَب بن قُشَير، ما أسمعه إلا كالحلم، يقول: ﴿ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ﴾ فحفظتها منه، وفي ذلك أنزل الله تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ﴾ لقول مُعْتَب؛ [رواه ابن أبي حاتم].

 

ومُعْتَب هذا شهد بَدْرًا، ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره، وكان مغموصًا عليه بالنفاق.

 

﴿ قُلْ ﴾ أمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم ﴿ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ﴾ لظهر ﴿ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ ﴾ في كتاب المقادير؛ أي: «اللوح المحفوظ».

 

وهذه كتابة قدرية لا كتابة شرعية، فهي كقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105] هذه كتابة قدرية.

 

أما قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، فهي كتابة شرعية بمعنى فرض.

 

﴿ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾ وصرعوا فيها وماتوا؛ لأن قدر الله نافذ على كل حال، ولا حذر مع القدر.

 

والمضاجع جمع مضجع؛ وهو مكان النوم والاضطجاع، والمراد: مصارعهم، والمكان الذي صرعوا فيه قتلى.

 

قال في زهرة التفاسير: "وفي هذا يدعوهم رب البرية أن يستسلموا لحكمه، ويخضعوا لقدره، ويرضوا به، ويطمئنوا إليه؛ لأن الاطمئنان إلى القدر بعد أخذ الأسباب رضا بحكم الله، وقبول لإرادته في خلقه، وعدم الرضا بالقدر تمرد على الخالق، وانزعاج نفسي لَا علاج له؛ وإذا كان من الناس من يعيب الرضا بالقدر، فهي نزعة إلحاد في النفس، والذين يشكون من المقادير، ويتمردون عليها لَا يرضون برب المقادير حكمًا عدلًا، وهو اللطيف الخبير، السميع البصير.

 

والرضا بالقدر يلقي في النفس بالاطمئنان والصبر والرضا، والقدرة على الاحتمال، والاستعداد للقابل، وعدم الالتفات إلى الوراء، فمن لَا يؤمن بالقضاء قصير النظر، ومن يؤمن به متجدد الفكر؛ نظره إلى الأمام دائمًا".

 

وفيه: أنه قد يكون فيها إشارة إلى أن الشهداء يدفنون في مكان استشهادهم؛ لقوله: ﴿ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾؛ أي: في أماكن قتلهم، وهذا إن لم تفده هذه الآية، فقد استفيد من السنة، فإن قومًا من الصحابة حملوا قتلاهم في أُحُد لدفنهم في المدينة، فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بردهم إلى مصارعهم يدفنون هناك فدفنوا.

 

﴿ وَلِيَبْتَلِيَ ﴾ لام التعليل ﴿ اللَّهُ ﴾ يختبركم بما جرى عليكم، فيقع منكم مشاهدة ما علمه غيبًا؛ كقوله: ﴿ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 129].

 

﴿ مَا فِي صُدُورِكُمْ ﴾ وهي القلوب؛ لقول الله تعالى: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

 

﴿ وَلِيُمَحِّصَ ﴾؛ التمحيص: التمييز أو التخليص، وهو إظهار شيء من شيء؛ كإظهار الإِيمان من النفاق، والحب من الكره.

 

﴿ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ ليظهر أمْرَ المؤمن والمنافق للناس في الأقوال والأفعال.

 

فالابتلاء للقلب نفسه، والتمحيص لما في القلب.

 

﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ جملة استئنافية.. أي: عليم بما يختلج في الصدور من السرائر والضمائر.

 

فهو سبحانه إذ يفعل ذلك يعلم بما في صدوركم، يعلم ما يخالطها، وما توسوس به، ويعلم مَوَاضع أدوائها، وما تنطوي عليه نفوس الأبرار الأقوياء، ونفوس الضعفاء ونفوس الأشرار، وقد أكد سبحانه وتعالى علمه بخفايا النفوس، بثلاثة تأكيدات:

التأكيد الأول: التعبير بالجملة الاسمية.

 

التأكيد الثاني: التعبير بوصف عليم، فهو يعلم صغائر الأمور وجليلها، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.

 

التأكيد الثالث: التعبير بذات الصدور، فهذا من قبيل ما يشبه التأكيد المعنوي، فمعناه يعلم الصدور ذاتها، فلا يقتصر علمه على ما في الوعاء؛ بل يعلم الوعاء ذاته.

 

وفيه: التحذير من إضمار ما لا يرضى به الله؛ لأنك إذا أضمرت ما لم يرض به الله، فسوف يحاسبك عليه، وإن كان لا يبدو للناس، فعلى المرء أن يحاسب نفسه دائمًا، وينظر ما في قلبه، هل في قلبه الخير وإرادة ما يرضي الله، أو أن الأمر بالعكس؟ وليصحح الوضع.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم.....)

مختارات من الشبكة

  • فوائد وأحكام من قوله تعالى: { ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم... }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العناية بالشَّعر في السنة النبوية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • تفسير: (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يغشى القلب وحشة وحزن وضيق لا يذهبه إلا الأنس بالله وطاعته(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير: (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عقيدة الدروز(مقالة - آفاق الشريعة)
  • واو الحال وواو المصاحبة في ميزان المعنى(مقالة - حضارة الكلمة)
  • انسكاب لحظات صامتة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحريم التوكل على غير الله تبارك وتعالى(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 5/2/1447هـ - الساعة: 12:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب