• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ما انتقد على «الصحيحين» ورجالهما، لا يقدح فيهما، ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    على ضفاف عاشوراء {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} ...
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    وما ظهر غنى؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    سؤال وجواب في أحكام الصلاة
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    خطبة: يكفي إهمالا يا أبي
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    خطبة: فتنة التكاثر
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    تحريم الاستغاثة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم
    د. وفا علي وفا علي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { ودت طائفة من أهل ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    إطعام الطعام من أفضل الأعمال
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    { لا تكونوا كالذين كفروا.. }
    د. خالد النجار
  •  
    دعاء من القرآن الكريم
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    تخريج حديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    أخلاق وفضائل أخرى في الدعوة القرآنية
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم فيها
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم

إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم
د. وفا علي وفا علي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/7/2025 ميلادي - 19/1/1447 هجري

الزيارات: 95

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم


تأسرني كما تأسر كل مسلم قصةُ إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم بمواقفه وصفاته التي أشاد بها القرآن الكريم كثيرًا؛ فقد كان إبراهيم عليه السلام عظيمًا كريمًا غاية الكرم، حليمًا غاية الحِلم، عابدًا غاية العبادة، شجاعًا غاية الشجاعة، صبورًا، متوكلًا، متصفًا بكل الصفات الحسنة، بعيدًا عن كل الصفات الذميمة؛ لذلك استحق تلك المكانة العالية، والدرجة الرفيعة التي رفعه الله تعالى إليها.

 

أولًا: مكانة إبراهيم عليه السلام:

لإبراهيم عليه السلام منزلة عظيمة بين الأنبياء، ولهذه المكانة جعله الله سبحانه وتعالى قدوة لنا، وقدوة لنبينا صلى الله عليه وسلم؛ فقال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 123]، وقال الله تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾ [الممتحنة: 4]، ولفضل إبراهيم عليه السلام اجتباه الله تعالى، واصطفاه، واتخذه خليلًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125].

 

وبيانًا لتلك المكانة، جعل الله عز وجل إبراهيم عليه السلام وحده في مقام أمة، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 120، 121].

 

فكان إبراهيم عليه السلام وحده في مقام أمة في مواجهة الشرك، وفي مواجهة النمرود، وفي دعوة قومه، قيل في معنى "أمة": أي: معلمًا للخير يأتمُّ به أهل الدنيا، وقد اجتمع فيه من الخِصال الحميدة والأخلاق الجميلة ما يجتمع في أمة، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: الأمة الذي يعلم الخير، والقانت المطيع لله، وقال مجاهد: كان مؤمنًا وحده والناس كفار كلهم، وقال قتادة: ليس من أهل دين إلا يُجلونه ويرضونه[1].

 

ولهذا لما جاء رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا خير البرية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك إبراهيم عليه الصلاة والسلام))؛ قال العلماء: إنما قال صلى الله عليه وسلم هذا تواضعًا واحترامًا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم لخُلَّتِهِ وأبوته، وإلا فنبينا صلى الله عليه وسلم أفضل؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر))[2].

 

ولفضل إبراهيم عليه السلام، جعله الله سبحانه وتعالى إمامًا وقدوة للعالمين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124]، وجَعْلُ الله تعالى إبراهيمَ عليه السلام للناس إمامًا يدل على مكانته العظيمة، ومنزلته الكريمة، وصفاته الحميدة التي ينبغي التحلي بها، وقد ذكر القرآن الكريم منها كثيرًا، فما هي تلك الصفات والأخلاق والمواقف التي كانت لإبراهيم عليه السلام، ورفعَته إلى تلك المكانة وتلك المنزلة عند الله عز وجل؟

 

ثانيًا: صفات إبراهيم عليه السلام:

لا شكَّ أن للولاية أسبابًا، ولها ثمارًا كثيرة، وأعظم أسباب الولاية لله تعالى هي العبودية الخالصة، والطاعة الكاملة، والاستسلام التام لأوامر الله تعالى، والتقرب إلى الله تعالى بما يُحبه من جميل الأقوال والأفعال والنيات؛ فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعله، ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته))[3].

 

وهاك بعضَ صفات إبراهيم عليه السلام التي ذكرها القرآن الكريم وأثنى عليه بها:

الانقياد التام والاستسلام الكامل لأوامر الله تعالى:

كان إبراهيم عليه السلام طائعًا لله غاية الطاعة، محبًّا لعبادة الله تعالى كمال المحبة، مستسلمًا لأمره، خاضعًا لشرعه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124]، ابتلاه: "اختبره بأوامر ونواهٍ، والاختبار منه لظهور ما لم نعلم، ومن الله لإظهار ما قد علم"[4].

 

"اذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم؛ أي: اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي، ﴿ فَأَتَمَّهُنَّ ﴾ أي: قام بهن كلهن؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النجم: 37]؛ أي: وفى جميع ما شرع له، فعمل به صلوات الله عليه... قال: ﴿ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ﴾ [البقرة: 124]؛ أي: جزاءً على ما فعل، كما قام بالأوامر وترك الزواجر، جعله الله للناس قدوةً وإمامًا يُقتدى به، ويُحتذى حذوه"[5].

 

﴿ فَأَتَمَّهُنَّ ﴾ [البقرة: 124] ما أعظمها من كلمة أثنى الله بها على خليله إبراهيم عليه السلام! لأن تمام الطاعة في الناس قليل، أما إبراهيم عليه السلام فقام بالأوامر والنواهي على الوجه الأكمل دون نقص أو تقصير أو تراخٍ، بما في ذلك الأمور العظيمة والابتلاءات الشديدة التي أمره الله تعالى بها؛ كأمره بأن يواجه طاغية عصره النمرود، وأن يواجه قومه بنبذ الأوثان، وأن يهاجر في سبيل الله، وأن يترك أهله بوادي غير ذي زرع، وأن يبني الكعبة، وأن يذبح ولده، وأن يختتن، ففعل كل ما أمره الله عز وجل به دون تقصير أو نقص، إلا ما مُنع منه بعدما شرع فيه كذبحه لولده.

 

حليم أوَّاه منيب:

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾ [هود: 75]؛ "لحليم: أي: ذو خلق حسن، وسَعة صدر، وعدم غضب عند جهل الجاهلين، أواه؛ أي: متضرع إلى الله في جميع الأوقات، منيب؛ أي: رجَّاع إلى الله بمعرفته ومحبته، والإقبال عليه، والإعراض عمن سواه، فلذلك كان يجادل عمن حتم الله بهلاكهم"[6].

 

خاضع خاشع مستسلم لله تعالى:

قال الله تعالى مبينًا استسلام إبراهيم لربه: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 131]؛ إخلاصًا وتوحيدًا، ومحبة، وإنابة، فكان التوحيد لله نعته، ثم ورثه في ذريته، ووصاهم به، وجعلها كلمة باقية في عقبه[7].

 

الكرم والجود والإحسان إلى الخلق:

الله سبحانه وتعالى كريم يحب الكرماء، ويجازي المحسنين، وإبراهيم عليه السلام كان كريمًا غاية الكرم، فمدحه الله تعالى بهذا؛ فقال الله تعالى: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾ [الذاريات: 24 - 27].

 

فكان من كرمه أنه خدم ضيوفه بنفسه، وذهب سريعًا في خفية إلى عجل سمين، فذبحه، وجهَّزه، وشواه، وقربه إليهم، ثم دعاهم إلى الطعام منه، مع أنه لم يكن يعرفهم، ولا يعرف ما جاؤوا من أجله، ولم يسألهم عن شيء، وذلك غاية الكرم والإحسان.

 

الشجاعة والإقدام:

كان إبراهيم عليه السلام شجاعًا مقدامًا، لا يتأخر عن واجب، ولا يلين لباطل، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويصبر على ما أصابه في سبيل ذلك؛ فقد حاور قومه، ودعاهم بالحجة والبرهان إلى التوحيد ونبذ الأصنام: ﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 95، 96]، فلما لم يستجيبوا له، كسر أصنامهم؛ ليعلموا أنها ليست بشيء، فأشعلوا له نارًا وقذفوه فيها، فقال: "حسبي الله ونعم الوكيل"، فقال الله تعالى للنار: ﴿ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69]، وردَّ الله كيدهم في نحورهم: ﴿ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴾ [الصافات: 97، 98].

 

واجه إبراهيم عليه السلام أعتى طغاة زمانه؛ وهو النمرود بن كنعان، ودعاه للتوحيد، ولم يُبالِ بما يصيبه في سبيل ذلك، كما هاجر إلى بلاد الشام ومصر والحجاز داعيًا إلى الله سبحانه وتعالى.

 

صبور عظيم الصبر:

عندما ابتلى الله عز وجل إبراهيم عليه السلام بذبح ولده، استسلم صابرًا محتسبًا، ما سأل: ما الحكمة؟ وما قال: لماذا؟ بل استسلم بلا تردد، ولا إبطاء في تنفيذ أمر الله سبحانه وتعالى، وكان البلاء شديدًا؛ لأنه سوف يباشر الذبح بنفسه، ولأنه كان وحيده الذي جاءه على كِبَر، ولأنه قد بلغ معه السعي، وأنه غلام بارٌّ حليم؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات: 102 - 107]، وهذا الموقف الذي وصفه القرآن الكريم بالبلاء المبين لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، أعظم المثل في الاستسلام التام للأمر مهما بلغ، والصبر على تنفيذه مهما صعب، والرضا بقضاء الله تعالى مهما اشتد، مع الإيمان واليقين في لطف الله ورحمته بمن يستجيب له ويطيع أوامره.

 

سليم القلب:

سلامة القلب من الشرك والهوى وغيرهما من أمراض القلوب تقرِّب العبد من الله عز وجل، وتجعله محبوبًا عند الله تعالى وعند الناس، فمن سلِم قلبه: صحَّت عقيدته، وقُبِلَت عبادته، وسَلِمت صحته، وأشرقت حياته، واستراح قلبه، وقد وصف الله تعالى إبراهيم عليه السلام بسلامة القلب؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 83، 84]؛ "أي: أتى ربه بقلب سليم من الشرك والشكِّ والالتفات إلى غير الرب سبحانه وتعالى"[8]، ولإبراهيم عليه السلام صفات كثيرة لا يتسع لها المقام، ومن ثَم ننتقل إلى الكلام عن ثمرة عظيم الأخلاق، وكريم الخِصال لإبراهيم عليه السلام.

 

ثالثًا: ثمرة الولاية وعاقبة الإحسان:

لقد أحسن إبراهيم عليه السلام غاية الإحسان في توحيده، وفي عبادته، وأخلاقه، ودعوته، وصبره، ونصره دين الله عز وجل؛ فكان من ثمرة ذلك أن الله عز وجل استجاب له كل دعاء، وحقق له كل أمنية.

 

لما اشتاقت نفس إبراهيم عليه السلام إلى الولد دعا ربه: ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 99، 100]، فاستجاب الله تعالى له فقال: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101]، وقد كان إبراهيم عليه السلام حريصًا على صلاح ذريته وعلى أدائهم للعبادات على الوجه الأكمل؛ فقال: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40]، فاستجاب الله عز وجل له، ورزقه الذرية الصالحة الطيبة، وقد ظهر صلاح ذرية إبراهيم عليه السلام، واستجابة الله تعالى له في استسلام إسماعيل عليه السلام ذلك الاستسلامَ التام لله تعالى فيما كُلِّف به، حتى لو كان التكليف شيئًا فوق الذبح؛ حيث قال كما ذكر القرآن الكريم: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102]، فكان من صلاحه وإيمانه وكمال استسلامه لله تعالى أنه لم يقل: "اذبحني"، حين قال أبوه: "إني أرى في المنام أني أذبحك"، بل قال: "افعل ما تؤمر"، والذي يعني أنه لو كان هناك شيء فوق الذبح من تقطيع أو تمزيق، فافعله، ما دام هذا هو أمر الله سبحانه وتعالى.

 

أحب إبراهيم عليه السلام أن يُذكر أثره، ويبقى ذِكره؛ فقال: ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 84]، فاستجاب له؛ فقال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾ [مريم: 49، 50]، ونحن – المسلمين - نذكره عليه السلام، وسنظل نقول إلى يوم القيامة في كل صلاة كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)).

 

كذلك علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول حين نصبح: ((أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وملَّة أبينا إبراهيم حنيفًا، وما كان من المشركين))[9].

 

وعندما أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يضع ابنه وزوجته في الصحراء بوادٍ غير ذي زرع عند البيت الحرام، استجاب لأمر الله تعالى، فوضعهما هناك، ووضع معهما جرابًا فيه تمر، وسقاءً فيه ماء، ثم أراد أن ينصرف، فقالت له أم إسماعيل: أتذهب وتتركنا؟ فلم يُجِب، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذًا لا يضيعنا، ثم انصرف، ولما كان عند الثنيَّة حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت الحرام ودعا الله عز وجل فقال: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]، وبعد أن نفِد الماء والطعام واشتد بها وبولدها العطش، أخذت تبحث وتسعى بين الصفا والمروة، "فإذا هي بالملَك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - أو قال: بجناحه - حتى ظهر الماء، فجعلت تُحوِّضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرِف من الماء في سقائها، وهو يفور بعد ما تغرف، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزمَ - أو قال: لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزمُ عَينًا معينًا))، فشربت وأرضعت ولدها"[10].

 

وظلت أم إسماعيل هكذا حتى مرَّت بهم رفقة من جُرهمَ، فرأوا طائرًا يحوم في السماء، فقالوا: لعل هذا الطائر يحوم فوق ماء، وما عهدنا في هذا المكان ماء، فأرسلوا رسولًا أو رسولين، فعادوا فأخبروهم بالماء، فجاؤوا إلى أم إسماعيل، وقالوا: هل تأذنين لنا؟ أي بالسُّكنى في هذا المكان، قالت: نعم، ولكن لا حقَّ لكم في الماء، قالوا: نعم، فكانت هي صاحبة الماء وسيدة المكان، وهذا بفضل الله تعالى، ثم بدعوة إبراهيم عليه السلام[11].

 

وظل أهل مكة ينعمون بدعوة إبراهيم عليه السلام، آمنين في امتيارهم وتنقلاتهم شتاءً وصيفًا، والناس يُتخطفون من حولهم، فإذا عرض لهم عارض قالوا: نحن أهل حرم الله، فلا يتعرض لهم أحد[12]، وقد مَنَّ الله عز وجل عليهم بهذه النعمة؛ فقال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 67].

 

واستمر هذا الأمن والأمان لأهل مكة بفضل الله تعالى، ثم بفضل دعوة إبراهيم عليه السلام، حتى عندما كانت الهجمة الصليبية على الدول العربية واحتلتها جميعًا، ولكن السعودية الدولة الوحيدة التي سَلِمت من الاحتلال، وظلت - بحمد الله وفضله - مستقلة آمنة من أذى المحتلين، وفي العصر الحديث صارت السعودية من أغنى دول العالم بظهور الذهب الأسود (البترول) في أراضيها، وهي من آمَنِ دول العالم كذلك؛ إنها دعوة إبراهيم عليه السلام.

 

أحب إبراهيم عليه السلام مكة، وأحب الخير لأهلها، فسأل الله تعالى أن يجعل فيهم رسولًا منهم؛ فقال: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129]، فاستجاب الله عز وجل دعاءه، وأرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم من مكة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني عبدالله، وخاتم النبيين، وأبي منجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي آمنةَ التي رأت))[13].

 

وقد أجزل الله تعالى العطاء لإبراهيم عليه السلام، وجمع له خيري الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النحل: 120 - 122].

 

وقد جعل الله تعالى هذا التوفيق، وهذه الهداية، وهذه المعية، والذكر الحسن لإبراهيم عليه السلام، ولمن سار على دربه في الإخلاص، والإحسان، والتقوى، والتوكل، والانقياد، والتسليم لله تعالى؛ قال الله تعالى: ﴿ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصافات: 109 - 111].

 

ما أحوجنا أن نتأمل سيرة إبراهيم عليه السلام وآله؛ لنتعلم كيف تكون الطاعة لله، والاستجابة لأمره، والتضحية في سبيله سبحانه وتعالى، فهو نموذج ومثال في محبة الله، وطاعة الله، والتضحية في سبيل الله عز وجل!



[1] الكشف والبيان عن تفسير القرآن، أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي 6/ 49، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظير الساعدي، ط: دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى 1422هـ - 2002م.

[2] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي 15/ 121، ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الثانية، 1392.

[3] صحيح البخاري رقم: 6502.

[4] تفسير النسفي 1/ 126.

[5] تفسير ابن كثير 1/ 405.

[6] تفسير السعدي ص386.

[7] تفسير السعدي ص66.

[8] أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، أبو بكر الجزائري 4/ 414، ط الخامسة، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية 1424هـ - 2003م.

[9] مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم الحديث: 15364.

[10] قصص الأنبياء، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، ص204، 205، تحقيق: مصطفى عبدالواحد، الناشر: مطبعة دار التأليف – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1388هـ - 1968م.

[11] السابق ص205.

[12] المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الدكتور جواد علي، 13/ 303، ط4، دار الساقي، 1422هـ - 2001م.

[13] المستدرك على الصحيحين: أبو عبدالله الحاكم 2/ 453، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، ط: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1411 – 1990.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • آيات عن إبراهيم عليه السلام
  • إبراهيم عليه السلام... وآداب الحوار مع الآباء
  • إبراهيم عليه السلام (5)
  • إبراهيم عليه السلام.. الجوانب الشخصية (خطبة)
  • ملة إبراهيم عليه السلام

مختارات من الشبكة

  • واتخذ الله ابراهيم خليلا "إبراهيم عليه السلام"(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • بين إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل كان والد إبراهيم الخليل كافرا؟ وهل آزر هو والد إبراهيم؟ وهل أسلم أبو طالب؟ (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • إبراهيم بن أحمد الحمد أمير الزلفي لمحمد بن إبراهيم الحمد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نحو البصريين بين التقعيد والواقع اللغوي لإبراهيم محمد إبراهيم داود(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حوار شبكة الألوكة مع الأستاذ "إبراهيم أنور إبراهيم" عن جمهورية باكستان(مقالة - المسلمون في العالم)
  • لماذا نذكر إبراهيم عليه السلام في التشهد عن دون الأنبياء؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إبراهيم عليه السلام (2)(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • إساءة الفهم أم سوء القصد؟ تفنيد شبهة الطعن في حديث إبراهيم عليه السلام من «صحيح البخاري»(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخليل عليه السلام (11) {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى}(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/1/1447هـ - الساعة: 10:1
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب