• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ما انتقد على «الصحيحين» ورجالهما، لا يقدح فيهما، ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    على ضفاف عاشوراء {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} ...
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    وما ظهر غنى؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    سؤال وجواب في أحكام الصلاة
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    خطبة: يكفي إهمالا يا أبي
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    خطبة: فتنة التكاثر
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    تحريم الاستغاثة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم
    د. وفا علي وفا علي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { ودت طائفة من أهل ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    إطعام الطعام من أفضل الأعمال
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    { لا تكونوا كالذين كفروا.. }
    د. خالد النجار
  •  
    دعاء من القرآن الكريم
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    تخريج حديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    أخلاق وفضائل أخرى في الدعوة القرآنية
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم فيها
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / تفسير القرآن الكريم
علامة باركود

{ لا تكونوا كالذين كفروا.. }

{ لا تكونوا كالذين كفروا.. }
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/7/2025 ميلادي - 18/1/1447 هجري

الزيارات: 223

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾

 

قال تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [آل عمران: 156- 158].

 

ما زالت النصوص القرآنية الكريمة تذكر العبر في هزيمة أُحُد، وكأن هذه الهزيمة التي لم تكن فاصلة؛ بل رجع فيها المنتصرون لم يلووا على شيء- فيها دروس فائدتها أكبر من فائدة النصر، وفيها كشف لأحوال نفسية، ومعرفتها ذريعة إلى الاستمرار على القتال والانتصار فيه.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾الذين صدقوا الله ورسوله فيما أخبرا به من وعد ووعيد.

 

والنداء للتنبيه والتلطُّف والحث والإغراء على قبول ما يوجه إليهم وامتثاله، وأن ما يأتي بعدها من مقتضيات الإيمان، ومخالفته نقص في الإيمان.

 

وفيه أيضًا تعلية شأن المؤمنين بإيمانهم؛ لأن المخاطب لا يُنادى إلا بأحبِّ الأوصاف إليه.

 

والإيمان شرعًا: هو الإقرار المتضمن للقبول والإذعان، فالإقرار المجرد لا يُسمَّى شرعًا إيمانًا، بل لا بد من قبول وإذعان.. القبول ضد الرفض، والإذعان ضد الاستكبار.

 

﴿ لَا تَكُونُوا ﴾ تفيد تباعُد ما بين المقامين: مقام الإيمان، ومنزل الكفران، وأنه لا يصح بالمؤمن أن ينزل إلى المرتبة الدون، بعد أن علا بالإيمان إلى مقام الأعلين الأبرار، وفي هذا تقبيح المنهي عنه بأبلغ تعبير، وأرق تصوير.

 

﴿ كَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ وفي التعبير بالذين كفروا إشارة إلى أن الجزع للحاضر أو الماضي، والالتفات إلى الماضي، والنظر إلى وجوب تغييره، وقد سجل في الوجود، وأصبح لَا سبيل إلى تغييره- كل هذا من شأن الكافرين الذين يأسرهم ما يقع، ويتخذون «لو» التي هي سبيل الشيطان دائمًا وسواسًا لنفوسهم، يكررون ما كان يجب، وقد وقع ما وجب، والبصير الذي آتاه الله نعمة الهداية والتوفيق لَا يفكر إلا فيما يجب في المستقبل على ضوء ما وقع في الماضي.

 

وفيه الإشارة إلى النهي عن التشبُّه بالكُفَّار؛ والتشبُّه بالكفار اختلف فيه العلماء؛ فذهب أصحاب الإمام أحمد- رحمه الله- في المشهور عنهم إلى أن التشبُّه بالكفار مكروه، والمكروه عند الفقهاء كراهة تنزيه؛ أي: يُثاب تاركه امتثالًا، ولا يُعاقَب فاعله، لكن قولهم هذا ضعيف، والصواب أن التشبُّه بالكفار حرام، ولمَّا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حديث: ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ))؛ [أبو داود] في كتابه القيم «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم» لما ذكر هذا الحديث قال: وأقل أحوال هذا الحديث التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم؛ لأن قوله: ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)) ظاهره أنه كافر، فالاقتصار على الكراهة التي يراد بها كراهة التنزيه عند الفقهاء فيه نظر ظاهر.

 

وضابط التشبُّه أن يأتي بما يختص بالكفار من لباس أو تحلية جسم أو غيره، بحيث يقول من رآه: "هذا من الكفار"؛ لأنه لا يمكن أن يقول: هذا من الكفار إلا إذا كان الشيء مختصًّا بهم، أما إذا كان عامًّا فإنه لا يمكن أن يقال هذا من الكفار.

 

ولا يشترط في التشبُّه القصد؛ لأن الإنسان لو قصد التشبُّه لكان الخطر عظيمًا؛ لأنه لا يقصد التشبُّه بهم إلا من ملئ قلبه- أو كاد يملأ- بمحبتهم وتعظيمهم، بل إن التشبُّه حاصل بصورة التشبُّه سواء قصد أم لم يقصد.

 

هذا نقوله باعتبار الشخص نفسه، أما باعتبار إنكارنا عليه فإننا ننكر عليه مطلقًا؛ لأننا لو سكتنا عن الإنكار عليه لأمكن كل واحد أن يقول: إنني لم أقصد التشبُّه، فنحن نقول: الإنكار على المتشبَّه مطلقًا سواء قصد أم لم يقصد.

 

والتشبُّه في الأمور الدينية بالكفار أعظمُ بكثير من التشبُّه في الأمور العادية؛ لأن التشبُّه بهم في الأمور الدينية يعني تعظيم الباطل لذاته لكونه من خصائصهم؛ ولهذا ذكر ابن القيم- رحمه الله- في أحكام أهل الذمة أنه حرام بالاتفاق، وقال: هذا إن سلم فاعله من الكفر فقد أتى مُحَرَّمًا لا شك فيه؛ لأن التشبُّه بهم في الأمور الدينية يعني تعظيم دينهم، ودينهم منسوخ بدين محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإجماع المسلمين.

 

﴿ وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ ﴾ أخوة عقيدة النفاق والضلال وليست أخوة النسب.

 

واللام هنا ليست لتعدية القول؛ لأن إخوانهم قد ماتوا وقتلوا، فلا يمكن أن يوجه القول لهم لكنها بمعنى (في)؛ أي: قالوا في إخوانهم. أو بمعنى (عَنْ)؛ أي: قالوا عن إخوانهم أيضًا.


﴿ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ سافروا وأبعدوا في السفر، ولم يكن سفرًا قاصدًا، بل كان سفرهم فيه مشقَّة وجهد، وتعرض فيه المسافر للأذى.

 

وأصل الضرب في الأرض: الإبعاد فيها، والذهاب لحاجة الإنسان. فالضرب مستعمل في السير؛ لأن أصل الضرب هو إيقاع جسم على جسم وقرعه به، فالسير ضرب في الأرض بالأرجل، فأطلق على السفر.

 

﴿ أَوْ كَانُوا غُزًّى ﴾ جمع غازٍ، كرُكَّع وراكِع، وهو من يخرج لقتال ونحوه من شؤون الحرب، فمات من مات منهم أو قتل من قتل بقضاء الله وقدره.

 

قال الرازي: "وذكر الغزو بعد الضرب؛ لأن من الغزو ما لا يكون ضربًا؛ لأن الضرب الإبعاد، والجهاد قد يكون قريب المسافة؛ فلذلك أفرد الغزو عن الضرب".

 

يعني: أَنَّ بينهما عمومًا وخصوصًا فتغايرًا، فصح إفراده، إذ لم يندرج من جهة تحته.

 

وقيل: لا يفهم الغزو من الضرب، وإنما قدم لكثرته.

 

﴿ لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا ﴾؛ أي: ما فارقونا وبقوا في ديارنا.

 

﴿ مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا ﴾ هذا فيه ما يسمى عند البلاغيين: "لفًّا ونشرًا مرتبًا"، ﴿ مَا مَاتُوا ﴾ مقابل ﴿ إِذَا ضَرَبُوا ﴾، ﴿ وَمَا قُتِلُوا ﴾ مقابل ﴿ كَانُوا غُزًّى ﴾.. فلو كانوا عندنا ولم يضربوا في الأرض ما ماتوا، ولو كانوا عندنا ولم يغزوا ما قتلوا.

 

وهذا القول ينبعث من قلوب غير مؤمنة يسيطر عليها غمٌّ حاضر وهم غابر، وهو يدل على ضيق العقول، ومصادمة لكل معقول تحت تأثير الهوى الجامح المسيطر، فإنهم ما داموا قد خرجوا مختارين، فليس لكلمة «لو» مقام بعد ذلك في اعتبارهم، ثم إن هذا الكلام يضعف العزيمة، ويفتح القلوب للخور، فالمأسور بهزيمة الماضي لَا ينتصر في المستقبل، وفوق هذا فإن ذلك القول يدل على عدم تفويض الأمور لله سبحانه، فهو مسير كل شيء، وكل شيء عنده بمقدار، وعلى المؤمن أن يعمل ويجد، ويترك تقدير الأمور لرب العالمين؛ لأن الذي يتيقَّن أن كل موت وقتل بأجل سابق يجد برد التسليم لله تعالى على قلبه.

 

وهذا القول لَا يصدر أيضًا إلا عن قوم لَا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولا يرجون ما عند الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك ذكر سبحانه أنه من خواصِّ الذين كفروا بالله واليوم الآخر، وأن تلك الحال اليائسة القاتلة شأن من شئون الذين يلحدون في الله دائمًا، وهي عقاب دنيوي لهم؛ ولذا قال سبحانه: ﴿ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ﴾ اللام للعاقبة لا للتعليل، يعني قالوا هذا القول ليجعل الله هذا القول حسرة في قلوبهم. وأنهم لو ظنوا أن هذا القول سيكون حسرةً، وأنه لا فائدة منه إلا التحسُّر والندم وتكرار المصيبة ما قالوا هذا.

 

فاللام هنا هي التي تسمى «لام العاقبة»، وهي تدل على المآل، ولا تدل على التعليل الباعث، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا... ﴾ [القصص: 8]، فإنه ما كان الباعث على الالتقاط هو أن يكون لهم عدوًّا وحزنًا، بل كانت النتيجة هي العداوة.

 

ويصح أن تكون اللام للتعليل، ويكون المعنى أن الله سبحانه وتعالى خلق الكفار على هذه الأخلاق اليائسة، أو قدر لهم هذه الأحوال الموئسة ليلقي الحسرة في قلوبهم، والغم في نفوسهم، والضلال بهذه الأقوال في عقولهم.

 

﴿ ذَلِكَ ﴾ القول ﴿ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ الحسرة: هم وألم وحزن مستمر يأخذ بخناق النفس بسبب فوت مرغوب أو فقد محبوب. وقيل: الاهتمام [من الهم] على فائت لم يقدر بلوغه.

 

قال الأصبهاني في هذه المادة: "الحاسر من لَا درع له، والحاسر المُعْيا لانكشاف قواه، ويقال للمُعيا حاسر ومحسور، أما الحاسر فتصور أنه قد حسر بنفسه قواه، وأما المحسور فتصور أن التعب قد حسره، وقوله عز وجل: ﴿ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ [الملك: 4]، يصح أن يكون بمعنى حاسر، وأن يكون بمعنى محسور، وقال تعالى: ﴿ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]، والحسرة: الغم على ما فاته، والندم عليه، كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه، وانحسرت قواه من فرط غم، وأدركه إعياء عن تدارك ما فرط منه، قال تعالى: ﴿ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 156] ﴿ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الحاقة: 50]".

 

ومن هذا يتبين أن معنى الحسرة يتضمن همًّا وحزنًا وإعياءً، وتكشفًا للآلام يلقى تشاؤمًا وارتياعًا وانزعاجًا مستمرًّا.

 

وفي هذه الآيات بيَّن الله سبحانه وتعالى الفرق بين النفس المؤمنة إذا فقدت أحبابها أو أصفياءها في جهاد أو ما يشبهه، والنفس الكافرة إذا أصيبت بمثل هذه الإصابة.

 

وفي هذه الآيات أيضًا يُبيِّن سبحانه أن النظر إلى الماضي المؤلم من غير الاقتصار على الاعتبار يؤدي إلى الحسرة والحزن الدائم، فالنفس الدبرية التي تلاحقها دائمًا بآلام الماضي لَا تسعد في ذاتها، ولا تتأهَّب لعمل يحتاج إلى تضافر الهمم وتحفز العزائم، فإن تقرُّحَ القلب بآلام الماضي كفرٌ بالله، وعدم تفويض إليه سبحانه، وعدم إيمان بالمستقبل الذي يكون يوم القيامة، ويكون الأمر فيه كله لله تعالى، وإن هذه الروح الدبرية هي روح الكافرين، وقد نهى الله سبحانه عن أن يكونوا مثلهم.

 

وهذا القول يكون حسرةً في قلوبهم؛ لأنه لا يغني شيئًا؛ لأن الأمر بيد الله تعالى، ولهذا قال: ﴿ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ تقوية لمعنى النهي السابق، وتأكيد لضلال الكفار ومن يحاكونهم في انشغال أنفسهم بمن ماتوا، وظنهم أن الخروج هو الذي كان سببًا في قتل من قتلوا.

 

فهو سبحانه بيده الخلق وإليه يرجع الأمر، ولا يحيا أحد ولا يموت إلا بمشيئته وقدره، ولا يُزَاد في عُمُر أحد ولا يُنْقَص منه إلا بقضائه وقدره، فلا السفر ولا القتال يميتان، ولا القعود في البيت جبنًا وخورًا يحيي.

 

وإنه إذا كانت الحياة والموت بيد الله وحده قد جعل لكل أجل كتابًا، ومن جاء أجلُه لَا يستأخر ساعة ولا يستقدم، وأن الله سبحانه وتعالى خالق الأسباب ومسبباتها، وهو الذي يربط بينهما برباط السببية لحكمة يراها، والأسباب لَا تلزمه سبحانه، فلَا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، والله سبحانه في أفعاله كلها بالإحياء والإماتة يتصرف تصَرُّف العليم الخبير.

 

قال خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عند موته: "ما فيَّ موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة، وها أنا ذا أموت كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء".

 

وفيه أن هذا الدين رحمة؛ لأن نهي الله عن الندم على ما مضى مصلحة للإنسان؛ لأنه يطمئن قلبه ولا يتحسَّر ولا يحزن فإنه يقول لنفسه: هذا الأمر لا بد أن يقع كما وقع، فلا حاجة لأن تقول: لو أني فعلت لما حصل؛ إنما تقول: لو أني فعلت في أمر تكون فرطت فيه، أما شيء لم يكن بتفريطك فهذا لا يحل لك أن تندم عليه.

 

إذن من قال: (لو) معترضًا على القدر فقد شابه الكفار وقد فتح على نفسه بابًا من عمل الشيطان.

 

﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ قال الراغب: "علق ذلك بالبصر لا بالسمع، وإنْ كان الصادر منهم قولًا مسموعًا لا فعلًا مرئيًّا. لما كان ذلك القول من الكافرين قصدًا منهم إلى عمل يحاولونه، فخصَّ البصر بذلك؛ كقولك لمن يقول شيئًا وهو يقصد فعلًا يحاوله: أنا أرى ما تفعله".

 

فعلمه وبصره سبحانه نافذ في جميع خلقه، لا يخفى عليه من أمورهم شيء.. يعلم البواعث والنتائج ويعلم الحقائق والوقائع، فلا تذهب أنفسكم حسرات على الماضي.

 

﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ ﴾ قدم (قُتلتم) في هذا المقام لأنه المناسب؛ لأن الكلام الكريم في أعقاب مقتلة أصابت المسلمين وأصابهم هَمٌّ بسببها؛ فناسب تقديم (قتلتم) على (متم)، كما أن الخطاب هنا للمؤمنينِ الذين جاهدوا، وهو مبين لجزائهم.

 

﴿ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ أخبر سبحانه أنه إن تم ما يحذرونه من القتل في سبيل الله أو الموت فيه، فما يحصل لهم من مغفرة الله ورحمته بسبب ذلك خير مما يجمعون من حطام الدنيا ومنافعها، لو لم يهلكوا بالقتل أو الموت.

 

فموتة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، ورحمة الله تعالى تتضمن الثواب، والنعيم المقيم يوم القيامة، وذكر رحمة الله تعالى في هذا المقام لكيلا تذهب نفوس المؤمنين حسرة على ما ماتوا منهم، فإنهم ليسوا في شقاء بل هم في نعيم.

 

وظاهر الآية يدل على أنه جعلت المغفرة والرحمة لمن اتفق له أحد هذين: القتل في سبيل الله، أو الموت فيه.

 

﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ ﴾ الخطاب الأول للتبشير بالنسبة للمجاهدين فقدَّم الأشرف الأهم في تحصيل المغفرة والرحمة؛ إذ القتلُ في سبيل الله أعظمُ ثوابًا من الموت في سبيله، والخطاب هنا يعمُّ المجاهدين وغيرهم، بل هو خطاب عام للمؤمن والكافر؛ لأنه لم يقيد بـ "في سبيل الله"؛ ولذا قدم فيه (متم) على (قتلتم).

 

﴿ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾ وعظ.. وعظهم الله بهذا القول؛ أي: لا تفروا من القتال ومما أمركم به، بل فروا من عقابه وأليم عذابه، فإن مردكم إليه لا يملك لكم أحد ضرًّا ولا نفعًا غيره.

 

فالتعبير بالحشر إشارة إلى أن الجميع يجتمعون لَا يفلت منهم أحد، فالمنافقون والمشركون والمؤمنون الذين قتلوا والذين نجوا مجموعون عند ربهم، وسيلقاهم، وسيحاسب كل امرئٍ بما كسب، للمجاهدين مقامهم، ولغيرهم مهواهم الذي هووا إليه، ففي هذا إنذار وتبشير وتذكير بلقاء الله العلي الكبير.

 

وفيه: زيادة التسلية للمؤمنين؛ لأن المؤمن إذا علم أن مرجعه إلى الله، فإنه سوف يطمئن وسوف يستبشر وينشرح صدره بذلك.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض)
  • يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا...

مختارات من الشبكة

  • تفرق المسلمين: ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نداء الله للمؤمنين: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم}(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • ولا تكونوا كالذين نَسوا الله فأنساهم أنفسهم(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • يا دعاة الباطل لا تكونوا كاليهود: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • تفسير: (منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • { ولا تكونوا أول كافر به }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين}(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/1/1447هـ - الساعة: 10:1
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب