• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من عمل صالحا فلنفسه (خطبة) - باللغة النيبالية
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    قصة نجاة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    فقه السير إلى الله تعالى (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    اليوم الآخر أهوال وفوز وخسران أبديان (خطبة)
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    الوسطية ومجالاتها وتطبيقاتها (خطبة)
    السيد مراد سلامة
  •  
    تفسير: (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    السنة في حياة الأمة (2)
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الاستعاذة باعتبار المستعيذ والمستعاذ به
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    أعمال يسيرة وأجور عظيمة
    صلاح عامر قمصان
  •  
    إطعام الطعام يورثك النضرة والسرور
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    صحيح الأخبار المروية فيمن تنبأ ببعثه خير البرية ...
    عبدالله بن عبدالرحيم بن محمد الشامي
  •  
    تشجير متن الدليل في علم التفسير (PDF)
    افتتان أحمد
  •  
    نسخة الصغاني (النسخة البغدادية) لصحيح البخاري
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    مواسم الخيرات ماذا أحدثت فينا من أثر؟
    عبدالسلام بن محمد الرويحي
  •  
    (سورة الماعون) من مشروع (لرأيته خاشعا "القرآن فهم ...
    د. محمد حسانين إمام حسانين
  •  
    أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب / في محاسن الإسلام
علامة باركود

الوسطية ومجالاتها وتطبيقاتها (خطبة)

الوسطية ومجالاتها وتطبيقاتها (خطبة)
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/7/2025 ميلادي - 15/1/1447 هجري

الزيارات: 229

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الوسطية ومجالاتها وتطبيقاتها


الخطبة الأولى

أما بعد:

فحديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن "الوسطية ومجالاتها وتطبيقاتها"، فما معنى الوسطية؟ وما هي مجالاتها وتطبيقاتها في حياتنا الدينية والدنيوية؟ أعيروني القلوب والأسماع.

 

تعريف الوسطية: اعلموا - بارك الله فيكم - أنه وردت الوسطية في القرآن الكريم في أكثر من آية، وفي السُّنة في أكثر من حديث على عدة معانٍ؛ هي: العدل، والخيرية، والتوسط بين الإفراط والتفريط؛ ومن ذلك قوله عز وجل: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]؛ أي: عدلًا، ويدل على أن الأوسط هو الأعدل والخيار؛ قوله تعالى: ﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾ [القلم: 28].

 

وقول زهير بن أبي سلمى:

هم وسطٌ ترضى الأنام بحكمهم
إذا نزلت إحدى الليالي بمعظمِ

فالوسطية: هي التزام المنهج العدل الأقوم، والحق الذي هو وسط بين الغلو والتنطع، وبين التفريط والتقصير، فالاعتدال والاستقامة وسط بين طرفين؛ هما: الإفراط والتفريط، والاعتدال هو: الاستقامة والتزكية، والتوسط والخيرية.

 

مجالات الوسطية: أيها الأحباب: اعلموا - بارك الله فيكم - أن الدين كله وسط؛ فجميع التشريعات التي جاء بها صفوة المخلوقات صلى الله عليه وسلم وسط، لا إفراط ولا تفريط، منهج متوازن، ودستور عادل، فهيَّا لنتعرف على بعض تلك المجالات وتطبيقاتها:

الوسطية في الإيمان بالأنبياء والمرسلين:

إخوة الإسلام: ومن أول مجالات الوسطية في الإيمان بالأنبياء والمرسلين، وإنزالهم منزلتَهم التي أنزلهم الله تعالى دون غلو أو تفريط؛ فنحن - أمةَ الإسلام - نؤمن بأن الأنبياء هم صفوة خلق الله اختارهم الله تعالى ليكونوا رسلًا مبشرين ومنذرين، وأمرنا أن نؤمن بهم، وألَّا نغلو فيهم، كما غلا النصارى في عيسى عليه السلام فرفعوه فوق منزلته، ولا نجفو عنهم كما جفا اليهود فقتلوهم وآذَوهم؛ قال الله تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]؛ لذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو والإفراط في الدين، ومجاوزة الحد في المدح والثناء، إذا كان ذلك لغير الله؛ ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، ولكن قولوا: عبدُالله ورسوله))[1].

 

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أمَّ سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسةً رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور، فقال: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح - أو العبد الصالح - بنَوا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله)).

 

الوسطية في العبادة: ومن مجالات الوسطية في الشريعة الإسلامية الوسطيةُ في عبادة الله تعالى؛ فنحن نعبد الله دون غلو أو تشدد في العبادة، كالرهبانية التي ابتدعها النصارى، ودون تفريط وإضاعة كما صنع يهود مع أوامر الله تعالى، والذي يقرأ السنة النبوية، يجد الترجمة الحرفية والفعلية لذلك المنهج القويم؛ نذكر من ذلك:

روى البخاري عن ابن عباس، قال: ((بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مُرْهُ فليتكلم، وليستظلَّ، وليقعد، وليتم صومه))[2].

 

ومن ذلك أيضًا ما رواه الشيخان عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه رأى شيخًا يهادَى بين ابنيه، فقالوا: يا رسول الله، نذر أن يمشي، فقال: إن الله عن تعذيب هذا نفسَه لغنيٌّ، ثم أمره فركب))[3].

 

وها هو صلى الله عليه وسلم يئِد ظاهرة الغلو في مهدها، ويتبرأ ممن ينتهجها؛ روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فإني أُصلِّي الليل أبدًا، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أُفطر، وقال الآخر: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنتم الذي قلتم كذا وكذا؟ أمَا والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأُصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغِب عن سنتي فليس مني))[4].

 

روى الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال: ((ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتُّل، ولو أذِن له لاختصينا))[5] ؛ قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "قوله: (رد على عثمان)؛ أي: لم يأذن له، بل نهاه، والمراد بالتبتل هنا الانقطاع عن النكاح، وما يتبعه من الملاذِّ، إلى العبادة"، قال الطبري رحمه الله: "التبتل الذي أراده عثمان بن مظعون: تحريم النساء، والطِّيب، وكل ما يلتذ به؛ فلهذا أُنزل في حقه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [المائدة: 87]".

 

الوسطية في أماكن العبادات: إخوة الإسلام، إن الناظر إلى الأمم المتقدمة يجدهم لا يُصلُّون إلا في كنائسهم وبِيَعهم، فجاء الإسلام بالوسطية، فجعل الأرض كلها مسجدًا، وتربتها طهورًا؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أُعطيت خمسًا لم يُعطَهن أحد قبلي... وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا؛ فأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة، فليُصَلِّ))[6].

 

قال النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: ((وجُعلت لي الأرض مساجدَ وطهورًا، أينما أدركتني الصلاة تمسَّحت وصليت، وكان مَن قبلي يُعظمون ذلك، إنما كانوا يُصلون في كنائسهم وبِيَعِهم))[7].

 

الوسطية في المعاملات:

ومن مجالات الوسطية - أيها الإخوة الكرام - الوسطية في المعاملات، سواء كانت عقودًا مالية أو أنكحة، أو أحكامًا وأقضية، أو غيرها مما يتعامل فيه الناس بعضهم مع بعض، ولنقتطف زهراتٍ من بستان الوسطية في بعض تلك المعاملات:

الوسطية في التعامل مع الحائض: جاء الإسلام والناس في معاملة الحائض على طرفَي نقيضٍ؛ فمنهم ما أباح التمتع بالمرأة الحائض كالنصارى، ومنهم من حرم الأكل والشرب والجلوس، والمعاملة معها، وهم اليهود ومن نحا نحوهم، وسار على دربهم، فجاء الإسلام ليُنزل المرة منزلتها، ويُعامل الحائض بالعدل والإنصاف، فحرَّم معاشرتها وأباح ما دون ذلك؛ عن أنس رضي الله عنه: ((أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ [البقرة: 222] إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح، فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يَدَعَ من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه))[8].

 

قال القرطبي رحمه الله: "قال علماؤنا: كانت اليهود والمجوس تجتنب الحائض، وكانت النصارى يجامعون الحُيَّض، فأمر الله بالقصد بين هذين"[9].

 

الوسطية في الطلاق:

أمةَ الحبيب صلى الله عليه وسلم، من مظاهر الوسطية في الحياة الزوجة الوسطية في الطلاق، وهي كذلك وسط بين طرفي نقيض؛ بين النصارى الذي يحرِّمون الطلاق، فلا يجوز الطلاق إلا لعلة الزنا؛ وفي ذلك يقول السيد المسيح: "وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني"[10]، وبين العرب وغيرهم الذين كانوا في الجاهلية - قبل ظهور الإسلام - يُطلق الرجل زوجته ما شاء أن يطلقها، فإذا أوشكت عدتها أن تنقضي راجعها ثم طلقها، وهكذا، إن من وسطية الإسلام أن شرع الطلاق وأجازه؛ وقد شرعه المولي عز وجل ليكون دواءً للخلافات الزوجية، التي لا يُجزئ فيها الصلح إلا بالتفريق، خلافات قد تكون أخلاقية؛ ومنها الضرب والسب، واللعن والخيانة، وما شابه ذلك، أو قد تكون نتيجة لعقم الزوجين، أو إدمان الزوج للمخدِّرات التي تُذهب العقل، فيتسبَّب بضررٍ للزوجة والأبناء، وكما نعلم أن العصمة بيد الزوج يُطلق متي شاء، ولكن للمرأة أيضًا الأحقية في طلب الطلاق، إذا اتصف الزوج بالعادات السيئة التي تم ذكرها، وإذا لم يلبِّ طلبها، فعليها الذهاب للقاضي، فإن شاء طلقها، وإن شاءت خلعته.

 

الوسطية في معاملة غير المسلمين:

إخوة الإسلام، ومن مجالات الوسطية التوسط في معاملة غير المسلمين، فلا ظلمَ ولا إكراه، بل معاملة بإحسان؛ يقول الله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256].

 

• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256]؛ أي: لا تُكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام؛ فإنه بيِّن واضح جليٌّ، دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يُكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام، وشرح صدره، ونوَّر بصيرته، دخل فيه على بيِّنة، ومن أعمى الله قلبه، وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهًا مقسورًا"[11].

 

قال الله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].

 

قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].

 

• روى أبو داود عن صفوان بن سليم، عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن آبائهم دنيةً (متصلي النسب)، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((ألَا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طِيب نفس، فأنا حجيجه – خصمه - يوم القيامة))[12].

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

الوسطية: في باب النفقة:

عباد الله، اعلموا أن من مجالات الوسطية، الوسطية في الإنفاق، فلا تقتير ولا تبذير، بل وسطية عبَّر عنها رب البرية؛ فقال تبارك وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].

 

ويقول تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29].

 

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "والفرق بين الاقتصاد والتقصير أن الاقتصاد هو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وله طرفان هما ضدان له: تقصير ومجاوزة.

 

فالمقتصد قد أخذ بالوسط، وعدل عن الطرفين؛ وقال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ [الأعراف: 31]، والدين كله بين هذين الطرفين... وهما آفتان لا يخلص منهما في الاعتقاد والقصد والعمل، إلا من مشى خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وترك أقوال الناس وآراءهم لِما جاء به، لا من ترك ما جاء به لأقوالهم وآرائهم.

 

وهذان المرضان الخطيران قد استوليا على أكثر بني آدم؛ ولهذا حذر السلف منهما أشدَّ التحذير، وخوَّفوا من بُلِيَ بأحدهما بالهلاك، وقد يجتمعان في الشخص الواحد، كما هو حال أكثر الخلق، يكون مقصرًا مفرطًا في بعض دينه، غاليًا متجاوزًا في بعضه، والمَهديُّ من هداه الله"[13].

 

عبدالملك بن مروان عندما أراد أن يزوِّج ابنته فاطمة لعمر بن عبدالعزيز، امتحنه، وسأله هذا السؤال؛ ليعرف ميزانه في الحياة وكيفية عيشه؛ فقال له: يا عمر ما نفقتك؟ (أي: كيف تنفق مالك؟) فقال عمر بن عبدالعزيز: يا أمير المؤمنين، نفقتي حسنة بين سيئتين؛ ثم تلا هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]؛ فالسيئة الأولى هي الإسراف، والسيئة الثانية هي الإقتار؛ وهو البخل، والحسنة التي بينهما: الوسطية والاعتدال في النفقة، فعلِم عبدالملك أهليةَ عمر للزواج بابنته فاطمة، فزوَّجها له.

 

ولأبي حامد الغزالي كلام نفيس في المقارنة بين البخل والجود؛ إذ يقول: "فالإمساك حيث يجب البذل بخل، والبذل حيث يجب الإمساك تبذير، وبينهما وسط وهو المحمود، وينبغي أن يكون السخاء والجود عبارة عنه - أي التوسط - إذ لم يُؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالسخاء، وقد قيل له: ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط"[14].

بين تبذير وبخل رتبة
فكلا هذين إن دام قتل

التوازن بين الدنيا والآخرة: إخوةَ الإسلام، ومن مظاهر الوسطية الاعتدال والتوازن بين الدنيا والآخرة؛ فالمنهج الإسلامي يجمع بين العمل للدنيا والعمل للآخرة في توافق وتناسق؛ فلا يفوِّت على الإنسان دنياه لينال آخرته، ولا يفوِّت عليه آخرته لينال دنياه؛ فهما ليسا نقيضين ولا بديلين في التصور الإسلامي؛ قال الله تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].

 

والناس في نظرهم للدنيا والآخرة طرفان ووسط:

(الطرف الأول): من جعل همه للدنيا وقصر نظره عليها، وكأنه مخلَّد فيها.

 

(الطرف الثاني): انصرف إلى الآخرة وانقطع عن الدنيا وأهلها، وترك الدنيا لأهل الفساد يعيثون فيها ويُفسدون.

 

(الطرف العدل والوسط): وهم أهل الحق الذين توجهوا إلى الدنيا بعمارتها وإصلاحها، ومدافعة المفسدين فيها، وعدُّوها مزرعة الآخرة، فجعلوها في أيديهم لا في قلوبهم، ونظروا إليها على أنها ممر ومحطة للتزود منها للآخرة، وأنها فانية لا تساوي شيئًا في مقابل النعيم الأبدي في الدار الآخرة.

 

وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والناس أقسام:

أصحاب «دنيا محضة»: وهم المُعرضون عن الآخرة.

 

وأصحاب «دين فاسد»: وهم الكفار والمبتدعة، الذين يتدينون بما لم يشرعه الله من أنواع العبادات والزهادات.

 

والقسم الثالث: وهم أهل الدين الصحيح؛ أهل الإسلام المستمسكون بالكتاب والسنة والجماعة، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق"[15].

 

وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الكاملة؛ فقد كان فيهم أهل الثَّراء والغِنى، كما كان في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا أهل الفاقة والفقر، وأهل الصبر والزهد، وكان في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أهل العبادة والذكر، كما كان فيهم أهل الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

من نماذج التوسط في جمع المال، أن سعيد بن المسيب وكان رأسًا في العلم والعمل "مات وترك ألفين أو ثلاثة آلاف دينار، وقال: ما تركتها إلا لأصون بها ديني وحسبي، وقال: لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حلِّه، يعطي منه حقه، ويكف به وجهه عن الناس"[16].

 

الدعاء...



[1] صحيح البخاري (4/ 167) رقم: 3445.

[2] البخاري حديث: 6704.

[3] البخاري حديث: 1865، مسلم حديث: 1642.

[4] البخاري حديث: 5063.

[5] البخاري حديث: 5073، مسلم حديث: 1402.

[6] أخرجه البخاري في كتاب التيمم 1/ 435، 436.

[7] البخاري (335) و(438) و(3122)، ومسلم (521).

[8] رواه مسلم، (1/ 246)، (ح302).

[9] تفسير القرطبي، (3/ 81).

[10] متى 32:5.

[11] تفسير ابن كثير، ج 2، ص 444.

[12] حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني حديث: 2626.

[13] الروح، ص 347.

[14] إحياء علوم الدين (3/ 259).

[15] مجموع الفتاوى 10/622، 623.

[16] الحلية لأبي نعيم الأصبهاني (2/ 173).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الوسطية والاعتدال في مراحل تشريع القتال
  • تسوية الأفهام لفقه الوسطية والاعتدال
  • الوسطية والاعتدال في الشريعة الإسلامية
  • مفهوم الوسطية وأثره في الأمن المجتمعي لمحمد بن سرار اليامي

مختارات من الشبكة

  • الوسطية سفينة النجاة - مشاركة في مسابقة الوسطية تيوب على شبكة الألوكة(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • قالوا عن الوسطية - مشاركة في مسابقة الوسطية تيوب على شبكة الألوكة(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تنشئة الأطفال علي الوسطية - مشاركة في مسابقة الوسطية تيوب على شبكة الألوكة(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • مسابقة الوسطية تيوب - انفوجرافيك الوسطية والاعتدال(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • إبراز ملامح الوسطية من خلال دعوة مدخن للإقلاع عن التدخين - مشاركة في مسابقة الوسطية تيوب(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • كيف نحقق الوسطية؟ مشاركة فى مسابقة الوسطية تيوب(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الوسطية .. منهج حياة مشاركة في (مسابقة الوسطية تيوب)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • مرتكزات الوسطية في السنة النبوية ( مشاركة في مسابقة الوسطية تيوب ) على شبكة الألوكة(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • مظاهر الوسطية وفوائدها (مشاركة في مسابقة الوسطية تيوب)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الوسطية في الإسلام (مشاركة في مسابقة الوسطية تيوب)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/1/1447هـ - الساعة: 12:51
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب