• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: الحج قصة وذكرى وعبرة
    مطيع الظفاري
  •  
    خطبة: الرشد أعظم مطلب
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    السنة في حياة الأمة (1)
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    خطبة: عاشوراء
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    تفسير: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    الدرس التاسع والعشرون فضل ذكر الله
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    وجوب إعفاء اللحية وتحريم حلقها ووجوب قص الشارب
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    وبشر الصابرين..
    إلهام الحازمي
  •  
    أشنع جريمة في التاريخ كله
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تحريم الاستعاذة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    البخل سبب في قطع البركة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    قصة المنسلخ من آيات الله (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    نعمة الأولاد (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    خطبة (المسيخ الدجال)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    وقفات تربوية مع سورة العاديات
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    من أسباب الثراء الخفية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الحج والأضحية
علامة باركود

خطبة: الحج قصة وذكرى وعبرة

خطبة: الحج قصة وذكرى وعبرة
مطيع الظفاري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/7/2025 ميلادي - 9/1/1447 هجري

الزيارات: 312

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحج قصة وذكرى وعبرة


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله القائل: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل سبحانه: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ [البقرة: 197]، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا رسولُ الله القائل عليه أفضل الصلاة والسلام: ((خذوا عني مناسِكَكم))، أشهد أنه بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين من ربِّه، أشهدُ أنه تركنا على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامُه عليه تسليمًا كثيرًا.

ماذا أسطرُ في ثنائِك سيدي
غير الصلاة مع السلام السرمدي
فإذا مدحتُ محمدًا بقصيدتي
فلقد مدحت قصيدتي بمحمدِ
فحبيبنا أوصى فهيا ردِّدوا
يا رب صلِّ على الحبيب محمد

 

عباد الله، أوصيكم ونفسي أولًا بتقوى الله، فاتقوا الله يرحمكم الله، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، أما بعد:

"الحج قصة وعبرة وذكرى"، هذا هو عنوان خطبتنا لهذا اليوم، عباد الله.

 

إنَّ الحج فريضة من فرائض الله، فهو الركن الخامس من أركان الإسلام لمن كان مستطيعًا، وقادرًا، وتوفر له الزاد والراحلة، وأَمِنَ الطريق، وتوفر المحرَم بالنسبة إلى المرأة.

 

فالحجُّ فريضةٌ وواجبٌ على كل مسلم مستطيع قادر، فمن عزم ونوى الحج وَفَّقه الله، فالنية تسبق العمل، فالله يوفِّق من نوى نيةً صادقةً للحج، فاللهُ يعينه ويوفِّقه ويُسهِّل له الطرقات، ويُذيب له الصعوبات ويهيئ له الأسباب والمسببات.

 

كلكم قد سمع أو شاهد قصة الحاج عامر الليبي، فإنَّ الله أوقف له الطائرة، الله سبَّب لهذه الطائرة التي غادرت بدونه عطلًا، وعادت مرتين للمطار لإصلاح العطل، وفي المرة الثالثة ركب الحاج عامر معهم، فوصلت الطائرة إلى مكة بسلام وأمان.

 

فسبحان الله! وكأنَّ الله أخَّر الطائرة حتى تم إكمال الإجراءات مع الحاج عامر، فالحاج عامر صدق اللهَ في نيته للحج، فصدقه الله، وأوقف الله له الطائرة حتى يغادر مع رفقائه الحجيج، ﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ﴾ [النساء: 100].

 

عباد الله، إنَّ الحج إلى بيت الله الحرام، رحلةٌ مليئةٌ بالحِكَم والأسرار، فرحلة الحج ما أروعها من رحلة! وما أعظمها من شعائر! وما أصدقها من مشاعر! فرحلة الحج قد جمعت بين شرف الزمان، وشرف المكان، وشرف الأعمال، فيالجلالة الموقف! ويا لروعة المكان!

 

فمن أسرار رحلة الحج أنه يربط الحاضر بالماضي، فالحج هو صلة حاضر الأمة الإسلامية بماضيها المشرق، فالحج يا عباد الله هو قصة أسرة، مناسك الحج هي سجل تأريخ، أعمال الحج هي كتاب ذكريات.

 

وبداية هذه القصة، بداية أوراق هذا السجل من الذكريات، هو عندما أمر اللهُ أو أوحى اللهُ لنبي الله إبراهيم عليه السلام بقوله: ((يا إبراهيم، خذ معك زوجتك هاجَر، وابنك إسماعيل، وهاجِر بهما من الشام إلى مكة ... فقال إبراهيم عندها: لبيك يا رب وسعديك)).


فأخذ إبراهيم عليه السلام زوجتَه هاجَر، وابنه إسماعيل وتوجَّه بهما فورًا إلى مكة إلى (فاران)- وهو الاسم القديم لمكة- فلما وصل إلى مكة بجوار دوحة البيت (بقايا آثار البيت الحرام)، قال: هنا المكان. فقد جاء بها من الشام مع رضيعها إلى مكة، ومكة حينها ليس فيها أحد، وليس فيها ماء! فتركهما هناك ووضع لها جرابًا من تمر، وسقاءً فيه ماء. ثم قفل إبراهيم منطلقًا راجعًا تاركًا لهما في هذا الوادي، فتبعته أمُّ إسماعيل وقالت له: (يا إبراهيم، أين تذهب؟ كيف تذهب وتتركنا هنا بهذا الوادي؟! الذي ليس فيه إنسٌ ولا شيء مؤنس! قالت له ذلك مرارًا، وهو لا يلتفت إليها ولا يجيب، ثم قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فقالت: إذًا لا يضيعنا).

 

الله أكبر، ثقة تامة، وتوكلٌ كامل، وانقياد تام من هذه المرأة لأمر الله. فما دام الأمرُ أمرَ الله؛ إذًا لن يضعَنا الله، فهي في مكان موحش، لا أنيس فيه ولاجليس، ولا شجر فيه ولا بشر، فهي في وادٍ قاحل، وصحراء ملتهبة، لا ترى إلا جبالًا سوداء، ومع ذلك قالت وهي مستسلمة لأمر الله، وغير معترضة لقدره، ولم تجادِل فى حكمه، (قالت: إذًا لا يضيعُنا).

 

فلما وصل إبراهيم عليه السلام عند الثنية، وراء الجبل، واختفی عن ناظريها، دمعت عيناه، ثم رفع يديه إلى السماء يدعو اللهَ قائلًا: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]، فما أجمل هذا الدعاء! وما أحسن هذا الكلام! وبالفعل استجاب الله لدعوة نبيه إبراهيم، فأصبح هذا الوادي غير ذي زرع بعد فترة واديًا فيه جنة وثمار، وجعلت القلوب والأفئدة تهوي إلى هذا المكان من كل مكان، وفي كل زمان إلي يومنا هذا. ثم تركها إبراهيم ورجع إلى العراق أو إلى فلسطين. بعدها جعلت أمُّ إسماعيل ترضع ولدها، وتشرب من مائها، حتى إذا نفد الجراب، وانتهى الماء، عطشت عطشًا شديدًا، وعطش معها ابنها، وجعلت تنظر إلى ولدها وهو يتلوَّى من الجوع والعطش، فلم تتحمل ذلك، فتركته كراهية أن تنظر إليه، وهو في هذه الحالة، فانطلقتْ فوجدت جبل الصفا أقرب جبل لها، فقامت ووقفت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر يَمْنةً ويَسْرةً، لعلها تجد أحدًا يغيثها، فلم تر أحدًا، ثم هبطت من الصفا حتى وصلت بطن الوادي، حتى إذا تعبت؛ سعت سعيَ الإنسان المجهود من البحث والطلب، ثم تجاوزت الوادي ثم أتت المروة، فقامت عليه تنظر لعلَّها ترى أحدًا ينقذها هي وطفلها .. فلم تر أحدًا، ثم تذكرتِ ابْنها فتعود إليه، فتراه في أشد حاله، ثم ترجع إلى الصفا ثم الوادي ثم المروة تبحث هل من أحد... وهكذا، فعلت ذلك سبعًا- سبع مرات ذهابًا وإيابًا- قال ابن عباس رضي الله عنه: "فذاك سعيُ الناس بينهما"؛ أي: أصبح السعي بين الصفا والمروة سبع مرات لأجل ما فعلته أُمُّنا هاجر بحثًا عن غوث، فلما أشرفت هاجَر على المروة في سابع سعيها سمعت صوتًا فقالت: صه- تريد نفسها- فقالت لهذا الصوت: "لقد أسمعتَ، إن كان عندك غواث فأغثنا أنا وابني"، فإذا هي بالمَلَك من السماء عند موضع زمزم الآن، فبحث الملَكُ بطرف جناحه؛ فظهر الماء، فلما رأت هاجر هذا الماء أسرعت إليه، وجعلت تضمه إليها وتحوطه، وتقول بيدها هكذا وهكذا؛ أي: تجمعه، وجعلت تغرف من هذا الماء في سقائها، وهو يفور بعد ما تغرف... فقال لها الملَك: "لا تخافي الظمأ، لا تخافي الضَّيْعَة، فإنَّ ها هنا بيت الله، وسوف يبني هذا الغلامُ وأبوه هذا البيتَ".

 

فهذه هي قصة أسرة، وهذا سجل تأريخ، وهذا كتاب ذكريات لهذه الأسرة. فالحجُّ هذه قصته، وهذه أسرار مناسكه، فالحج يذكِّرنا بماضينا، بماضي هذه الأمة الإسلامية، فوراء كل مَنْسَك من مناسك الحج تحدثنا قصة، ووراء كل ركن من أركان الحج تُروَى لنا حكاية.

 

فالحج هو قصة نبي، وقصة زوجة وأم نبي، وحكاية ابن نبي، فالحج كله أسرار عظيمة، ومعانٍ عميقة، وحِكَم بليغة.

 

فمدرسة هاجر عليها السلام  يجب على كل امرأة مسلمة أن تتعلم فيها هذه الطاعة، وهذا الامتثال، وهذا الانقياد لله، يجب أن تتعلم النساء هذه التربية التي تربتْ عليها، وربَّت ولدَها على ذلك كما سنعرف، فسعِدتْ عندها هاجر، وسعدت معها أسرتُها كاملة، فكانت أُمُّنا هاجر هي النواة الأولى للأسرة المكية التي تهوي لها قلوب وأفئدة الناس، فازدهرت الحياة بعدها، إلى يومنا هذا.

 

فكانت قصة هاجر مع ابنها أعظم وأشهر قصة في التاريخ، وأكثرها تعجبًا وغرابةً، وأعظمها كفاحًا وصبرًا، فتألَّقت هذه القصة في سماء التاريخ من خلال احتضان ابنها النبي إسماعيل في وادٍ غير ذي زرع، ليكون هذا الابن أبًا لأعظم نبي في تاريخ البشرية، ليكن أبًا لمحمد عليه الصلاة والسلام، فكان هذا الابن الرضيع أبًا عظيمًا، لأعظم نبي.

 

عباد الله، وهكذا توافد الناس إلى مكة، وأوَّلهم قبيلة جُرهُم اليمانيَّة، فعاشت أُمُّنا هاجر معهم، وعاش كذلك إسماعيل معهم وتزوَّج منهم.

 

فأوحى اللهُ بعدها لنبي الله إبراهيم، وأمره أن يبني هو وابنه إسماعيل البيتَ الحرام، فرجع الوالد، وتعانق مع الابن تعانُقًا عناق المحبة والصبر، عناق النبوَّة وتنفيذ المهمة، وتعاون الأب مع ابنه على بناء هذا البيت، ورفْعِ قواعدِه من الأرض، وهما يبنيان يدعُوَانَ اللهَ تعالى أن يتقبل منه هذا العمل، وهذا البناء، طالبَيْن من الله التوبة والمغفرة على التقصير، وأن يكونا له عبدَين مسلمَيْن مستسلمَين لله، وأن تكون ذريتهما كذلك ذريةَ أمةٍ مسلمة، كما قال الله حاكيًا عن حالهما: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 127، 128].


فلما اكتمل البناء أمر اللهُ نبيَّه إبراهيم أن ينادي في الناس بالحج، فنادى إبراهيم: "أيها الناس، إنَّ ربكم قد اتخذ له بيتًا فحجُّوا إليه".

 

قال ابنُ عباس رضي الله عنه: "فسمعه كل من في السموات والأرض، حتى الشجر والحجر، فقالوا جميعًا: لبيك اللهم وسعديك"، فإبراهيم نادَى، واللهُ هو الذي أسمع ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27] ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا ﴾؛ أي: يمشون على أرجلهم، ﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ ﴾؛ أي: على كل دابة ضامرة متعبة ومهزولة من طول سير الطريق، ﴿ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾؛ أي: من كل مكان، ومن كل بلد بعيد.


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ [الحج: 34].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، قلتُ ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

عباد الله، إنَّ الأضحيةَ شعيرةٌ من شعائر الله، فكما أنَّ الحجَّ شعيرة عظيمة، فكذلك الأضحية شعيرة من شعائر هذا الإسلام الحنيف، وهذه الشعيرة- شعيرة الأضحية- تُذكِّرنا كذلك بقصة هذه الأسرة، فالأضحية كذلك سجل ذكريات، وحدَثٌ حصل في الماضى لنعيشه الآن في الحاضر في كل عام.

 

عباد الله، لقد رأى أبونا إبراهيم عليه السلام رؤيا في المنام- ورؤيا الأنبياء حق- رأى أنه يذبح ابنَه إسماعيل، رأى رؤيا وفيها أنَّ الله يأمره أن يذبح ابنه إسماعيل- يا الله - ما هذا الحب؟ وما هذا الابتلاء لنبي الله إبراهيم من ربه جل وعلا؟ في البداية أمره الله أن يترك زوجته وابنها الرضيع في صحراء، والآن يأمره أن يذبح ابنه الوحيد بيده! لماذا؟ لأنَّ اللهَ اتخذَ إبراهيمَ خليلًا- والخليل هو الحبيب- فالله تعالى يريد أن يكون حب إبراهيم كله لله، فوق حبِّ الزوجة، وفوق حبِّ الولد.


فلقد ابتلاه ربُّه واختبره مرتين، فنجح إبراهيم عليه السلام في هذين الاختبارين! فقال الله عنه هنا: ﴿ يَاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِين ﴾ [الصافات: 104 - 106]، بلاء واضح ومبين، وهل هناك أعظم بلاءً من أن يذبح الوالدُ ولدَه بيده؟! إنَّ هذا لهو البلاء المبين. عندها نادى إبراهيم ابنَه إسماعيل-بعدما بلغ معه السعي- وأصبح هذا الطفل الذي نجا من الهلاك الأول، أصبح يمشي مع أبيه ويسعى ويخدم أباه ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ [الصافات: 102].

 

يا الله! ما هذه المحادثة؟ وما هذه الملاطفة في الكلام، فانظر ماذا تقول، ولا تتعجل بالرد! فماذا قال الولد لوالده؟ ﴿ قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ [الصافات: 102].

 

يا الله! الأبُ لم يقل لولده أريد أنْ أرسلك في مهمة ما، لا؛ فالمهمة هنا هي الذبح بعينها، هي القتل، هي الموت، المهمة انتهاء هذه الحياة.

 

وجواب الابن قاله بدون تردد، أو تأخُّر، ﴿ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102]، افعل ما تؤمر، هذا هو ردُّ الابن! تذكرون ماذا قالت أمُّ هذا الفتى عندما تركها زوجها هي وابنها في صحراء قاحلة قالت: (آلله أمرك بهذا، قال: نعم، قالت: إذًا لا يضيعنا)، فما دام الأمرُ أمرَ الله؛ فَاذهَبْ واتركنا هنا فلن يضيعنا الله. هذه الأمُّ هي من ربَّت هذا الولد فقال مثلما قالت أُمُّه!: "ما دام الأمرُ أمرَ الله، يا أبتِ افعل ما تؤمر، نفِّذ المهمة، قم بالواجب الذي كلَّفك الله به، ولا تتردَّد في اتخاذ هذا القرار، رقبتي لك فداء يا أبتِ).

 

یا الله! ما هذه الأسرة، أيُّ إيمانٍ، وأي صبرٍ، واستسلامٍ، تحمله هذه الأسرة المباركة! مِنْ ماذا نتعجَّب أيها المؤمنون؟! أنتعجبُ مِنَ الأب؟! أمْ من الأم؟! أم من الولد؟! أسرةٌ عاشتْ لله ولأجل الله، فلقد أرضعت هذه الأمُّ ابنها إسماعيل الحليبَ، وأرضعته مع هذا الحليب الإيمانَ واليقين، أرضعت ولدها الصبرَ والاستسلام لأوامر الله، فأثمرت هذه التربية ولدًا صالحًا طائعًا مستسلمًا لأمر الله ﴿ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102].


عباد الله، لقد نجح الأب والابن في هذا الاختبار، وهو اختبار حقيقي وليس مجرد رؤيا منام، إذا انتبه منها الرائي أو النائم قال: الحمد لله، كان هذا كابوسًا، الحمد لله أنه كابوس، لا؛ بل كانتْ حقيقة، وليست حُلمًا، ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا ﴾ [الصافات: 103]؛ أي: استسلما الاثنان-الأب والابن- فالأب والابن استسلما لأمر الله، لأمر الذبح، ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [الصافات: 103]؛ أي: أخذه وأضجعه على جبينه استعدادًا للذبح، حقيقة وليست مجرد رؤيا، فالابن مضطجع، والسكين في يد الأب، وكلاهما قد استسلما لأمر الله، وبالفعل بدأ الذبح، وبدأ القطع، وتحركت السكين على رقبة الابن، وهنا كانت نهاية الاختبار، هنا تدخلت العنايةُ الإلهيةُ بوقف الذبح، فنادى الله: ﴿ يَاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ﴾} [الصافات: 104، 105]، لقد عملتَ بهذه الرؤيا فعلًا، لقد نجحتَ في الاختبار أنت وابنك، فأنتما من المحسنين، ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الصافات: 107 - 109]. فسلام على إبراهيم، وسلام على زوجة إبراهيم، وسلام على ابن إبراهيم. ثم تعانقا عناق المحبة، والنجاة، والنجاح، بعدما تعانقا عناق الوداع والفراق...فهذه الأضاحي اليوم يا عباد الله تذكرنا بتضحية إبراهيم بابنه إسماعيل، فهذه الأضاحي كل عام، تعيد لنا ذكريات ذَبْحِ أبٍّ صالح لابنٍ بارٍّ.

 

عباد الله، إنَّ الهدفَ من هذه الأضاحي هو الامتثال، والانقياد لأوامر الله، فليس الهدف منها أكل اللحم، أو شُرْب المرق، كلا؛ الأمر أكبر وأعظم من ذلك، كما قال الله تعالى: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 37]. أي: لن يصل إلى الله اللحم والدَّم؛ ولكن يناله التقوى منكم، فالهدف الأول: من ذبح الأضاحي هو الامتثال والاستسلام لأمر الله بالأمر بذبح هذه الأضحية.

 

والهدف الثاني: من هذه الأضحية هو إطعام الفقراء والمساكين منها؛ كما قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾ [الحج: 36].

 

عباد الله، في الختام:

إنَّ الإسلام يومَ شرع لنا الأعياد؛ إنما شرعها لتكون ضرورةً اجتماعيةً قبل كونها سُنَّة دينية، ولنعلم جميعًا أنَّ أعيادَنا هي أيامنا الباسمة، وحتى يكون الفرح بهذه الأعياد عامًّا وشاملًا بين الناس جميعًا، فقد شرع الإسلام في عيد الفطر زكاةَ الفطر، وشرع لنا في عيد الأضحى ذبحَ الأضاحي؛ لأجل ذلك. فقد دعا اللهُ القادرين على ذبح الأضاحي في أيام العيد؛ دعاهم إلى ذبحها، والأكل منها، وإطعام الفقراء منها، وهذه لفتة عظيمة، لفتة اجتماعية مهمة، في عيد الأضحى، فإنَّ شعيرة الأضحية عبادةٌ ذات شقَّين: الأول: شقٌّ تعبُّدي إيماني، والشق الثاني: شق اجتماعي وإنسائي.

 

وقد أبرز القرآن التكامل بين هذين الشقَّيْن، فقال الله تعالى: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ﴾ [الحج: 36]- وهذا الشق الأول: (التعبُّدي الإيماني)- ﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ﴾ [الحج: 36]- أي: سقطت على الأرض بسبب الذبح أو النحر- ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾ [الحج: 36]- وهذا هو الشق الثاني: (الشق الاجتماعي الإنساني)، والقانع: هو الفقير الذي لا يسأل الناسَ تقنُّعًا وتعفُّفًا، والمعتر: هو الفقير الذي يسأل، ﴿ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الحج: 36].

 

فكلوا يا عباد الله من أضاحيكم، وأطعموا منها فقراءكم، اصنعوا البسمةَ على شفاة المحرومين، فالعيد فرصةٌ لإبداء الشعور بعظمة هذا الدين، مترجمين تعاليم الإسلام إلى واقع عملي ملموس. فنحن يا عباد الله بحاجة إلى ترجمة معاني العيد إلى واقع عملي في سلوكنا وفي تعاملنا مع بعضنا البعض، نحن بحاجة إلى التراحُم والتعاطُف فيما بيننا، حتى نكون أسرةً واحدةً، وجسدًا واحدًا.


فالعيد هو خَلْقُ شعورٍ بأننا نعيش بقلبٍ واحدٍ، في جسدٍ واحد...فما أحوجنا لترجمة مثل هذه المعاني إلى واقع عملي ملموس! فارسموا يا عباد الله في وجوه الناس البسمة، وامسحوا من أعينهم الدمعة، وانشروا فيما بينكم السعادةَ والمحبةَ والمودةَ، وكونوا لبعضكم البعض أَحِبةً وإخْوة، وكونوا عبادَ الله إخوانًا.

 

هــذا وصلُّوا- رحمكم الله- على خير البريَّة، وأزكى البشرية، فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون من جنّهِ وإنسِه، فقال-جل وعلا-: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾[الأحزاب: 56].

الدعاء...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة العيد - ذي الحجة 1444 هـ
  • أسرار الحج
  • خطبة: من معالم وأسرار الحج
  • أحكام عشر ذي الحجة

مختارات من الشبكة

  • الحج الأكبر (فضائل الحج، والحج على الفور)(مقالة - ملفات خاصة)
  • تأملات في الحج (10) ماذا بعد الحج؟! (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • تأملات في الحج (8) الحج بين الفضائل والبدائل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنساك الحج وأيها أفضل(مقالة - ملفات خاصة)
  • الحج: الآداب والأخلاق(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • أركان وواجبات الحج وأحكام العمرة(مقالة - ملفات خاصة)
  • من ذكريات الحج (5) مقال نادر عن الحج(مقالة - ملفات خاصة)
  • من ذكريات الحج (4) مقال نادر عن الحج(مقالة - ملفات خاصة)
  • من ذكريات الحج (3) مقال نادر عن الحج(مقالة - ملفات خاصة)
  • من ذكريات الحج (2) مقال نادر عن الحج(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/1/1447هـ - الساعة: 11:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب