• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    السنة في حياة الأمة (1)
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    خطبة: عاشوراء
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    تفسير: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    الدرس التاسع والعشرون فضل ذكر الله
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    وجوب إعفاء اللحية وتحريم حلقها ووجوب قص الشارب
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    وبشر الصابرين..
    إلهام الحازمي
  •  
    أشنع جريمة في التاريخ كله
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تحريم الاستعاذة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    البخل سبب في قطع البركة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    قصة المنسلخ من آيات الله (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    نعمة الأولاد (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    خطبة (المسيخ الدجال)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    وقفات تربوية مع سورة العاديات
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    من أسباب الثراء الخفية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    قبسات من علوم القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ﴿ ولقد صدقكم الله وعده ﴾
    د. خالد النجار
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / تربية الأولاد
علامة باركود

نعمة الأولاد (خطبة)

نعمة الأولاد (خطبة)
د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/7/2025 ميلادي - 8/1/1447 هجري

الزيارات: 213

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نعمة الأولاد


الخطبة الأولى

الحمد لله. الحمد لله المتفرِّد بالخلق علمًا وإيجادًا، أحمده تعالى وأشكره، يبتلِي عبادَه تمحيصًا وإسعادًا، ويرزق من يشاء ذكرانًا وإناثًا، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةً نزكو بها دنيا ونسمو معادًا.

 

وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه، أبان معالم المسؤوليات، فعمَّ الحقُّ والنور وسادَ، وزجَر عن التفريط فيها وكلّ ما جرَّ خيانةً وفسادًا، اللهم فصلِّ وبارِكْ عليه وعلى آله الخيرة وصحبه البررة المنافحين عن الرشاد والهدى ليوثًا وآسادًا، والتابعين البالغين من العلياء أمجادًا، ومن اقتفى أثرهم يرجو توفيقًا وسدادًا، وسلِّمْ يا رب تسليمًا يزداد ازديادًا.

 

أما بعد:

فاتَّقوا الله عبادَ الله، وابتَغوا إليه الوسيلةَ، وتوكَّلوا عليه وأنيبُوا إليه، وأحسِنوا الظنَّ به، وادعُوه خوفًا وطمَعًا، واذكروا وُقوفَكم بَين يدَيه.

 

يقول الله تعالى جل ذِكْرُهُ: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59].

 

في هاتين الآيتين يبين الله جَلَّ وَعَلا حال أهل الجاهلية عندما يولد لأحدهم بنت، وهذا البيان لحالهم إنما هو على سبيل الذمِّ لهم، والتَّقبِيحِ لِفِعْلِهِم، والتَّحذيرِ منه، والتنفيرِ عنه.

 

فإن أحدهم إذا ولدت له بنت اسوَدَّ وجهُهُ، وامتلأ قلبه غيظًا على تلك المرأة التي جلبت له هذه المصيبة على حَدِّ زَعْمِهِ الفاسِدِ، وتَخَفَّى عن الأعين، وتوارى عن الناس، واحتار حَيرة كبيرة في هذه البنت: أيُبْقِيها حَيَّةً مع ما سيلحقه من عارها كما يَتَصَوَّرُ، أم يَئِدُها لِيَسْتَرِيحَ مِن شرِّها وعارها ونفقاتها؟!

 

يقول قَتادة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن هاتين الآيتين: "هذا صنيع مشركي العرب، أخبرهم الله تَعَالَى ذِكْرُهُ بِخُبْثِ صنيعَتِهِم، فأما المؤمن فهو حَقِيقٌ بأن يرضى بما قسم الله له، وقضاءُ الله خيرٌ مِن قضاء المرء لنفسه، ولَعَمْرِي ما يدري أنه خير، لَرُبَّ جاريةٍ خيرٌ لأهلها مِن غلام، وإنما أخبركم الله جَلَّ وَعَلا بخبرهم لتحذروه ولتنتهوا عنه".

 

أيها المسلمون، من اتصف بالصفات السابقة فهو معترض على قضاء الله جَلَّ وَعَلا وقَدَرِهِ؛ فإن أمْرَ الذُّرِيَّةِ بِيَدِ الله، يَهَبُ لمن يشاء إناثًا ويَهَبُ لمن يشاء الذكور؛ كما قال الله جَلَّ وَعَلا:﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49، 50].

 

فَالْمُتَحَلِّي بهذه الخَصْلَةِ الذَّمِيمَةِ وهي التَّسَخُّطُ من البنات قد شابه أهلَ الجاهليةِ في أخلاقهم وصنيعهم؛ فبئس ما فعل، وبئس ما اقترفتْ يداهُ.

 

وإذا كان التسخط وهذا التذمر مصاحِبًا للخوف من الإنفاق على هذه البنت فإن الجُرْمَ يَزداد شرًّا، ويَسْتَفْحِلُ جِدًّا؛ لأن الله جَلَّ وَعَلا تَكَفَّلَ برِزق المخلوقاتِ كلِّها ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6]، ونهى جَلَّ وَعَلا عن قتل الأولاد خشيةَ الإنفاقِ عليهم {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151]، وقد كان رجلٌ جالسًا عند عبدالله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وكان له بنات، فتمنَّى موتهن؛ فغضب ابن عمر جدًّا وقال: أنتَ ترزقُهُنَّ؟!

 

عباد الله، ﴿ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ﴾ [النساء: 11] قد تكون البنات خيرًا لآبائهن وأمهاتهن من كثير من الذكور، كما قال الله جَلَّ وَعَلا في شأن النساء ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

 

قال ابن القيم: "هذا كما أنه في النساء فإنه يكون في البنات؛ فقد يكرههن المرء واللَّهُ جَلَّ وَعَلا جَعَل فيهن خيرًا كثيرًا".

 

أيها المسلم، إذا تسلَّط الشيطان عليك، وألقى في قلبك نَفَثَاتِ أهل الجاهلية، وأحْسَسْتَ مِن نفسِكَ الكراهةَ للبنتِ المولودة؛ فتذكَّر أن الذريةَ ذكورًا وإناثًا نعمةٌ من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يهبها لمن يشاء من عباده.

 

وتذكَّر إخوانك الذين حرمهم الله جَلَّ وَعَلا من الإنجاب والذرية؛ لِتَعْلَمَ فضلَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليك؛ فإن الذرية هم جمال الدنيا بنينًا أو بناتًا؛ كما أخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

 

أيها الإخوة المؤمنون، إن أولادَنا ثمراتُ قلوبنا، وفلذاتُ أكبادنا، وهديةُ الله إلينا، وزينةُ حياتنا، والأثرُ الصالح الذي نُذكَر به إذا كانوا صالحين، وهم من كسبنا، ودعاؤهم من العمل الذي لا ينقطع بموتنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))؛ رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

 

أيها الإخوة، إن أبناءَنا وبناتِنا هم جسدُ الأمة، جعلهم الله أمانةً في أعناقنا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِي مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ))؛ متفق عليه من حديث عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.


عباد الله، إن لأولادنا حقوقًا علينا، فينبغي تخيَّرُ الأمهاتِ لهم، وقد نبَّه مبعوثُ الرسالة وشمسُ الهداية نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم إلى هذا فقال: ((تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ))؛ رواه ابن ماجه وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها، وصحَّحه الألباني.

 

فإذا أطلَّ المولودُ على الوجود فيستحبُّ الأذانُ بلُطْفٍ في أُذُنه اليُمْنى؛ ليكونَ أولَ ما يطرقُ سَمْعَهُ ويستقرُّ في أعماقه تكبيرُ الله عز وجل وشهادةُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسولُ الله والدعوةُ إلى الصلاة والفلاح.

 

كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باختيار أسماء أولادنا، وأن تكون الأسماءُ متصلةً بمَنْ اختارهم الله من الصفوة المباركة من الأنبياء والصِّدِّيقين والصالحين، فقد أخرج أبو داود والنسائي عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُاللَّهِ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ)).

 

ولم يكتفِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالإرشادِ القولي، بل أكَّدَ ذلك بالفعل عندما خرج على الناس صبيحةَ يومٍ وقال لهم: ((وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبي إِبْرَاهِيمَ))؛ رواه مسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه.

 

كما نَهى صلى الله عليه وسلم عن التسمية بأسماء أخرى؛ فعن سَمُرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وَلَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَكَ يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا وَلَا نَجِيحًا وَلَا أَفْلَحَ؛ فَإِنَّكَ تَقُولُ أَثَمَّ هُوَ فَلَا يَكُونُ))؛ رواه مسلم من حديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه.

 

وكلُّ من سمِّي باسم قبيح أو اسم يكرهه ورأى أن المصلحة تقتضي أن يغيِّره فله ذلك؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه غيَّر أسماء تحمل معاني مستكرهة، فقد غيَّر اسم (حرب) إلى (حسن وحسين)، وقال لرجلٍ: ((ما اسمك؟))، فقال: حزَنَ، فقال: ((بل أنتَ سهل))؛ رواه البخاري.

 

ونقل ابن القيم رحمه الله عن ابن جِنِّي من علماء العربية أنه كان يقول: "لقد مَرَّ بي دهر وأنا أسمع الاسم لا أدري معناه، فآخذ معناه من لفظه، ثم أكشفه، فإذا هو ذلك بعينه أو قريب منه"، قال ابن القيم: "فذكرت ذلك لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال: وأنا يقع لي ذلك كثيرًا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا))؛ متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

 

فالأخلاق والأعمال والأفعال القبيحة تستدعي أسماء تناسبها، وأضدادها تستدعي أسماء تناسبها، وكما أن ذلك ثابت في أسماء الأوصاف فهو كذلك في أسماء الأعلام، وما سُمي رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدًا وأحمدَ إلا لكثرة خصال الحمد فيه، وهو أعظم الخلق حمدًا لربه".

 

أيها المسلمون، كما إن من السُّنَّة أيضًا في حقوق الأولاد أن نذبحَ عن الغلام شاتينِ، وعن الأنثى شاةً، وهو ما يُسَمَّى بالعقيقة أو النسيكة.

 

ومن حِكَم مشروعيتها شكرُ اللهِ عز وجل على عطائه وآلائه، والتقربُ إليه بالذبح والتصَدُّق والإطعام، والتكافل والتعاون، يقول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ غُلامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ، وَيُسمَّى))؛ رواه أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه.

 

وقوله: ((رهينة بعقيقته))؛ معناه: محبوسٌ عن الشفاعة في أبويه.

 

وإذا تجاوزَ الطفلُ فترةَ الرضاعةِ فعلينا أن نرفقَ به ونلينَ في معاملته؛ لأن ذلك أدعى إلى استجابته لتوجيهات أبويه، وهكذا كان شأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع أبنائه وبناته رضي الله عنهم؛ فعن عبدالله بن شداد، عن أبيه قال: خرجَ علَيْنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العَشِيِّ: الظهرِ أو العصرِ، وهو حاملٌ أحدَ ابنيه: الحسنَ والحسين، فتقدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فوضعَهُ عند قدمه اليمنى، فسجدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سجدةً أطالها، قال أبي: فرفعتُ رأسي من بين الناس فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ساجدٌ، وإذا الغلامُ راكبٌ على ظهره، فعدتُ فسجدتُ، فلما انصرفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، قال الناسُ: يا رسولَ الله، لقد سجدتَ في صلاتكَ هذه سجدةً ما كنتَ تسجدُها، أفشيءٌ أُمِرْتَ به أو كان يوحى إليك؟

 

قال: (( كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ))؛ رواه الحاكم وصحَّحه الألباني.

 

أيها المؤمنون، إن الإسلامَ يحمِّلُ الأبوين مسؤوليةَ التربيةِ لأولادِهم، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ))؛ أخرجه البخاري ومسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. فكلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرة وعلى الإيمانِ والتوحيدِ والحقِّ والخيرِ والفضيلةِ والنفورِ من الباطلِ والشرِّ والرذيلةِ، فلا يولدُ أحدٌ يهودِيًّا ولا نصرانيًّا، ولا فاسقًا ولا منافقًا، إنما يُوجِّهه إلى ذلك أبواه ومربُّوه، وأهله وجيرانه، وأصحابه ومعلِّموه.

وينشأ ناشئُ الفتيانِ فينا
على ما كان عوَّده أبوه
وما دان الفتى بحِجًى ولكنْ
يعوِّدهُ التدَيُّنَ أقربوه

 

معاشرَ الآباء، إن كثيرًا من الآباء والأمهات شُغِلُوا عن أبنائهم وبناتهم، فلم تَعُدْ لهم أوقاتٌ يجلسون فيها مع عائلاتهم، يسألون عن أخلاقهم وأحوالهم، ولكنهم يهتمون في الغالب بمن يمرضُ فيداوونه، وبمن يجوعُ فيشبعونه، وغابَ عنهم أنهم في هذا الاهتمام يخدمون الجسمَ، ويهملون النفسَ والقلبَ والروحَ.

 

 

والحكيم يقول:

يا خادمَ الجسمِ كمْ تشقى لخدمتِهِ
أتطلبُ الربحَ مما فيه خسرانُ
أقبلْ على النفسِ واستكملْ فضائلَها
فأنتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسانُ


عباد الله، إن أولادَنا أحوجُ إلى التربيةِ والتزكيةِ والرعايةِ منهم إلى الطعامِ والشرابِ والدواءِ؛ لأن الطعامَ والشرابَ والدواءَ ينفعُ البدنَ ويدفعُ عنه الأخطارَ بمشيئة الله تعالى، أما التربيةُ والتزكيةُ فإنها تحفظُ الدينَ والعقلَ، وأفضلُ هدية يقدمها الوالدان لأولادهم هي التربيةُ والتأديب، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ))؛ أخرجه الترمذي من حديث عمرو بن سعيد بن العاص رضي الله عنه وضعَّفه الألباني.

 

وقد كان العلماءُ والخلفاءُ والصالحون يهتمون بذلك أعظمَ الاهتمام، قال عبدُالملك بن مروان الخليفة الأموي ينصحُ مُؤَدِّبَ ولده: "علِّمْهم الصدقَ كما تعلمُهُمُ القرآنَ، واحملْهمْ على الأخلاقِ الجميلةِ، وجالسْ بهم أشرافَ الرجال وأهلَ العلم منهم، واضربهم على الكذب؛ فإن الكذبَ يدعو إلى الفجور، وإن الفجورَ يدعو إلى النار".

 

وقد كان أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم يدَرِّبُون أولادَهم ويروِّضُونَهم على الصلاةِ والصيامِ والأخلاقِ الحسنةِ، ويعلمونهم سيرةَ النبي صلى الله عليه وسلم العطرةَ، قال سعدُ بنُ أبي وقاصٍ رضي الله عنه:كنا نعلِّمُ أولادَنا مَغازيَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كما نُعَلِّمُهُمُ السورةَ من القرآن.

 

فاتقوا الله جَلَّ وَعَلا عباد الله، واسألوا الله جَلَّ وَعَلا صلاحَ النية والذرية، واحمدوه على ما وهبكم من ذرية إناثًا كانت أم ذكورًا؛ فقد كانت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها إذا بُشِّرَتْ بِوِلادَةٍ سألت: أسَلِيمٌ هُو؟ فإن قيل: سليم، قالت: أذَكَرٌ أم أنثى؟ فبدأت بالسؤال عن سلامة الخِلقة؛ لأن الخلقة في سلامَتِها نفعٌ عظيم، وهي مِنَّةٌ كبرى من الله جَلَّ وَعَلا؛ فلو خُيِّرَ المرءُ بين ذَكَرٍ مُشَوَّه وبنتٍ سَلِيمة لاختار بنتًا سليمة.

 

اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الواحد القهَّار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مُقلِّب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وعلى جميع أصحابه الأبرار ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم ما أظلم الليل وأضاء النهار.

 

عباد الله، عباد الله، يقول الله بعض السلف رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: "البنون نِعَم من الله، والبنات حَسَنات، والله يحاسب على النِّعَم، ويجازي على الحَسَنات". وهذا حَقٌّ؛ فإن المتأمل في النصوص يرى فضل البنات كبيرًا عظيمًا، وأجر مَن عالَهُنَّ وصبر عليهن أجرًا كبيرًا.

 

ففي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ))، وضَمَّ بين السَّبّابَةِ والْوُسْطَى.

 

وثبت في سنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِن النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) من حديث عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ رضي الله عنه وصححه الألباني.

 

ألا وصلُّوا- عباد الله- على رسول الهدَى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمَّد، وارضَ اللَّهمَّ عن الخلفاءِ الأربعة الرَّاشدين...

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين.....

 

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تُبلِّغنا به جنَّتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا، اللهم مَتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوَّتنا أبدًا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، واجعلنا أهلًا لأن يُستجاب دعاؤنا يا رب العالمين، اللهم اجعلنا صالحين في ظواهرنا وبواطننا حتى نكون أهلًا لأن يُستجاب لنا.

 

واشفِ اللهم مرضانا، وارحم موتانا، وعليك بمن عادانا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا. آمين.

 

اللَّهُمَّ انْتَصِرْ لِعِبَادِكَ المُؤْمِنِينَ المُسْتَضْعَفِينَ فِي مَشَارِقِ الأرْضِ ومَغَارِبِها.

 

اللهُمَّ لا تَجْعَلْ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤمِنِيـنَ سَبِيلًا.

 

اللَّهُمَّ خُذْهُمْ أَخْذًا وَبِيلًا.

 

اللَّهُمَّ انْتَقِمْ منْهم كما انتقمْتَ من فـرْعـونَ وَمَلَئِهِ.

 

اللَّهُمَّ سَلِّطْ عليهمُ الأَوْجَاعَ والأَمْرَاضَ.

 

اللَّهُمَّ أَذِقْهُمْ عذابَ الخِزْيِ في الدُّنْيا قَبْلَ الآخِرَةِ.

 

اللَّهُمَّ اقْتُلْهُمْ بِبَغْيِهِمْ.

 

اللَّهُمَّ أبْدِلْ عِزَّهُمْ ذُلًّا، وَحَوِّلْ يُسْرَهُمْ عُسْرًا، وَأَرْجِعْ بَأْسَهُمْ ضُعْفًا.

 

اللَّهُمَّ أَسْعِدْ قلوبنا بِعِـزِّ الإسْلام وظُهُور المُسلمينَ، ونَصْـرِ الفئةِ المؤمنةِ يا ربَّ العالمينَ.

 

اللَّهُمَّ اجْمَعِ القلوبَ على طاعتِكَ.

 

اللَّهُمَّ اهْدِ ضالَّ المُسْلمينَ، وثَبِّتْ مُطِيعَهُمْ، وارْزُقِ الجَمِيعَ الاِسْتِقامةَ على دِينِ اللهِ وَالتَّمَسُّكَ بِوَحْيهِ الكَريم.

 

اللَّهُمَّ احْفَظْ بلادَنا وبلادَ المُسْلمينَ منْ كُلِّ سُوءٍ ومكْروهٍ.

 

اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَ الأعْداءِ في نحورهِم، واجْعَلِ الدَّائِرَةَ عليْهم.

 

اللَّهُمَّ احْفَظْ للمسْلمينَ دينَهُم ودنْياهُم، ووحْدَتَهُم وأمْنَهُم.

 

اللَّهُمَّ لاَ تُؤاخذْنا بما فعل السُّفهاءُ مِنَّا.

 

اللَّهُمَّ من أراد بالإسلام والمسلمين خيرًا فوفِّقْهُ لِكُلِّ خَيْرٍ، ومن أراد بالإسلام والمسلمين شَرًّا فأهْلِكْهُ بشرِّهِ، وأرحِ البِلادَ والعبادَ منْ شَرِّهِ.

 

اللَّهُمَّ وَلِّ أُمُورَنَا خِيارَنَا، وَلا تُوَلِّ أُمُورَنَا شِرَارَنَا.

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْ وِلايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَـاكَ، وَلاَ تَجْعَلْ وِلايَتَنَا فِيمَنْ فَسَقَ وَعَصَاكَ.

 

اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا، وَارْحَمْ وَالِدِينَا، وَارْحَـمْ مَنْ عَلَّمَنَا، وَالمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نعمة الأولاد (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • كيف يجب أن يتعامل المسلم مع أقدار الله ونعمه: نعمة الأولاد أنموذجا؟ (كلمة بمناسبة عقيقة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مصروف الأولاد نعمة أو نقمة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خطبة عن تربية الأولاد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النعم الدائمة والنعم المتجددة (خطبة)‏(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • إنذار من أنكر نعمة الله باقتراب أمر الله: سورة النحل المعروفة بالنعم (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كل ما يوصل إلى النعمة العظمى فهو نعمة(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • حديث: إن الله يحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يرى أثر نعمته عليه(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • تفسير: (وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • استثمار الفرص والنعم في الطاعات - تأملات في حديث "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس"(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • استثمار الفرص والنعم في الطاعات: تأملات في حديث "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس"(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/1/1447هـ - الساعة: 15:12
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب