• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: الفتاح
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    المحرم من الدعاء
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    البدعة في الدين
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ..}
    د. خالد النجار
  •  
    نهاية عام وبداية عام (خطبة)
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    التواصل العلمي الموضوعي بين الصحابة: عائشة وأبو ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    راحة القلب في ترك ما لا يعنيك
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    الإلحاد
    د. عالية حسن عمر العمودي
  •  
    يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الإسلام يدعو إلى العدل
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    من مائدة التفسير سورة قريش
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    عناية النبي - صلى الله عليه وسلم- بحفظ القرآن ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    خطبة: فوائد الأذكار لأولادنا
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    إمامة الطفل بالكبار
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    القران الكريم في أيدينا، فليكن في القلوب
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    مقام العبودية الحقة (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

نهاية عام وبداية عام (خطبة)

نهاية عام وبداية عام (خطبة)
عبدالعزيز أبو يوسف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/6/2025 ميلادي - 28/12/1446 هجري

الزيارات: 1569

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نهاية عام وبداية عام


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، أحمَده حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأُصلي وأسلم على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين؛ أما بعد:

فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، فهي خير زاد لمعادكم، وخير زينة لكم في دنياكم، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].

 

عباد الله: مع نهاية العام الهجري وتصرُّم أيامه ولياليه وشهوره، وسرعة انقضائها، في ذلك دعوة للتأمل والاعتبار، كيف انقضت هذه السنة بأكملها وكأنها طيفُ خيالٍ، كم حصل فيها من أفراح وأتراح، فرحًا بقدوم مولود، وعودة غائب، وفرحًا برزق وتيسر لأمور، ونجاح وفلاح، أو حزنًا على فوات مطلوب، أو موت حبيب وقريب، أو سقم ونقص! وكم موسم للطاعة فيها فاز به المشمِّرون بالأجور العظيمة رُصدت في سجل حسناتهم، وخسر فيه محرومون بتفريطهم وتكاسلهم! فقد ذهبت لذَّات العصاة والمفرطين في عامهم وما ارتكبوه فيه من آثام، وبقيت سيئاتهم مكتوبةً في صحائف أعمالهم يحاسَبون عليها يوم الدين، إن لم يتوبوا ويصلحوا، كما ذهب تعب القائمين الصائمين المبادرين للخيرات، وبقِيت أجورهم وثوابهم عند المولى يسرون بها يوم الدين، ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، وهكذا عمر الإنسان سيمضي سريعًا، كما حكى الله تعالى حال الخلق أجمعين يوم البعث والنشور؛ فقال سبحانه: ﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴾ [المؤمنون: 112، 113]، وقوله سبحانه: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ [يونس: 45]، وقوله جل وعلا: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات: 42 - 46].

 

أيها المسلمون: ونحن نستقبل عامًا هجريًّا جديدًا في ذلك دعوة للتأمل والتفكر في مبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونزول الوحي عليه في غار حراء حين كان يتحنَّث فيه الليالي ذوات العدد، هاجرًا ما كان عليه كثير من أهل مكة من عبادة الأوثان والأحجار والأصنام، قد فشا فيهم السلب والقتل والظلم، فلما بُعث عليه الصلاة والسلام، وسعى لهدايتهم، سخِروا منه، وآذَوه ورموه بأبشع الأوصاف، فقالوا: ساحر، ومجنون وكاهن، وأعرض كثير منهم عن دعوته، واستمروا في إيذائه، ولم يؤمن به إلا القليل من الضعفاء الذين لقُوا من كفار قريش الأذى كبلالٍ وخبيبٍ، وعمار وياسر، وزوجته سمية رضي الله عنهم، وقد لَقِيَ النبي صلى الله عليه وسلم عنايةً من عمِّه أبي طالب وحماية، ومواساةً من زوجه خديجة رضي الله عنها، وقد ماتا في عام واحد في مكة أُطلق عليه عام الحزن؛ لشدة الحزن الذي لقِيَه عليه الصلاة والسلام بفقدهما، واشتدَّ أذى المشركين له ولمن تبِعه، حتى أذِن الله تعالى لهم بالهجرة للحبشة فرارًا بدينهم، والسلامة من أذى قومهم، ثم هيَّأ الله تعالى لنصرة هذا الدين من يأوي نبيه عليه الصلاة والسلام، فقيَّض له الأنصار الذين قدِم منهم وفدٌ للحج، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على الوفود القادمة للحج، ولما عرض نفسه على وفد يثرب، وافقوا على إيوائه وحمايته ليبلغ دين ربِّه، فأذِن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة بالهجرة ليثرب، وكان على رأس أول من هاجر مصعبُ بن عمير رضي الله عنه، وقد تولى تعليم أهل يثرب تعاليم دين الإسلام، وبَقِيَ عليه الصلاة والسلام في مكة بعد هجرة عدد من أصحابه، ينتظر إذن الله تعالى له بالهجرة، حتى أذِن الله سبحانه له بها، فاستعدَّ للهجرة وتهيأ لها؛ تقول عائشة رضي الله عنها عن حادثة الهجرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين: ((إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين))، وهما الحَرَّتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهَّز أبو بكر قِبل المدينة؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((على رِسْلِك، فإني أرجو أن يؤذَن لي، فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: نعم، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده بورق السمر أربعة أشهر، قالت عائشة: فبينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنِّعًا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمرٌ، قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن، فأذن له فدخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: اخْرُج من عندك، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول الله، قال: فإني قد أُذِنَ لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، قال أبو بكر: فخُذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالثَّمن، قالت عائشة: فجهزناهما أحثَّ الجهاز، وصنعنا لهما سفرةً في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعةً من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سُمِّيت: ذات النطاقين، قالت: ثم لحِق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكمنَّا فيه ثلاث ليالٍ، يبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر، وهو غلام شابٌّ، ثقِفٌ لقِنٌ، فيُدلج من عندهما بسحَر، فيصبح مع قريش بمكة كبائتٍ، فلا يسمع أمرًا يكتادان به إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة، مولى أبي بكر منحةً من غنمٍ، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رِسلٍ، وهو لبن مِنحتهما ورضيفهما، حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلًا من بني الديل، وهو من بني عبد بن عدي، هاديًا خرِّيتًا - والخريت الماهر بالهداية - وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل، فأخذ بهم طريق السواحل، قال سراقة بن جعشم: جاءنا رسل كفار قريش، يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما، من قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة، إني قد رأيت آنفًا أسودةً بالساحل، أُراها محمدًا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانًا وفلانًا، انطلقوا بأعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعةً، ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفَرَسِي، وهي من وراء أكَمَة، فتحبسها عليَّ، وأخذت رمحي، فخرجت به من ظهر البيت، فحططت بزجه الأرض، وخفضت عاليَه، حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرب بي، حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررتُ عنها، فقمت فأهويتُ يدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها: أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره، فركبت فرسي، وعصيت الأزلام، تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت، فلم تكَد تخرج يديها، فلما استوت قائمةً إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أنْ سَيْظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزأاني ولم يسألاني، إلا أن قال: أخفِ عنا، فسألته أن يكتب لي كتاب أمنٍ، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم)).

وعن عروة بن الزبير رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقِيَ الزبير رضي الله عنه في ركب من المسلمين، كانوا تجارًا قافلين من الشأم، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابَ بياضٍ، وسمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحَرة، فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يومًا بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أوَوا إلى بيوتهم، أوفى رجل من يهود على أُطُمٍ من آطامهم، لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب، هذا جَدُّكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقَّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين، حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتًا، فطفق من جاء من الأنصار - ممن لم يرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم - يُحيي أبا بكر، حتى أصابت الشمسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر حتى ظلَّل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك))؛ [رواه البخاري].

 

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ((أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم فجعلا يُقرئاننا القرآن، ثم جاء عمار، وبلال، وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء، فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان، يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء فما جاء، حتى قرأت: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1] في سور مثلها))؛ [رواه البخاري]، فسار عليه الصلاة والسلام حتى نزل قباء في بني عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، وأسس مسجد قباء، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته من قباء، فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مكان المسجد النبوي، وهو يصلي فيه يومئذٍ رجال من المسلمين، وكان مربدًا للتمر، لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته: هذا إن شاء الله المنزل، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد، ليتخذه مسجدًا، فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله أن يقبله منهما هبةً حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدًا، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبِن في بنيانه، ويقول وهو ينقل اللبن: هذا الحِمالُ لا حِمال خيبر = هذا أبرُّ ربنا وأطهر، ويقول: اللهم إن الأجر أجر الآخره = فارحم الأنصار والمهاجره)).

 

وعن أنس رضي الله عنه قال: ((قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حيٍّ يُقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلةً، ثم أرسل إلى بني النجار، فجاؤوا متقلدي السيوف كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر ردفه، ومَلَأُ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، وأنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ من بني النجار فقال: يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، فقال أنس: فكان فيه ما أقول لكم: قبور المشركين، وفيه خرب وفيه نخل، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنُبشت، ثم بالخرب فسُوِّيت، وبالنخل فقُطع، فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم، وهو يقول: اللهم لا خير إلا خير الآخره = فاغفر للأنصار والمهاجره، قال عبدالله بن عمر: إن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيًّا باللَّبِن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل)).

 

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: أيها الفضلاء:

فأما ما يتعلق بتدوين التاريخ الهجري وبدايته، فقد كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس للمشورة، فقال بعضهم: أرِّخ لمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: لمُهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: بل نؤرخ لمهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن مهاجرته فرقٌ بين الحق والباطل؛ قاله الشعبي، وقال ميمون بن مهران: وقيل: رفع إلى عمر صكٌّ محله شعبان، فقال: أي شعبان؟ أشعبان الذي هو آتٍ، أم شعبان الذي نحن فيه؟ ثم قال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعَوا للناس شيئًا يعرفونه، فقال بعضهم: اكتبوا على تاريخ الروم، فإنهم يؤرِّخون من عهد ذي القرنين، فقال: هذا يطول، فقال: اكتبوا على تاريخ الفرس، فقيل: إن الفرس كلما قام ملك طرح تاريخ من كان قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله بالمدينة، فوجدوه عشر سنين، فكتبوا التاريخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال محمد بن سيرين: قام رجل إلى عمر فقال: أرِّخوا، فقال عمر: ما أرخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر: حسن، فأرخوا، فاتفقوا على الهجرة، ثم قالوا: من أي الشهور؟ فقالوا: من رمضان، ثم قالوا: فالمحرم هو منصرف الناس من حجهم، وهو شهر حرام. فأجمعوا عليه.

 

أيها المباركون: هذا السرد التاريخي بشيء من الاختصار لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتدوين التاريخ الهجري؛ استذكارًا لهذه الأحداث العظيمة في تاريخ الإسلام، والوقوف على ما لحق به صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضوان الله عليه من مشاقَّ وأذًى لتبليغ دين الله تعالى ونصرته، وفي هذا درس ونبراس وسلوى لكل من يعمل لدين الله تعالى من تعليم ودعوة، وتوجيه وتربية صالحة للأولاد، ويلاقي في سبيل ذلك من الصعوبات والمشاق عونًا له ليقطع الطريق، ويصل لرضوان الله تعالى بهذا العمل الطيب المبارك بسلام، وما أجلَّ أن نستذكر هذه الأحداث المباركة في مجالسنا وبيوتنا مع أزواجنا وذرياتنا، ونأخذ العِبر والدروس منها، ومن سرعة انقضاء العام، وتصرم أيامه ولياليه وشهوره، والعزم على استغلال العام الجديد بالمبادرة للصالحات، والمسابقة فيه للخيرات؛ لنسلَم من الندم، ولوم النفس، والتحسر على التفريط فيه عند انقضائه، وكذا عند كبرنا وتقدمنا في العمر، دون التقدم في الخير والمسارعة إليه، وملء صحيفة الأعمال بالحسنات قبل الرحيل!

 

اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم وفِّقنا لهداك، واجعل أعمالنا في رضاك.

 

عباد الله: صلوا وسلموا على من أمرنا المولى بالصلاة والسلام عليه؛ فقال عز من قائلٍ عليمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحب والآل، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التنادِ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، وحرِّم على النار أجسادنا، اللهم إنا نسألك الدرجات العلا من الجنة، ونعوذ بك من سخطك ونارك، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نهاية عام واستقبال آخر (وقفة محاسبة)
  • في نهاية عام دراسي (قصيدة)
  • نهاية عام ومحاسبة النفس (خطبة)
  • نهاية عام وبداية آخر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • نهاية فرعون وبداية الشعب المختار (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خطبة نهاية العام الهجري - محرم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة نهاية العام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بدع نهاية العام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نهاية العام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: نهاية العام 1443هـ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع نهاية العام وتقارب الزمان، والتذكير بفضل شهر الله المحرم (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • التحذير من محدثات نهاية العام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نهاية العام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة نهاية العام(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 28/12/1446هـ - الساعة: 15:32
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب