• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الدرس الخامس والعشرون: ليلة القدر
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    تحريم ترك الوفاء بنذر الطاعة لله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    حكم زواج المسيار
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    خطبة (المسح على الشراب)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون ...
    الشيخ حسن حفني
  •  
    شرح لفظ "كواعب" (في ضوء كلام العرب والقرآن
    د. أورنك زيب الأعظمي
  •  
    مكانة إطعام الطعام في الإسلام
    أشرف شعبان أبو أحمد
  •  
    منهج القرآن في بيان الأحكام
    د. أحمد عبدالمجيد مكي
  •  
    قبسات من الإعجاز البياني للقرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ماذا أخذت من السعودية؟
    أ. محمود توفيق حسين
  •  
    يعلمون.. ولا يعلمون
    أشرف شعبان أبو أحمد
  •  
    تبديد الخوف من المستقبل المجهول (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    عظة مع انقضاء العام (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العلي، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    تفسير: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا ...
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

فقه اليقين بموعود رب العالمين (خطبة)

فقه اليقين بموعود رب العالمين (خطبة)
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/6/2025 ميلادي - 20/12/1446 هجري

الزيارات: 365

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فقه اليقين بموعود رب العالمين

 

الحمد لله الذي بلطفه تنكشف الشدائدُ، وباليقين والتوكل عليه يندفع كيدُ كلِّ كائد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له في كل شيء آية، تدل على أنه الواحد، وأشهد أن محمدًا عبدُالله ورسوله، لم تُزعزعه المواقف والبلايا، ولا نالت من يقينه المصائب والشدائد، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، أهل المكارم والمحامد، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

أهمية الحديث عن اليقين بموعود رب العالمين:

أيها المسلمون: إن الحياة الدنيوية مشوبة بالابتلاءات، مليئة بالمنغِّصات، ولكن أمام المؤمن موعودات سماوية عاجلة وآجِلة، إذا كمل يقينه بها، هانت عليه أحزانه، وخفَّت مصائبه، وأشرقت حياته، وتاقت نفسه إلى موعود الله لأوليائه.

 

كم يقاسي الإنسان في هذه الحياة ما يضيِّق عليه عيشه، ويكدر خاطره، ويوحش أُنسه، ويؤلم نفسه! فكم يتجرع آلام السقم، ويذوق أوجاع الألم! وكم يفجع بفقد حبيبٍ، ورحيل صديق أو قريب! وكم تمتد إليه يد الظلم والجَور، ويُسلب بعض حقوقه، ومصالحه المشروعة! وكم ينال من أذى المؤذين، واستطالة المعتدين! وكم تُفزعه المخاوف، وتُقلق سكينتَه همومُ آتي الزمان! وكم تَحُول الحوائل دون بلوغ آماله، وطموحاته، ورغائبه، ومطالبه! وكم يتمنى ويرجو، ولا تتحقق كل أمانيه، وجميع رجائه!

 

وبين شدة معاناة وقوع الآلام، وشدة امتناع تحقق الآمال، يأتي اليقين بحُسن فِعل الله تعالى؛ لِيَجِدَ المؤمن الموقن تحت ظله الظليل بردَ الاطمئنان، وراحة البال، وخفة البلاء، والتفاؤل بمجيء النَّعماء، فعنده إيمان جازم بأن الله تعالى هو خالق الحياة ومدبِّرها، وأنه لن يخرج شيء عن تقديره وتدبيره، وعلمه وحكمته.

 

ومتى امتلأ القلب باليقين بحسن فِعل رب العالمين، شعَّ القلب نورًا وبصيرة، فرأى الطريق إلى الله واضحةً بيِّنة فسلكها بعزم وجدٍّ، وترك ما سواها من السُّبل التي تصدُّ عنها، وتُلهي من سلكها عن تلك السبيل.

 

القرآن والسنة تحدثاننا عن اليقين بموعود رب العالمين:

أيها المسلمون: إن المُتتبع لآيات الله في كتابه العظيم، وسنة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام لَيقف وقفة إجلالٍ وإكبار لصور اليقين الذي حظِي به أنبياء الله وعباده المؤمنين، وليعلم أن موعود الله قادم يقينًا لا شكَّ فيه، انظروا في سيرة شيخ المرسلين نوح عليه الصلاة والسلام؛ الذي قام امتثالًا لأمر ربه ليصنع سفينة على اليابسة حيث لا بحرَ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ [هود: 37]، لكنَّ نوحًا عليه السلام كان عنده يقين بموعود الله؛ فقال لقومه: ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [هود: 39]، ثم دعا دعوة المضطر: ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ﴾ [القمر: 10]، فكانت النتيجة: ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [القمر: 11 - 16].

 

وهذا نبي الله موسى عليه السلام، عندما كان فرعون وجنده من خلفه، والبحر أمامه، والمستضعفون مع نبي الله موسى عليه السلام يخشَون من فرعون وبطشه؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشعراء: 61]، فقال صاحب اليقين موسى عليه السلام: ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 62 - 67]، ومما يزيدنا يقينًا أن الله تعالى أخبرنا أنه هو مالك الملك، وهو على كل شيء قدير، وإليه ترجع الأمور، وأن القوة لله جميعًا: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الملك: 1]، ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 189]، ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 106]، ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17]، وفي السنة النبوية المطهرة يحدثنا النبي عليه الصلاة والسلام أن صلاح الأمة لا يكون إلا باليقين؛ ففي حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل))؛ [صحيح الجامع].

 

وعد الله صدقٌ لا يُخلَف، ويقين لا شك فيه:

أيها المسلمون: إن يقين المؤمن كالنور من فوقه، يضيء في سمائه على الدوام؛ لأنه يدرك أن الله يرى مكانه، ويسمع نجواه، ويعلم بلواه، وأزيز صدره المُفعم باليقين، ليدرك أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأنه ما ابتلاه إلا ليعافيه، وما أخذ منه إلا ليعطيه، وما نقص منه إلا ليزيده، يأخذ بيده في المضايق، ويطوي له الطريق إذا جدَّ به المسير، وفي نهاية النفق المُظلم ضوء ساطع، وللأقفال مفاتيحُ، وللظمآن مورد، وفي المحن مِنَحٌ، وبعد الترح فرح، وتحت الرُّغوة اللبن الصريح، وما الدنيا إلا كسراب بقيعة، وأن مردَّنا إلى الله، وأن الآخرة هي دار القرار، والرضا بمُرِّ القضاء، فإن المصائب والشدائد تحتاج إلى قوة في تجرعها، والقوة المغذِّية للقلب في هذا هو اليقين، ولهذا تجد أصحاب اليقين الراسخ تنزل عليهم أمثال الجبال من المصائب والرزايا، وأهل غزة خيرُ دليلٍ، فيقابلونها بثبات يدك الجبال، وكان منهم حبيب رب العالمين وسيد المرسلين؛ حتى قال الله تعالى له: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60]، فأمره أن يصبر، وألَّا يتشبه بالذين لا يقين عندهم لعدم الصبر، فلعدم يقينهم انعدم صبرهم؛ وفي قوله تعالى بلسم اليقين: ﴿ وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11]؛ قال ابن عباس: "يعني: يهدي قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه"، وقال بعض الصالحين: "ترِد عليَّ الأثقال، يعني: من المصائب والآلام، التي لو وُضعت على الجبال تفسَّخت، فأضَع جنبي على الأرض، وأقول: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، ثم أرفع رأسي وقد انفرجت عني"، وكان عطاء الخراساني رحمه الله لا يقوم من مجلسه حتى يقول: "اللهم هبْ لنا يقينًا بك حتى تهون علينا مصيبات الدنيا، وحتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كُتب علينا، ولا يأتينا من هذا الرزق إلا ما قسمت لنا به"، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "اليقين الإيمان كله"؛ [رواه البخاري موقوفًا معلقًا مجزومًا به].

 

إن مزيدًا من اليقين بالله هو ما يحتاجه المسلمون في هذه الفترة العصيبة، وجرعة من الثقة بحتمية تحقق ما وعد به عباده المؤمنين ولو بعد حين، فاليقين هو قارب النجاة لتخليص الأمة من درك الشك بموعود الله، وسفينة الخلاص من الغرق في محيط ظلمات اليأس والقنوط والإحباط.

 

إن المسلم وهو يعيش في رحاب الثقة بالله، ومَعين اليقين بحتمية إنجاز ما وعد الله به عباده، ويسمع من مواقف اليقين ما يجعله يعيش وفي قلبه من اليقين بموعود الله ما لا يخالطه شكٌّ.

 

لما أراد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في سنة 16 هـ أن يفتح المدائن في العراق، وكانت هي مستقر ملك كسرى، حال بينه وبينها نهر دجلة، وقطع الفُرس عليه الجسر، وأخذوا السفن؛ فنظر سعد في جيشه، وخطبهم على شاطئ دجلة، وقال: ألَا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم، فقالوا جميعًا: عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل، فأمرهم أن يقولوا: نستعين بالله ونتوكل عليه، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فاقتحم الماء، وخاض الناس معه – قلوب يملؤها اليقين – وعبروا النهر فما غرق منهم أحد، ولا ذهب لهم متاع، فعامت بهم الخيل وسعد يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصرن الله وليَّه، وليُظهرن الله دينه، وليهزمن الله عدوه، إن لم يكن في الجيش بغيٌ أو ذنوب تغلب الحسنات؛ [البداية والنهاية].

 

إن المواجهة لا تكون أبدًا بالإحباط أو التشاؤم، ولا بإشاعة مظاهر الشك بحتمية تحقق موعود الله تعالى، بل تكون المواجهة بدعوة المسلمين إلى التمسك باليقين بالله تعالى، والثقة بصدق وعده لعباده المؤمنين، وبأن النصر والتمكين قد يتأخر بعض الشيء لحكمة يعلمها الله سبحانه، ولكنه سيأتي يقينًا لا محالة في نهاية المطاف؛ قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].

 

عندما يضعُف اليقين في الأمة:

أيها المسلمون: إننا اليوم نعاني من ضعف الثقة واليقين الجازم بنصر الله تعالى، ولعل هذا الضعف يعود لأسباب وعوامل تاريخية واجتماعية، ونفسية وتربوية كثيرة، مرَّت على الأمة المسلمة عبر سِني تقهقُرها، وضعفها، وضعف المناهج العلمية والتربوية الصحيحة، ولكن ما نؤكده: إن الإيمان الصادق هو المحرِّك القويُّ للإنسان المسلم نحو الثقة بالله تعالى، والنصر، والتمكين؛ كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول في خطبته: هلك المرتابون؛ أي: خاب وخسر الذين لا يوقنون، الخرَّاصون، قال قتادة: هم أهل الغرَّة والظنون، خِفاف العقول الذين يُستخفُّ بهم، ويسقطون صرعى للشيطان، ويبيعون دينهم بأبخس الأثمان، يخبِطون في ظلمات الشكِّ في وعد الله ووعيده، لا يقين لهم ولا يؤمنون إلا بما رأته أبصارهم، وهم الذين حذَّر الله منهم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ بقوله: ﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49]؛ أي: اثبت على ما أنت عليه من الحق الذي لا مِرية فيه، واحترز من العناصر المريضة الشاكَّة، والقابلة للتشكيك، أن تتسرب إلى صف المؤمنين، فتنقل إليهم عدوى الوهن.

 

إن مما يُضعف اليقين الإصغاءَ إلى الشكوك، والريب، والأمور التي تجلب ذلك، بسماع الشُّبه، وسماع كلام المُخذِّلين، والمُثبِّطين الذين يُثبطون عزائم المؤمنين، ويوهنونهم، ويحثونهم على القعود عن التزام صراط الله عز وجل المستقيم، فهؤلاء الذين قلَّ يقينهم إذا استمع العبد منهم، فربما سببوا له شيئًا من ضعف اليقين، حين ذلك يُورثه قلقًا، وانزعاجًا، واضطرابًا، وخوفًا، وهذا يُخالف اليقين؛ لأن اليقين طمأنينة، وثبات، واستقرار؛ كما قال ابن القيم رحمه الله: "الشك مبدأ الريب، كما أن العلم مبدأ اليقين"، قال عبدالله بن سليمان رحمه الله: "ليست المصيبة أن يُصاب الإنسان بنفسه، أو ماله، أو ولده، وإنما المصيبة العظيمة، والكسر الذي لا ينجبر، أن يُصاب الإنسان بدينه، فيحل الشك محل اليقين، فيرى الباطل حقًّا، والحق باطلًا، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا".

 

فيا أيها المسلم: كن على يقين بأن الله ناصر دينه، وعباده المؤمنين؛ فقد وعد الله تعالى بذلك؛ فقال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ ﴾ [الصافات: 171، 172]، فإذا كنت مؤمنًا بالله، على يقين بوعده، فلا تَهِنْ ولا تحزن؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].

 

كيف يتحقق اليقين في الأمة؟:

أيها المسلمون: تظهر حقيقة اليقين بالله في مراحل الضعف؛ إذ ليس صاحب اليقين من تنفرج أساريره، وينشرح صدره، ويتهلل وجهه، حين يرى قوة الإسلام، وعزة أهله، وبشائر نصره، وإنما يكون اليقين لصاحب الثقة بالله مهما حلك الظلام، واشتد الضيق، واجتمعت الكروب، وتكالبت الأمم؛ لأن أمله بالله كبير، ويقينه بأن العاقبة للمتقين، وهذا ما نشاهده في أهل غزة الصامدين، رأيناهم يُثنون على الله تعالى، وهم واثقون في موعوده، رغم ارتقاء الأحِبة شهداء، ورغم القصف المكثف، ودمار البيوت والممتلكات، ورغم انعدام الأساسيات، من ماء، وغذاء، ووقود، ودواء، وقد أدركت شعوب العالم أن السرَّ في ذلك قوة الإيمان واليقين، ما دفعهم إلى البحث عن القرآن الكريم، يستلهمون من أهل غزة تلك القدرة على الصبر، والتحمل، والثبات المذهل على الحق، علِم ربنا ما قد يُصيب الناس من شكٍّ وريب في حقيقة وعده، فخاطب الجميع بقوله مُطمْئنًا لهم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [فاطر: 5]، وتحقُّق اليقين يحتاج إلى صبر، وثقة بالله؛ قال الله تعالى لنبيه: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ [غافر: 55]، ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [غافر: 77].


ومن سنن الله الجارية في خلقه إلى يوم الدين، وسبقت كلمته لعباده المرسلين: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 171 - 173]، وأكد الله ذلك بقوله تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، بل زاد تأكيدًا لِلَجْمِ المُشكِّك بقوله: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21]، وقوله كذلك: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 9]، وحين تُقارع الأمة الباطل والظلم، ذكَّرنا الله بيقين المؤمنين الصادقين بفصلٍ مبين؛ قائلًا: ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَـانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22].

 

وعلى المسلم أن يرفع أكفَّ الضراعة والدعاء، بما كان يدعو به حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، ليُثبت اليقين في قلبه، ويُطهره من الشك والريب؛ فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: ((قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تُبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تُهوِّن به علينا مصيبات الدنيا، ومتِّعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا))؛ [رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشعور بمعاناة المسلمين (خطبة)
  • تعظيم الله وأثره في حياتنا (خطبة)
  • عيسى ابن مريم النبي المبارك والرسول الصادق (خطبة)
  • الإسراء والمعراج: دروس ومقاصد (خطبة)
  • سنة المغالبة وفقهها (خطبة)
  • المقاصد الربانية للعشر المباركة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • اليقين لا يزول بالشك وتطبيقاتها في الفقه الإسلامي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • علم اليقين ويقين العلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 1/2/1434 هـ - سلوا الله اليقين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اليقين المنافي للشك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفهوم اليقين في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل اليقين والتوكل على رب العالمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اليقين بحسن فعل رب العالمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اليقين لا يحتاج إلى شك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف تقوي يقينك بالله عز وجل؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/12/1446هـ - الساعة: 22:17
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب