• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة العيد بين التكبير والتحميد
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    تفسير: ﴿وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات صحة القلب
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    علو الهمة
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    خواتيم الأعمال.. وانتظار الآجال (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    مع العيد... يتجدد الأمل
    افتتان أحمد
  •  
    وانتهى موسم عشر ذي الحجة (خطبة)
    أحمد بن عبدالله الحزيمي
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (14)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    حين تبتعد القلوب
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    الاستقامة بعد الحج (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أحكام العِشرة بين الزوجين
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    شموع (108)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1446هجرية (PDF)
    وائل بن علي بن أحمد آل عبدالجليل الأثري
  •  
    عيد الأضحى بين الروح والاحتفال: كيف نوازن؟
    محمد أبو عطية
  •  
    مسائل وأحكام تتعلق برمي الجمرات في الحج
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

المقاصد الربانية للعشر المباركة (خطبة)

المقاصد الربانية للعشر المباركة (خطبة)
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/6/2025 ميلادي - 13/12/1446 هجري

الزيارات: 294

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المقاصد الربانية للعشر المباركة

 

الحمد لله الذي بيده الأمر، فضَّل أيامَ العشر، وخصَّها بمزيدٍ من الأجر، وجبر لأهلها الكسر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سهَّل طريق السعادة للمسلمين، ووعدهم بجزيل الجزاءِ والأجرِ، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه في السر والجهر، صلَّى الله وسلَّم عليه كلما كان السعيُ مشكورًا، والعملُ مبرورًا، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يومِ الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:

 

أهمية الحديث عن مقاصد الايام العشر:

أيها المسلمون: لقد اختصَّ الله تعالى الإنسان بحملِ الأمانة والاستخلافِ في الأرض، وربطَ صلاح حاله في الدنيا وسعادته في الآخرة بإيمانه وعمله الصالح، وجعل لذلك مواسمَ ينتفع بها الإنسان، ليظل الإنسان على علاقةٍ بربه متينةٍ؛ إذ لا يكتمل الإيمان إلا بالعمل، ولا يُقبل العمل إلا بالإخلاص والموافقة، في وحدةٍ متكاملة بين القول والفعل، بين ما وقر في القلب وصدقه العمل.

 

وتتأكد هذه المعاني التربوية السامية في الأزمنةِ الفاضلة التي اختصها الله بمزيدٍ من الفضل، كأيامِ عشر ذي الحجة، التي تمثل محطةً إيمانية متجددة لتقوية الصلة بالله، وتكثيف الأعمالِ الصالحة التي ترتقي بالعبد في مدارج الإحسان.

 

ولهذه الأيامِ مقاصدُ جليلة، ومعانٍ عظيمة، وآثارٌ إيجابية كبيرة على الفردِ في ذات نفسه، وعلى الأمةِ المسلمة بمجموعها، حريٌّ بالمسلم أن يعلم شيئًا من مقاصد العشر، خصوصًا والأمة تمر في هذه الأيام بمخاضٍ عسير، تتميز فيه الصفوف، ليكون مقدمةً لميلادِ فجرٍ جديدٍ لهذه الأمة المباركة، تُشرق فيه شمسُ عزتها وكرامتها، الأمر الذي يوجب علينا مزيدًا من الربانية وحسنِ الصلة بالله، حتى نؤهل أنفسنا لاستحقاق نصرِ الله عز وجل وتأييده.

 

إننا بشكلٍ عام، وفي هذه المرحلة بشكلٍ خاص، نحتاج إلى مزيدٍ من القرب إلى الله، والاستعانةِ به سبحانه، والتذلل إليه، فهو المستعان، وعليه التكلان، نستمد منه سبحانه زاد المسير إليه، نقبل عليه بقلوبنا وجوارحنا.

 

القرآن والسنة تحدثاننا عن مقاصد العشر:

أيها المسلمون: لقد وردت الإشارة إلى فضل هذه الأيام العشرة في بعض آيات القرآن الكريم، وفي سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم؛ منها: أن الله تعالى أقسم بها بقوله: ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 2]؛
قال الإمام الطبري: "والصواب من القول في ذلك عندنا أنها عشر الأضحى؛ لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه"، وهي الأيام المعلومات التي أمرنا فيها بذكر الله تعالى؛ قال الله تعالى:
﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 27، 28]؛ قال ابن عباس عن الأيام المعلومات: "أيام العشر"؛ [أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم]، وهي العشر المذكورة في قوله تعالى: ﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾ [الأعراف: 142]، والثلاثون شهرُ ذي القعدة.

 

وفي السنة النبوية المباركة، يذكر لنا النبي عليه الصلاة والسلام من فضل العشر من ذي الحجة ما يحقق فيها مقصدَ العمل الصالح، وأنها أيامٌ يتضاعف فيها ثواب العمل؛ ففي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما العمل في أيام أفضل منها في هذه، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء))، وللترمذي: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء))، وهي أفضلُ أيامِ الدنيا؛ لحديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل أيام الدنيا أيام العشر))؛ [صحيح الجامع].

 

تحقيق مقاصد العشر هِبة ربانية:

أيها المسلمون: للعشر من ذي الحجة مقاصدُ جليلة، ومعانٍ عظيمة، وآثارٌ إيجابية كبيرة على الفردِ في ذات نفسه، وعلى الأمةِ المسلمة بمجموعها، وحريٌّ بالمسلم أن يعلم شيئًا من مقاصدها ليعيشها ويشعر بعظمتها، وأولُها وأسمَاها، وأغلاها وأعلاها توحيدُ الله تعالى والبراءةُ من الشرك وأهله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]، ففي الأيام العشر استمرارٌ لتوحيد الله وعبادته، بل وفعل ذلك في أفضل أيام الدنيا، وأعظم شعار التوحيد: الإقرارُ لله بالوحدانية، وللنبي عليه الصلاة والسلام بالرسالة.

 

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه: ((ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه، إلا حرَّمه الله على النار))؛ [رواه البخاري ومسلم].

 

ومن مقاصد العشر المباركة: إحياء ذكرى أهلِ التضحية والبذل، نبي الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، في المكان المبارك العظيم؛ بيت الله الحرام، والمشاعر العِظام: مِنًى، ومزدلفة، وعرفة، ورمي الجمرات، والتضحية بالهَدْيِ؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران: 96، 97]، وقال الله تعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 27 - 30]، وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158]، وقال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 198 - 200]، وبهذه المعاني والأحاسيس والمقاصد، بعظمة الإسلام، في ذكرى هؤلاء العظماء الذين أُمرنا بالاقتداء بهم؛ قال الله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90]، حتى إن الله جعل أداء المناسك بهذه الأرض المقدسة سببًا في كسب الحسنات، وغفران السيئات؛ كما في حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه في فضائل المناسك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام، لا تضع ناقتك خفًّا، ولا ترفعه، إلا كتب الله لك به حسنةً، ومحا عنك خطيئةً، وأما ركعتاك بعد الطواف؛ كعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بالصفا والمروة؛ كعتق سبعين رقبةً، وأما وقوفك عشية عرفة؛ فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا فيُباهي بكم الملائكة، يقول: عبادي، جاؤوني شعثًا من كل فج عميق يرجون رحمتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، أو كقطر المطر، أو كزَبد البحر، لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفورًا لكم، ولمن شفعتم له، وأما رميُك الجمارَ؛ فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات، وأما نحرك؛ فمدخور لك عند ربك، وأما حلاقك رأسك؛ فلك بكل شعرة حلقتها حسنة، وتُمحى عنك بها خطيئة، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك؛ فإنك تطوف ولا ذنب لك، يأتي ملَك حتى يضع يديه بين كتفيك، فيقول: اعمل فيما تستقبل؛ فقد غُفر لك ما مضى))؛ [حسن لغيره، صحيح الترغيب].

 

ومن مقاصد العشر من ذي الحجة: إعلان شعار الإسلام المتمثل في التكبير، والتهليل، والتحميد؛ فعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد))؛ [أخرجه أحمد]؛ فالتهليل: المقصود به قول: "لا إله إلا الله"، وهي شهادة الإسلام، وأول أركانه، وعنوان التوحيد، وقد فسَّر أهل العلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الإكثار منها في العشر من ذي الحجة المباركة، أنها أيام الحج التي يتوجه فيها الناس إلى ربهم، متجردين من الدنيا وزينتها، موحِّدين طائعين، منيبين راجين رحمته ومغفرته، خائفين من عذابه، فكان من أكثر الأذكار مناسبة في هذه الأيام التهليل.

 

وأما التكبير: فالمقصود به قول: "الله أكبر"، وفي التكبير دلالة على تعظيم المولى عز وجل، فهو إقرار بأن الله تعالى أعظم وأكبر من كل شيء، وأنه هو المستحق وحده للعبادة.

 

وأصحُّ الصيغِ الواردة في التكبير في أيام العشر من ذي الحجة، ما رواه عبدالرزاق عن سلمان بسندٍ صحيح قال: "كبِّروا، الله أكبر الله أكبر كبيرًا"، وعن عمر وابن مسعود: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".

 

والتكبير نوعان: التكبير المطلق: يبدأ من أول شهر ذي الحجة، إلى آخر أيام التشريق، غير مقيدٍ بوقتٍ معين، وقد ورد عند البخاري قوله: "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبِّران فيكبِّر الناس لتكبيرهما".

 

والتكبير المقيَّد: في أدبار الصلوات المفروضة؛ قال الحافظ في (الفتح): "أصح ما ورد فيه عن الصحابة قول عليٍّ وابن مسعود، أنه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام مِنًى".

 

والتحميد: والمقصود به تكرار قول: "الحمد لله"، والحمد عبادة يؤديها المسلم، سواء حدثت له نعمة أو لم تحدث، لإظهار الرضا بقضاء الله كله، خيرِه وشرِّه؛ وذلك لأن الحمد المطلق إنما يستحقه الله عز وجل لكماله وصفاته، أما بخصوص هذه الأيام، فأعظم نعمةٍ ظاهرةٍ فيها أنه عز وجل بلَّغ العبد هذه الأيام الفاضلة التي تُضاعف فيها الحسنات، وتُغفر فيها الذنوب، فيجب على كل مسلمٍ في المقابل أن يحرص على الإكثار من التحميد.

 

ومن مقاصد العشر من ذي الحجة: تحقيق الولاء والبراء بين المؤمنين، والبراءة من المشركين والكفار، ففي هذه الأيام الحج، والحج يجمع الشمل، وينمِّي الولاء والحب والنصرة بين المؤمنين، وإذا كان المسلمون يجمعهم مصدر واحد في التلقي؛ الكتاب، والسنة، وقِبلتهم واحدة، فهم في الحج يزدادون صلة واقترابًا؛ حيث يجمعهم لباس واحد، ومكان واحد، وزمان واحد، ويؤدُّون جميعًا مناسك واحدة، ونفوسهم وأنفاسهم تتدفق مع مجاري دمائهم، تربط الروح بالجسد، والدين بالدنيا، والأمل بالعمل، في تلاحمٍ أخويٍّ أخَّاذٍ، في دينٍ يؤكد كرامةَ المسلم ومكانته، في دينٍ يجمع ولا يفرِّق، يهتدون بنور الحق ومبادئ النبل، وضِياء الهُدى، ينتمون إلى أعظم دين، ويتبعون أكرم نبي؛ قال الله تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 151، 152].

 

ومن مقاصد العشر من ذي الحجة: تعظيم النبي عليه الصلاة والسلام، فهو المختار المصطفى، والنبي المجتبى، صادق اللهجة إذا تحدَّث، طلق اليد إذا بذل، واسع الحِلم إذا أُوذي، عظيم النفس، راجح العقل، قد امتلأ رحمةً وبِرًّا وحكمةً، لم يُخالط شيئًا من سيرته شائبةُ عبث أو لهو، بل إخلاصٌ شديد، وجدٌّ راسخ، لم يُؤثَر عنه قولٌ ولا عملٌ يُخالف الفطرة السوية.

 

منحه ربه من العقل والفهم والإدراك في تدبير بواطن الخلق وظواهرهم، وسياستهم العامة والخاصة، مع عجيب شمائله وبديع سيرته، علوٌّ في الذات وعلوٌّ في القدر، ومقام أرفع في خلقٍ كريم وسيرةٍ حميدة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113]، ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم، سرٌّ من أسرار هذا الدين وبقائه وحفظه، وعلوِّه وحُجَّته وبرهانه، فالإسلام دينُ الله، ومحمدٌ رسول الله، ورسالته خاتمة الرسالات، تولى الله حفظَ الدين، وتكفل بخلود كتابه، وحاط مبادئه وشعائره ومقاصده بحياطته الصمدية، وحفظها ويسرها غضَّةً سليمة، سهلةً تبهر الناس بكمال لا يُدانيه كمال، وصلاحية لا يُخالطها بِلًى، وتجدد لا يُنازعه تقادم؛ قال الله تعالى له: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 43، 44].

 

التفريط في تحقيق مقاصد العشر:

أيها المسلمون: إن على المسلم أن يعرف قدرَ هذه الأيام العظيمة، في تحقيق التوحيد، والعمل الصالح، مع الولاء والبراء لله ولرسوله وللمؤمنين، ومعرفة قدر النبي عليه الصلاة والسلام، وحرص الإنسان على عمره وقيمة حياته، فيُكثر من عبادة ربه، ويواظب على فعل الخيرات إلى الممات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، قال المفسرون: اليقين: الموت.

 

ومن ثَم يحرص على مواسمِ الخير، فإنها سريعةُ الانقضاء، وليُقدِّم لنفسه عملًا صالحًا يجد ثوابه أحوج ما يكون إليه.

 

إن الثواب قليل، والرحيل قريب، والطريق مخوف، والاغترار غالب، والخطر عظيم، والله تعالى بالمرصاد، وإليه المرجع والمآب، فانتهاز الفرصة توفيقٌ من الله، فهي ليس لها عوض ولا تُقدَّر بقيمة، قبل هجوم الأجل، وقبل أن يندم المفرِّط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرجعة فلا يُجاب إلى ما سأل، قبل أن يحول الموت بين المؤمِّل وبلوغ الأمل، قبل أن يصير المرء محبوسًا في حُفرته بما قدَّم من عمل؛ قبل أن يقول: ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24]، وقبل أن يُفاجئه الأجل؛ قال الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99، 100].

 

كيف نستغل العشر من ذي الحجة؟

أيها المسلمون: نعيش هذه الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة؛ وهي أفضل أيام عند الله تعالى، فالعمل الصالح فيها أجره عظيم؛ أخرج البخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء)).

 

والأعمال الصالحة في هذه الأيام، يقول العلماء: غير محصورة ولا مخصوصة بعبادة معينة أو قُربة خاصة، فكل القُربات التي يُتقرب بها إلى الله تُشرع في هذه الأيام، فيُستحب فيها: الصلاة، والصيام، والحج، والعمرة، والذكر، والدعاء، وتلاوة القرآن، والصدقات، والأضحية، فإنها من أعظم الشعائر؛ قال تعالى: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ [الحج: 34].

 

ألَا وإن أفضل أيام السنة، يوم عرفة، تُرجى فيه مغفرة الذنوب ورحمة علَّام الغيوب، فهو يوم من أيام العتق من النار؛ فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يومٍ أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه لَيدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء))؛ [مسلم]، وقد جعل الله لنا عوضًا عن مشاركة الحُجَّاج هو العمل الصالح في هذا اليوم، ولا سيما صيام يوم عرفة؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي قتادة أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((صيامه – أي يوم عرفة – يُكفِّر السنة الماضية والباقية))، وخير الدعاء دعاء يوم عرفة؛ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) [الترمذي].

 

ألَا وإني أذكِّركم في هذه الأيام العشر بالإكثار فيها من الصدقات، خاصة وبعض البلاد الإسلامية تمر اليوم بوضع اقتصادي حرج بسبب الحرب، فلنتفقد الجيران والأهل، والفقراء والمساكين والنازحين الذين نزوحوا من مناطق الحروب؛ قال الله تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114].

 

وقد تكون الصدقة في أيام الحاجة أفضل من حج النافلة؛ فقد جاء عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "في آخر الزمان يكثر الناس من الحج بلا سبب، يهون عليهم السفر، ويبسط لهم في الرزق، فيهوي بأحدهم بعيره بين الرمال والغفار، يضرب في الأرض للحج، وجاره إلى جنبه مأسور لا يواسيه" [الإحياء].

 

وجاء رجل يودِّع بشر بن الحارث فقال: قد عزمت على الحج، فتأمرني بشيء؟ فقال له: كم أعددت للنفقة؟ قال: ألفي درهم، قال: فأي شيء تبتغي بحجك؟ تزهُّدًا أم اشتياقًا للبيت أم ابتغاء مرضاة الله تعالى؟ قال: ابتغاء مرضاة الله، قال: فإن أصبت مرضاة الله وأنت في منزلك، وتنفق ألفي درهم، وتكون على يقين من مرضاة الله، أفضل ذلك؟ قال: نعم، قال: اذهب فأعطِها عشر أنفس: مديونًا يقضي دينه، وفقيرًا يرم شعثه، ومعيلًا يغني عياله، ومربِّيَ يتيم يفرحه، وإن قوي قلبك تعطيها واحدًا فافعل؛ فإن إدخال السرور على قلب المسلم، وإغاثة اللهفان، وكشف الضر، وإعانة الضعيف، أفضل من مائة حجة بعد حجة في الإسلام، قُمْ فأخرجها كما أمرتك.

 

ولنحرص على الدعاء بصلاح الدنيا وفلاح الآخرة لنا ولأهلنا ولجميع المسلمين، خصوصًا في فلسطين بوقف الحرب، وسوريا، والسودان، واليمن وغيرها من بلاد المسلمين، والدعاء بإصلاح الذرية، وإصلاح الكسب بأن يكون حلالًا طيبًا، وإصلاح الأخلاق، وإصلاح حال الناس والتنعم بالسلام، في مشارق الأرض ومغاربها، وإصلاح حال البشرية جمعاء بالدخول في دين الله تعالى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • برنامج يومي للعشر الأواخر من شهر رمضان وجدول للعبادات في العشر الأواخر

مختارات من الشبكة

  • أنواع المقاصد باعتبار مدى الحاجة إليها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد الشريعة الإسلامية في أحكام الأسرة والنكاح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • متن في المقاصد (غنية القاصد لعلم المقاصد) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أنواع المقاصد باعتبار تعلقها بعموم الأمة وخصوص أفرادها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع المقاصد باعتبار القطع والظن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المقاصد الجزئية والمقاصد الخاصة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أنواع المقاصد باعتبار تعلقها بعموم التشريع وخصوصه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد الأوقاف الشرعية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهمية مقاصد الزواج في تحقيق الأمن المجتمعي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مدرسة الصيام: المقاصد والفوائد(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/12/1446هـ - الساعة: 11:34
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب