• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضائل الأيام العشر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    أدلة الأحكام المتفق عليها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأنثى كالذكر في الأحكام الشرعية
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    الإنفاق في سبيل الله من صفات المتقين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    النهي عن أكل ما نسي المسلم تذكيته
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الحج: آداب وأخلاق (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    يصلح القصد في أصل الحكم وليس في وصفه أو نتيجته
    ياسر جابر الجمال
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أحكام المغالبات
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    تفسير: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا ...
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب / في محاسن الإسلام
علامة باركود

ماذا لو اطلعنا على الغيب؟ (خطبة)

ماذا لو اطلعنا على الغيب؟ (خطبة)
حسان أحمد العماري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/5/2025 ميلادي - 28/11/1446 هجري

الزيارات: 974

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ماذا لو اطَّلعنا على الغيب؟

 

الحمد لله المتفرد بالعظمة والبقاء والدوام، يُكَوِّرُ الليلَ على النهار، ويكور النهار على الليل، ويصرِّف الشهور والأعوام، لا إله إلا هو، الخلق خلقه، الأمر أمره، فتبارك ذو الجلال والإكرام، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، والَى علينا نِعمه، وتابع علينا آلاءه، وبالشكر يزيد الإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قدَّر الأمور بإحكام، وأجراها على أحسن نظام:

ما في الوجود سواك رب يُعبد
كلَّا ولا مولى سواك فيُقصدُ
يا من له عنت الوجوه بأسرها
ذلًّا وكل الكائنات تُوَحِّدُ
أنت الإله الواحد الفرد الذي
كل القلوب له تقر وتشهدُ

 

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُالله ورسوله، أفضل الرسل وسيد الأنام، ختم الله به الرسل والأنبياء، فكان مسكَ الختام.

هو المختار من البرايا هو
الهادي البشير هو الرسولُ
عليه من المهيمن كل وقت
صلاة دائمًا فيها القبولُ

 

صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الأطهار وأصحابه الكرام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا كثيرًا على الدوام؛ أما بعد:

عباد الله: ماذا لو علم كل إنسان بالأمور التي ستحدث له في المستقبل؟ كيف ستكون نفسية ذلك الإنسان لو علم فرضًا أنه سيقع له حادث سيارة بعد أسبوع من الآن؟ أو أنه سيخسر كل أمواله ويصبح فقيرًا بعد عشرين سنة؟ ما هو شعور الإنسان عندما يعلم أن والديه سيموتان في حادث حريق بعد أيام؟ كيف ستكون حياة تلك المرأة التي تعلم أن زوجها سيتعرض لحادث خلال الأشهر الثلاثة القادمة؟ كيف ستكون حالة ذلك الأب أو تلك الأم إذا علِما بأن ابنهما وفلذة كبدهما سيموت بعد شهر؟ ماذا لو علِم الناس بأن مجاعةً شديدة ستُصيبهم خلال فترة بسيطة من الزمن؟ كيف سيكون شعور ذلك الإنسان الفقير الذي يعلم أنه سيربح مليون ريالٍ بعد أربعة أشهر أو حتى سنة؟ لا إله إلا الله، والله لو علم أحدنا بذلك، لَما طابت الحياة، ولا تلذَّذ الإنسان بطعام أو شراب، ولا تهنَّأ بنوم أو راحة أو سكينة، بل إن الحياة ستتوقف انتظارًا لهذا القادم؛ خيرًا كان أو شرًّا، وخوفًا وحزنًا على فواته، وهلعًا وخوفًا من عدم تحقيقه، وقد يتحول الأمر أحيانًا إلى طغيان وظلم، وتكبُّر وعُجب.

 

فكان من رحمة الله بنا أنِ اختص نفسه بعلم الغيب المطلق، حتى ينطلق الإنسان في هذه الحياة متوكلًا على الله، وباذلًا ما يستطيع من الأسباب، وراضيًا بما قدَّره الله وقضى به؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النمل: 65]، وقال تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9]، وقال سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾ [هود: 123].

 

وبيَّن سبحانه وتعالى أن علم الغيب مما اختص به نفسه، وهو علم شامل لما كان ولما سيكون في هذا الكون الفسيح؛ قال تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]، وقال تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾ [الأنعام: 50]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ﴾ [الأعراف: 188].

 

وحتى الجن الذين يعتقد الكثير فيهم معرفة الغيب، بيَّن سبحانه أنهم لا يملكون هذه القدرة، وذكر كيف أنهم ظلوا مسخَّرين في الأعمال الشاقة التي استعملهم لها سليمان عليه السلام حتى بعد وفاته، ولم يعلموا بموته إلا بعد سقوطه حين أكلت الأرَضة عصاه التي يتكئ عليها؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [سبأ: 14].

 

وحتى يرسِّخ الإسلام هذه العقيدة في النفوس، فقد أبطل الطرق التي يدَّعي البشر من خلالها أنهم يعلمون الغيب، فأبطل الكهانة والتنجيم، والسحر والشعوذة، وقراءة الكف والفنجان، وما يُسمَّى بعلم الأبراج وغير ذلك.

 

وما على المسلم إلا أن ينطلق في هذه الحياة يأخذ من الكتاب والسنة منهجه وزاده الذي يبلغه رضوان الله وجنته، ويبذل المستطاع من الأسباب الشرعية، ويرضى بما قدَّره الله عليه بعد ذلك، فإن كان خيرًا حمِد الله، وأدى ما عليه فيه، وإن كان شرًّا أو مصيبة أو بلاءً، صبر واحتسب ورضِيَ بما قدَّر الله، ولا يسخط على الله، ويبذل من الأسباب الشرعية والدنيوية ليدفع هذه المصيبة أو هذا الابتلاء؛ قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 155، 156].

 

هذا أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه اعترض على رجوع عمر بالناس عن دخول الشام، عندما انتشر بها الطاعون، وقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين، أفرارًا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم، نفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت إن كان لك إبل هبطت وادِيًا له عدوتان إحداهما خصيبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟"؛ [رواه البخاري].

 

أيها المؤمنون: عباد الله: قد يقع على المسلم قدر يكرهه؛ لأن فيه مصيبة أو موتًا أو خسارة، أو خوفًا أو قلقًا أو همًّا، أو مرضًا أو فقرًا، لكن المسلم عليه أن يعلم علم اليقين أنه ما من بلاء أو مصيبة أو محنة مهما كان فيها من الشر، إلا وفيها خير لا يعلمه إلا الله؛ قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]، وقال سبحانه: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

 

ولأننا عاجزون عن إدراك المستقبل وعلمنا قاصر، فقد أراد سبحانه وتعالى أن يولِّد هذا الإيمان في نفوس عباده؛ الأمن النفسي، والراحة والرضا بالله، والثقة به؛ حتى تستمر الحياة، ويستطيعوا أن يتجاوزوا هذه المحن والمصائب والابتلاءات، فما من محنة إلا وفيها منحة، ولا بلاء إلا وفيه لطف ورحمة، وقد يدفع الله عنك مصائب وابتلاءات أشد من ذلك وأقوى، لكنك لا تعلم الغيب، ولا تدري أين يكمن الخير، فسلِّم أمرك إلى الله الذي من حقه أن يُسعدنا أو يشقينا، أو يُمرضنا أو يشفينا، أو يفقرنا أو يغنينا، وهو أرحم بنا من أنفسنا.

 

جلس أحد الكتَّاب المشهورين على كرسي مكتبه نهاية العام، وأخذ ورقة وبدأ يكتب ما حدث له خلال هذا العام، فكتب في السطر الأول: لقد تم إحالتي العام الماضي للتقاعد، وكتب في السطر الثاني: وأجريت عملية في المرارة لإزالة الحصوة، وكتب في السطر الثالث: وتُوفِّيَ في هذا العام والدي، وكتب في السطر الرابع: ورسب ابني في كلية الطب لتعطله عن الدراسة عدة شهور بسبب إصابته في حادث سيارة، وكتب في نهاية الورقة: يا له من عام سيئ.


وجلس في مكتبه كئيبًا حزينًا، فجاءت زوجته ووجدته بهذه الحالة، فوقفت خلفه وقرأت بصمتٍ ما كتبه على هذه الورقة، ثم ذهبت وأخذت ورقة، وكتبت عليها ودخلت مكتبه، ووضعتها أمامه، قالت فيها: السطر الأول: أُحِلتَ إلى التقاعد بعد ستين سنة من العمل، وقد قدمت الكثير، وها أنت الآن متفرغ لكتاباتك ومؤلفاتك التي كنت تتمنى أن تجد لها وقتًا.

 

وكتبت في السطر الثاني: وأجريت عملية المرارة، وأُزيلت الحصوة التي عذبتك وآلمتك كثيرًا، وكتبت في السطر الثالث: وتوفي والدك وهو في الخامسة والثمانين من العمر دون أن يسبِّب لك أي متاعب، وكتبت في السطر الرابع: ونجا ابنك من الموت بسبب حادث السيارة ولم يُصب بعاهات أو إعاقات، ثم ختمت الزوجة عبارتها: يا له من عام رائع!

 

وصدق الله إذ يقول: ﴿ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، فلا ينبغي أن يكون هناك يأس أو قنوط، بل لا بد أن نتفاءل ونُحسن الظن بالله، ونرضى بما قدَّره علينا، وندرك أنه ما من بلاء يصيب العبد إلا وفيه خير أراده الله، قد نعلمه وقد لا نعلمه.

 

لما مات الصحابي أبو سلمة، حزنت عليه زوجته أم سلمة، وتذكرت الحديث الذي علمهم إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوه عند نزول المصائب: ((اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها))، أرادت أن تقول هذه الكلمات، لكنها فكرت وقالت في نفسها: من خيرٌ من أبي سلمة؟ هذا الزوج الكريم، هذا المؤمن، هذا المهاجر الذي يبتغي فضل الله العظيم، قالت: لكنها قالتها إيمانًا بموعود الله، فأخلف الله لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصارت أم سلمة أمنا جميعًا، أم المؤمنين رضي الله عنها.

 

عباد الله: إن الرضا بالله، وحسن الظن به من أعظم ما يملأ القلب طمأنينةً وراحةً، ومن أهم أسباب دفع القلق الذي عصف بحياة كثير من الناس، بسبب موقف من المواقف، أو بسبب قدر من الأقدار المؤلمة في الظاهر جرى عليه في يوم من الأيام.

 

ذكر الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله عن صاحب له: أن رجلًا قدم إلى المطار، وكان حريصًا على رحلته، وهو مجهد بعض الشيء، فأخذته نومة ترتب عليها أن أقلعت الطائرة، وفيها ركاب كثيرون يزيدون على ثلاثمائة راكب، فلما أفاق إذا بالطائرة قد أقلعت، وفاتته الرحلة، فضاق صدره، وندم ندمًا شديدًا، ولم تمضِ دقائق على هذه الحال التي هو عليها حتى أُعلن عن سقوط الطائرة، واحتراق من فيها بالكامل، ألم يكن فوات الرحلة خيرًا لهذا الرجل؟ ولكن أين المعتبرون والمتعظون؟

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد عباد الله:

فإننا بحاجة إلى تقوى الله، والعمل الصالح، والدعاء والتضرع بين يديه؛ حتى نثبت على الحق في هذه الحياة المليئة بالفتن والمصائب والابتلاءات، فالصلاة تجلب الراحة والطمأنينة والأمان؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].

 

يقول "كوليم" الإنجليزي الذي أسلم وسمَّى نفسه عبدالله: إنه حينما كان مسافرًا على ظهر باخرة إلى طنجة، إذا بعاصفة قد هبت، وأشرفت السفينة على الغرق، وأخذ الركاب يحزمون أمتعتهم ويهرولون في كل اتجاه، وقد اضطربوا لا يدرون ما يصنعون، وإذا به يرى جماعة من المسلمين قد استوت في صف واحد يكبِّرون ويهلِّلون ويسبِّحون.

 

فسأل أحدهم: ماذا تفعلون؟ فقال: نصلي لله، فسأل: ألم يُلهِكم إشراف السفينة على الغرق؟ فقال: لا، إننا نصلي لله الذي بيده وحده الأمر، إن شاء أحيا، وإن شاء أمات.

 

وقد كان هذا الحادث سببًا في بحثه عن الدين الإسلامي وهدايته للإسلام، وأصبح من كبار دعاة الإسلام في إنجلترا، وقد أسلم على يديه الكثير، والذكر فيه بركة وخيرية ونجاة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 41 - 43].

 

إن يونس عليه السلام لما أُلقي في البحر والتقمه الحوت، وهو في كرب وضيق وظلمات بعضها فوق بعض، ليس معه أحد، لم ينفعه إلا عبادته وطاعته لله: ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَـهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87].

 

قال أهل التفسير: سمعت الملائكة هذه الكلمة فبكت، وقالت: يا ربِّ، صوت معروف من عبد معروف؛ قال تعالى: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]، وتقديم المساعدة، وبذل النفع، وصنائع المعروف، وصدقة السر تقي مصارع السوء، وتدفع غضب الرب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه نجاة للفرد والمجتمع والأمة.

 

عباد الله: إن أمواج الفتن والابتلاءات تصيب أمتنا اليوم في كثير من جوانب حياتها؛ فالاختلاف والتفرق، وكثرة القتل، ونزيف الدماء، وتسلط العدو، واحتلال الأرض، وتدنيس المقدسات، وضعف الأمة وتأخرها اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، ومع كثرتها وتعددها يُصيب الناس باليأس والقنوط، ويعتريهم الهم والقلق، ولكن رغم قسوتها وشدتها، فإن فيها خيرًا كثيرًا؛ فالأمة تحتاج إلى تمحيص وتمايز في الصفوف، فيظهر الإيمان من النفاق، والحق من الباطل، والخير من الشر، وأن تفيق من غفلتها، وأن تعود إلى دينها، واتباع نبيها محمد صلى الله عليه وسلم، وحتى تبذل من الأسباب المأمور بها شرعًا ما تستطيع، ولن يكون بعد ذلك إلا النصر والتمكين؛ لأن ذلك وعد الله، ولا يبقى إلا الحق والخير؛ قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد: 17].

 

فأملوا بالله، وثقوا به، وأحسنوا الظن به، وقوموا بأعمالكم كما أمركم، واحفظوا دماءكم وأعراضكم وأموالكم، واصبروا على أقدار الله حتى يأتي الفرج؛ كم من مصيبة كنت تظنها ستكون القاضية! وكم من حزن ظننت أن الدنيا لن تحلو بعده! وكم من عزيز فقدته فتوهمت أنه لم يعد بعده شيء يستحق الحياة! كم وكم! لكن الحياة عادت كما كانت، ولربما بطعم أحلى وأجمل.

 

واعلموا أن الله علَّام الغيوب، فتوكلوا عليه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34].

 

اللهم اجعلنا من المؤمنين بك المتوكلين عليك، الراضين بقضائك، المؤمنين بقدرك، الداعين لدينك، الشاكرين لنعمك، إنك على كل شيء قدير، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

هذا، وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبدالله؛ فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كيف تتقي شرا وتدفع بلاء؟ (خطبة)
  • نظام الحياة لا شريعة الغابة (خطبة)
  • وما توفيقي إلا بالله (خطبة)
  • لا غالب إلا الله! (خطبة)
  • من يشهد لك إذا رحلت؟ (خطبة)
  • الرجولة أخلاق (خطبة)
  • ﴿وما يعدهم الشيطان إلا غرورا﴾ (خطبة)
  • من أسباب صلاح القلوب (2) المسارعة في الخيرات (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • ماذا لو سكت من لا يعلم؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ماذا لو..؟ (شعر)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ماذا لو تولاك الله؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ماذا لو تكلم الياسمين؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: ماذا لو كان بيننا اليوم؟ (11)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ماذا لو كان هذا آخر رمضان في حياتك؟(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • ماذا لو كنا في حلم؟(استشارة - الاستشارات)
  • حديث: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • ماذا لو كنت في زمان النبي صلى الله عليه وسلم؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ماذا لو مر بنا ذو القرنين الآن؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 30/11/1446هـ - الساعة: 16:9
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب