• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الدعوة وطلب العلم
علامة باركود

فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن: دروس في الدعوة والتعليم والتربية

فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن: دروس في الدعوة والتعليم والتربية
محفوظ أحمد السلهتي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/5/2025 ميلادي - 19/11/1446 هجري

الزيارات: 704

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فوائدُ من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن

دروسٌ في الدعوة والتعليم والتربية


الحديث: عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ». أخرجه البخاري (1496) واللفظ له، ومسلم (19).

 

دزوسٌ وعبرٌ:

هذا حديثٌ عظيمٌ مباركٌ، وتربيةٌ نبويةٌ حكيمةٌ، يحوي بين طيَّاته فوائدَ وفرائدَ جمةً. وقد تناول العلماءُ من محدثين وفقهاءَ هذا الحديثَ باهتمامٍ بالغٍ، وشرحوه بالبسط والتفصيل، واستدلُّوا به في قضايا فقهيةٍ متنوّعةٍ، مثلا: هل الكفار مخاطبون بالأعمال؟، وهل يجوز نقل الزكاة من بلدٍ إلى آخر؟، وغيرها من المسائل التي ناقشها الفقهاء بعنايةٍ فائقةٍ.

 

ولكنَّ هذا المقال لا يهدف إلى إعادة مناقشة تلك المسائل الفقهية المدروسة والمبحوثة في كُتُب العلماء، بل يسعى إلى لفت نظر القارئ الكريم إلى دروسٍ وعبرٍ تربويةٍ، وفوائد دعويةٍ ثمينةٍ نستطيع أن نتعلمها من هذا الحديث النبوي الرائع. وقد استخرجتُ هذه الدروس والفوائد من هذا الحديث، استنادًا إلى ما درَّستُه من كتب الحديث الشريف التي ورد فيها، ومنها: «صحيح مسلم»، و«سنن أبي داود»، و«جامع الترمذي»، و«مشكاة المصابيح». والحمد لله على توفيقه وفضله.

 

الدرس الأول من قوله: «حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ»

الفائدة الأولى:كان سيدنا معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري رضي الله عنه من شباب الصحابة، وقد امتاز بذكائه وفقهه وورعه. قيل: إنه شهد بدرًا وهو ابن عشرين أو إحدى وعشرين سنةً. ومع قصر عمره، اختاره النبي صلى الله عليه وسلم قاضيًا وأميرًا على اليمن، مما يدل على ثقة النبي العميقة بأصحابه، بصرف النظر عن أعمارهم.

 

وهذا يُبرز جانبًا من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وبُعد نظره، فقد كان يُحسن اختيار الرجال، ويُقدّر طاقات الشباب، ويُعِدّهم لتحمل المسؤولية والقيادة. ولهذا نراه كثيرًا ما يردف الشباب خلفه، كعبد الله بن عباس، والفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، ويُقرّبهم منه، ويُعلّمهم، ويُؤهلهم للمستقبل. وهذه سنة نبوية في تمكين الكفء، وتربية القيادات منذ نعومة أظفارها.

 

الفائدة الثانية: لا يستطيع قائدٌ واحدٌ أنْ يباشر كل المهام بنفسه، أو يتواجد في كل مكانٍ، أو يخاطب كل الناس مباشرةً، ولذلك فإن من سنن القيادة النبوية تفويض المهام وتوزيع المسؤوليات، بإرسال الدُّعاة والعلماء إلى البلدان والأمصار. فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن، وأرسل غيره إلى مناطق أخرى، كما أرسل رسائلَ إلى الملوك، وبعث الوفود إلى القبائل.

 

وهذه السنة النبوية تؤصل لمبدأٍ مهمٍّ في العمل الإسلامي والدعوي، وهو التنظيم والتوزيع والاعتماد على أهل الكفاءة في تبليغ الرسالة. وعلى القادة والعلماء أن يحيوا هذه السنة في واقعهم، فيُخرجوا من بين صفوفهم من يحمل العلم والدعوة والفقه، ليكونوا سُفراء للهداية في شتى البقاع.

 

الدرس الثاني: من قوله صلى الله عليه وسلم: «إنك تأتي قومًا أهلَ كتابٍ»

الفائدة الأولى: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا بأن أهل اليمن من «أهل الكتاب»، تمهيدًا له ليستعد نفسيًّا وفكريًّا لطبيعة المخاطَبين، فمخاطبة أهل الكتاب تختلف عن مخاطبة غيرهم من عبدة الأوثان، لِما لدى أهل الكتاب من بقايا علم ومعرفة سابقة. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في «فتح الباري» (3/358): «هي كالتوطئة للوصية، لتستجمع همته عليها، لكون أهل الكتاب أهلَ علمٍ في الجملة، فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهّال من عبدة الأوثان».

 

ومن هذا نفهم أن من الحكمة في الدعوة والتعليم والتربية: معرفة حال المخاطَبين، والتأهب لمخاطبتهم على قدر عقولهم ومداركهم وواقعهم، كما في الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ». رواه أبو داود (برقم 4842).

 

فمن مقاصد هذا التوجيه النبوي: تهيئة الداعية ليعرف جمهورَه، فيتحدث إليهم بما يناسب مستواهم وفكرهم، مما يضمن بإذن الله حُسن التلقّي والفهم.

 

الفائدة الثانية: يتجلى في هذا الحديث جانبٌ تربويٌّ بالغُ الأهمية، وهو ضرورة إعداد الدُّعاة وتوجيههم قبل إرسالهم للميدان. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكتفِ بتكليف معاذٍ، بل أوصاه بوصايا شاملةٍ تمسّ جوهر مهمته الدعوية، وتُرشده إلى أسلوب التدرج، وترتيب الأولويات، ومراعاة الأحوال. وقد جاءت هذه الوصايا النبوية مبثوثةً في كتب الحديث، وهي بمثابة «دليل إرشادي» للداعية. وهذا يدلنا على أهمية التكوين العلمي والتربوي للدُّعاة، فلا يخرج أحدٌ إلى الدعوة قبل أن يتلقى العلم والتجربة من أهل الخبرة.

 

ولذلك يجب على الدُّعاة الجدد، خاصة من الشباب، أن يطلبوا التوجيه من العلماء الربانيين والدعاة المجربين، حتى ينطلقوا في دعوتهم على بصيرةٍ، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ ﴾ [يوسف: 108].

 

الدرس الثالث: من قوله صلى الله عليه وسلم: «فادعهم إلى أن يشهدوا» إلى قوله: «قد فرض عليهم صدقة»

الفائدة الأولى: في هذا التوجيه النبوي الكريم لمعاذ رضي الله عنه، نرى منهجًا تربويًّا واضحًا في الدعوة، يقوم على التدرج في التعليم والتكليف. فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بدعوتهم إلى التوحيد، وهو أصل الدين، ثم إلى الصلاة، ثم الزكاة. وهذا الترتيب يدلُّ على أدب الدعوة وحكمتها؛ إذ لا يُطلب من الناس الالتزام الكامل دفعةً واحدةً، بل يُؤخذ بهم خطوةً فخطوةً، حتى يرسخ الإيمان، ثم تُبنى عليه بقية الأحكام.

 

وهذا يشبه حال الإنسان عندما يأكل؛ لا يمكنه أن يبتلع الطعام دفعةً واحدةً دون تقطيعٍ ومضغٍ، وإلا اختنق. وكذلك الداعية الحكيم لا يُحمّل الناس ما لا يطيقون، بل يراعي استعدادهم النفسي والعقلي، ويُقدّم الأهم فالمهم.

 

وقد عبّرت سيدتنا عائشة رضي الله عنها عن هذا المعنى بقولها: «ولو نَزَلَ أوَّلَ شَيءٍ: لا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقالوا: لا نَدَعُ الخَمْرَ أبَدًا» رواه البخاري (4993). وهذا أصل عظيم في الدعوة، أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يكون بتدرجٍ وتعليمٍ رحيمٍ، لا بتعنيفٍ وفرضٍ مفاجئٍ.

 

الفائدة الثانية: دلالة الترتيب في هذا الحديث على البدء بالشهادة، توضح أن العقيدة هي الأساس الذي تُبنى عليه بقية أركان الدين. فلا يُطلب من الناس أداء الفرائض أو ترك المحرمات، ما لم يُصحَّح أولًا إيمانهم بالله وتوحيدهم له.

 

وهذا مبدأ أصيل في الدعوة الإسلامية: ترسيخ الأصول قبل مناقشة الفروع، فمتى ما استقام الأصل، زالت كثير من الشبهات والاعتراضات تلقائيًّا. وهذا ينعكس في مواقف معاصرةٍ، كمسألة عمر عائشة رضي الله عنها عند الزواج، فإن الاعتراض عليها غالبًا ما يأتي ممن لم يفهم أصول الدين ولا سلّم بمنهجه، فلو صلحت العقيدة، لانزاحت هذه الإشكالات من تلقاء نفسها. ففي الدعوة العامة، ينبغي للمرشد أن يُراعي هذا التسلسل، ويُقدّم الأهم فالأهم، اقتداءً بسيد الدُّعاة صلى الله عليه وسلم.

 

الفائدة الثالثة: كثيرٌ من الآيات القرآنية ورد فيها الأمر بإقامة الصلاة مقترنًا بإيتاء الزكاة، كما قرن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في أحاديثه. وذلك لأن الصلاة تُعد رمزًا لصلاح النفس وتزكية الفرد في حياته، بينما الزكاة تُعد رمزًا لكون المسلم جزءًا من ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾، إذ تعبّر عن أداء مسؤولياته تجاه الأمة والمجتمع. فالإسلام دينٌ يهتم بإصلاح النفس والعناية بالمجتمع في آنٍ واحد.

 

الدرس الرابع من قوله: «تُؤْخَذ من أغنيائهم فَتردُّ على فُقَرَائِهِمْ»

الفائدة الأولى: يبين هذا الجزء من الحديث عظمة النظام الاقتصادي في الإسلام، القائم على التكافل والتراحم، لا على الجشع والاحتكار. فالإسلام لا يشجع العقلية الرأسمالية التي تُركّز على جمع الثروات الفردية وتجاهل حاجات المجتمع، بل يؤسس لمجتمع يشعر فيه كل فرد بآلام إخوانه ويسعى إلى إعانتهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون كرجلٍ واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله». رواه مسلم (2586). وهذا المعنى يتجسد في نظام الزكاة، إذ تُؤخذ من الأغنياء وتُعاد إلى الفقراء، تحقيقًا للعدالة الاجتماعية ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ﴾ [الحشر: 7]، وسدًّا لحاجات المحتاجين، وتقويةً للروابط بين المسلمين.

 

الفائدة الثانية: نلحظ في هذا الحديث الفرق الجذري بين نظرة الإسلام للبلدان التي يدخلها، ونظرة القُوى الاستعمارية الحديثة. فالإسلام يُعلم أن الأرض لله، وأن المسلم أينما حلَّ اتخذ تلك الأرض دارًا له، وسعى لإصلاحها، وتطويرها، وخدمة أهلها. قال الله تعالى: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وجهُ الله ﴾ [البقرة: 115]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَجُعلت لي الأرض مسجدًا وطَهورًا». رواه البخاري (438).

 

فالمسلم إذا انتقل إلى بلدٍ جديدٍ، انتقل بروح البناء لا الهدم، وبالرحمة لا السيطرة. وقد انعكست هذه القِيم في التاريخ الإسلامي؛ فحيثما حلت الخلافة الإسلامية، تركت أثرًا حضاريًّا وروحيًّا باقيًا. في الأندلس، بنى المسلمون جامع قرطبة وقصر الحمراء، وفي الهند شُيّد تاج محل، وهذه اليوم من أبرز المعالم التي تُدرُّ على تلك البلاد دخلًا سياحيًّا واقتصاديًّا ضخمًا، وهو من ميراث الحضارة الإسلامية.

 

أما في المقابل، فقد دخل الاستعمارُ الغربيُّ بلاد المسلمين بالقهر والنهب: بريطانيا استعمرت الهند ونهبتْ ثرواتها الضخمة من الذهب، والقطن، والشاي، والمعادن، واستخدمتها لتطوير لندن، بينما تركت الهند في فقرٍ مدقعٍ. وفرنسا احتلت الجزائر والمغرب وتونس لعقودٍ، وقتلت الملايين، وسرقتْ خيرات هذه البلدان، ولا تزال آثار النهب تُزين شوارعَ باريس حتى اليوم. والولايات المتحدة الأمريكية شنت الحرب على أفغانستان والعراق تحت ذرائع واهية، لكنها لم تترك خلفها إلا الخراب والدمار والتشريد. والاحتلال الصهيوني لفلسطين مثالٌ حيٌّ ومعاصرٌ على استعمارٍ مدعومٍ، سلب أرضًا، وشرد شعبًا.

 

إذًا، الفارق واضحٌ: المسلم إذا دخل أرضًا، طهّرها من الظلم، وأقام فيها العدل، وطوّرها كأنها وطنه. وقد شرح الدكتور عبد الحكيم مراد في كتابه الممتع «Traveling Home» أن المسلم لا يرى الأرض مقسّمة بين «نحن» و«هم»، بل يراها أرض الله، ويتحرك في العالم كمسافرٍ يحمل رسالة الخير والنور، لا الاستغلال والدمار.

 

الفائدة الثالثة: طبق معاذٌ رضي الله عنه تعليمات النبي صلى الله عليه وسلم خيرَ تطبيقٍ، حتى تحسنت الأحوال الاقتصادية في اليمن في عهده. وقد ذكر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى في «كتاب الأموال» (ص 710) قصةً فريدةً، قال فيها: إن معاذًا لما استقر في اليمن مرة أخرى في عهد عمر بن الخطاب، وجمع الزكاة، بعث بثلثها إلى عمر، فأنكر عليه ذلك، وقال: «لم أبعثك جابيًا ولا آخذَ جزيةٍ، إنما بعثتُك لتأخذَ من أغنيائهم وتردَّ على فقرائهم». فردَّ معاذٌ: «ما وجدتُ أحدًا يأخذ مني شيئًا». ثم في العام الثاني، بعث بنصف الزكاة، ثم في الثالث بعث بها كلها، وكان الرد نفسه: «ما وجدتُ من يقبل الزكاة، فقد استغنى الناس».

 

وهذه الحادثة تثبت عمليًّا أن تطبيق فريضة الزكاة كما شرعها الله كفيلٌ بالقضاء على الفقر أو التخفيف الكبير من آثاره، إذا ما تم توزيعها بعدلٍ، وصدقٍ، وإخلاصٍ. كما أنها تظهر لنا الفرق الكبير بين نظام الخلافة الإسلامية القائم على الرحمة والتكافل، وبين الأنظمة الاستعمارية الجشعة التي امتصت خيرات الشعوب وخلّفتها خرابًا بعد رحيلها.

 

الدرس الخامس: من قوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ»

يحمل هذا الجزء من الحديث النبوي توجيهًا نبيلًا إلى حُسن التعامل مع الناس عند أخذ الزكاة، حيث أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا ألا يأخذ من الناس كرائم أموالهم، أي أفضلها وأحبّها إليهم. وهذا يُظهر رعاية الإسلام لمشاعر الناس وممتلكاتهم حتى وهم يؤدّون واجبًا شرعيًّا.

 

وفي هذا التوجيه قاعدةٌ تربويةٌ مهمةٌ، وهي أن العدل لا يكتمل إلا بمراعاة المسؤوليات المتبادلة. ففي مجتمعاتنا اليوم، اعتاد كثيرٌ من الناس المطالبة بحقوقهم بإلحاحٍ، دون الالتفات إلى مسؤولياتهم تجاه الآخرين. أما في الهدي النبوي، فالفوز الحقيقي يتحقق حين يعرف كل طرف مقامه، وواجباته قبل أن يطالب بحقوقه.

 

وقد أشار الإمام الغزالي رحمه الله تعالى إلى أن من أدب الزكاة أن يختار المسلم أحب أمواله للإنفاق، مستندًا إلى قوله تعالى: ﴿ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]. لكن هذا الأدب موجه للمعطي طوعًا، لا لمن يأخذ قهرًا. فالمعطي مأجورٌ على الإحسان، لكن من يجمع الزكاة (المصدّق) لا يجوز له ظلم الناس أو إجبارهم على إعطاء أفضل أموالهم، لأن ذلك يعدّ تعديًا لا عدلًا. وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم هذه النقطة في حديثٍ آخرٍ فقال: «أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ». رواه مسلم (989). فبهذا التوازن، يضمن النبي صلى الله عليه وسلم عدم ظلم الأغنياء، وفي الوقت ذاته حفظ حقوق الفقراء، وهو توازن قلّ أن يوجد في الأنظمة الاقتصادية الحديثة.

 

وأسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في الإنصاف بين الأطراف المختلفة نجده أيضًا في مواقفَ عديدةٍ، منها: أمره صلى الله عليه وسلم الرجال بألا يمنعوا نساءهم من الذهاب إلى المسجد، ثم بيّن في الوقت نفسه أن صلاة المرأة في بيتها أفضل لها. وقد أكّد صلى الله عليه وسلم على النساء طاعة أزواجهنّ، لكنه في المقابل لم يُهمل حقوقهن، بل أوصى بالرفق بهن، وأوصى الرجال بهن خيرًا مرارًا، ومنها قوله في خطبة الوداع: «استوصوا بالنساء خيرًا». وهكذا نجد أن الهدي النبوي يُوازن دائمًا بين الطرفين، ويربي الأمة على العدل والرحمة والاحترام المتبادل، لا على الاستغلال أو الغلظة أو الغبن، سواء في الزكاة أو غيرها.

 

الدرس السادس: من قوله صلى الله عليه وسلم: «وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ»

ختم النبي صلى الله عليه وسلم وصاياه لمعاذ بن جبل رضي الله عنه بهذه العبارة البليغة، التي تُعدّ من أعظم ما قيل في التحذير من الظلم، والتنبيه إلى عاقبته. فالنبي صلى الله عليه وسلم يُذكّر معاذًا، وهو ذاهبٌ ليكون حاكمًا وقاضيًا في اليمن، أن السلطة مسؤوليَّةٌ لا امتيازٌ، وأن العدل أساسُ الحكم، وأن الظلم أسرعُ طريقٍ إلى الهلاك، في الدنيا والآخرة. فإن دعوة المظلوم، وإن كانت من شخص بسيطٍ ضعيفٍ، لا يملك شيئًا من القوة أو الوسائط، فإنها تصل إلى الله بلا حاجزٍ ولا تأخيرٍ. فإذا لم يُرَ أثر الظلم في حياة الظالم، فإنه قد يظهر في ذريته، أو يُؤخّر عنه ليُجازى به في الآخرة، لأن هذا وعدٌ من الله، ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122].

 

وقد قرَّر ابن خلدون في «مقدمته» (ص 353) قاعدته الشهيرة: «الظلم مؤذنٌ بخراب العمران». أي أن الظلم لا يفسد القلوب فحسب، بل يؤدي إلى انهيار الدول والحضارات. فكم من دولةٍ عظيمةٍ سقطت حينما ساد فيها الظلم، واستبيحت فيها الحقوق.

 

ومن هنا، نفهم أن الإسلام لا يكتفي بالدعوة إلى الخير والعبادة، بل يرتكز على تحقيق العدل الاجتماعي، ونشر الرحمة، وإصلاح أحوال الناس. فإن العدل قيمة مركزية في الشريعة الإسلامية، حيث يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90].

 

وهذا التحذير النبوي هو درسٌ خالدٌ لكل من يتولى منصبًا عامًّا، أو مسؤوليةً مَهْمَا صغرتْ، أن يتقي الله في الناس، ويحرص على العدل، ويتجنب الظلم بكل صورهِ، فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، وإن المظلوم لا يحتاج إلى ترجمان بينه وبين ربّه.

 

الخاتمة:

وعليه، فإن هذا الحديث الشريف الذي وجّه فيه النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن، ليس مجرد نصٍّ تاريخيٍّ، بل هو منهاجٌ دعويٌّ، وتوجيهٌ تربويٌّ، ودستورٌ عمليٌّ للأمة في شؤون الدين والدعوة والتعليم والتربية والحكم والعلاقات الاجتماعية. لقد تضمن وصايا عظيمةً تؤسس لقِيَمِ العدل، والتدرّج، والرحمة، والوعي بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، وتقديم العقيدة على الفروع، واحترام الحقوق، والحذر من الظلم. وكل واحدةٍ من تلك الوصايا تصلح أن تكون قاعدةً تُبنى عليها مشاريع إصلاحية كبرى في مجالات الدعوة، والإدارة، والاجتماع، والسياسة.

 

وينبغي العناية بهذا الحديث بالشرح والتبليغ، وتنظيم دروسٍ ودوراتٍ متخصصةٍ فيه، لا سيما جمع كل الروايات الحديثية التي تتناول وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه عند وداعه إلى اليمن، وبيان قيمتها وأبعادها، حتى نستفيد منها بأكبر قدرٍ في تطوير منهجنا الدعوي والتربوي. ونسأل الله تعالى أن يرزقنا فقه هذا الحديث، وحسن العمل به، وأن يجعلنا ممن يسيرون على درب النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته ورحمته وعدله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عبر وفوائد من حديث أم زرع
  • ثلاث فوائد من حديث الرقية
  • فوائد من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه
  • فوائد من حديث "حق الله العباد"
  • فوائد من حديث: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة

مختارات من الشبكة

  • فوائد من فتل النبي صلى الله عليه وسلم لأذن ابن عباس رضي الله عنه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد من "نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس" لابن رجب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • 100 فائدة من فوائد حديث: ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد من حديث: (كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ويقيمون الصلاة: فوائد وفرائد (خمسة وأربعون فائدة)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فوائد من كتاب الفوائد (WORD)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد من بدائع الفوائد لابن القيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد من كتاب الفوائد للعلامة ابن القيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة لبنته السيدة فاطمة فوائد وحكم(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • صفحة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في صباه وشبابه فوائد وحكم(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب