صلاة التسابيح: دراسة حديثية فقهية

صلاة التسابيح: دراسة حديثية فقهية

1. مقدمة:

• صلاة التسابيح: هي صلاة نافلة تتكون من أربع ركعات، يؤدي فيها المصلي تسبيحات معينة في مواضع مخصوصة من الصلاة؛ سُميت بهذا الاسم لكثرة التسبيح فيها، حيث يصل عدد التسبيحات في الركعات الأربع إلى ثلاثمائة تسبيحة.

• يهدف هذا المقال إلى تقديم دراسة حديثية وفقهية مقارنة حول صلاة التسابيح، مع توضيح أقوال العلماء في صحة الحديث وكيفية العمل بها.

2. الأحاديث الواردة في صلاة التسابيح:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما:

• نص الحديث: عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: «يا عباس، يا عماه، ألا أعطيك، ألا أمنحك، ألا أحبوك، ألا أفعل لك عشر خصال، إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته؟ عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشرًا، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرًا، ثم تهوي ساجدًا فتقولها وأنت ساجد عشرًا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرًا، ثم تسجد فتقولها عشرًا، ثم ترفع رأسك فتقولها عشرًا، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة».

• تخريجه: أخرجه أبو داود (1297)، والترمذي (482)، وابن ماجه (1387)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 318)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 295).

• يجب التنبيه إلى أن هناك اختلافًا في ألفاظ الحديث بين هذه المصادر، وهو ما يستدعي دراسة مقارنة بين الروايات.

أحاديث أخرى:

• حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: ورد حديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه، يذكر فيه فضل صلاة التسابيح، ولكن هذا الحديث يعدُّ ضعيفًا جدًّا عند أهل الحديث.

• وردت بعض الروايات الأخرى التي تتحدث عن فضل صلاة التسابيح، ولكنها جميعًا ضعيفة السند، ولا يُعتد بها في الاستدلال.

• من أمثلة هذه الروايات: بعض الأحاديث التي تُروى عن بعض الصحابة، ولكنها لا تثبت من طريق صحيح.

• فالاعتماد في مسألة صلاة التسابيح على حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي اختلف العلماء في درجته.

• الأحاديث الأخرى التي وردت ضعيفة، ولا يُعتد بها في الاستدلال.

3. دراسة حديثية:

درجة الأحاديث:

• المصححون والمحسِّنون: أبو داود السجستاني، الترمذي، الحاكم النيسابوري، البيهقي، النووي، ابن حجر العسقلاني، الألباني.

إليك أقوال المصححين والمحسِّنين:

• ابن المبارك (ت: 181 هـ): استحب صلاة التسابيح.

• الإمام أبو داود (ت: 275 هـ): "ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا"؛ (سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب صلاة التسبيح، الجزء 2، الصفحة 29).

• الإمام الترمذي (ت: 279 هـ): قال: "وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة التسبيح غير حديث، ولا نعرف حديثًا أحسن من هذا، وقد استحب ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح، وذكروا فيها الفضل"؛ (سنن الترمذي، أبواب الوتر، باب ما جاء في صلاة التسبيح، الجزء 2، الصفحة 348).

• الإمام الدارقطني (ت: 385 هـ): ذكر أنها صلاة حسنة؛ (سنن الدارقطني، كتاب الصلاة، باب صلاة التسبيح، الجزء 2، الصفحة 125).

• الإمام الحاكم النيسابوري (ت: 405 هـ): صحح حديث صلاة التسابيح في "المستدرك على الصحيحين"؛ (المستدرك على الصحيحين، كتاب صلاة التطوع، الجزء 1، الصفحة 470).

• الحافظ المنذري (ت: 656 هـ): ذكر أن لها طرقًا كثيرة يقوي بعضها بعضًا؛ (الترغيب والترهيب، كتاب الصلاة، باب صلاة التسبيح، الجزء 1، الصفحة 470).

• الإمام النووي (ت: 676 هـ): ذكر أن لها طرقًا كثيرة يقوي بعضها بعضًا؛ (المجموع شرح المهذب، كتاب صلاة التطوع، باب صلاة التسبيح، الجزء 3، الصفحة 467).

• الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ): حسن الحديث في بعض كتبه؛ (نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار، الجزء 1، الصفحة 255).

• الحافظ السيوطي (ت: 911 هـ): نقل في "اللآلئ المصنوعة" تصحيح الحديث عن جماعة من الحفاظ، فقال: "وقال الحافظ صلاح الدين العلائي في "أجوبته على الأحاديث التي انتقدها السراج القزويني على المصابيح": حديث صلاة التسبيح حديث صحيح أو حسن ولا بد"؛ (اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، الجزء 2، الصفحة 27).

• الألباني (ت: 1420 هـ): حسن الحديث في "صلاة التراويح" (ص 124-126)، ولكنه تراجع عن تحسينه في "السلسلة الضعيفة" (5123) وقال: إنه شاذ منكر.

• دار الإفتاء المصرية: ذكرت أن صلاة التسابيح مستحبة، وأن حديثها حسن؛ (فتوى رقم 1548).

• المضعِّفون: الإمام أحمد بن حنبل، ابن الجوزي، ابن تيمية، ابن القيم، ابن باز، ابن عثيمين.

وإليك طرفًا من أقوالهم:

• الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ): قال: "لا يصح فيها عندي شيء"؛ (المغني لابن قدامة، الجزء 2، الصفحة 102).

• أبو زرعة الرازي (ت: 264 هـ)، وأبو حاتم الرازي (ت: 277 هـ): أوضحا أن الحديث غير صحيح وأنه باطل؛ (العلل لابن أبي حاتم، الجزء 1، الصفحة 350).

• الإمام ابن الجوزي (ت: 597 هـ): ذكرها في كتابه "الموضوعات"؛ (الموضوعات لابن الجوزي، الجزء 2، الصفحة 114).

• ابن تيمية (ت: 728 هـ): قال: "وأجود ما يُروى من هذه الصلوات حديث صلاة التسبيح، وقد رواه أبو داود، والترمذي، ومع هذا، فلم يقل به أحد من الأئمة الأربعة؛ بل أحمد ضعَّف الحديث، ولم يستحب هذه الصلوات... ومن تدبر الأصول علم أنه موضوع، وأمثال ذلك، فإنها كلها أحاديث موضوعة، مكذوبة، باتفاق أهل المعرفة"؛ (مجموع الفتاوى، الجزء 11، الصفحة 579).

• الشيخ ابن عثيمين (ت: 1421 هـ): "صلاة التسابيح غير مشروعة؛ وذلك لضعف حديثها"؛ (الشرح الممتع على زاد المستقنع، الجزء 4، الصفحة 52).

• اللجنة الدائمة للإفتاء: "صلاة التسابيح بدعة وحديثها ليس بثابت؛ بل هو منكر، وذكره بعض أهل العلم في الموضوعات"؛ (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الجزء 7، الصفحة 222).

• مناقشة أسباب اختلاف العلماء في درجة الحديث: يرجع اختلاف العلماء في درجة الحديث إلى الاختلاف في قواعد علم الحديث التي يعتمدها كل عالم.

4. دراسة فقهية مقارنة:

أقوال العلماء في العمل بصلاة التسابيح:

أولًا: الاستحباب:

• الشافعية:

يرى الشافعية استحباب صلاة التسابيح؛ (المجموع شرح المهذب، للنووي، كتاب صلاة التطوع، باب صلاة التسبيح، الجزء 3، الصفحة 467).

• الحنابلة:

قول عند الحنابلة بجوازها؛ (المغني لابن قدامة، الجزء 2، الصفحة 102).

• دار الإفتاء المصرية:

ذكرت دار الإفتاء المصرية أن صلاة التسابيح مستحبة، وأن حديثها حسن؛ (فتوى رقم 1548).

ثانيًا: الكارهون:

• المالكية:

يرى المالكية كراهة صلاة التسابيح؛ (حاشية الصاوي على الشرح الصغير لأحمد الدردير، الجزء 1، صفحة 383).

• الحنفية:

يرى الحنفية كراهة صلاة التسابيح؛ (رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين، الجزء 2، صفحة 27).

مناقشة أسباب اختلاف الفقهاء في العمل بها: يرجع اختلاف الفقهاء في العمل بها إلى اختلافهم في صحة الحديث، كما سبق في بيان درجة الحديث، وكذلك إلى اختلافهم في قواعد الفقه التي يعتمدونها.

إليك مناقشة اختلاف الفقهاء في قواعد الفقه التي يعتمدونها في مسألة صلاة التسابيح:

1. قاعدة "الأصل في العبادات التوقيف":

• يرى بعض الفقهاء- خاصةً من المالكية والحنفية- أن الأصل في العبادات هو التوقيف؛ أي: إنها لا تثبت إلا بنص صريح من القرآن أو السنة الصحيحة.

• وحيث إن حديث صلاة التسابيح مختلف فيه، فإنهم يرون عدم استحباب العمل بها؛ خشية الوقوع في البدعة.

أدلة هذه القاعدة:

• قوله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].

• قوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ»؛ (صحيح مسلم).

ينظر:

• (حاشية الصاوي على الشرح الصغير لأحمد الدردير، الجزء 1، صفحة 383).

• (رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين، الجزء 2، صفحة 27).

2. قاعدة "العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال":

• يرى بعض الفقهاء- خاصةً من الشافعية والحنابلة- جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، بشرط ألا يكون الحديث موضوعًا أو شديد الضعف.

• وبناءً على ذلك فإنهم يستحبون صلاة التسابيح، حتى وإن كان حديثها ضعيفًا عندهم؛ لأنها تشتمل على ذكر الله تعالى، وهو من فضائل الأعمال.

أدلة هذه القاعدة:

• استحباب بعض السلف للعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال.

• أن الحديث الضعيف لا يشتمل على حكم شرعي؛ وإنما يدل على فضل عمل معين.

ينظر:

• (المجموع شرح المهذب، للنووي، كتاب صلاة التطوع، باب صلاة التسبيح، الجزء 3، الصفحة 467).

• (المغني لابن قدامة، الجزء 2، الصفحة 102).

كيفية صلاة التسابيح:

• عدد الركعات: أربع ركعات.

• التسليم: يجوز بتسليمة واحدة أو بتسليمتين.

• القراءة: فاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة.

• التسبيحات: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".

مواضع التسبيح:

بعد القراءة وقبل الركوع (15 مرة)، في الركوع (10 مرات)، بعد الرفع من الركوع (10 مرات)، في السجود (10 مرات)، بين السجدتين (10 مرات)، في السجود الثاني (10 مرات)، بعد الرفع من السجود الثاني (10 مرات).

وقت صلاة التسابيح:

• لا يوجد وقت محدد، يجوز في أي وقت إلا أوقات النهي.

• يستحب في أوقات الفضل مثل العشر الأواخر من رمضان.

• أوقات النهي: بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، عند قيام الشمس في منتصف النهار حتى تزول، بعد العصر حتى تغرب الشمس.

5. الخلاصة:

• صلاة التسابيح هي صلاة نافلة اختلف العلماء في صحة حديثها والعمل بها اختلافًا كبيرًا.

• وعلى المسلم أن يتبع من يثق بعلمه، مع مراعاة الخلاف بين العلماء.