• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الحياة السعيدة (خطبة)

الحياة السعيدة (خطبة)
د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/4/2025 ميلادي - 28/10/1446 هجري

الزيارات: 5836

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحياة السعيدة


الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، المتفضل على عباده في كل وقت وحين، منَّ علينا بالمال والبنين، وجعل ذلك زينة الحياة الدنيا للمؤمنين، أحمده سبحانه وهو البر الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فاتَّقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظِّموا أمره ولا تعصوه، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

عبادَ الله، في رحابِ الأسرة الهادِئة والعائلةِ المتماسكة تنمو الخِلال الطيِّبة، وتستحكِم التقاليد الشريفةُ، ويتكوَّن الرجال الذين يُؤتَمنون على أعظمِ الأمانات، وتتربى النِّساء اللائي يقُمن على أعرق البيوت، ولا غَرْوَ أن يهتمَّ الإسلام بأحوال الأسرة، وأن يتعهَّد نماءَها بالوصايا التي تجعَل امتدادَها خيرًا ونِعمة.

 

وفي كتاب الله تعالى وفي سنّةِ رسوله صلى الله عليه وسلم أوامر مؤكِّدة بين أفراد الأسرة كلِّهم من والد ووالدةٍ وذي رَحِم قريبٍ أو بعيد تُزجِي مسيرةَ الأسرةِ نحو البناء والسعادة؛ إذ إنَّ العناية بسلامةِ الأسرة هي وحدها طريقُ الأمان للجماعة كلِّها، وهيهات أن يصلحَ مجتمعٌ رثَّت فيه حبالُ الأسرة أو وهَت روابطها.

 

وقد نوَّه القرآن الكريم بجَلالِ النِّعمة السارية في أوصال هذه القطعةِ من المجتمع الكبير، فقال سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾ [النحل: 72].

 

إنَّ الزوجين وما بينهما من علاقةٍ أو الوالدين وما يترعرَع في أحضانهما من بنين وبناتٍ لا يمثِّلان أنفسهما فحسب، بل يمثِّلان حاضرَ أمّةٍ ومستقبَلها؛ ومن ثمَّ فإنَّ الشيطان حين يفلِح في فكِّ روابط الأسرة لا يهدِم بيتًا واحدًا ولا يصنع شرًّا محدودًا، إنما يوقع الأمّة جمعاء في شرٍّ بعيد المدى.

 

وتأمَّل هذا الحديث لتعرفَ أنَّ فساد الأسرة قرَّةُ عين الشيطان: عن جابر رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ إبليسَ يضعُ عرشَه على الماءِ، ثم يبعثُ سراياه، فأدناهُم منهُ منزلةً أعظمُهم فتنة؛ يجيء أحدُهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، ثم يجيءُ أحدُهم فيقول: ما تَركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأتِه، فيُدنِيه منه ويقول: نِعْمَ أنت، فيلتزمه))؛ رواه مسلم.

 

أيُّها المسلمون، السَّكَنُ والطُّمَأْنينة في البيوت نعمةٌ لا يقدِّرها حقَّ قدرها إلا المشرَّدون الذين لا بيوتَ لهم ولا سكن ولا طمأنينة، والتذكير بالسكَن يمسُّ المشاعر الغافلة عن قيمةِ هذه النعمة.

 

نظرةُ الإسلام إلى البيت: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾ [النحل: 80].

 

هكذا يريد الإسلام البيت مكانًا للسكينة القلبية والاطمئنان النفسي، هكذا يريده مُريحًا تطمئنُّ إليه النفس وتسكن وتأمَن، سواء بكفايته المادِّية للسكنى والراحة، أو باطمئنان مَنْ فيه بعضهم لِبعض، وبسكَن مَن فيه كلّ إلى الآخَر، فليس البيتُ مكانًا للنزاع والشقاق والخِصام، إنما هو مَبيت وسكَن وأمن واطمئنان وسلام؛ ومِن ثمَّ يضمَن الإسلام للبيت حرمته ليضمن له أمنَه وسلامه واطمئنانه.

 

عبادَ الله، الأسرة هي المأوَى الطبيعيُّ لكلا الجنسين والمستقرُّ الوحيد الزكيُّ لعلاقتهما، والحاجة الجسدية عاملٌ فطري وعاطِفة مساعدة في تكوين الأسرة، أمَّا الأساس الكريم الراقي فهو الصُّحْبة القائمة على الودِّ والإيناس والتآلُف، وهذا الأساس هو الذي نوَّه القرآن الكريم به عندما ذكَر قصَّة الخليقة: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189]. وهذا السكنُ معناه الاستقرار واطمئنان المرء إلى أنه مع شَخص يزيد به ويستريح معه ويهدأ في كنفِه عند القلَق ويلتَمِس البشاشة معه عند الضيق.

 

وفَهمُ الزواج على أنه رِباط جسديٌّ وحسبٌ سقوطٌ في التفكير وسقوطٌ في الشعور، إنَّ الأمرَ أعلى من ذلك وأكبر، وتدبَّر معي قولَ الله عزّ وجلّ: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

 

إنَّ الناس قد تُشغِلهم تلك الصِّلةُ بين الرجل والمرأة، ولكنهم قلَّما يتذكرون يدَ الله التي خَلَقت لهم من أنفسِهم أزواجًا، وأودعت نفوسَهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلَت في تلك الصّلة سكنًا للنفس وراحةً للجسم والقلب واستقرارًا للحَياة والمعاش وأُنْسًا للأرواح والضمائِر واطمئنانًا للرجُل والمرأة على السواء، فيدركون حكمةَ الخالق سبحانه في خَلق كلٍّ منَ الجنسين على نحوٍ يجعله موافقًا للآخر ملبِّيًا لحاجاته الفطرية، يجِد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويجدان في اجتماعهما السكنَ والاكتفاء والمودَّة والرحمة حتى يحقِّقا الغايةَ العظمى: أن يتعاوَنا على طاعة الله حتى يَصِلا إلى الجنة.

 

إنَّ العلاقات بين الزوجين عميقةُ الجذور بعيدة الآماد، إنها تشبِه من القوَّة صلةَ المرء بنفسه؛ ومِن ثمَّ عُنِي الإسلام بالمحافظةِ عليها والارتفاعِ بجَوهرها وصيانة ظاهرها وباطنها، ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]، عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن أشرِّ الناسِ عندَ الله منزلةً يوم القيامة الرجُل يُفضِي إلى امرأتِه وتفضي إليه ثم ينشرُ سرَّها))؛ رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ ما يلهو به الرجلُ المسلمُ باطل إلا رَميَه بقوسِه وتأديبَه لفرسِه ومُلاعبَتهُ أهلَه، فإنهنَّ من الحقِّ))؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه. فانظر كيف عدَّ من الحق هذه الصلةَ الإنسانيةَ الخاصَّةَ بين الزوجين.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: ((الدُّنيا متاع، وخيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصَّالحةُ))؛ رواه مسلم.

 

وبهذا النُّصح أُفهِم الرّجلُ أنَّ من أفضل ما يستصحِبه في حياته ويستعين به على واجباتِه الزَّوجة اللطيفة العِشرة القويمة الخلق، أو التي وصفها في حديث آخر بقوله: ((التي تَسُرُّه إذا نظَر، وتطيعُه إذا أمَر، ولا تخالفُه في نفسِها ولا مالِه بما يكرَه))؛ رواه الترمذي.

 

إنَّ هذه الزوجةَ هي دِعامة البيت السعيد وركنه العتيد، وإنَّ رابطة هذه الأسرة تعلو في البقاء، فإذا انتهت هذه الدنيا وتركها أهلُها فرادى أو جماعات التَأَم شملُهم مرة أخرى هناك في الدار الآخرة ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ﴾ [الرعد: 23].

 

وفي سبيل جَمعِ الشمل يلتحِق الأبناءُ المقصِّرون بآبائهم المجدِّين ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الطور: 21].

 

وحُسْنُ الخلق في الأسرَة من أمارات الإيمان، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن أكملِ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا وألطفُهم بأهله))؛ رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: ((خيرُكمْ خيرُكمْ لأهلِه، وأنا خيرُكُم لأهلي))؛ رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح، وعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت: يا رسولَ الله، ما حقُّ زوجةِ أحدِنا عليه؟ قال: ((أنْ تطعمها إذا طعِمت، وتكسوها إذا اكتسيْت- أو: اكتسبت-، ولا تضرِب الوجْهَ ولا تُقبِّح، ولا تهجُر إلا في البيت))؛ رواه أبو داود.

 

عبادَ الله، ولما كانت نفقاتُ البيت من أهمِّ ما يواجه الزوجان ومن أشدِّ ما يُعنِت الرجلَ؛ لأنه هو الذي يحمل العِبء، وربما كان لاختلاف الآراء فيما يُجلَب ويترك أثر سيِّئ في نفسه وفي أهله، بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ النفقةَ التي لا بدَّ منها للبيت والتي يَسعَد البيت ببذلها ليسَت من المستهلَكات الضائعة، بل هي من الصدقات الباقية، فقال: ((دينارٌ أنفقته في سبيلِ الله، ودينارٌ أنفقتَه في رقَبة، ودينارٌ تصدَّقْت به على مِسكين، ودينارٌ أنفقْته على أهلِك، أعظمُها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلِك))؛ رواه مسلم.

 

وهذا الأمر الإلهي جاءَ بعدَ جُملةٍ من الأوامر التي توصِي بحسن الخُلُق وتمسك بعروة التقوى، وهي أوامر عُرِضت في سياق ما يمرُّ بالبيوت من منازعات وما يُخاف على حبالها من انقطاع، فبعد أن قال سبحانه: ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾ [الطلاق: 2]، قال سبحانه: ﴿ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].

 

إذًا عمادُ سعادة البيوت التقوى ثم التقوى ثم التقوى؛ وهذا يفسِّر لك أيضًا سرَّ افتتاح سورة النساء بالأمر بالتقوى.

 

البيتُ المسلم أمانةٌ يحمِلها الزوجان، وهما أساسُ بنيانه ودِعامة أركانه، وبهما يُحدِّد البَيتُ مسَارَه، فإذا استَقاما على منهجِ الله قولًا وعملًا وتزيَّنا بتقوَى الله ظاهرًا وباطنًا وتجمَّلا بحُسْنِ الخُلُق والسيرةِ الطيبة غدَا البيتُ مأوى النورِ وإشعاعَ الفضيلة، وسَطع في دنيا الناس ليصبح منطلَق بناءِ جِيلٍ صالح وصناعة مجتمعٍ كريمٍ وأمَّةٍ عظيمةٍ.


أيُّها الزوجان، بيتُكما قلعةٌ من قلاع هذا الدِّين، وكلٌّ منكما يَقِف على ثغرةٍ حتى لا ينفذَ إليها الأعداء. كلاكما حارسٌ للقلعة، وصاحبُ القوامةِ هو الزَّوج، وطاعتُهُ واجِبَة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته))، وقال: ((والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجها ومسؤولةٌ عن رعيَّتها))؛ متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه.

 

عبادَ الله، إنَّ البيتَ النبويَّ ومن فيه من أمهات المؤمِنين هو أسوة البيوت كلِّها على ظهرِ الأرض، فهو بيتٌ نبويٌّ ترفَّع على الرفاهيَّةِ والترَف، وداوم الذِّكرَ والتلاوة، رَسَم لحياته معالمَ واضحة، وضرَب لنفسهِ أروعَ الأمثلَة في حياةِ الزهد والقناعةِ والرضا.

 

خيَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نِساءَه دونَ إكراهٍ بعد أن أعَدَّهنَّ إعدادًا يؤهِّلهنَّ لحياةِ المثُل العُليا والميادين الخالدة. نَزَلت آية التخيير تُخيِّر زوجاتِ النبي صلى الله عليه وسلم بين الحياةِ الدنيا وزينتِها وبين الله ورسوله والدارِ الآخرة، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28، 29]، قالَت عائِشَةُ وكُلُّ زوجاتِه رضي الله عنهنَّ كلَّهن: نختَار الله ورسولَه والدارَ الآخرة؛ متفق عليه.

 

مِن سماتِ البيتِ المسلم تعاونُ أفراده على الطاعةِ والعبادة، فضَعْفُ إيمانِ الزوجة يقوِّيه الزوجُ، واعوجاج سلوك الزوجة يقوِّمه الزوج، تكاملٌ وتعاضُدٌ ونصيحة وتناصُر، قالت عائشة رضي الله عنها: كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي من اللَّيل، فإذا أوتَرَ قال: ((قُومي فأَوتِري يا عائِشة))؛ أخرجه مسلم.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: ((رَحِم الله رجلًا قام من الليل فصلَّى وأيقظ امرأتَه، فإن أبَت نضح في وجهِها الماء، ورحم الله امرأةً قامت من اللَّيل فصلَّت وأيقظَت زوجها، فإن أبى نَضَحَت في وجهِه الماء))؛ أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

 

يدلُّ الحَديثان على أنَّ لِكلٍّ من الرُّجل والمرأة دورًا في إصلاحِ صاحبه وحثِّه على طاعة الله عزّ وجلّ.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعَنا بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ؛ فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقّ المبين، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فليُعلَم أنه لن يهبَّ النسيم عليلًا داخل البيت على الدوام، إنَّ طبائع البشر تأبى هذا، فقد يعتكِر الجوُّ، وقد تثور الزوابِع، وارتقابُ الراحةِ الكاملة وَهم، وانتظارُ اللذَّة الخالصة في الدنيا عَجز، وقلَّما عاش إنسان على حالةٍ ثابتة من الرِّضا وانعدامِ العتاب، ومنَ العقل توطينُ النفس على تحمُّل بعضِ المضايقات وتَرك التعليق المرير عليها أو ترتيب النتائج الكبيرةِ لوقوعها.

 

ولما كان الرجلُ في نظرِ الإسلام هو ربُّ البيت ومالكُ زِمامه؛ فإنه مطالَب بتصبير نفسِه على ما لا يحبُّ أحيانًا.

 

نعم، مطالبٌ بإساغَة بعض التصرُّفات الساذجة، فإنَّ نُشدانه المثلَ الأعلى في بيته متعذِّر، ومجيء امرأته وفقَ آماله كلّها بعيد؛ لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسْتَوصُوا بالنّسَاء؛ فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلع، وإنَّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلعِ أعْلاه؛ فإن ذهبتَ تقيمه كسرتَه، وإنْ تركتَه لم يزلْ أعوج، فاسْتوصُوا بالنِّساءِ خيرًا))؛ متفق عليه.

 

وفي رواية عند مسلم: ((إنَّ المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلع، لَنْ تستقيمَ لك على طرِيقة؛ فإن اسْتمتَعْتَ بها استمْتعتَ بها وبها عِوَج، وإنْ ذهبتَ تقيمَهَا كسرتها، وكَسْرُها طلاقُها))، وهذا ما يكرهه الإسلام.

 

ومن الرذائل النفسية تحقير نِعمةِ الزوج وتقليل شكرِها، أو نسيان الرجل فضلَ المرأة وتضحيتها. إنَّ المرأة التي تبني سلوكَها على جَحدِ زوجها وكفرِ نعمته تخطُّ لنفسها طريقًا إلى النار، ونسيانُ الجميل شائعٌ في خلائق الناس رجالًا وإناثًا.

 

وقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم الجحودَ ذريعة لاستحقاق عذابِ الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أُرِيتُ النَّارَ فإذا أكثَرُ أهلِهَا النساء، يَكْفُرْنَ))، قِيلَ: أَيكْفُرْنَ بالله؟ قال: ((يَكْفُرْنَ العشِير، ويَكْفُرْنَ الإحْسَان، لو أحسنتَ إلى إحداهُنَّ الدَّهر ثم رأتْ منك شيئًا قالتْ: ما رأيتُ منك خيرًا قط))؛ رواه البخاري.

 

ألا وصلُّوا - عباد الله - على رسول الهدَى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلَّى عليه المتقون الأبرار، وعلى آله وصحبه المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين وتابعيهم وعنا معهم برحمتك يا عزيز يا غفار.

 

وارضَ اللَّهمَّ عن الخلفاءِ الأربعة الرَّاشدين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،

 

اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

 

اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأننا نراك.

 

اللهم اهدنا إلى السنن، وأعذنا من الفتن، وارزقنا الاقتداء بنبيِّك والاقتداء بسُنَّته والتمسُّك بها في هذا الزمن الذي سيطرت فيه الفتن.

 

اللهم أعِنَّا على التمسُّك بسُنَّة رسولك وحبيبك صلى الله عليه وسلم.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هُداةً مهتدين، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتَّقاك، واتَّبَع رضاك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أصلح حال المسلمين، اللهم أصلح حال المسلمين، اللهم أصلح حال المسلمين.

 

اللهم اجمع كلمتهم على الحق وردهم إلى دينك ردًّا جميلًا.

 

اللهم إنا نعوذ بك من جَهْد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.

 

اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت، رب كل شيء ومليكه، نعوذ بك من شرور أنفسنا، ومن شر الشيطان وشركه، وأن نقترف على أنفسنا سوءًا، أو نجرُّه إلى مسلم.

 

عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيم الحليم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الوسائل المفيدة في الحياة السعيدة
  • عودة إلى الحياة السعيدة
  • الفلبين: تنظيم برنامج ملتقى الحياة السعيدة للمعاقين
  • الإسلام طريق الحياة السعيدة

مختارات من الشبكة

  • خطبة عن الحياة الزوجية السعيدة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أصول الحياة الزوجية السعيدة من أدلة الكتاب والسنة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أسباب الحياة السعيدة(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • مقومات الحياة الأسرية السعيدة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسباب الحياة السعيدة(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الجهل فيروس الحياة الزوجية السعيدة(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • التغير في المفاهيم التربوية: التعليم مدى الحياة أم التعليم من أجل المساهمة في وظيفية الحياة؟!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خطبة: الحياة في سبيل الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عقبات الحياة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الخطوات المفيدة للحياة السعيدة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب