• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

خطبة: تحسين الصلة بالله تعالى

خطبة: تحسين الصلة بالله تعالى
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/4/2025 ميلادي - 15/10/1446 هجري

الزيارات: 12040

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحسين الصلة بالله تعالى

 

الْحَمْدُ لله، الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا لاَ مُنْتَهَى لِحَدِّهِ، وَلا حِسَابَ لِعَدَدِهِ، وَلا انْقِطَاعَ لأمَدِهِ، وَلاَ آخِرَ لِأبده، ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء:44].. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأرضُ أرضهُ، والخلقُ خلقهُ، والأمرُ أمرهُ، ونحن ملكهُ وعبيده، وكل ما بنا من نعمٍ فمن فضلهِ وجودِه.. ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء:83].. وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، بلغ العلا بكماله، كشف الـدجى بجماله، بهر الأُلى بمقاله، أسرَ العداء بـفـعاله، حسُنت جميعُ خِصاله، يا رب صلِّ عليه وآله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.. أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ وأخلِصوا للهِ تعالى نياتِكم تُفلِحُوا، والتزموا سنَّةَ نبيكم صلى الله عليه وسلم تهتدوا، وابتعدوا عن الآثام والمعاصي تسلموا.. واجتهدوا في الأعمال الصالحة تربحوا، واسعدوا غيركم تَسعَدُوا، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ﴾ [آل عمران:200]..

 

معاشر المؤمنين الكرام: ليس هناك علاقةٌ في حياة الانسانِ أهمَّ ولا أعظمَ من علاقته بربه جلّ وعلا، تلك العلاقةُ التي يُحققُ الإنسانُ بها هدفَ وجوده، ويرتقى بها أرفعَ درجاتِ مجدِهِ.. تلك العلاقةُ التي إن توثَّقت وقويت، طابت حياةُ العبدِ وصلحت، وكان مصيرها بتوفيق اللهِ الفوزَ العظيم بالنعيم المقيم، تأمّل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون ﴾ [النحل:97]..

 

ووالله يا عباد الله: لو مَلَكَ الإنسانُ من الامكانيات والماديات ما ملك، فستبقى روحهُ محتاجةٌ إلى قوةٍ عُليا تُسنِدُها، والى نورٍ صادقٍ يهديها، وإلى طُمأنينةٍ وسكينةٍ تُأَمّنُها، ولن يكون ذلك إلا في قوة الصّلةِ والارتباطِ بالله، ودوام الاعتصامِ والتّعلقِ به جلّ في علاه، وهذا ما تُثمرهُ العباداتُ والطاعاتُ بمختلف أنواعها، وهذا هو جوهرُ الدين؛ وأساسُ الإيمان، إنها صِلةُ الروحِ بربها، وقوةُ علاقتها بخالقها، وبقدر ما تقوى هذه الصلةُ يعيشُ الأنسانُ في سعادةٍ واستقامةٍ وهُدى.. ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم ﴾ [البقرة:255]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه:124].. فالعلاقةُ مع اللهِ جلّ وعلا هي أهمُّ ما يجبُ على العبد أن يهتمَّ بإصلاحها وتقويتها، فبصلاحها يصلحُ كلُّ شيء، ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون ﴾ [الأعراف:96]..

 

وحين يعلمُ المسلمُ أنَّ اللهَ جلَّ وعلا معهُ على الدّوام، وأنه عالمٌ بأحواله كلها، لا يخفى عليهِ منهُ خافية، إن تحركَ أبصره، وإن تكلمَ سمعه، وإن تحدثَ بينه وبين نفسه علمه، فهو سبحانه وبحمده: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور ﴾ [غافر:19].. ﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِين ﴾ [الأنعام:59]، ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير ﴾ [الحديد:4]، فحينما يوقنُ المؤمنُ بهذه الحقيقة الكبرى، فسيراقبُ ربهُ ويخشاه، ويلتزمُ بما يحبهُ اللهُ ويرضاه، وتلك هي التّقوى.. ففي صحيح مُسلم: قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إلى أَجْسَامِكُمْ ولا إلى صُوَرِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ".. وفي الحديث الصحيح: "التَّقْوَى هَاهُنا"، وأشارَ صلى الله عليه وسلم إلى صدره، وفي محكم التنزيل: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [المائدة:7]، فمهما تشعبت بك الحياة، وكثرت انشغالاتك، فلا تنسَ الاهتمامَ بعلاقتك مع الله، تعاهدها كأعظمِ شيءٍ تهتمُ به وتخافُ عليه، حافظ عليها كما تحافظُ على روحك وأشدّ؛ لأنك بها تُدرك كلُّ شيء، وبدونها أنت لا شيء.. فإيّاك أيّها الموفق، أن تُقدِّمَ على علاقتك مع الله شيئًا آخر، اجعلها هي حبلُك المتين، ورُكنُك الركين، وعُروتُك الوثقى، واحرص ألَّا تكونَ صِلتك به صِلةً مؤقتة، فتستقيمَ في المواسم فقط، أو عند الشدائدِ والأزمات فقط، ثم تنساهُ في حال الرخاء، فاللهُ دائمٌ وباقٍ، وليس لك غنىً عنهُ طرفةَ عين.. والمُسلِمُ الحقُّ يبقى على الدوام مُستمسكًا بإسلامه، مُلتزمًا بتعاليم شرعة، لا يُرِيدُ إِلاَّ مَا عِندَ اللهِ والدار الآخرة: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴾ [الإسراء:19]..

 

فمهما تعددت علاقاتك مع من حولك، فإن علاقتك بالله تعالى تبقى هي أساسُ كلِّ العلاقات، ‏وكل علاقةٍ مهما بلغت من المودة والأهمية، فلا بدَّ لها من انقطاع، فتنقطع بالموت أو بغيره، إلا علاقةُ المؤمنِ بربه وخالقه، فلا تنتهي أبدًا.. ‏العلاقةُ بالله هي العلاقةُ الوحيدةُ الباقيةُ والمستمرةُ والدائمة، ﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون ﴾ [النحل:96]، العلاقةُ بالله علاقةٌ صادقةٌ صافيةٌ لا تشوبها شائبة، علاقةٌ واضحةُ الملامحِ والأهدافِ والغايات.. ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم ﴾ [التوبة:111]، وقال سبحانه: ﴿ فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون ﴾ [الشورى:36].. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون ﴾ [البقرة:277].. فلنتق الله تعالى يا عباد الله، ولنعالج قلوبنا، فهي بأشدَّ الحاجةِ إلى المعالجة، ولنجاهدها في سبيل الله فهي بأمس الحاجةِ إلى المجاهدة.. ولنصلح ونحسِّن علاقتنا مع الله جلّ وعلا فهي الأهمُّ لنا من بين كل علاقتنا.. وهي العلاقة الباقية الدائمة في الدنيا والآخرة.. اعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر:29]..

 

أقول ما تسمعون....

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى..

 

أما بعد: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن:16]..

 

معاشر المؤمنين الكرام: اعلموا أن من أقوى علاماتِ حياةِ القلبِ وصلاحه، استشعارهُ الدائمُ لرقابة الله تعالى، وعلمهُ أنَّ الله بكل أحوالهِ عليمٌ خبير، وأنه لا تخفى عليه منهُ خافية، وهذا هو واعِظُ اللهِ في قلبِ المؤمنِ، يرغِّبهُ في الصالحاتِ، ويُحببهُ في الطاعاتِ، ويزجُرُه عن السيئاتِ، ويملأُ قلبهُ بالخشيةِ والإنابةِ والاخباتِ، قال تعالى: ﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴾ [ق:32]..

 

يقول الإمامُ ابن القيّم رحمه الله: أشرفُ ما في الإنسان قلبه، فهو العالمُ بالله السّاعي إليه، والمحبُّ له، وهو محلُّ الإيمانِ والعرفان، وهو المخاطبُ المبعوثُ إليه الرسل، المخصوصُ بأشرف العطايا من الإيمان والعقل، وإنما الجوارحُ أتباعُ للقلب.. فالاهتمامُ بإصلاح القلبِ أمرٌ في غاية الأهميةِ والخطورة، إذ هو أصلُ كلِّ صلاح، وما أُوتي كثيرٌ من الناس إلا من إهمال قلوبهم، وعدمِ الاهتمامِ بها.. في صحيح مُسلم قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله لا ينظرُ إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم"..

 

فلابد لهذه القلوبِ من تعاهُدٍ ومراعاة، وتغذيةٍ وإصلاحٍ ومداواة، وإلا فإنها مع الغفلةِ وقلةِ الذكرِ يضعُفُ إيمانها وتقسو وتتبلد، وبتواليِ الذنوب وتتابُعها تصدأُ ويعلُوها الرانُ وتفسد.. ومن ثمَّ فلا يزدادُ صاحبُها إلا بعدًا عن الله تعالى، وتوغلًا في الذنوب والمعاصي عياذًا بالله.. واعلموا يا عباد الله: أنهُ ما رقَّ قلبٌ لله عزَّ وجلَّ إلا كان صاحبهُ مُشمِّرًا في الطاعات، سباقًا إلى الخيرات، حريصًا على الواجبات، كثيرَ الذكرِ في الخلوات، مُبتعدًا عن المحرمات والشُبهات ومضيّعاتِ الأوقات، ومواطنِ الفتنِ والآفات.. قال ابنُ المبارك رحمه الله: رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ... وقد يورثُ الذلُّ إدمانَها... وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ... وخيرٌ لنفسِك عصيانُها..

 

وهناك آيةٌ في كتاب الله جلَّ وعلا، آيةٌ عظيمةٌ، ذاتُ وقعٍ شديد، وتأثير ٍكبير، وإذا أذنَ الله فوصلت إلى القلب القاسي، وتغلغلت في النفس الغافلة، فإنها بإذن الله تُحركُ الإيمانَ الراكد، وتهزُ الوجدانَ هزًا، فيحيَا القلبُ من بعد مَواتِه، ويُشِعُ إيمانًا من بعد ظُلماتِه، ويلينُ خُشوعًا من بعد قسوتِه، ويتغيرُ الإنسانُ بإذن الله إلى حالٍ أحسنَ وافضل.. إنها قولُ الحقَّ جلَّ وعلا: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد:16].. يكررها المؤمن مرارًا ويتدبرها.. فهي دعوةٌ من الله تبارك وتعالى لنا.. أن ننظرَ إلى قلوبنا، ونرى كيفَ هو خُضوعُنا واخباتُنا لخالقنا ومالِك أمرنا، ومَنْ إليه مَردُّنَا ومرجِعُنَا، فلقد حانَ الوقتُ وآنَ الأوانُ أن نخشعَ لذكر ربنا، وأن نخضعَ لأمرِ مولانا، وما جاءنا من زواجر القرآنِ ومواعظهِ، وأن يحاسِبَ كلُّ منا نفسهُ، ويستيقظَ من غفلته، ﴿ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ﴾ الزمان، واستحكمت عليهم الغفلة، وأطبقَ على قلوبهم الران؛ فاضمحلَ إيمانهم، وخبَا يقينُهم، ﴿ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾.. وهذا ليس مجردُ عتابٍ فقط، بل هو تحذيرٌ ووعيدٌ شديد، ألَّا يتأخرَ المؤمنُ في الاستجابةِ لأمر اللهِ ورسوله.. وفي الآية بيانٌ أنَّ ما يحصلُ من قسوةٍ للقلوب، وعدمِ استجابتها لعلَّام الغيوب؛ إنما هو فسوقٌ وتمردٌ عن طاعة اللهِ جلَّ وعلا.. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّ الإيمان ليَخْلَقُ في جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب، فاسألوا اللهَ أن يجدِّدَ الإيمان في قلوبكم"، صححه الألباني.. فلا بُدَّ إذن من تذكيرٍ دائمٍ لهذا القلب، حتى يخشعَ ويلينَ، ويفيضَ بالنور والإيمانِ ويستكين، وحتى يستيقظَ من الغفلة ويصحو، ولا يطولَ عليه العهدُ فيتبلدَ ويقسو..

 

وكما أن الله تعالى برحمته الواسعة يحيي الأرضَ بعد موتها، فتنبضُ بالحياة، وتربو بالنبت وتحيَا، وتُخرِجُ الزروعَ والثمار، فكذلك القلوب حين يشاءُ الله.. ومن ثمّ فلا يأسَ من رَوْحِ اللهِ ورحمته، ولا نفقدُ الأملَ في قلبٍ خبَا إيمانهُ وخمدَ، وطال عليه الأمدُ حتى قسا وتبلد.. فما أقربَ أن تدُبَّ فيه الحياةُ مرةً أخرى، وأن يَشِعَ فيه نُورُ الإيمان واليقين، فيخشعَ لذكر اللهِ ويلين.. فالله جلَّ جلاله يقول في الآية التي تليها مباشرة: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾، يقول الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [الحديد:17]، فهو سبحانه قادرٌ على أن يبعثَ الأجسام بعد تحلُّلِها، ويليِّنَ القلوبَ بعد قسْوتها، ويحيي الأرضَ بعد موتها.. ﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الحديد:17]..

 

فاتقوا الله عباد الله، واجتهدوا في إصلاح قلوبكم، وسلامة صدوركم، وخذوا بالأسباب التي تحيا بها قلوبكم وتلين، وتجنبوا الأسباب التي بها تقسو وتمرض، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر:18]..

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

 

اللهم صل على محمد...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تجديد الإيمان وتوثيق الصلة بالله تعالى (1)
  • تجديد الإيمان وتوثيق الصلة بالله تعالى (2)
  • تقوية الصلة بالله تعالى وآثارها النفسية
  • من الصفات الذاتية للداعية قوة الصلة بالله

مختارات من الشبكة

  • أنواع الخطابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة صلاة الكسوف(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم وزواجر من خطب البلغاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: عام مضى وعام أتى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف تكون خطبة الجمعة خطبة عظيمة ومؤثرة؟ (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الخطبة الأخيرة من رمضان (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة سلسلة خطب الدار الآخرة (13)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • خطبة سلسلة خطب الدار الآخرة (12)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • خطبة سلسلة خطب الدار الآخرة (10)(محاضرة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب