• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    موقف الشيعة من آيات الثناء على السابقين الأولين ...
    الدكتور سعد بن فلاح بن عبدالعزيز
  •  
    الحج: أسرار وثمرات (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل بعض أذكار الصباح والمساء
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    المال الحرام
    د. خالد النجار
  •  
    نصائح متنوعة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    قصة موسى عليه السلام (خطبة)
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    خطبة: لا تغتابوا المسلمين (باللغة البنغالية)
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    مفهوم المعجزة وأنواعها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (8)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشافي، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (11)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    شموع (107)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع
علامة باركود

أمك ثم أمك ثم أمك (خطبة)

أمك ثم أمك ثم أمك (خطبة)
د. محمد حرز

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/3/2025 ميلادي - 24/9/1446 هجري

الزيارات: 1909

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أمك ثم أمك، ثم أمك


الحمد لله الذي فرض على عباده الصيامَ، وجعله مُطهرًا لنفوسهم من الذنوب والآثام، الحمد لله الذي خلق الشهور والأعوام، والساعات والأيام، وفاوت بينها في الفضل والإكرام، وربك يخلق ما يشاء ويختار؛ الحمد لله القائل في محكم التنزيل: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، خيرُ من صلَّى وصام، وبكى من خشية ربه حين قام؛ القائل كما في حديث أبي هريرة: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضانُ إلى رمضان، مكفِّرات ما بينهن إذا اجتُنب الكبائر))، فاللهم صلِّ وسلم، وزِدْ وبارك على النبي المختار، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار، وسلِّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين؛ أما بعد معاشر المؤمنين:

فاتقوا الله حقَّ التقوى، فربكم أحق أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

عباد الله: (أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ)، عنوان وزارتنا وعنوان خطبتنا.

 

عناصر اللقاء:

أولًا: الأمُّ، وما أدراك ما الأم؟

ثانيًا: العقوق، وما أدراك ما العقوق؟

ثالثًا وأخيرًا: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

 

أيها السادة: بدايةً، ما أحوجنا في هذه الدقائق المعدودة إلى أن يكون حديثنا عن (أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ)! وخاصة أننا في شهر رمضان، شهر البر والإحسان، والحديث فيه عن الأمهات شيق وجميل، وخاصة أننا في شهر مارس يحتفلون بالأمهات بما يُسمَّى بعيد الأم، ونحن في ديننا نحتفل ونحتفي بالأمهات في كل وقت وحين، وهي حيَّة وهي ميتة، نُحسن إليها ونبَرُّها وندعو لها بالليل والنهار؛ فهي مصدر الهناء والسعادة، وهي سر الابتسامة، فلولاها - بعد الله والأب الرحيم - ما طابت الدنيا، وما طابت الحياة، وخاصة أن نفوس بني آدم جُبِلت على حبِّ مَن أحسن إليها، وليس أعظم إحسانًا وتفضُّلًا بعد الله تبارك وتعالى من الوالدين؛ لذا نجد في القرآن الكريم الربطَ المباشر بين بر الوالدين وعبادة الله إعلانًا لقيمة البر، وعلو قدره ومكانته عند الله؛ وذلك أن رابطة الأُبُوة والبنوة هي أول رابطة بعد رابطة الإيمان في القوة والرِّفعة، والأهمية والتأدب، خاصة أن دَين الناس يومًا سوف يُقضى، ودَين أبيك لن تَقوى عليه.

 

أولًا: الأم، وما أدراك ما الأم؟

أيها السادة: الأم وما أدراك ما الأم؟ الأم عطر يفوح شذاه، وعبير يسمو في علاه، الأم وما أدراك ما الأم؟ الأم هي قسيمة الحياة، وموطن الشكوى، وعتاد البيت، ومصدر الأنس، وأساس الهناء، يطيب الحديث بذِكراها، ويرقص القلب طربًا بلُقياها.

 

الأم وما أدراك ما الأم؟ الأم هي مصدر الحب غير المشروط، ومنبع العطاء غير المحدود، وهي ليست يومًا واحدًا، بل لها العمر وكل الأيام، إنها الأم التي وصى بها المولى جل جلاله، وجعل حقَّها فوق كل حق؛ قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، أمك ثم أمك، ثم أمك.

 

الأم، وما أدراك ما الأم؟ الأم وجودها حياة، ودعواتها نجاة، وأقدامها جَنَّة، وصَّى ببرها الرحمنُ، وتحت أقدامها الجِنان، البر بها مَفخرة الرجال، وأفضل الخِصال، كم حزنت لتفرح، وجاعت لتشبع، وبكت لتضحك، وسهِرت لتنام! إنها الأم؛ المخلوق الضعيف الذي يعطي ولا يطلب أجرًا، ويبذل ولا يأمل شكرًا، إنها الأم؛ حملتك في بطنها وهنًا على وهن؛ يقول البغوي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14]: "قال ابن عباس رضي الله عنهما: شدةً بعد شدة".

 

الأم وما أدراك ما الأم؟ الأم صاحبة القلب الرحيم، واللسان الرقيق، واليد الحانية، العيش في كنفها حياة، والبعد عنها أسًى وحرمان.

 

الأم وما أدراك ما الأم؟ الأمُ طوبى لمن خفض لها الجناح، وحرَص على خدمتها كلما غدا أو راح، وقابلها ببشاشة كل مساء وصباح، أيها الناس، من أراد عظيم الأجر والثواب، فليعلم أن الأم بابٌ من أبواب الجنة عريض، لا يُفرط فيه إلا من حرم نفسه، وبخس من الخير حظه، الأم وما أدراك ما الأم؟ الأم هي محل البر والإكرام، وهي رمز التضحية والفداء، والطُّهر والنقاء، وهي الأصل الذي يشرُف به الولد، وأحق الناس بصحبته، ويليها الأب في حق البر والصحبة؛ ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: ((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك)).

 

إنها الأم، يا من تريد مغفرةَ الذنوب وستر العيوب؛ روى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة؟ قال: هل لك من أمٍّ؟ قال: لا، قال: هل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبَرَّها))؛ فالخالة بمنزلة الأم.

 

الأم، وما أدراك ما الأم؟ الإحسان إليها سبب للبركة في الرزق وطول العمر؛ ففي الحديث المتفق على صحته يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سرَّه أن يُبسط له في رزقه، أو يُنسأ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَه))، وأعظم الصلة صلة الوالدين، وأتمُّ الإحسانِ، الإحسانُ إلى الأم.

 

الأم، وما أدراك ما الأم؟ إذا كنت سعيدًا في دنياك فهذا بسبب برك بأمك، وإن كنت تعيسًا في دنياك، فهذا بسبب عقوقك لأمك؛ فهي سبب دخولك الجِنان؛ فعن معاوية بن جاهمة: ((أن جاهمة السلميَّ رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: هل لك من أمٍّ؟ قال: نعم، قال: فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها)).

 

الأم، وما أدراك ما الأم؟ الأم مفخرة الرجال، وشِيمة الشرفاء، وخُلُقٌ من أخلاق الأنبياء؛ قال تعالى عن يحيى عليه السلام: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [مريم: 14]، وقال عيسى عليه السلام: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32]، وهذا سيد الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم يقول؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذِن لي)).

 

الأم، وما أدراك ما الأم؟ الأم أولى الناس بخفض الجناح، فهي الأم الضعيفة في خَلقِها، القوية في تحمُّلها، التي ذاقت أنواع الآلام مدة حملها، وقاست من الشدائد ما لا يعلمه إلا الله تعالى ساعةَ الوضع، ثم عانت الذي عانته بالإرضاع لمدة حولَين كاملين، التي أزالت الأذى والأوساخ عن وليدها بلا ملل ولا ضجر؛ قال جل وعلا: ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15]؛ يقول ابن كثير رحمه الله: "﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ﴾؛ أي: قاست بسببه في حال حمله مشقةً وتعبًا، من وحام وغشيان، وثِقلٍ وكرب، إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة، ﴿ وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ﴾؛ أي: بمشقة أيضًا من الطلق وشدته"؛ لذا أمرنا الله جل وعلا بخفض الجناح لها: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ [الإسراء: 24]، تخلَّق بالذل بين يديها بقولك وفعلك، لا تنادِها باسمها، بل نادِها بلفظ الأم؛ فهو أحب إلى قلبها، لا تجلس قبلها، ولا تمشِ أمامها، قابِلها بوجه طلقٍ، وابتسامة وبشاشة، تشرف بخدمتها، وتحسَّس حاجاتها، إن طلبت فبادر أمرها، وإن سقمت فقُمْ عند رأسها، أبهِج خاطرها بكثرة الدعاء لها، لا تفتأ أن تُدخل السرور على قلبها، قدِّم لها الهدية، وزُفَّ إليها البشائر، وإن كنت بعيدًا عنها، فأكْثِرْ من الاتصال بها، وأبْلِغْها بشوقك إلى لُقياها، ولا ترفع صوتك عليها وأنت تخاطبها.

 

الأم، وما أدراك ما الأم؟ الإحسان إليها سبب في تفريج الكربات، وتسهيل الأمور، وستر العيوب؛ ففي قصة أصحاب الغار الثلاثة، كان فيهم رجل بارٌّ بوالديه فقال: ((اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحتُ عليهم، حلبت، فبدأت بوالديَّ، فسقيتُهما قبل بَنيَّ، وأنه نأى بي ذات يوم الشجر، فلم آتِ حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحِلاب، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغَون عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنتَ تعلم أني فعلت ذلك ابتغاءَ وجهك، فافرج لنا منها فرجةً، نرى منها السماء، ففرج الله منها فرجةً، فرأوا منها السماء)).

 

الأم، وما أدراك ما الأم؟ الإحسان إليها سبب في إجابة الدعاء؛ ففي حديث عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر عن أويس القرني رحمه الله: ((له والدةٌ هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه، فإن استطعتَ أن يستغفر لك فافعل))، وتحصيل الخير بدعاء الوالدين: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات يُستجاب لهن، لا شكَّ فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده)).

 

الأم، وما أدراك ما الأم؟ الأم التي وصَّى بها المولى جل جلاله، وجعل حقَّها فوق كل حق إلا حقه، وجعل شكره سبحانه مقرونًا بشكرها: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، والإحسان إلى الأم سببٌ لقبول الأعمال؛ قال سبحانه عن عبده الشاكر لنعمته، البار بوالديه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [الأحقاف: 16]، وكيف لا؟ والله جل وعلا جعل الحق الثاني بعد حقه وحق حبيبه صلى الله عليه وسلم حقَّ الآباء؛ فقال ربنا: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]، فالبر بالآباء والأمهات من أحب الأعمال، وأعظم القُرُبات إلى علَّام الغيوب وسِتِّير العيوب، جل في علاه؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله))؛ [متفق عليه]، فيا من تريد رضا رب البريات، وتطلب جنةً عرضها الأرض والسماوات، دونك مفاتيحَها بإحسانك لأمك ورضاها عنك، وكيف لا؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين))، واعلم - أيها الحبيب - مهما كنت بارًّا بأمك، فلن تعطيها حقها، ولا بطلقة من طلقات الحَمْل؛ "فلقد رأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلًا يطوف بالكعبة حاملًا أمه على رقبته، فقال: يا بنَ عمر، أترى أني جزيتُها؟ قال: لا، ولا بطلقة واحدة، ولكنك أحسنت، والله يُثيبك على القليل كثيرًا"، بل "إن رجلًا أتى عمر رضي الله عنه فقال: إن لي أمًّا بلغ بها الكِبَرُ، وأنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها، وأصرف وجهي عنها، فهل أديت حقها؟ قال: لا، قال: إنها كانت تصنع ذلك بك، وهي تتمنى بقاءك، وأنت تتمنى فراقها"، وكيف لا؟ ومِن البر الإحسانُ إلى أهل أبيك وأمك، وصلة الرحم التي أمرنا الله بوصلها، وإكرام صديقهما، وكثرة الاستغفار لهما بعد موتهما؛ فعن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال: ((بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل من بني سلمةَ، فقال: يا رسول الله، هل بقِيَ من بر أبويَّ شيءٌ أبرَّهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاةُ عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلا بهما، وإكرام صديقهما))، وعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل لَتُرفع درجته في الجنة فيقول: أنَّى هذا؟ فيُقال: باستغفار ولدك لك))، بل من البر كما قال النبي المختار صلى الله عليه وسلم في حديث عبدالله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أبَرُّ البِرِّ أن يصِل الرجل ودَّ أبيه))، فطُوبى - أيها الأخيار - لمن كان بارًّا بأمه، وأحسن إليها قبل فوات الأوان.

 

ثانيًا: العقوق، وما أدراك ما العقوق؟

أيها السادة: عقوق الوالدين منتشر بصورة كبيرة في زماننا هذا؛ بسبب بُعْدِ الناس عن تعاليم دينهم، وغرَقهم في الماديات، واتباعهم لتقاليد الغرب وثقافته المنحرفة، ولتأثير الأصحاب والزوجة السيئة دور في كثير من عقوق الأبناء؛ فالصاحب ساحب، والزوجة إما أن تُعين زوجها على بر والديه أو الأخرى؛ ومن هنا رغَّب النبي عليه الصلاة والسلام في اختيار ذات الدين، وكيف لا؟ والعقوق من أكبر الكبائر يا سادة؛ فعن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألَا أُنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثًا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألَا وقولُ الزور، قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت))؛ [متفق عليه]، بل العاقُّ محرومٌ من دخول الجنة إلا إذا تاب وعاد إلى الله، وأحسن إلى الآباء والأمهات؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل الجنة عاقٌّ))؛ [رواه النسائي]، وعن وهب بن منبه قال: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: ((يا موسى، وَقِّر والديك؛ فإنه من وَقَّر والديه، مَدَدْتُ في عمره، ووهبت له ولدًا يبَرُّه، ومن عقَّ والديه، قصَّرت عمره، ووهبت له ولدًا يعُقُّه))؛ [البخاري في الأدب المفرد]، بل سُئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الإحسان فقال: "كثير لا أستطيع أن أصِفه، وسُئل عن العقوق فقال: لو خلع الابن ثوبه ونفضه، وطار الغبار على أبيه، كان هذا عقوقًا"، يا ربِّ سلِّم.

 

وسُئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أصحاب الأعراف: من هم؟ وما الأعراف؟ فقال: "أما الأعراف فهو جبل بين الجنة والنار، وإنما سُمِّيَ الأعراف؛ لأنه مُشرف على الجنة والنار، وعليه أشجار وثمار، وأنهار وعيون، وأما الرجال الذين يكونون عليه، فهم رجال خرجوا إلى الجهاد بغير رضا آبائهم وأمهاتهم، فقُتلوا في الجهاد، فمنعهم القتل في سبيل الله عن دخول النار، ومنعهم عقوق الوالدين عن دخول الجنة، فهم على الأعراف حتى يقضي الله بينهما".

 

وعقوق الأمهات سبب للعقوبة في الحياة وقبل الممات؛ يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنبٍ أجدرُ أن يعجِّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم))، فيا من عقَّ أمه، ويا من أتعبها وأبكاها، ويا من هجرها من أجل الدنيا، ومضت سنوات وهو لم يرَها، ولم يُقبِّل يدها، ويتشرف بخدمتها، وربما ماتت وهو لم يرَها من عشرات السنين، ما حُجَّتك عند الله؟ وما جوابك إذا سُئلت يوم القيامة عن تقصيرك وتفريطك تجاه أمك؟ استدركِ الحال، واستشعر قباحة الفِعال، تذكر أن وجود الأم في حياتك نعمة عظيمة، وأمنية تاقت لها صدور مكلومة، وبها تنال رضا الله تعالى؛ فرضا الله في رضا الوالدين، فعقوقها من الكبائر؛ ففي الحديث: ((ثلاثةٌ لا يقبل الله لهم صرفًا ولا عدلًا: عاق، ومنَّان، ومكذِّب بالقدر))؛ [رواه الطبراني]، وفي رواية: ((لا يدخل الجنة منَّان، ولا عاقٌّ والديه، ولا مدمنُ خمرٍ)).

أبت نفسي تتوب فما احتيالي
إذا برز العباد لذي الجلالِ
وقاموا من قبورهم سكارى
بأوزارٍ كأمثال الجبال
وقد مد الصراط لكي يجوزوا
فمنهم من يكب على الشمالِ
ومنهم من يسير لدار عدن
تلقَّاه العرائس بالغوالي
يقول له المهيمن يا وليِّي
غفرت لك الذنوب فلا تبالي

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ولا حمد إلا له، وبسم الله ولا يُستعان إلا به، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد:

فثالثًا وأخيرًا: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

أيها السادة: حقيقة متأصلة عند كل صاحب فطرة سليمة؛ فمن قابَل الإحسان بالإساءة، فذلك لئيم، وفعله قبيح مذموم عند العقلاء، وحينما يكون الإحسان عظيمًا متواصلًا تعظُم الإساءة وتشتد، ويكون صاحبها في مستنقع القبح غارقًا؛ وهذا هو حال عاق الوالدين!

 

أمك التي حملتك في بطنها تسعة أشهر؛ تعاني مشقة الحمل، وآلام الولادة، ثم أحاطتك بالحب والرعاية، والاهتمام والعناية؛ إذا مرضت فهي بجانبك ساهرة، وإذا بكيتَ بكت لبكائك، هي معك في طعامك وشرابك، وملبسك ونومك ومرضك، أيليق بهذا الإحسان العظيم أن يقابَل ولو بأدنى إساءة؟!

 

والدك الذي ربَّاك وتعب في تربيتك؛ كم أنفق عليك من أموال مذ كنت صغيرًا؟! ينفق بكل حبٍّ ورحمة، ويسعى لما يحقق راحتك، يقلق عليك، وبك يهتم، كم ظمِئَ لتشرب، وجاع لتأكل، واحتمل التعب لتضحك وتفرح! أيليق بهذا الإحسان العظيم أن يقابَل بسوء ولو بكلمة أو عبارة؟!

 

((صعِد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبرَ، فلما رَقِيَ عتبةً، قال: آمين، ثم رَقِيَ عتبةً أخرى، فقال: آمين، ثم رقي عتبةً ثالثةً، فقال: آمين، ثم قال: أتاني جبريل، فقال: يا محمدُ، من أدرك رمضان فلم يُغفر له، فأبعده الله، قلت: آمين، قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما، فدخل النار، فأبعده الله، قلت: آمين، فقال: ومن ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين))، يا ربِّ سلِّم.

 

ومن صور العقوق: التسبُّب في سبِّهما ولعنهما، وقد أوضح النبي عليه الصلاة والسلام ذلك حين قال: ((من الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: نعم، يسُبُّ أبا الرجل؛ فيسب أباه، ويسب أمه؛ فيسب أمه))؛ [متفق عليه]، ومن صور العقوق: أن يتخلى الأبناء عن والديهم عند الكِبَرِ حالَ الضعف، وهما في أشد الحاجة إلى العناية والرعاية والرحمة؛ ولذا وصَّى الله بهما، خاصةً وهما في هذه المرحلة من العمر؛ فقال تعالى: ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]؛ فالكلمة في هذه السن تؤذيهما أشد الإيذاء؛ فكيف بقبيح الأفعال، وسوء الخِصال، والتنكر للجميل؟! وفي المجتمعات الغربية الفاقدة للإيمان يرمي الأولاد آباءهم في دور رعاية العجزة والمسنين؛ للتخلص من أعبائهما، والقيام بشؤونهما، والعجيب أن يسري هذا الداء الخبيث عند بعض المسلمين ممن لا خَلَاق له، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله؛ وفي صحيح مسلم: ((رغِم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكِبَرِ - أحدهما، أو كليهما - ثم لم يدخل الجنة)).

 

فأين نحن في بر أمهاتنا، والعناية بهن، والقيام على خدمتهن من هذه الأحاديث والآثار العظيمة في حق الأم، وفضيلة برها؟! نعم؛ إنها الأم التي تُعطي ولا تطلب أجرًا، وتبذل ولا تأمُل شكرًا.

 

فطوبى لمن أحسن إلى أمِّه في كِبَرِها، طوبى لمن سعى في رضاها، فلم تخرج من الدنيا إلا وهي عنه راضية.

 

طوبى لمن كان برًّا بها بعد مماتهما؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسان، انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفَع به، أو ولد صالح يدعو له)).

 

فيا عباد الله، المحروم من حُرم حسن الخاتمة، المحروم من مات على عقوق لوالديه، ليس العيب أن نخطئ، ولكن العيب أن نستمر في الخطأ.

 

يا عباد الله، قولوا للعاق لوالديه: هل تريد أن تموت على خير أم على شرٍّ؟ وهل ترى العاق الذي مات على عقوق مات على خير؟

 

قولوا للعاق: لا تغترَّ بحِلْمِ الله تعالى عليك، فإنك مجزيٌّ على عقوقك في الدنيا قبل الآخرة، عرَف هذا من عرَف، وجهِل هذا من جهِل.

 

فالبِدارَ البِدارَ بالبر والإحسان، البدار البدار قبل فوات الأوان، باغتنام أيام الرحمات، أيام النفحات، أيام العتق من النيران.

 

نسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وصلاتنا وزكاتنا، إنه وليُّ ذلك ومولاه.

 

حفظ الله مصرَ قيادةً وشعبًا من كيد الكائدين، وشر الفاسدين، وحقد الحاقدين، ومكر الماكرين، واعتداء المعتدين، وإرجاف المُرجفين، وخيانة الخائنين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الله الله في الأم (خطبة)
  • الأم (خطبة) (باللغة الهندية)
  • إنها الأم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تأملات في قول النبي صلى الله عليه وسلم: أمك ثم أمك(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • الحضانة من المرتع المشبع(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل أحج عن أبي أولا أم عن أمي؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • تفسير: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث في بر الوالدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • محاضرات في علم المواريث (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة وعظية، ثم الآجرومية، ثم شرح الرحبية للمارديني(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/11/1446هـ - الساعة: 15:13
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب