• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    العشر من ذي الحجة وآفاق الروح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فضائل الأيام العشر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    أدلة الأحكام المتفق عليها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأنثى كالذكر في الأحكام الشرعية
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    الإنفاق في سبيل الله من صفات المتقين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    النهي عن أكل ما نسي المسلم تذكيته
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الحج: آداب وأخلاق (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    يصلح القصد في أصل الحكم وليس في وصفه أو نتيجته
    ياسر جابر الجمال
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أحكام المغالبات
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

السحاب الهتان في فضائل شهر شعبان (خطبة)

السحاب الهتان في فضائل شهر شعبان (خطبة)
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/2/2025 ميلادي - 16/8/1446 هجري

الزيارات: 1710

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

السحاب الهتان في فضائل شهر شعبان

 

الحمد لله أحقِّ من شُكر وأولى من حُمد، وأكرم من تفضَّل، وأرحم من قُصد، المعروف بالدليل وبالدليل عُبد، القديم لم يُولد ولم يلد، أحاط علمًا بالمعلومات وحواها، وأنشأ المخلوقات بالقدرة وبناها، وأظهر الحِكم في الموجودات إذ براها.

 

سبحانه، سبحانه! تعرف إلى خلقه بالبراهين الظاهرة، وأظهر في مصنوعاته العجائب الباهرة، وتفرَّد في ملكه بالقدرة القاهرة، ووعد المتقين الفوز في الآخرة.

 

تعالى جل في علاه أن يُشبه ما صنعه، وأن يُقاس بما جمعه، سبحانه لا وزير له ولا شريك معه، نادى موسى ليلة الطور فأسمعه.

 

أحمده حمدًا إذا قيل صعِد، وأُصلي وأسلم على رسوله محمد، خير مولود وُلد:

صلى الإله على النبي الهادي
وله جميع محبتي وودادي
إن الصلاة على النبي وسيلة
بثوابها أرجو بلوغ مرادي
وبها صلاح القلب بعد فساده
فلكم ببهجتها يلين فؤادي!
صلى عليك الله يا خير الورى
ما طار طير أو ترنَّم شادي

 

اللهم صلِّ عليه صلاةً دائمةً إلى منتهى الأبد، بلا انقطاع ولا نفاد، صلاةً تنجينـا بها من حر جهنم وبئس المهاد؛ أما بعد أيها المسلمون:

فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].

 

أيها الأحِبة الأكارم:

إن انقضاء رجب، وقدوم شعبان، وانصرام شهور وكرور أزمان؛ يناديان بلسان الإنذار، وعيان الاعتبار: ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: 39، 40].

 

أيها الموحدون، هذا شعبان ضاربًا بجرانه، نازلًا بمودة ربكم وإحسانه، تُصب عليكم من السماء بركاته، وتزكي أعمالكم أوقاته.

 

عن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال: ((ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوم يصومون رجبًا، فقال صلى الله عليه وسلم: فأين هم من شعبان؟ قال زيد: وكان أكثرَ صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رمضانَ شعبانُ))[1].

 

وقد كان من هديه صلوات ربي وسلامه عليه؛ أنه لم يكن يخرج عنه شهر صلى الله عليه وسلم حتى يصوم منه[2].

 

وفي حديث أسامة بن زيد، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الأيام، يسرد حتى يُقال: لا يُفطر، ويُفطر الأيام حتى لا يكاد أن يصوم إلا يومين من الجمعة، إن كانا في صيامه، وإلا صامهما، ولم يكن يصوم من شهر من الشهور ما يصوم من شعبان، فقلت: يا رسول الله، إنك تصوم لا تكاد أن تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صُمتَهما، قال: أي يومين؟ قال: قلت: يوم الاثنين، ويوم الخميس، قال: ذانك يومان تُعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، وأُحب أن يُعرض عملي وأنا صائم، قال: قلت: ولم أرَك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذاك شهر يغفُل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم))[3].

 

قال العلماء: ورفع الأعمال على ثلاث مراتب[4]:

المرتبة الأولى: رفع يوميٌّ؛ ويكون ذلك في صلاة الصبح وصلاة العصر؛ كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصلون، وأتيناهم وهم يصلون))[5].

 

المرتبة الثانية: رفع أسبوعي؛ ويكون في يوم الخميس؛ وذلك لما رواه الإمام أحمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أعمال بني آدم تُعرض كل خميس ليلة الجمعة، فلا يُقبل عمل قاطع رحم))[6].

 

الثالثة: رفع سنوي؛ ويكون ذلك في شهر شعبان؛ كما في حديث أسامة السابق: ((ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم))[7].

 

أيها المسلمون، وقد كان صلى الله عليه وسلم يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور؛ ففي الصحيحين عن عائشة، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يُفطر، ويُفطر حتى نقول: لا يصوم، وما استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر قط أكثر صيامًا منه في شعبان))[8].

 

وفي رواية: ((فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمَل حتى تملوا))[9].

 

وفي رواية النسائي عن عائشة رضي الله عنهما: ((كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه: شعبان، بل كان يصله برمضان))[10].

 

وفي حديث أم سلمة، قالت: ((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صام شهرًا تامًّا إلا شعبان، فإنه كان يصله برمضان ليكونا شهرين متتابعين))[11].

 

وعن أم سلمة، قالت: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا أنه كان يصل شعبان برمضان))[12].

 

فيا قلوب الصادقين تهيئي، ويا سواعد المُجدين شمِّري، ويا خيل نفوس الطالبين اركبي، ويا أرواح المخبتين نُوحي واسجعي، ويا أفئدة المُنيبين توثبي وتوجعي، ويا هِمم العارفين بغير الله لا تقنعي، يا قوافل المحبين بغير رضا المحبوب لا ترجعي، ويا جوارح المسوِّفين آن لك أن تكفِّي عن التواني وتُقلعي.

 

أيها المسلمون: وتظهر الحكمة من صيامه صلى الله عليه وسلم لشعبان - كما قال صلى الله عليه وسلم - أنه ((شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان))[13].

 

قال ابن رجب رحمه الله: "يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان؛ الشهر الحرام وشهر الصيام، اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولًا عنه، وقد يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان، لأنه شهر حرام، وليس الأمر كذلك"[14].

 

وفي قوله: ((يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان))، دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة، ويقولون: هي ساعة غفلة.

 

ولذلك فُضِّل القيام في وسط الليل؛ لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر؛ ففي حديث عمرو بن عنبسة: فقلت: يا رسول الله، فهل من دعوة أقرب من أخرى، أو ساعة؟ قال: ((نعم، إن أقرب ما يكون الرب من العبد جوف الليل الآخِر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة، فكُنْ))[15].

 

وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بذكر الله في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر له.

 

قال ابن الجوزي رحمه الله: "واعلم أن الأوقات التي يغفل الناس عنها معظَّمة القدر؛ لاشتغال الناس بالعادات والشهوات، فإذا ثابر عليها طالب الفضل، دلَّ على حرصه على الخير، ولهذا فُضِّل شهود الفجر في جماعة؛ لغفلة كثير من الناس عن ذلك الوقت، وفُضِّل ما بين العشاءين، وفُضِّل قيام نصف الليل ووقت السَّحر"[16].

 

فيا لله! كم ستر الصادقون أحوالهم وريح الصدق ينم عنهم!

 

ريح الصيام أطيب من ريح المسك، تستنشقه قلوب المؤمنين وإن خفِيَ، وكلما طالت عليه المدة ازدادت قوة ريحه:

وكاتم الحب يوم البين منهتك
وصاحب الدمع لا تخفى سرائره

 

قال يوسف بن أسباط: "أوحى الله إلى نبي من الأنبياء: قل لقومك يخفون لي أعمالهم، وعليَّ إظهارها لهم"[17].

 

"ما أسر عبدٌ سريرةً إلا ألبسه الله رداءها، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر"[18].

 

ومن حِكم صيام شعبان: أنه أشق على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس، وسبب ذلك: أن النفوس تتأسى بما تشاهد من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثُر أهل الطاعة؛ لكثرة المقتدين بهم، فسهُلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها، تأسى بهم عموم الناس، فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم؛ لقلة من يقتدون بهم فيها[19]؛ ولهذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((للعامل منهم يومئذٍ بسُنتي أجر خمسين، قلنا: يا رسول الله، منهم؟ قال: أجر خمسين منكم))[20].

 

وعن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العبادة في الهَرْجِ كهجرة إليَّ))[21] وفي لفظ: ((العمل – أو العبادة - في الفتنة كالهجرة إليَّ))[22].

 

وسبب ذلك: أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيهًا بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه، ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مؤمنًا به، متبعًا لأوامره، مجتنبًا لنواهيه[23].

 

ومن الحِكم: أن المنفرد بالطاعة بين أهل المعاصي والغفلة، قد يدفع البلاء عن الناس كلهم، فكأنه يحميهم ويدافع عنهم؛ وفي حديث ابن عمر الذي رويناه في جزء ابن عرفة مرفوعًا: ((ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل في الفارين))[24].

 

قال بعض السلف: ذاكر الله في الغافلين كمثل الذي يحمي الفئة المنهزمة، ولولا من يذكر الله في غفلة الناس، لهلك الناس[25].

 

رأى جماعة من المتقدمين في منامهم كأن ملائكةً نزلت إلى بلاد شتى، فقال بعضهم لبعض: اخسفوا بهذه القرية، فقال بعضهم: كيف نخسف بها وفلان قائم يصلي؟! ورأى بعض المتقدمين في منامه من ينشد، ويقول[26]:

لولا الذين لهم وِرد يصلونا
وآخرون لهم سرد يصومونا
لدكدكت أرضكم من تحتكم سَحرًا
لأنكم قوم سوء ما تطيعونا

 

وفي مسند أبي يعلى عن أبي هريرة مرفوعًا: ((مهلًا عن الله مهلًا؛ لولا شباب خُشَّع وشيوخ رُكَّع، وأطفال رُضَّع وبهائم رُتَّع، لصُب عليكم العذاب صبًّا))[27].

 

ولبعضهم في المعنى:

لولا عباد للإله ركع
وصبية من اليتامى رضع
ومهملات في الفلاة رتع
صُب عليكم العذاب الموجع

 

وقد قيل في تأويل قوله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ [البقرة: 251]: إنه يدخل فيها دفعه عن العصاة بأهل الطاعة[28].

 

وجاء في الآثار: إن الله يدفع بالرجل الصالح عن أهله وولده وذريته ومن حوله[29].

 

وفي بعض الآثار يقول الله عز وجل: "أحب العباد إليَّ المتحابون بجلالي، المشَّاؤون في الأرض بالنصيحة، الماشون على أقدامهم إلى الجمعات"، وفي رواية: "المتعلقة قلوبهم بالمساجد، والمستغفرون بالأسحار، فإذا أردت إنزال عذاب بأهل الأرض، فنظرت إليهم، صرفت العذاب عن الناس"[30].

 

وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر: إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته؛ فيدخل في رمضان بقوة ونشاط.

 

وقال سلمة بن كهيل: "كان يُقال: شهر شعبان شهر القرَّاء".


وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته، وتفرغ لقراءة القرآن.

 

قالت لؤلؤة مولاة عمار: "كان عمار يتهيأ لصوم شعبان كما يتهيأ لصوم رمضان"[31].

 

وقد قيل: "تُقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل ينكح، ويُولد له، وقد خرج اسمه في الموتى"[32].

 

فيا أيها الغافل، تنبه لرحيلك ومسراك، واحذر أن تُسلب على موافقة هواك.

قد آن بعد ظلام الجهل إبصاري
الشيب صبحٌ يناجيني بإسفارِ
ليل الشباب قصير فاسرِ مبتدرًا
إن الصباح قصارى المُدلج الساري
كم اغتراري بالدنيا وزخرفها
أبني بناها على جرف لها هاري
دارٌ مآثمها تبقى ولذتها
تفنى ألَا قبحت هاتيك من دارِ

 

فيا من فرط في الأوقات الشريفة وضيَّعها، وأودعها الأعمال السيئة، وبئس ما استودعها[33]:

مضى رجب وما أحسنت فيه
وهذا شهر شعبان المبارك
فيا من ضيع الأوقات جهلًا
بحرمتها أفِق واحذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قسرًا
ويخلي الموت كرهًا منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا
بتوبة مخلصٍ واجعل مدارك
على طلب السلامة من جحيم
فخير ذوي الجرائم من تدارك

 

فيا أيها الغافل، تنبه لرحيلك ومسراك، واحذر أن تستلب على موافقة هواك، انتقل إلى الصلاح قبل أن تُنقل، وحاسب نفسك على ما تقول وتفعل، ولا تغفل عن التدارك، الله الله لا تفعل[34].

 

قال أبو الربيع الواسطي: "قلت لداود الطائي: أوصني، فقال: صُم عن الدنيا، واجعل فطرك الموت، وفرَّ من الناس كفرارك من الأسد"[35].

 

عن ابن مسعود: "ما أصبح اليوم أحد من الناس إلا وهو ضيف، وماله عارية، فالضيف مرتحل والعارية مؤدَّاة"[36].

 

إذا كانت الأنفاس بالعدد، ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفد، ﴿ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ﴾ [مريم: 84][37]:

كم من وعيد يخرق الآذانا
كأنما يُعنى به سوانا
أصمَّنا الإهمال بل أعمانا؟!

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [فاطر: 5].

 

يا كثير السيئات غدًا ترى عملك، يا هاتك الحرمات إلى متى تُديم زللك؟![38]

إلى الله تُب قبل انقضاء من العمر
أُخَي ولا تأمن مساورة الدهرِ
فقد حدثتك الحادثات نزولها
ونادتك إلا أن سمعك ذو وقرِ
تنوح وتبكي للأحبة إن مضوا
ونفسك لا تبكي وأنت على الإثرِ

 

﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وحماني وإياكم من الزلل في الأقوال والأفعال؛ إنه جواد كريم، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله؛ إنه هو الغفور التواب الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا دائمًا مع خلوده، والحمد لله حمدًا دائمًا لا منتهى له دون مشيئته، والحمد لله حمدًا دائمًا لا يوالى قائله إلا رضاه، والحمد لله حمدًا دائمًا كل طرفة عين ونَفَسِ نَفْسٍ.

 

وصلاةً وسلامًا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أولي الفضل العميم، صلاة وسلامًا دائمين، يضيء نورهما جنح الليل البهيم:

هو سيد الرسل الكرام محمد
أوحى المهيمن بالكتاب إليه
يا قوم هذي جمعة فيها الرضا
فلتعمروها بالصلاة عليه

 

أما بعد عباد الله:

فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لَيطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مُشاحن))[39].

 

وعن أبي ثعلبة الخشني، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا كان ليلة النصف من شعبان اطَّلع الله إلى خلقه، فيغفر للمؤمنين ويُملي للكافرين، ويدَع أهل الحقد بحقدهم حتى يدَعوه))[40].

 

أيها المسلمون، إن ليلتكم هذه ليلة النصف، عظيمة القدر وعجيبة الوصف، يطلع الله فيها على العباد، فيغفر لهم ما خلا أهل العناد.

 

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27].

 

عبدالله:

ليس يصفو الإيمان إلا بإلَّا
فالتمس في السجود روحًا وظلا

يا أيها المسلمون، لنا رب كريم، يبدأ بالنَّوال قبل السؤال، لا يرد طلب سائل، ولا سؤال طالب، وابل رحماته هاطل، وفيض غفرانه غامر، يده ملأى، وهِباته جزلى، خيره يسبق رجاءنا، وعطاؤه يفوق مسألتنا، وبحر جوده يروي كل من يرِد.

 

فاللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها أمرنا، وتلُم بها شعثنا، وترفع بها شاهدنا، وتحفظ بها غائبنا، وتُلهمنا بها رشدنا، وتعصمنا بها من كل سوء.

 

اللهم إنا نسألك رحمةً من عندك ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة.


اللهم آنِس وحشتنا بفواتح رحمتك، ومكِّن لحاجاتنا سلطان قدرتك، واملأ سقاء الآمال بقضائها، واعضُد عيشنا عن الهموم بجلائها.



[1] مصنف عبدالرزاق، كتاب الصيام، باب: صيام أشهر الحرم (7858).

[2] زاد المعاد (2/ 61).

[3] مسند أحمد (21753)، والنسائي، كتاب الصيام، باب صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك (4/ 2357).

[4] ينظر: عون المعبود وحاشية ابن القيم (12/ 313).

[5] البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر (567)، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر (632).

[6] مسند أحمد (10272)، شعب الإيمان، للبيهقي (7595).

[7] أحمد (21753)، النسائي (2357).

[8] مسند أحمد (24757)، البخاري، كتاب الصيام، باب: صوم شعبان (1969)، ومسلم، كتاب الصيام، باب: صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان، واستحباب ألا يخلي شهرًا عن صوم (1156).

[9] البخاري، كتاب الصيام، باب: صوم شعبان (1970).

[10] النسائي، كتاب الصيام، باب صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك (2350) وقال الألباني: صحيح.

[11] مسند الدارمي، كتاب الصيام، باب في وصال شعبان برمضان (1762)، المنتخب من مسند عبد بن حميد (1536).

[12] أحمد (26562)، وأبو داود، كتاب الصيام، باب فيمن يصل شعبان برمضان (2336)، الترمذي، كتاب الصيام، بابما جاء في وصال شعبان برمضان (736)، النسائي، كتاب الصيام، باب ذكر حديث أبي سلمة في ذلك (2175)، البيهقي في الكبرى (7965).

[13] أحمد (21753)، النسائي، باب صوم النبي صلى الله عليه وسلم (2357)، سنن البيهقي (3540).

[14] لطائف المعارف لابن رجب (1/ 130).

[15] أحمد (19454)، الترمذي، أبواب الدعوات (3579)، السنن الكبرى للنسائي، باب ذكر الساعات التي نهي عن الصلاة فيها (1556)، ابن ماجه (1251)، ابن خزيمة (1147)، المستدرك (1163).

[16] التبصرة، لابن الجوزي (2/ 47).

[17] لطائف المعارف، لابن رجب (162).

[18] الطبراني في الكبير (1702)، والأوسط (7906)، الأمالي الشجرية (2554).

[19] لطائف المعارف (1/ 132-133).

[20] رواه الترمذي (3058)، بلفظ: ((إن من ورائكم أيامًا الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للمتمسك فيهن يومئذٍ بما أنتم عليه أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم، فقالوا: يا رسول الله، أجر خمسين رجلًا منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم))؛ [قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3172): صحيح لغيره].

[21] مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب فضل العبادة في الهرج (2948).

[22] أحمد (20311)، ابن أبي شيبة (38454).

[23] لطائف المعارف (1/ 132).

[24] مسند البزار (1/ 132)، الترغيب والترهيب للمنذري (2/ 337).

[25] لطائف المعارف (1/ 133)، سير السلف الصالحين، للأصبهاني (3/ 860).

[26] لطائف المعارف (1/ 133).

[27] مسند أبي يعلى (6633) المعجم الأوسط للطبراني (7085)، السنن الكبرى، للبيهقي (6390).

[28] ينظر: تفسير ابن رجب (1/ 191).

[29] ينظر: فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، للفيومي (10/ 605).

[30] ينظر: تفسير ابن رجب (1/ 191).

[31] التبصرة (2/ 48).

[32] لطائف المعارف (1/ 134-135).

[33] رواه الطبري في تفسيره (25/ 109)، والبيهقي في شعبه (3839)، عن المغيرة بن الأخنس، مرسلًا.

[34] التبصرة (2/ 48).

[35] تاريخ بغداد (9/ 311).

[36] مصنف ابن أبي شيبة (34557).

[37] مدارك التنزيل وحقائق التأويل، للنسفي (2/ 352).

[38] التبصرة، لابن الجوزي (1/ 81).

[39] ابن ماجه، باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان (1390)، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (1144): حسن.

[40] رواه البيهقي في شعب الإيمان (3551)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (771).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • برنامج (حسنات ونقاط) لشهر شعبان
  • أحكام تتعلق بشهر شعبان
  • أحاديث شهر شعبان
  • البيان لما جاء من أحكام في شهر شعبان
  • شهر شعبان وما فيه من فوائد وأحداث
  • المختصر المفيد من فضائل شهر شعبان وأحكامه

مختارات من الشبكة

  • السحاب في القرآن(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)
  • السحاب الركامي في علم الأرصاد(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)
  • من فضائل النبي: طاعة السحاب له صلى الله عليه وسلم، وتسبيح الحصى بين يديه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ذكرياتي في السودان (1) مشهد النيل من فوق السحاب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تفسير: (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هدي النبي عليه السلام عند تراكم السحاب وهبوب الريح(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • استشهاد جبل السحاب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تفسير: هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السحاب (عرض تقديمي)(كتاب - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)
  • الإعجاز القرآني في وصف السحاب الركامي(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 30/11/1446هـ - الساعة: 16:9
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب