• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أحكام المغالبات
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    تفسير: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: الاستطابة
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    ثمرات الإيمان بالقدر
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    العشر وصلت... مستعد للتغيير؟
    محمد أبو عطية
  •  
    قصة موسى وملك الموت (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشاكر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (12)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

{ليقطع طرفا من الذين كفروا}

{ليقطع طرفا من الذين كفروا}
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/1/2025 ميلادي - 22/7/1446 هجري

الزيارات: 560

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾

 

يقول تعالى في سورة آل عمران: ﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ * لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 127 - 129].

 

﴿ لِيَقْطَعَ ﴾ [آل عمران: 127] أي: يُهلك وينقص، واللام هنا للتعليل، وفيه إثبات الحكمة الله عز وجل في أفعاله وتشريعاته؛ وذلك لأن التعليل هو الحكمة.

 

﴿ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [آل عمران: 127] الطرف: الطائفة، والتنكير للتفخيم، فعل ذلك ليُهلك طائفة من جيش العدو، فأهلك من المشركين سبعين يوم بدر، واثني وعشرين رجلًا يوم أُحُد، وكان قتلى المشركين يوم بدر سادة قريش، وأئمة الشرك، وحسبك بأبي جهل ابن هشام.

 

وطرف الشيء هو منتهاه من أسفل أو من أعلى، والمراد الطرف الذي يلي المسلمين؛ وذلك لأن المسلمين مطالَبون بقتال من يليهم من الكفار حتى يفتحوا بلاد الكفار بلدًا بلدًا؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 123].

 

فأمركم بالجهاد والجِلاد، لِما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير، ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار:

ليقطع طرفًا من الذين كفروا، وليس كل الذين كفروا؛ لأن من حكمة الله أن يبقى الإيمان والكفر متصارعين دائمًا؛ حتى يتبين المؤمن الخالص من غيره.

 

﴿ أَوْ يَكْبِتَهُمْ ﴾ [آل عمران: 127] يُخزيهم ويُذلهم، وإن لم يحصل فيهم قتل، إذ أُسِرَ منهم سبعون يوم بدر.

 

والمكبوت: المحزون، وأصله فيما ذكر بعض أهل اللغة "يكبدهم"؛ أي: يصيبهم بالحزن والغيظ في أكبادهم، فأُبدلت الدال تاء، من كبته بمعنى كبَده: إذا ضرب كبده بالغيظ والحُرقة، والعرب تتخيل الغمَّ والحزن مقره الكبد، وقيل: هو وهن يقع في القلب.

 

﴿ فَيَنْقَلِبُوا ﴾ [آل عمران: 127] يعودوا ﴿ خَائِبِينَ ﴾ [آل عمران: 127] الخائب: المنقطع الأمل، خاب يخيب: إذا لم يَنَلْ ما طلب، والخيَّاب: القِدح لا يُورِي؛ أي: رجعوا إلى ديارهم منقطعي الآمال غير فائزين من مبتغاهم بشيء، ولم يُحرزوا النصر الذي أمَلوه؛ كما حدث يوم الأحزاب: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ﴾ [الأحزاب: 25].

 

قال في «زهرة التفاسير»: "في هذا النص الكريم بيان لثمرات نصر الله تعالى، وفيه يتبين أن نصر الله لعبادة المؤمنين ينتهي إلى غايات؛ منها:

أن يقطع طرفًا من الذين كفروا، وفسر العلماء ذلك بأن يُقتَل فريق منهم ويُؤسَر فريق، فإن ذلك قطع لهم، وعندي أن قطع طرف من الذين كفروا يتحقق بذلك، ويتحقق بما هو أقوى منه، وهو أن تنقص عليهم الأرض من أطرافها، ويُستولَى على جزء من أرضهم؛ حتى يتحقق قوله تعالى: ﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ [الأحزاب: 27].

 

ومن غايات النصر ونتائجه أن يكبت الله تعالى الذين كفروا بسبب كفرهم، والكبت يطلق بعدة معانٍ، فيُراد به الرد العنيف، ويُراد به شدة الغيظ، وقيل: إن أصله الكبد؛ أي: إصابة الكبد وتقريحه بالغيظ الشديد، ويُطلق ويُراد به الخزي، والمعنى أن من غايات نصر الله تعالى للمؤمنين أن يُصاب الذين كفروا بالغيظ الشديد والخزي والألم النفسي، حتى يخبو صوت الكفر، ويعلو صوت الإيمان، ويُصيب الذين أجرموا صَغارٌ عند الله وعند الناس.

 

وفي التعبير عن العودة بالانقلاب إشارة إلى أن مقاصدهم قد انقلبت، فقد أرادوا اقتلاع الإسلام فما وهن المسلمون، وأرادوا أن يُطفئوا النور فما انطفأ، فالانقلاب عودة من غير تحقق المقاصد، وفي هذا إشارة إلى أن الجراحات التي أصابت المؤمنين لم تكن نصرًا للكافرين، بل قد كانت ثمرة النصر للمؤمنين؛ إذ قد انقلب الكفار خائبين: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25]".

 

﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 128] اعتراضًا لئلا يغفُلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى لنفسه تأثيرًا في بعض هذه الأمور، فيحتجب عن التوحيد؛ أي: ليس لك من أمرهم شيء، كيفما كان، ما أنت إلا بَشَرٌ مأمور بالإنذار، إن عليك إلا البلاغ، إنما أمرهم إلى الله - أفاده القاشاني - وفي الاعتراض تخفيف من حزنه صلى الله عليه وسلم لكفرهم، وحرصه على هداهم؛ كما قال: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 272].

 

يعني: الأمر الكوني، أما الأمر الشرعي، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام له منه شيء؛ لقوله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، أما الأمر الكوني فلا، والأمر هو الشأن، والمراد هنا توبة الله على الكافرين أو تعذيبهم.

 

وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك شيئًا من الأمر الكوني، والآية ردٌّ على الذين يتعلقون بالرسول عليه الصلاة والسلام في الدعاء والاستعانة به، والاستغاثة به، حتى بعد موته، فتجدهم عند قبره الشريف يدعون الرسول عليه الصلاة والسلام صراحة، بل إنهم عند الدعاء ولو كانوا بعيدين يتجهون إلى القبر لا إلى القِبلة.

 

وتخصيص النفي برسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق تلوين الخطاب للدلالة على الانتفاء من غيره بالطريق الأولى.

 

﴿ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 128] شيء نكرة متوغلة في الإبهام، وأصل الشيء: ما يُعلَم ويُخبَر به، فالأمر كله إلى الله.

 

وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مكلَّف، يأمره الله سبحانه وتعالى وينهاه، وعليه فيكون في هذا إبطال لدعوى من يقولون: إن الإنسان إذا وصل إلى حالة معينة من العبودية، سقطت عنه التكاليف، وهذا قول طائفة من الصوفية الذين يقولون: إن الإنسان يترقى في اليقين، حتى إذا وصل إلى الدرجة العليا، سقط عنه التكليف، وصار كل شيء حرامٍ حلالًا له، وكل شيء واجب ليس بواجب عليه، فلا يُوجبون عليه الصلاة، ولا يحرِّمون عليه الزنا ولا شرب الخمر؛ فيُقال لهم: إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام - وهو أشرف الخلق - لا يصل إلى هذه المرتبة، فما بالك بمن دونه؟!

 

﴿ أَوْ ﴾ [آل عمران: 128] هنا بمعنى «حتى»، أي: فاصبر حتى يتوب عليهم أو حتى يعذبهم.

 

﴿ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ [آل عمران: 128]؛ أي: على الكافرين، وتوبة الله على الكافر أن يهديه للإسلام، وتوبته على الفاسق أن يرده عن الفسق إلى الطاعة.

 

وتوبة الله على العبد قسمان: توبة سابقة، وتوبة لاحقة، وتوبة العبد متوسطة بينهما، وهذا مذكور في سورة التوبة؛ قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 117، 118].

 

تاب عليهم ليتوبوا هذه التوبة السابقة، والتوبة السابقة معناها التوفيق للتوبة، والتوبة اللاحقة معناها قبول التوبة، وتوبة العبد تكون بينهما.

 

﴿ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ ﴾ [آل عمران: 128]، والمراد بتعذيبهم التعذيب الشديد الأخروي المخصوص بأشد الكفرة كفرًا، وأن تعذيبهم بالعذاب المذكور مترتب على إصرارهم على الكفر بعد تبيُّن الحق على الوجه المذكور.

 

﴿ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [آل عمران: 128]: تعليل لعذابهم عند إصرارهم، فالسبب في التعذيب بعد هذا الإصرار أنهم ظالمون؛ لأنهم اعتدَوا على المؤمنين ففتنوهم عن دينهم الذي ارتضَوا، واعتدوا على النبي صلى الله عليه وسلم بإيذائه والسخرية منه، واعتدوا مرة ثالثة بقتال المؤمنين، ومحاولة اقتلاع مدينتهم الطاهرة، واعتدوا على الحقائق فموَّهوها وزيَّفوها، واعتدوا على أنفسهم فأضلوها وأفسدوها؛ اعتدوا كل هذه الأنواع من الاعتداء فكانوا ظالمين ومستحقين للعذاب، وقد أكد سبحانه وتعالى وصفهم بالظلم بـ"إن" المؤكدة للحكم، وبالجملة الاسمية، وبوصفهم بالظلم كأنه شأن من شؤونهم وطبيعة في نفوسهم؛ إذ لم تهدِهم إلى الحق الحججُ الدامغة، ولا الآيات البينة، ولا القوة الغالبة.

 

وفيه أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب إلا بذنب، والظالم مستحق لأن ينكِّل الله به؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يحب الظلم؛ بل إنه قال في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا))؛ [مسلم].

 

روى مسلم عن ثابت عن أنس رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُسِرت رَبَاعِيَتُه يوم أُحُدٍ، وشُجَّ في رأسه، فجعل يسلُت الدم عنه ويقول: كيف يفلح قوم - استبعاد لفلاحهم - شجُّوا نبيَّهم، وكسروا رَبَاعِيَتَه وهو يدعوهم إلى الله؟ فأنزل الله عز وجل: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 128])).

 

روى البخاري عن الزهري، حدثني سالم عن أبيه: ((أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة من الفجر يقول: اللهم العن فلانًا وفلانًا وفلانًا، بعدما يقول: سمِع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد؛ فأنزل الله: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 128] إلى قوله ﴿ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [آل عمران: 128])).

 

وعن حنظلة بن أبي سفيان سمعت سالم بن عبدالله يقول: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، فنزلت: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 128] إلى قوله ﴿ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [آل عمران: 128])).

 

وروى أحمد عن سالم، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم العن فلانًا، اللهم العن الحارث بن هشام - أخا أبي جهل - اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية، قال: فنزلت هذه الآية: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [آل عمران: 128]، قال: فتِيبَ عليهم كلهم)).

 

وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحدٍ، أو يدعو لأحد، قَنَتَ بعد الركوع فربما قال إذا قال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد: اللهم أنجِ الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللهم اشدُد وطأتك على مُضَرَ، واجعلها سنين كسِنِي يوسف، يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللهم العن فلانًا وفلانًا لأحياء من العرب؛ حتى أنزل الله ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 128])).

 

والحكمة في منعه صلى الله عليه وسلم من الدعاء عليهم ظهرت من توبتهم أخيرًا، والإلحاح في الدعاء مظنة الإجابة، ولا سيما من أشرف خلقه، فاقتضت حكمته تعالى إمهالهم إلى أن يتوبوا لسابق علمه فيهم، وفيه طلب التفويض في الأمور الْمُلِمَّة؛ لِما في طيِّها من الأسرار الإلهية.

 

وفي هذا إشارة إلى أنه لا ينبغي للإنسان أن يدعو على شخص مهما بلغ في الكفر والطغيان باللعنة، بل لا يجوز أن يدعو عليه باللعنة؛ لأن اللعنة هي الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ولا يحل لك أن تتحجر رحمة الله، فقد يمُنُّ الله على هذا الكافر المجرم فيتوب، كما أنه سبحانه وتعالى قد يمن على الفاسق الذي لم يصل إلى حد الكفر فيستقيم وتصلح حاله.

 

قال القرطبي: "قال علماؤنا: قوله عليه السلام: ((كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم)) استبعاد لتوفيق من فعل ذلك به، وقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 128] تقريب لِما استبعده، وإطماع في إسلامهم، ولما أطمع في ذلك؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))؛ كما في صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود قال: ((كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء ضربه قومه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))؛ قال علماؤنا: فالحاكي في حديث ابن مسعود هو الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو المحكي عنه".

 

ولما ذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام ليس له من الأمر شيء، فمن دونه من الخلق من باب أولى، بيَّن لمن يكون له الأمر؛ فقال:

﴿ وَلِلَّهِ ﴾ [آل عمران: 129] اللام هنا للاستحقاق والاختصاص والملك؛ يعني لله ملكًا واستحقاقًا واختصاصًا، وخلقًا وعبيدًا، يتصرف كيف يشاء ويحكم كما يريد.

 

والجار والمجرور مقدَّم على المبتدأ لإفادة الحصر، فمن طرق الحصر تقديم ما حقه التأخير، يعني: لله لا لغيره.

 

﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 129] تقرير وتأكيد لما قبله من قوله: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 128] أي: له ما فيهما ملكًا وأمرًا.

 

و«ما» اسم موصول يشمل كل ما في السماوات وما في الأرض؛ من إنس وجنٍّ، وحيوان وجماد وغير ذلك، وعبر بـ«ما» إما لأن غير العاقل أكثر من العاقل فصار هذا من باب التغليب، وإما لأن المقصود الأعيان والأوصاف، وإذا كان المقصود الأعيان والأوصاف يُؤتى بـ«ما» لا بـ«من» ومنه قوله تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 3]، ولم يقل (من) لأنه ليس المقصود العين، وإنما المقصود الوصف؛ يعني الذي يطيب لكم وتركنون إليه.

 

والسماوات جمع قد صرح الله سبحانه في القرآن بأن السماوات سبع؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [المؤمنون: 86]، أما الأرض فليس في القرآن نص على أنها سبع، وإنما فيه ظاهر، يعني ما يدل ظاهرًا على أن الأرضين سبع؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 12]، فإن المثلية هنا لا يمكن أن تكون مثلية الجنس والنوع والصفة؛ لأن الأرض مختلفة عن السماء اختلافًا ظاهرًا؛ فتعيَّن أن يكون مراد المثلية بالعدد.

 

وقد جاءت السنة مُصرِّحة بأن عدد الأرَضين سبع؛ من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا، طوَّقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرَضين))؛ [مسلم].

 

والحاصل أن الأمر في السماوات والأرض كله لله تعالى، وسلطانه تعالى على ما في السماوات والأرض سلطان المنشئ والمدبر، والمالك والعالم بماضي ما فيها وحاضره ومستقبله، خلق كل شيء فقدره تقديرًا، وهو يعلم بما يجري فيه، وما سيكون من شأن له في المستقبل، فهو علَّام الغيوب الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وإذا كان كذلك فلا سلطان لأحد سواه، وليس لأحد مهما أعلَى اللهُ تعالى منزلتَه، واختصه بفضله ورحمته، شيءٌ من الأمر، وهو سبحانه وتعالى يعلم توبة التائب قبل أن يتوب، وإصراره على الذنب قبل أن يموت، وهو الذي يغفر إن شاء، ويعذب من يشاء؛ ولذا قال بعد ذلك للدلالة على كمال سلطانه:

﴿ يَغْفِرُ ﴾ [آل عمران: 129] المغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه، مأخوذة من الْمِغْفَر الذي يُوضع على الرأس عند القتال، فإنه ساتر للرأس وواقٍ له.

 

﴿ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 129] هذه الآية مقيَّدة بالحكمة؛ أي: من اقتضت حكمته أن يغفر له غفر له، ومقيدة كذلك بما عدا الشرك؛ فإن الله يقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]، لكن المشرك لو أسلم لغفر الله له؛ لقوله: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38].

 

﴿ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 129] ممن يستحق التعذيب، ولا يُستثنى منها المشرك؛ لأن المشرك قد أعلمنا الله أنه لا يشاء أن يغفر له، فلا يكون داخلًا في المشيئة، بل هو يعذِّب المشرك قطعًا؛ لأن وعده لا يُخلَف سبحانه وتعالى، فالمشرك لا بد أن يعذب: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، لكن لو تاب فإن الله يغفر له ويتوب عليه.

 

ويتفرع من هاتين الصفتين إثبات تمام سلطانه سبحانه في ملكه، وأن الأمر له في التعذيب والمغفرة، ولمَّا تقدم قوله: ﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ ﴾ [آل عمران: 128]، أتى بهذه الجملة موضحةً أن تصرفاته تعالى على وفق مشيئته، وناسب البُداءة بالغفران، والإرداف بالعذاب ما تقدم من قوله: ﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ ﴾ [آل عمران: 128]، ولم يشرط في الغفران هنا التوبة؛ إذ يغفر تعالى لمن يشاء من تائب وغير تائب، ما عدا ما استثناه تعالى من الشرك.

 

﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 129] في هذه الجملة ترجيح لجهة الإحسان والإنعام، فخَتْمُ الآية بهذين الاسمين الكريمين مناسب جدًّا؛ لقوله: ﴿ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 129]، فلكونه غفورًا صار يغفر لمن يشاء.

 

والرحيم معناه ذو الرحمة المقتضية للإحسان والإنعام، فالإحسان والإنعام من مقتضى الرحمة وليس هو الرحمة.

 

كما وصف سبحانه وتعالى ذاته العلِيَّة بصيغة المبالغة في الغفران؛ فقال: ﴿ غَفُورٌ ﴾؛ أي: كثير المغفرة يحبها ويريدها، وهو ﴿ رَحِيمٌ ﴾، والرحمة أوسع معنى وأشمل من مطلق التجاوز عن الذنب، بل إن الرحمة قد تعُمُّ العقاب كما تعم الثواب، فاقتران الرحمة بالغفران يدل على ثلاثة أمور:

أولها: أن الله تعالى لا يكتفي بغفران الذنوب عن العصاة التائبين، بل يُثيبهم على ما يفعلون من حسنات، وإن الحسنات عنده سبحانه وتعالى يُذهبن السيئات.

 

ثانيها: أن الغفران من الرحمة، وما دام من الرحمة فلا قيدَ يُقيده، والله أعلم بمن يكون موضع رحمته، ومكان مثوبته.

 

ثالثها: أن العذاب للمُصر على الذنب الذي يعيث في الأرض فسادًا، ويفتن الناس عن دينهم يُعدُّ من الرحمة؛ لأن رحمة الله تعالى عامة لا خاصة، ومن الرحمة بالعامة عقاب العصاة المفسدين، وثواب الطائعين الأبرار.

 

قال ابن عاشور في هذه الآية: تذييل لقوله: ﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ ﴾ [آل عمران: 128] مشير إلى أن هذين الحالين على التنويع بين المشركين، ولما كان مظِنَّة التطلع لمعرفة تخصيص فريق دون فريق، أو تعميم العذاب، ذيَّله بالحوالة على إجمال حضرة الإطلاق الإلهية؛ لأن أسرار تخصيص كل أحد بما يُعيَّن له، أسرار خفية لا يعلمها إلا الله تعالى، وكل مُيسر لما خلق الله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير قوله تعالى: (ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين)

مختارات من الشبكة

  • تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الكفر وأنواعه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ...}(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 21:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب