• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

خيار الناس وشرارهم في ضوء الكتاب والسنة

خيار الناس وشرارهم في ضوء الكتاب والسنة
د. جابر القصاص

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/1/2025 ميلادي - 16/7/1446 هجري

الزيارات: 1761

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خيار الناس وشرارهم في ضوء الكتاب والسنة


الحمد لله الذي خلق البشر أصنافًا، فجعل منهم الأخيار الذين يتبعون الحق ويرعون العهد، وشرارًا يستمرئون الظلم وينقضون الوعد، نحمده تعالى على آلائه، ونشكره على نعمائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رفع أهل الخير درجات، وأذل أهل الشر في الدركات، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إمام الأخيار، وسيد الأطهار، خير من وطئ الثرى، وأزكى من دعا الورى، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأبرار؛ أما بعد:

 

فيا أيها الأحبة، إن الحياة ميدان يتمايز فيه البشر، فمنهم خيار يُقتدى بهم، ومنهم شرار يُحذر من أفعالهم، فخيار الناس من اتقى الله فأصلح، وصدق في قوله وعمله، وشرارهم من أعرض عن الحق فأفسد، واتبع هواه فأضل، وفي هذه الصفحات سوف نستعرض أوصاف خيار الناس وشرارهم بحسب ما نصت عليه السنة المطهرة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، وفي كلامه عبرة، فلنتأمل من خلال هديه وسنته حالنا، ولنجتهد في أن نكون من خيار الناس، حتى ننال رضا الله في الدنيا والآخرة، والله يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم.

 

ولنبدأ بذكر خيار الناس، من هم؟ وبأي شيء نالوا هذه الخيرية؟

 

فنقول وبالله التوفيق:

1- المؤمنون الآمِرون بالمعروف، والناهون عن المنكر:

وذلك استنادًا لقول الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].


فإن الله تعالى رَهَنَ خيرية هذه الأمة بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فدلَّ هذا على أن القائمين بذلك هم خيرة هذه الأمة، وفي المقابل جاء ذمُّ تاركي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللعن والوعيد الشديد؛ مثلما نجد في قوله تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79].

 

لكن يجدر التنبيه إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروط بالعلم، والبدء بالرفق ما أمكن، وألَّا يؤدي إلى منكر أكبرَ، أو مفسدة أعظم، نسأل الله السداد.

 

2- أهل القرون الأولى في الإسلام؛ وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان رضي الله عنهم أجمعين:

ففي الصحيحين: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلُونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادةُ أحدهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه))[1].

 

اتفق العلماء على أن خير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم، وقرنه هو قرن الصحابة، والثاني: قرن التابعين، والثالث: قرن تابعي التابعين، رضي الله عنهم أجمعين، وهذا التفضيل إنما بُني على أساس قوة التدين والإيمان، فالصحابة رضوان الله عليهم هم أفضل المسلمين؛ لأنهم عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم، ووضَّح لهم أمور الدين وأخذوه عنه مباشرة، فهم أفضل الناس علمًا بسُنة النبي صلى الله عليه وسلم ومقاصد التشريع، وأعلى الناس سندًا فيه، وعلى أيديهم تم نشر الدين في الفتوحات والغزوات، ثم أخذ التابعون العلمَ منهم وتابعوا مسيرة الجهاد، وهكذا إلى أن يتباعد الزمان عن زمان النبوة، فيبعدون عن الهدي والسنة وصحيح الدين شيئًا فشيئًا، مع كثرة الفتن وتداعي قوة الأمة، وهو ما نعيشه في هذا الزمان، والله المستعان.

 

وفي الحديث: إشارة إلى لزوم اتباع سبيل القرون الثلاثة الأولى؛ فهم أحق بالفضل والعلم والتأسي والاقتداء بهَدي النبي صلى الله عليه وسلم.

 

3- قارئ القرآن ومعلم الناس التلاوة (إذا كان عاملًا بما يقرأ):

وذلك لِما ثبت في الصحيح من حديث عثمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه))، وفي لفظ آخر: ((أفضلكم))[2].

 

قال الحافظ: "ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره، جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي، ولهذا كان أفضل، وهو من جملة من عنى سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]، والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى: من جملتها تعليم القرآن وهو أشرف الجميع"[3]؛ ا. هـ

 

4- من حسُن خلقه، وكثُرت خِصاله الحميدة:

في الصحيحين: عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحِّشًا، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا))، وفي لفظ آخر: ((إن خياركم أحاسنكم أخلاقًا))[4].

 

الفاحش: هو المتلفِّظ بالكلام البذيء الزائد عن الحد في السوء، وكان ذلك طبعًا له، والمتفحِّش مثله، إلا أنه يتكلف ذلك، وليس له بطبع، وكلاهما منفيٌّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحُسن الخلق: هو تحري الفضائل، والتخلي عن الرذائل.

 

5- من يقضي دينه بأحسنَ منه:

في الصحيحين: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سنٌّ من الإبل، فجاءه يتقاضاه، فقال: أعطوه، فطلبوا سنَّه، فلم يجدوا له إلا سنًّا فوقها، فقال: أعطوه، فقال: أوفيتني أوفى الله بك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خياركم أحسنكم قضاءً))، وفي لفظ آخر: ((أعطوه، فإن من خيار الناس أحسنهم قضاءً))[5].

 

ففي الحديث: اقترض النبي صلى الله عليه وسلم من رجل جملًا أو ناقة صغيرة السن، ثم قضى دينه بأحسن منها، دون أن يطالبه الدائن بذلك، فدل هذا على استحباب أداء الدَّين بما هو خير من أصله، وأن من عليه دَينٌ من قرض أو غيره، له أن يرده بأجود من الذي عليه دون أن يشترط المقرِض ذلك؛ فذلك من مكارم الأخلاق المحمودة عرفًا وشرعًا، وفاعل ذلك يكون من خيار الناس.

 

6- من يثق الناس بدينه وخُلقه وأمانته، ولا يرجون منه إلا الخير:

في الحديث: عن أبي هريرة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على ناس جلوس، فقال: ألَا أخبركم بخيركم من شركم؟ قال: فسكتوا، فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل: بلى يا رسول الله، أخبرنا بخيرنا من شرنا، قال: خيركم من يُرجى خيره ويُؤمن شره، وشركم من لا يُرجى خيره ولا يُؤمن شره))[6].

 

معناه: أن خيركم من يُنتظر ويُؤمل خيره؛ أي: إحسانه وبره، ولا يُخاف من بغيه وإساءته وظلمه؛ وذلك لِما يعرفه الناس من دينه وتقواه وصلاحه، فرجاؤهم إحسانَه، وأمنُهم بغيَه، هي شهادة ضمنية منهم له بأنه من خيار الناس.

 

7- من يعامل زوجته وعياله بالرحمة والإحسان:

روى الترمذي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خــيــركـــم خــيــركـــم لأهــله وأنــا خــيــركـم لأهـلي))[7].

 

وفي الحديث: أن الإحسان إلى الزوجة والعيال من أفضل الأعمال والقربات، وفاعله من خيرة الناس، فالأزواج والعيال أحق بحسن الصحبة، مع تعظيم قدر الزوجات أكثر من غيرهن؛ لأنهن تركن أهليهن لإعفاف أنفسهن وأزواجهن، وتربية أطفالهن لبناء أسرة قويمة، وهذا من تربية النبي صلى الله عليه وسلم للناس في حسن معاملة النساء؛ لنشر المودة بين الناس، وخاصة الأسرة المسلمة.

 

8- الحريص على إطعام المساكين وذوي الحاجة:

روى الإمام أحمد عن صهيب الرومي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((خياركم من أطْعَمَ الطعام وردَّ السلام))[8].

 

فإطعام المساكين الطعامَ إن كان خالصًا لوجه الله، ليس ابتغاء شهرة أو مصلحة دنيوية لهو من أعظم القُربات، والمراد بالإطعام: القدر الزائد على الواجب في الزكاة، ويدخل فيه الصدقة والهدية، والضيافة والوليمة، وإطعام الفقراء ابتغاء وجه الله تعالى؛ لأن إطعام الطعام به قِوام الأبدان، وتزداد فضيلة إطعام الطعام وبذله في الوقت الذي تزداد الحاجة له، وذلك في أوقات المجاعة وغلاء الأسعار، وفاعل ذلك من خيار الناس، والله الموفِّق.

 

9- الحريص على تسوية الصفوف في الصلاة:

في السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خياركم ألينكم مناكبَ في الصلاة))[9].

 

الْمَنْكِب: ملتقى عظم العضُد مع الكتف، والمراد بلين المنكب: يعني أنه إذا طُلب منه أن يتقدم تقدم، وإذا طُلب منه أن يتأخر تأخر، وإذا طُلب منه أن يقرب قرب، وذلك كله بقصد تسوية الصف، وكذلك أن يكون سهلًا بصحبة الذي بجواره، فلا يُثقل عليه بكتفه، ولمن أراد أن يعبر لسد فُرجة فلا يدفعه به، وأشار للمنكب هنا لقوته، وهو أقرب الأعضاء بين المصلين، ففاعل ذلك من الأخيار.

 

10- من شاخ وكبِرت سنه في طاعة الله:

روى الترمذي عن عبدالله بن بسر رضي الله عنه: ((أن أعرابيًّا قال: يا رسول الله، مَن خير الناس؟ قال: من طال عمره، وحسُن عمله))[10].

 

إن طول العمر في حد ذاته ليس فضيلة، بل قد يكون نقمة على صاحبه؛ كما في قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [فاطر: 37]؛ قال بعض السلف: "إن طول العمر حُجَّة، فنعوذ بالله أن نُعيَّر بطول العمر"، وإنما يكون طول العمر فضيلة إن اقترن بالصلاح والاستقامة والعمل الصالح، فالعبد يستفيد بطول عمره في الزيادة من حسناته، وبحسن العمل من الطاعات، واتباع أوامر الله ورسوله، وهذا يدل على سعادة الدارين والفوز بالحُسنيين.

 

وفي الحديث: الحث على التزود من الطاعات كلما استطال العمر، وأن الزيادة في عمر المحسن علامة خير، والله الموفق.

 

11- الحريص على إعانة العباد وقضاء حوائجهم:

يُروى عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن يألَف ويُؤلف، ولا خير فيمن لا يألف، ولا يُؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس))[11].

 

وهذا الحديث لا تخلو أسانيده من ضعف، لكن لمعناه شواهد من صحيح الأخبار، فمن أجل ذلك أوردته ها هنا، والنفع المشار إليه لا يقتصر على النفع المادي فقط، ولكنه يمتد ليشمل النفع بالعلم، والنفع بالرأي، والنفع بالنصيحة، والنفع بالمشورة، والنفع بالجاه السلطان، ونحو ذلك، فكل هذه من صور النفع التي تجعل صاحبها من خيرة الناس، والله الموفق.

 

12- المحسن الرفيق بأصحابه وجيرانه:

من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره))[12].

 

خيرهم لصاحبه: أي ببذل النصيحة ورفع الكرب عنه، وكافة صور الإحسان والتعاون من الصاحب لصاحبه، وخيرهم لجاره: أي بالإحسان إليه، وكف الأذى عنه، ورفع ما به من كرب، وإهدائه من الطعام، وكافة صور الإحسان والتعاون من الجار لجاره.

 

وفي الحديث: الترغيب في إحسان المعاملة مع الأصحاب والجيران، وفاعل ذلك يكون من خيار الناس.

 

13- الإنسان نقي القلب، صادق اللسان:

في الحديث عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: كلُّ مَخْمُومِ القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان، نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد))[13].

 

مخموم القلب فسَّرها الحديث، فسليم القلب: أي نظيفه، وهو من تخميم البيت، أي: كنسه وتنظيفه، والمعنى: أن يكون قلبه نظيفًا خاليًا من الغل والحسد لغيره وسيئ الأخلاق، وإنما جمع الحديث بين سلامة القلب وصدق اللسان؛ ليكون ظاهر المرء مطابقًا باطنه، فينتفي الرياء والتصنع في حقه، فكم من الناس يُضمر الغل والحسد لغيره ويُظهر المودة.

 

وفي الحديث: الحث على الصدق في الظاهر والباطن، والحرص على سلامة الصدور والقلوب من الصفات الخبيثة؛ كالغل والحقد والحسد، وغير ذلك، فالله سبحانه وتعالى ينظر إلى القلوب والأعمال، فيجازي على ما يطلع عليه في قلب عبده من الإحسان أو غيره، والله المستعان.

 

14- المجاهد في سبيل الله، ومعتزل الخبائث والفتن:

وقد جمع بينهما حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بخير الناس منزلًا؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: رجل آخذٌ برأس فرسه في سبيل الله عز وجل حتى يموت، أو يقتل، وأخبركم بالذي يليه؟ قلنا: نعم يا رسول الله، قال: رجل معتزل في شِعْبٍ يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعتزل شرور الناس، وأخبركم بشر الناس؟ قلنا: نعم يا رسول الله، قال: الذي يُسأل بالله عز وجل، ولا يعطي به))[14].

 

قرن الحديث بين المجاهد أو الغازي في سبيل الله، وبين المعتزل؛ لأن كليهما منشغل عن الخوض فيما يخوض فيه الناس، وقد ارتفعت منزلة المجاهد عن المعتزل لأن المجاهد شغل نفسه بعبادة من أعظم العبادات أجرًا، وفيها نفع كبير له ولغيره، فهو يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا، أما المعتزل فقد حقَّق النفع لنفسه فحسب بتجنيبها ما يخوض الناس فيه من الآثام، وكذلك تجنيبها الفتن التي قد تزِلُّ بها الأقدام، نسأل الله العافية، وفي الحديث: بيان فضل الجهاد في سبيل الله عز وجل، وفضل عزلة الناس خاصة عند الفتن، وبالله التوفيق.

 

ثانيًا: شرار الناس: من هم؟ وما أوصافهم؟

1- شهود الزور، وخائنو الأمانات، والمتكالبون على الدنيا:

قد تقدم حديث: ((خير الناس قرني...)) في ذكر خيار الناس، لكن تمام الحديث: ((ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته))، قال إبراهيم النخعي وهو أحد رواة الحديث: "وكانوا يضربوننا على الشهادة، والعهد".

 

وللحديث طريق أخرى عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعدُ قرنين أو ثلاثةً - قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يُستشهدون، ويخونون ولا يُؤتمنون، ويَنذِرون ولا يَفُون، ويظهر فيهم السِّمَنُ))[15].

 

فأما قوله: ((تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته))، فكناية عن التسرع في الشهادة والحلف، والحرص عليها ولو لم يُطلب إليها، وهو دلالة على قلة الورع والمبالاة في الدين، وتعقيب النخعي رحمه الله على الحديث عنى به: أن أهليهم كانوا يزجرونهم ويؤدِّبونهم بالضرب على التسرع بالشهادة والحلف، حتى لا يصبح ذلك عادة لهم في الكِبَر، ولكن ننبه: أن المذموم هو التسرع بالشهادات لغرض خبيث، أو دون تثبُّت من الحق، أو لمعارضة شهود هم أعلم بالحادثة، أما المبادرة إلى الشهادة الصحيحة من أجل إظهار الحق، وإعانة المظلوم، ودفع الظلم عنه، فإنها عمل صالح يُؤجر ويُثاب عليه صاحبه.

 

ثم ذكر الحديث خصالًا أخرى؛ منها: عدم الوفاء بالنذر، وخيانة الأمانات، وذكر علاماتٍ؛ منها: أن يظهر فيهم السِّمَن؛ وهو كثرة اللحم والشحم في الأجسام، أو التفاخر والتكثر بما ليس فيهم من الشرف، أو يجمعون الأموال أو يغفُلون عن أمر الدين، وذكر هؤلاء بعد ذكر القرون الأولى الفُضلى يدل ضمنيًّا على أنهم على النقيض منهم، وبذلك يكونون من شرار الناس، نسأل الله العافية.

 

2- من يؤذي الناس، ويبغي عليهم بلسانه ويده:

قد تقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: ((خيركم من يُرجى خيره ويُؤمن شره، وشركم من لا يُرجى خيره ولا يُؤمن شره)).

 

وقد تقدم الكلام عن طرفه الأول في ذكر خيار الناس، أما تمام الحديث: ((وشركم من لا يُرجى خيره ولا يُؤمن شره))، يُراد به الإنسان سيئ الخلق، سليط اليد واللسان، الذي لا يتورع عن إيذاء الناس وظلمهم والاعتداء عليهم، فهم يخافون بغيه وظلمه وإساءته.

 

وقد ورد في الصحيحين حديث آخر في هذا الصدد، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن شرَّ الناس من تركه الناس - أو وَدَعَه الناس - اتقاء فُحشه))[16].

 

وليت الناس يتدبرون هذا الحديث، بعد أن أصبح فحش القول سمِة وظاهرة عامة في الناس، وأصبح السِّباب واللعن والخوض في الأعراض أمرًا شائعًا ومستساغًا لدى كثير من الناس، بل إن كثيرًا منهم يعتقدون أنهم بذلك يكتسبون المهابة، ويمنعون الآخرين عن ظلمهم والعدوان عليهم، وأن الفحش والبذاءة هي الوسيلة الفعَّالة لحفظ حقوقهم، وأخذ حقوق الآخرين، ولا يدرون أنهم بذلك يكونون من شرار الناس، وأحقرهم منزلة عند الله تعالى، نسأل الله السلامة والعافية.

 

3- من شاخ وكبِرت سنُّه في معصية الله:

قد تقدم الحديث عمن طال عمره وحسن عمله في ذكر خيار الناس، وعلى النقيض منه من طال عمره وساء عمله؛ وقد جمع بينهما حديث أبي بكرة رضي الله عنه: ((أن رجلًا قال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: من طال عمره، وحسن عمله، قال: فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره وساء عمله))[17]، وفي سنده ضعف، لكن لمعناه شواهد، ويقويه حديث: ((من طال عمره وحسن عمله)).

 

وفي القرآن الكريم: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [فاطر: 37]؛ قال بعض السلف: "إن طول العمر حُجَّة، فنعوذ بالله أن نُعيَّر بطول العمر"، فطول العمر إنما يكون حُجَّة على العبد لا له، إن أمضاه في معصية الله، فتكثر ذنوبه وسيئاته، وتمتلئ صحيفته بكل ما يسيء منزلته في الآخرة، نسأل الله العافية.

 

وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أعــذر الله إلى امــرئ أُخِّــر أجله، حتى بلغه ستــين سـنةً))[18].

 

"أعذر الله" معناه: أنه لم يبقَ له عذر عند الله تعالى إذا امتدَّ عمره لِما بعد الستين، فقد يقول القائل: لو مدَّ الله في أجلي لفعلت ما أمرت به، فإذا مدَّ الله له في أجله يكون قد بلغه أقصى الغاية في العذر ومكَّنه منه، ولم يترك له سببًا في الاعتذار يتمسك به، فالله تعالى لا يُعاقِب إلا بعد حُجَّة، وطول العمر حجة على العبد.

 

والمقصود: أن الشيخوخة نذير الموت والرحيل عن الدنيا؛ ولهذا يجب على من طعن في السن، وقارب الستين أو جاوزها، الاستعداد للقاء ربه؛ إذ لا ينبغي له حينئذٍ إلا الاستغفار ولزوم الطاعات، والإقبال على الآخرة، والعاقل هو الذي يجِدُّ ويجتهد في عمره ليُرضِيَ الله سبحانه، ولا يُلهيه الأمل عن العمل حتى يباغته الموت، نسأل الله العليَّ القدير أن يوفقنا لطاعته، ويجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتيمها.

 

4- من إذا سُئِلَ بالله بخِل ومنع العطاء:

قد تقدم حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألَا أخبركم بخير الناس منزلًا؟... وفي تمامه: وأخبركم بشرِّ الناس؟ قال: قلنا: نعم يا رسول الله، قال: الذي يُسأل بالله عز وجل، ولا يعطي به)).

 

معناه: أن شر الناس منزلة من يسأله غيره حاجة له مقسمًا عليه بالله تعالى أن يقضي له حاجته، فلا يجيبه في حاجته وهو قادر عليها، فهو بذلك لا يضع للقسم بالله اعتبارًا، وقد يُستثنى منه من يرفض إجابة السائل إذا علِم أنه غير محتاج حقيقة لتلك الحاجة، أو أن غيره أحوج منه إليها، وما شابه ذلك، أما إن علِم احتياجه إليها وقدر على إجابته، وامتنع رغم الإقسام بالله عليها، فهو من يقع عليه الوصف، نسأل الله السداد.

 

5- من تقوم عليهم الساعة من الناس:

روى الإمام أحمد في مسنده: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجدَ))[19].

 

في الحديث تأكيد على أن الساعة تقوم في آخر الزمان بعد قبض جميع المؤمنين، فلا يبقى ثَم إلا شرار الناس، وذلك بعد هلاك الدجال ويأجوج ومأجوج، ويؤيِّد هذا المعنى ما جاء في الصحيح من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه مرفوعًا: ((فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحًا طيبةً، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارُجَ الحُمُرِ، فعليهم تقوم الساعة))[20]، نسأل الله السلامة والعافية وحسن الختام.

 

6- الذين يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد:

وهو ما جاء في تمام الحديث السالف ذكره: ((إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجدَ)).

 

وأصرح منه حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن أم حبيبة، وأم سلمة ذكرتا كنيسةً رأينها بالحبشة فيها تصاويرُ، فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنَوا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة))[21].

 

واتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجدَ يعني تحري الصلاة عند قبورهم تبرُّكًا بها، وتعظيمًا لأصحابها، وقد يمتد الأمر إلى بناء المساجد والقِباب فوق تلك القبور، ليقصدها العوام من كل حَدَبٍ ليفعلوا بتلك القبور ما كان يفعله أهل الجاهلية بالأصنام، ونعوذ بالله من الخذلان.

 

ولا يغرنك - أخي المسلم - انتشار هذا الأمر في الأقطار الإسلامية، ولا خروج بعض الفتاوى من ضِعاف العلم وأصحاب الهوى التي تُبيح ذلك، فقد اتفق علماء الأمة المتقدمون على المنع من ذلك، والتشديد في إنكاره؛ فها هو الإمام الشافعي يقول: "وأكره أن يُبنى على القبر مسجد، وأن يُسوَّى أو يُصلَّى عليه، وهو غير مُسوًّى، أو يُصلَّى إليه، قال: وإن صلَّى إليه أجزأه، وقد أساء، أخبرنا مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قاتل الله اليهود، والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقى دينان بأرض العرب))، قال: وأكره هذا للسُّنة والآثار، وأنه كرِه - والله تعالى أعلم - أن يُعظَّم أحد من المسلمين يعني يُتخذ قبره مسجدًا، ولم تُؤمَن في ذلك الفتنة، والضلال على من يأتي بعد"[22].

 

وقال النووي: "واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر، سواء كان الميت مشهورًا بالصلاح أو غيره؛ لعموم الأحاديث"[23]، وقال أبو عبدالله القرطبي في تفسيره: "فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز"[24]، وقال الحافظ ابن حجر: "المنع من ذلك إنما هو حال خشية أن يصنع بالقبر كما صنع أولئك الذين لعنوا، وأما إذا أمن ذلك فلا امتناع، وقد يقول بالمنع مطلقًا من يرى سد الذريعة، وهو هنا مُتَّجه قويٌّ"[25]، وقال السيوطي: "فهذه المساجد المبنية على القبور يتعين إزالتها، هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المعروفين، وتُكره الصلاة فيها من غير خلاف، ولا تصح عن الإمام أحمد في ظاهر مذهبه، لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك"[26]، قلت: ولأهل العلم كلام كثير في هذا الصدد، وأقوالهم متقاربة ومتضافرة، وكلها مستندة إلى الأخبار الصريحة الواردة في التحذير من هذا، والله المستعان.

 

واعــلـم - أخـي المســلـم - أن الـمــســاجــد إنما جُعــلت لله تعالى وحـده، خالصة لعبادته وتعظيمه وذكره، لا يشاركه فيها أحد؛ قال جل شأنه: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]، وقال عز من قال: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾ [النور: 36]، ولا يخفى على عالمٍ بالعربية أن تقديم الجار والمجرور على نائب الفاعل في قوله: ﴿ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾ [النور: 36] إنما بغرض الحصر والتخصيص، فجاء هؤلاء القوم وجعلوا قبور صالحيهم أعيادًا، وبنَوا عليها المساجد والقِباب، وأوقدوا عليها السُّرج، وجاؤوا من أقاصي البلاد ليقصدوها، ويستلموها ويُقبِّلوها، ويتبركون بها، ويطوفون حولها، ويركعون ويسجدون، وصرفوا إليها ما لديهم من الحب والتعظيم والدعاء والاستغاثة، فأصبح سعيهم لغير الله، وأصبحت تلك المساجد مرفوعة ليُذكر فيها غيره؛ والله تعالى يقول في الحديث القدسي: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركَه))[27]، فما بالك وهي مساجد بُنيت في الأساس لتعظيم غيره؟ نسأل الله العافية.

 

فلا شك أن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجدَ مُناقض لِما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من تجريد التوحيد لله تعالى، وفاعل ذلك من شرار الناس؛ لأنه نقض توحيده وشابه بتعظيم غير الله تعالى، ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]، نسأل الله العافية والسداد.

 

7- المنافق المتلوِّن، ذو الوجهين:

في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((إن شرَّ الناس ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه))[28].

 

المراد بذي الوجهين: الشخص الذي يأتي كل طائفة من الناس بما يُرضيها؛ فيأتي هؤلاء بوجه يُرضيهم، فيُظهر لهم بالقول والفعل أنه منهم، ويأتي أعداءهم بوجه آخر نقيض ما كان مع الطائفة الأخرى؛ كي يسترضيهم وينال خيرهم.

 

لكن يجدر التنبيه على أن هذا الذم حاصل لمن كان فعله بقصد السعي في الأرض بالفساد، أما إن فعل ذلك لإصلاح بين متخاصمين ونحوه، فلا يشمله هذا التقبيح، كما يجدر التنبيه أيضًا على أنه يدخل في وصف ذي الوجهين: من يُظهر الخير والصلاح، وإذا خلا خلا بالمعاصي القبيحة، والأفعال المنكرة، نسأل الله العافية.

 

8- من يهتك ستر أهله، ويفضح عورتهم:

في الصحيح: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها))[29].

 

قوله: ((يفضي إلى امرأته)): كناية عن المعاشرة والملامسة التي تكون بين الزوجين؛ وذلك كما قال الله تعالى: ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 21]، والمراد به بالحديث: التحذير من أن يفشي رجلٌ للناس ما يحدث بينه وبين امرأته في الجماع ونحوه، وما يجري بينه وبينها من أمور الاستمتاع وما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الجماع، أو يصف بدنها للآخرين، وقد يتسع المفهوم ليشمل كل ما يخص أسرار الزوجية، وما أودعه الزوج إلى الآخر خاصًّا بينهما.

 

والتحذير والوعيد بالحديث إنما يشمل الزوجين معًا، لكن اللفظ اقتصر على الرجل لأن الأصل في المرأة الستر وإخفاء ما يخدش الحياء، وهي – لحيائها - يقل منها وقوع ذلك، بخلاف الرجل الذي يتوقع منه حصوله على الأغلب، والله المستعان.

 

9- الفاجر الذي يقرأ كلام الله ولا يردعه عن فجوره:

روى النسائي: عن أبي سعيد الخدري أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك خطب الناس وهو مسند ظهره إلى نخلة، فقال: ((أَلَا أخبركم بخير الناس وشر الناس، إن من خير الناس رجلًا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه - أو على ظهر بعيره، أو على قدميه - حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجلًا فاجرًا جريئًا، يقرأ كتاب الله ولا يرعوي إلى شيء منه))[30].

 

وإسناده ليس بالقوي، لكن لمعناه شواهد، وحسبنا أن أسوأ مثلين ضُربا في القرآن الكريم كانا لعلماء السوء؛ قال تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾ [الأعراف: 175، 176]، وقال جل شأنه: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 5]، فالآية الأولى في شأن كل عالم آتاه الله العلم بكتابه، فلم يعمل بما علِم، واتبع هواه وشهواته وحاد عن الصراط القويم، والثاني فيمن آتاهم الله الكتاب فلم يعُوا ما به، وعملوا بخلافه؛ ولله در ابن المبارك إذ يقول:

 

وهل أفسد الدينَ إلا الملوكُ        وأحبار سوء ورُهبانها

 

قال ابن أبي العز الحنفي: "وأحبار السوء، وهم العلماء الخارجون عن الشريعة بآرائهم وأقيستهم الفاسدة، المتضمنة تحليل ما حرم الله ورسوله، وتحريم ما أباحه، واعتبار ما ألغاه، وإلغاء ما اعتبره، وإطلاق ما قيَّده، وتقييد ما أطلقه، ونحو ذلك"[31].

 

والحديث الذي قدمناه يشير إلى قارئ القرآن الذي لم تزجره آياته عن المعاصي، واجترأ على المعصية، ولم يرتدع عن الفجور والإثم، وفي زماننا هذا ابتُلينا بكثير من المشايخ والمنتسبين إلى العلم والدعوة يصدرون الفتاوى الشاذة، ويقفون المواقف المخزية، ويوادعون أهل الباطل ويحاربون أهل الحق، ولا يردعهم القرآن الذي يتلونه عن شيء من ذلك، ومثل هؤلاء ليسوا جديرين بأن يُنسبوا إلى العلم أو القرآن؛ فحَمَلَةُ القرآن كما قال ابن عبد البر: "هم العاملون بأحكامه وحلاله وحرامه"[32].

 

فالله تعالى يقول: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]؛ قال الحسن البصري رحمه الله: "أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: لقد قرأت القرآن كله فما أسقطت منه حرفًا، وقد والله أسقطه كله، ما يُرى له القرآن في خلق، ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول: إني لأقرأ السورة في نفس، والله ما هؤلاء بالقُرَّاء، ولا العلماء، ولا الحكماء، ولا الوَرَعَة"[33].

 

وقد روى الدارمي حديثًا آخر يعضد هذا المعنى: عن الأحوص بن حكيم، عن أبيه قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشر فقال: ((لا تسألوني عن الشر، واسألوني عن الخير؛ يقولها ثلاثًا، ثم قال: ألا إن شرَّ الشر شِرارُ العلماء، وإن خير الخير خِيارُ العلماء))[34]، وهذا الحديث أيضًا إسناده لا يخلو من ضعف، نسأل الله العافية، ونعوذ به من الخذلان.

 

10- أعوان الظلمة:

روى ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من شر الناس منزلةً عند الله يوم القيامة عبدٌ أذهب آخرته بدنيا غيره))[35].

 

وهذا الحديث إسناده ضعيف، لكن لمعناه شواهد، وقد ورد نحوه من كلام عمر بن عبدالعزيز؛ كما روى أبو نعيم عن ميمون بن مهران، يقول: قال عمر بن عبدالعزيز لجلسائه: "أخبروني بأحمق الناس، قالوا: رجل باع آخرته بدنياه، فقال عمر: ألَا أنبئكم بأحمق منه؟ قالوا: بلى، قال: رجل باع آخرته بدنيا غيره"[36]، وروى ابن عبدالبر عن الإمام مالك أنه قال: "كان يُقال: أخسر الناس من باع آخرته بدنياه، وأخسر منه من باع آخرته بدنيا غيره"[37]، وروى الدارمي عن سلمة بن دينار أنه سُئل: أي المؤمنين أحمق؟ قال: "رجل انحطَّ في هوى أخيه وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره"[38].

 

والمراد بقولهم: (باع آخرته بدنيا غيره): أي عصى الله تعالى وعرض نفسه لخسارة نعيم الآخرة، لا لأجل أن يتنعم هو بالدنيا، وإنما ليتنعم غيره بها؛ فهو يصلح دنيا غيره بإفساد آخرته، وذلك كمن أعان ظالمًا ليتمكن من ظلمه؛ كعلماء السوء، أو جنود الحكام الظلمة الذين يعينونهم على ظلم رعيتهم، ومن ينتصر لأخ باغٍ بالحميَّة والعـصبـية وهـو عالم بظلمه وبغيه، فهؤلاء أعانوا ذلك الظالم ليستمتع بدنياه، ويتمكن فيها، فأذهبوا آخرتهم ولم يستفيدوا هم شيئًا من الدنيا وإنما استفاد غيرهم بها.

 

وفي الختام يجدر البيان: أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعضِّد بعضها بعضًا، لا يكذب بعضها بعضًا، وتعدد أوصاف خيار الناس وشرارهم لا يُفهم منه التعارض، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يذكر في أحاديثه أوصاف خيار الناس وشرارهم، وكذلك ذكر خير الأعمال وشرها، بما يراعي به حال السائل، أو بما يعلم به أمته من أحوال متعددة، يمكن أن يُوصف فيها المرء بالخير فيزيد فيها، أو يوصف فيها بالشر فيحذر منها.

 

وإجمالًا: إن قاعدة الخير والفضل ليست مدببة، وإنما تتسع لتشمل كثيرًا من الأعمال وأصناف الناس، وكذلك قاعدة الشر، فمن أراد أن يحظى بالخيرية فلْيستَزِدْ من أوصاف خيار الناس وأعمالهم، وأن يهذِّب نفسه بالتخلص من أوصاف شرار الناس وأعمالهم، نسأل الله التوفيق والسداد، ونعوذ به من الخذلان.

 

والحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله.



[1] رواه البخاري (2652) ومواضع، ومسلم (2533).

[2] رواه البخاري (5027)، وأبو داود (1452)، والترمذي (2907)، وابن ماجه (211).

[3] فتح الباري: (9/ 76).

[4] رواه البخاري (3559) ومواضع، مسلم (2321).

[5] رواه البخاري (2305)، ومسلم (1601).

[6] رواه الترمذي (2263)، وأحمد (8812)، وابن حبان (527)، والبيهقي في الشعب (10753).

[7] رواه الترمذي (3895)، والدارمي (2306)، وابن حبان (4177)، والطبراني في الأوسط (6145).

[8] رواه أحمد (23926)، وابن أبي شيبة (483)، والحاكم (7739)، والبيهقي في الشعب (8565).

[9] رواه أبو داود (672)، وابن خزيمة (1566)، وابن حبان (1756)، والبيهقي في الكبرى (5188).

[10] رواه الترمذي (2329)، وأحمد (17698)، وابن أبي شيبة (34420)، والبيهقي في الشعب (512).

[11] رواه الطبراني في الأوسط (5787)، والشهاب القضاعي (129)، والبيهقي في الشعب (7252).

[12] رواه الترمذي (1944)، وأحمد (6566)، والحاكم (1620)، والدارمي (2481)، وابن خزيمة (115)، وابن حبان (518).

[13] رواه ابن ماجه (4216)، والبيهقي في الشعب (4462)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (45)، والطبراني في مسند الشاميين (1218).

[14] رواه النسائي (2569)، والترمذي (1652)، وأحمد (2116)، والدارمي (2440)، وابن حبان (604)، والطبراني (10767)، والحاكم (2387).

[15] رواه البخاري (2651) ومواضع، ومسلم (2535).

[16] رواه البخاري (6054) ومواضع، ومسلم (2591).

[17] رواه الترمذي (2330)، وأحمد (20415)، وابن أبي شيبة (34424)، والدارمي (2784)، والبزار (3623)، والحاكم (1256).

[18] رواه البخاري (6419)، والبيهقي في الكبرى (6517)، وابن منده في التوحيد (106).

[19] رواه أحمد (4342)، وابن أبي شيبة (11816)، والبزار (1724)، وأبو يعلى (5316)، وابن خزيمة (789)، وابن حبان (6847)، والطبراني (10413).

[20] رواه مسلم (2937)، وأبو داود (4321)، والترمذي (2240)، وابن ماجه (4075)، وأحمد (17629).

[21] رواه البخاري (427)، ومواضع، ومسلم (528).

[22] الأم: (1/ 317).

[23] المجموع شرح المهذب: (5/ 316).

[24] الجامع لأحكام القرآن: (10/ 379).

[25] فتح الباري: (3/ 208).

[26] الأمر بالاتباع ص (115 - 117).

[27] رواه مسلم (2985)، وابن ماجه (4202)، وأحمد (7999).

[28] رواه البخاري (6058) - (7179)، ومسلم (2526).

[29] رواه مسلم (1437)، وابن أبي شيبة (17559).

[30] رواه النسائي (3106)، وابن أبي شيبة (19509)، وأحمد (11319)، والحاكم (2380).

[31] شرح الطحاوية (1/ 172) - الأوقاف السعودية.

[32] التمهيد: (17/ 430).

[33] رواه ابن المبارك في الزهد: (1/ 274).

[34] رواه الدارمي (382).

[35] رواه ابن ماجه (3966)، والطبراني (7559).

[36] رواه أبو نعيم في الحلية: (5/ 325).

[37] جامع بيان العلم (2/ 906).

[38] رواه الدارمي (673).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حديث: إن من خياركم أحسنكم أخلاقا
  • الكفاءة والخيار، وعشرة النساء، والصداق
  • خيار الناس ( خطبة )
  • خيار المجلس
  • خيار الشرط
  • مدة خيار الشرط

مختارات من الشبكة

  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • شرح حديث أبي هريرة: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خيار من خيار(مقالة - ملفات خاصة)
  • خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعوة السلفية في السودان: خيارات الوحدة وخيار الانفصال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حديث: إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • مخطوطة بيان فضل خيار الناس والكشف عن مكر الوسواس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة شرح حديث ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة فائدة في شرح عبارة بعض الناس : فلان خيار ضعيف(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب