• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

{وإذا غدوت من أهلك}

{وإذا غدوت من أهلك}
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/1/2025 ميلادي - 5/7/1446 هجري

الزيارات: 578

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾

 

قال تعالى: ﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 121 - 123].

 

لما حذَّر الله تعالى المؤمنين من اتخاذ بطانة من أهل الكفر والنفاق، وأخبرهم أنهم متى صبروا واتقوا، لا يضرهم كيدُ أعدائهم شيئًا، ذكَّرهم بموقفين؛ أحدهما: لم يصبروا فيه ولم يتقوا، فأصابتهم الهزيمة؛ وهو غزوة أحد، والثاني: صبروا فيه واتقوا، فانتصروا وهزموا عدوهم؛ وهو غزوة بدر.

 

﴿ وَإِذْ ﴾ واذكر إذ ﴿ غَدَوْتَ ﴾ الغُدُوُّ: الذهاب أول النهار، ويُذكَر الغدو مقابلًا بالآصال؛ أي: وقت العصر وقبل المغرب؛ كما قال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾ [النور: 36].

 

وأيضا قُوبِلت الغداة بالعشيِّ، وقد يُطلَق الغُدُوُّ على الذهاب، ويكون مقابلًا للرَّواح؛ ومن ذلك قوله تعالى في الرياح: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ﴾ [سبأ: 12]، وذلك لأن الذهاب عادة يكون في البُكُور.

 

﴿ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ من منزلك من عند عائشة، وأهل الرجل زوجُه وأولاده، و"من" لابتداء الغاية؛ أي: إن مُبتدأ هذه الغدوة من أهله، من المدينة؛ حيث خرج صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الجمعة، وأصبح بالشِّعب غدوة يوم السبت حيث نزل المشركون به يوم الأربعاء.

 

فسَّر أكثر العلماء ﴿ غَدَوْتَ ﴾ بأصلها، وهو الخروج غدوة؛ أي: بُكرة، ثم استشلكوا أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى أُحُدٍ بعد صلاة الجمعة، كما اتفقت عليه كلمة أهل السِّيَر.

 

وأجاب ابن جرير بأن "غُدُوَّه ليُبوِّئهم مقاعدَ، إنما كان يوم السبت أول النهار"، فهي حال مقدَّرة؛ أي: خرجت قاصدًا التَّبْوِئةَ؛ لأن وقت الغدو لم يكن وقت التَّبوئة.

 

وقال في (فتح البيان): "وعبَّر عن الخروج بالغدو الذي هو الخروج غدوة، مع كونه صلى الله عليه وسلم خرج بعد صلاة الجمعة؛ لأنه قد يُعبَّر بالغدوة والرواح عن الخروج والدخول من غير اعتبار أصل معناهما، كما يُقال: أضحى، وإن لم يكن في وقت الضحى".

 

﴿ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ تُنزِل المجاهدين الأماكنَ التي رأيتَها صالحةً للنزول فيها من ساحة المعركة.

 

وأصل التَّبَوُّءِ اتخاذ المنزل: بوَّأتُه منزلًا: إذا أسكنْتُه إياه؛ ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا ﴾ [يونس: 87]، ومنه قوله عليه السلام: ((من كذَبَ عليَّ متعمدًا، فليتبوَّأ مقعده من النار))؛ [مسلم]؛ أي: ليتخذ فيها منزلًا.

 

وفيه شهادة الله سبحانه وتعالى للذين خرجوا في أُحُدٍ بأنهم مؤمنون؛ لأن المنافقين انخذلوا قبل أن يصِلُوا إلى مكان القتال؛ فقد رجعوا في أثناء السير.

 

﴿ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ﴾ المقاعد: جمع مَقْعَد؛ وهو مكان القعود، وهذا بمنزلة: مواطن ومواقف، ولكن لفظ القعود دال على الثبوت، ولا سيما أن الرماة كانوا قعودًا، وكذلك كانت صفوف المسلمين أولًا.

 

وقد شاع استعمل المقعد والمقام في معنى المكان؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 55]، وقوله: ﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾ [النمل: 39].

 

وجَمَعَ المقاعد لأنه عيَّن لهم مواقفَ يكونون فيها: قلبًا وميمنة وميسرة، ومقدَّمة وساقة، وذلك هو الخميس، وبيَّن لكل فريق منهم موضعهم الذي يقفون فيه.

 

فعبَّر عن المواقف بالمقاعد للإشارة إلى وجوب الثبات والسكون؛ حتى لا يتحركوا إلا بأمرٍ من القائد الأعظم؛ وهو النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وقد كان الثباتُ سببَ النصر في غزوة أُحُدٍ، والهزيمة كان سببها عدم استمرار الرُّماة في البقاء في مواقفهم.

 

والمقصود المواقع للجماعات من الجيش، وهي التعبئة حسب ظروف الموقعة، كما فَعَلَ صلى الله عليه وسلم في وضع الرُّماة في أعلى الجبل؛ حمايةً لظهورهم من التفاف العدو بهم لطبيعة المكان، وكما فعل في غزوة بدرٍ؛ حيث رصَّهم وسوَّاهم بقضيب في يده أيضًا لطبيعة المكان، وهكذا فلا بد من كل وقعة من مراعاة موقعها، بل مراعاة ظروف السلاح والمقاتِلة.

 

وهذه الآية هي افتتاح قصة غزوة أُحُدٍ، وقد أُنزل فيها ستون آية، وأُشير في هذه السورة إلى بعض الحِكَمِ والغايات المحمودة التي في هذه الوقعة، وكانت وقعة أُحُدٍ يوم السبت الحادي عشر من شوال سنة ثلاث من الهجرة.

 

وكان سببها أن المشركين حين قُتِلَ مَن قُتِلَ من أشرافهم يوم بدرٍ، وسلِمت العِيرُ بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سفيان، فلما رجع قفلهم إلى مكة قال أبناء من قُتِل، ورؤساء من بقي لأبي سفيان: "ارصُد هذه الأموالَ لقتال محمد"، فأنْفِقُوها في ذلك، وجمعوا الجموع والأحابيش - وهم جماعات من قبائل شتى - وأقبلوا في قريب من ثلاثة آلاف، فنزلوا عند أُحُدٍ على شفير الوادي بقناة تلقاء المدينة، يوم الأربعاء، الثامن من شوال، سنة ثلاث من الهجرة، على رأس أحد وثلاثين شهرًا من الهجرة، فأقاموا هنالك، وجاؤوا بنسائهم لئلا يفِرُّوا ليُحاموا عنهن.

 

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا وهو بالمدينة أن في سيفه ثُلْمَةً، ورأى أن بقرًا تُذبح، وأنه أدخل يده في درعٍ حصينة، فتأوَّل الثُّلمة في سيفه برجلٍ يُصاب من أهل بيته، وتأوَّل البقر بنفرٍ من أصحابه يُقتَلون، وتأوَّل الدِّرع بالمدينة؛ [أخرجه مسلم]، فكان كل ذلك على ما هو معروف مشهور من تلك الغَزَاة.

 

فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فلما فرغ منها صلى على رجل من بني النجار، يُقال له: مالك بن عمرو، واستشار الناس: أيخرج إليهم أم يمكُث بالمدينة؟

 

وكان رأيه ألَّا يخرجوا من المدينة، وأن يتحصنوا بها، فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه الأزِقَّة، والنساء والأطفال من فوق البيوت بالحجارة، ووافقه على هذا الرأي عبدالله بن أُبَيِّ بن سلول، والمنافقون كان رأيهم هذا ليس نصحًا، ولكن جبنًا وخوفًا من حرِّ القتال، وكان هو الرأي، فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر، وأشاروا عليه بالخروج، وألحُّوا عليه في ذلك، فنهض ودخل بيته، ولَبِس لَأْمَتَه - وهو ما يُوضَع على الرأس للحرب - وخرج عليهم وقد انثنى عزم أولئك الْمُلِحِّين، وقالوا: أكْرَهْنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج، فقالوا: يا رسول الله، إن أحببتَ أن تمكُثَ في المدينة، فافْعَلْ.

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ينبغي لنبيٍّ إذا لَبِسَ لَأْمَتَه أن يرجع حتى يحكم الله له)).

 

فسار عليه السلام يوم الجمعة في ألف من أصحابه، واستعمل ابنَ أمِّ مكتوم على الصلاة ببقية المسلمين في المدينة.

 

فلما كان بالشوط بين المدينة وأُحُدٍ، رجع عبدالله بن أبي في ثلث الجيش مُغضبًا؛ لكونه لم يرجع إلى قوله وقال: "أطاعهم، وعصاني... يا قوم علامَ نقتل أنفسنا وأولادنا؟"، فتبِعهم عبدالله بن عمرو، والد جابر، يُوبِّخهم ويحضُّهم على الرجوع ويقول: تعالَوا قاتلوا في سبيل الله، أو ادفعوا، قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع، فرجع عنهم وسبَّهم، وسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم قومٌ من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من يهود، فأبى، وسلك حَرَّةَ بني حارثة، ومرَّ بين الحوائط، وأبو خيثمة من بني حارثة يدل به، حتى نزل الشِّعب من أُحُدٍ في عُدْوَةِ الوادي، وجعل ظهره وعسكره إلى أُحُدٍ وقال: ((لا يقاتلن أحدٌ حتى نأمره بالقتال)).

 

فلما أصبح يوم السبت تعبَّى للقتال وتهيَّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة من أصحابه، وأمَّر على الرُّماة عبدالله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف، والرُّماة يومئذٍ خمسون رجلًا فقال لهم: ((انْضَحوا الخيلَ عنا، ولا نُؤتَيَنَّ من قِبلكم، والزموا مكانكم، إن كانت النَّوبة لنا أو علينا، وإن رأيتُمونا تخطفنا الطَّيرُ، فلا تبرحوا مكانكم)).

 

وظاهَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين، وأعطى اللواء مصعبَ بن عمير أخا بني عبدالدار.

 

وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الغلمان يومئذٍ وأرجأ آخرين، حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من سنتين.

 

قيل: أجاز من أجازه، لبلوغه بالسن خمس عشرة سنة، وردَّ من ردَّ لصغره عن سن البلوغ، وقالت طائفة: إنما أجاز من أجاز لإطاقته، وردَّ من ردَّ لعدم إطاقته، ولا تأثير للبلوغ وعدمه في ذلك، قالوا: وفي بعض ألفاظ لحديث ابن عمر: "فلما رآني مُطيقًا، أجازني".

 

وتعبَّأت قريشٌ وهم ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فَرَسٍ قد جنَّبوها، فجعلوا على مَيمَنة الخيل خالدَ بن الوليد، وعلى الْمَيْسَرة عكرمةَ بن أبي جهل، ودفعوا إلى بني عبدالدار اللواءَ.

 

ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفَه إلى أبي دُجانة سِمَاكِ بنِ خَرَشَةَ، وكان شجاعًا بطلًا يختالُ عند الحرب، وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر الفاسق، واسمه: عبد بن عمرو بن صيفي، وكان يسمى الراهب لترهُّبه وتنسُّكه في الجاهلية، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسقَ، وكان رأسَ الأوس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام شَرِقَ به، وجاهَرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة، فخرج من المدينة، وذهب إلى قريش يؤلِّبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحضهم على قتاله، ووعدهم بأن قومه إذا رأوه، أطاعوه ومالوا معه، فكان أول من لقِيَ من المسلمين، فنادى قومه وتعرَّف إليهم، قالوا: لا أنعم الله لك عينًا يا فاسق!

 

فقاتل المسلمين قتلًا شديدًا، وأبلى يومئذٍ حمزةُ وطلحةُ وشيبةُ، وأبو دجانة والنَّضر بن أنس بلاءً شديدًا، وأُصيب جماعة من الأنصار مُقبِلين غير مدبرين واشتد القتال، وكانت الدَّولةُ أول النهار للمسلمين على الكفار، فانهزمت أعداء الله، وولَّوا مدبرين حتى انتهَوا إلى نسائهم.

 

فلما رأى الرماة هزيمتهم، تركوا مركزهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه، وقالوا: يا قوم، الغنيمةَ الغنيمةَ، فذكَّرهم أميرهم عهدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يسمعوا، وظنوا أن ليس للمشركين رجعةً، فذهبوا في طلب الغنيمة، وأخلَوا الثَّغر، ولم يُطِعْ أميرهم منهم إلا نحو العشرة، فكرَّ المشركون وقتلوا من بَقِيَ من الرماة، ثم أتَوا الصحابة من ورائهم وهم ينتهبون، فأحاطوا بهم، واستُشهد منهم من أكرمه الله، ووصل العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتل مصعب بن عمير صاحب اللواء دونه حتى قُتِلَ.

 

وفيها جُرح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه، وكُسرت رَبَاعِيَتُه اليُمنى السُّفلى بحَجَرٍ، وهُشمت البَيضةُ من على رأسه صلى الله عليه وسلم، وكان الذي تولَّى ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن قميئة الليثي، وعتبةُ بن أبي وقَّاص.

 

قال الواقدي: "والثابت عندنا أن الذي رمى في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنُ قميئة، والذي دَمَىَ شَفَتَه وأصاب رَبَاعِيَتَه عتبةُ بن أبي وقاص".

 

وشدَّ حنظلة الغَسِيلُ على أبي سفيان ليقتله، فاعترضه شداد بن الأسود الليثي، من شعوب، فقتله، وكان جُنُبًا، فأخبر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة غسَّلته.

 

وأكبَّت الحجارة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سقط من بعض حُفَرٍ هناك، فأخذ عليٌّ بيده، واحتضنه طلحةُ حتى قام، ومصَّ الدمَ مِن جُرْحِه مالكُ بن سنان الخدريُّ، والد أبي سعيد، ونشبت حلقتان من حِلَقِ الْمِغْفَرة في وجهه صلى الله عليه وسلم، فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح، فنَدَرَتْ ثَنِيَّتاه، فصار أهْتَمَ.

 

ولحِق المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرَّ دونه نفر من المسلمين، فقُتلوا كلهم، وكان آخرهم عمار بن يزيد بن السكن، ثم قاتل طلحةُ حتى أُجهِض المشركون.

 

وأبو دجانة يلي النبيَّ صلى الله عليه وسلم بظهره، وتقع فيه النَّبل فلا يتحرك، وأُصيبت عين قتادة بن النعمان، فرجع وهي على وجنته، فردَّها عليه السلام بيده فصحَّت، وكانت أحسن عينيه.

 

وانتهى النضر بن أنس إلى جماعة من الصحابة وقد دَهِشُوا، وقالوا: قُتِلَ رسول الله، فقال: فما تصنعون في الحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم استقبل الناس وقاتل حتى قُتِلَ، ووُجِدَ به سبعون ضربة، وجُرِحَ يومئذٍ عبدالرحمن بن عوف عشرين جراحة، بعضها في رجله، فعرَجَ منها.

 

ونادى الشيطان: أَلَا إنَّ محمدًا قد قُتِلَ، لأن عمرو بن قميئة كان قد قتل مصعب بن عمير، يظن أنه النبي صلى الله عليه وسلم، ووهن المسلمون لصريخ الشيطان.

 

ثم إن كعب بن مالك الشاعرَ، من بني سلمة، عرَف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادى بأعلى صوته يُبشِّر الناس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: ((أنْصِتْ)).

 

فاجتمع عليه المسلمون ونهضوا معه نحو الشِّعب، وأدركه أبي بن خلف في الشعب، فتناول صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة وطعنه بها في عنقه، فكرَّ أُبَيٌّ منهزمًا، وقال له المشركون: ما بك من بأسٍ، فقال: والله لو بصق عليَّ لَقَتَلني، وكان صلى الله عليه وسلم قد توعَّده بالقتل، فمات عدو الله بسرف، مرجِعِهم إلى مكة، ثم جاء عليٌّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالماء، فغسل وجهه ونهض، فاستوى على صخرة من الجبل، وحانت الصلاة فصلَّى بهم قعودًا، وغفر الله للمنهزمين من المسلمين، وقُتِل من المهاجرين يوم أُحُدٍ أربعةٌ، ومن الأنصار سبعون رضي الله عنهم.

 

أما الشهداء فحملهم أهلهم إلى المدينة ليدفنوهم في البقيع، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يُرَدُّوا إلى مصارعهم، ويُدفنوا هناك في أُحُدٍ، ففعلوا.

 

﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 121] السميع يتعلق بالأصوات، والعليم يتعلق بما هو أعم، بما يُدرَك بالسمع وما يُدرَك بالبصر، وغير ذلك، فالعليم هو من أوسع الأسماء دلالة.

 

وجاءت هاتان الصفتان هنا؛ لأن في ابتداء هذه الغزوة مشاورة ومجاوبة بأقوال مختلفة، وانطواء على نيَّاتٍ مضطربة، حسبما تضمنته قصة غزوة أحد.

 

فذيَّل الله سبحانه وتعالى الآيةَ الكريمة بهذا النص السامي لبيان أنه تعالى مُطَّلع على ما كان يجري بين المؤمنين وبين النبي صلى الله عليه وسلم من مشاورات، وما استقر عليه رأيُ كثرتهم، ثم نزوله عليه الصلاة والسلام عند رأي الكثرة، ثم عدول الكثرة إلى رأي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قول النبي لهم معتزمًا إمضاءَ ما قرروا أولًا، وإن كان غيرَ رأيه الذي مال إليه، ليعلمهم أن التردد ولو للصواب المحتمل ضرره أكثر من الْمُضِيِّ ولو في الرأي المحتمل للخطأ، فإن صواب الحروب وخطأها لا يتبين، وإن التردد فيها يقتل، والْمَضاء فيها ينصُرُ.

 

وبيَّن بهذا التذييل أيضًا أن الله تعالى عليم بخفايا القلوب، فهو يعلم ما تهُمُّ به قلوب المؤمنين، وما تُوسوس به قلوب المنافقين، وما يبثُّونه من روح الذُّعر والهلع في نفوس المؤمنين، وبحديثهم الذي يلقى استجابةً في قلوب ضعفاء الإيمان.

 

﴿ إِذْ ﴾ اذكر إذ ﴿ هَمَّتْ ﴾ حدَّثت نفسها بالرجوع إلى المدينة، وتوجهت إرادتها إلى ذلك.

 

وتقول العرب: هَمَمْتُ وهَمْتُ يحذفون أحد المضعفين كما قالوا: أَحَسْتُ أَحْسَسْتُ.

 

وأول ما يمرُّ الأمر بالقلب يُسمَّى خاطرًا، فإذا تردَّد صار حديثَ نفسٍ، فإذ ترجَّح فِعْلُه صار همًّا، فإذا قوِيَ واشتدَّ صار عزمًا، فإذا قوِيَ العزم واشتدَّ، حصل الفعل أو القول.

 

والحاصل أن «الهمَّ» حديث النفس واتجاهها إلى أمر مُعيَّن من غير تنفيذ، فإذا أخذ طريقَ التنفيذ فهو إرادة وعزيمة؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ﴾ [التوبة: 74].

 

﴿ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ ﴾ هما بنو سَلَمَةَ من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وكانا جناحي العسكر يوم أُحُدٍ.

 

وقوله: ﴿ طَائِفَتَانِ ﴾ إشارة لطيفة إلى الكناية عمن يقع منه ما لا يناسب والستر عليه، إذ لم يُعيِّن الطائفتين بأنفسهما، ولا صرَّح بمن هما منه من القبائل سترًا عليهما.

 

﴿ أَنْ تَفْشَلَا ﴾ تجْبُنا وتضعُفا وتعودا إلى ديارهما، وتُحجِما عن ملاقاة العدو، تاركين الرسولَ صلى الله عليه وسلم ومن معه يخوضون المعركة وحدهم.

 

وقيل: الفشل في البدن: الإعياء، وفي الحرب: الجُبن والخَور، وفي الرأي: العجز والفساد.

 

فالفشل ضعف مع جبن؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46]، ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 152].

 

وفيه أن الدعاية ولو كانت باطلة، ربما تؤثر حتى في المؤمن.

 

﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ﴾ متولِّي أمرهما وناصرهما؛ ولذا عصمهما من ترك السير إلى المعركة، وفيه أن ولاية الله تعالى للعبد تَقِيه مصارع السوء، وتُجنِّبُه الأخطار.

 

وهذه ولاية خاصة، فولاية الله تعالى تنقسم إلى ولاية عامة وخاصة، فالولاية بمعنى التدبير للشؤون ولاية عامة، والتي بمعنى العناية ولاية خاصة؛ لأن الإنسان إذا همَّ بمعصية، ثم حصل له من عند الله ما يمنعه، فهذه ولاية خاصة.

 

روى البخاري: حدثنا علي بن عبدالله، حدثنا سفيان، قال عمرو: سمعت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما يقول: فينا نزلت: ﴿ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ﴾ [آل عمران: 122]، قال: "نحن الطائفتان؛ بنو حارثة وبنو سلمة، وما نحب - وقال سفيان مرةً: وما يسرني - أنها لم تنزل؛ لقول الله: ﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ﴾ [آل عمران: 122]".

 

أي: لفرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله تعالى، وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية، وأن تلك الهِمَّة ما أخرجتهم عن ولاية الله تعالى.

 

والهمُّ من الطائفتين كان بعد الخروج، لما رجع عبدالله بن أبي بمن معه من المنافقين، فحفِظ الله قلوبهم فلم يرجعوا؛ فذلك قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ﴾ [آل عمران: 122]؛ يعني: قلوبهما عن تحقيق هذا الهم.

 

وقيل: إن عبدالله بن أبي بن سلول دعاهما إلى الرجوع عن لقاء المشركين يوم أُحُدٍ، فهمَّا به ولم يفعلا.

 

وقيل: أرادوا التقاعد عن الخروج، وكان ذلك صغيرة منهم.

 

وقيل: كان ذلك حديثَ نفسٍ منهم خَطَرَ ببالهم، فأطلع الله نبيه عليه السلام عليه، فازدادوا بصيرة، ولم يكن ذلك الخور مكتسبًا لهم فعصمهم الله، وذمَّ بعضهم بعضًا، ونهضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أطلَّ على المشركين.

 

والمعنى: اذكر أيها النبي الكريم أنت وأُمَّتك أثرَ إفساد المنافقين إذ اتخذتم منهم بطانة، اذكر ذلك ﴿ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا ﴾ [آل عمران: 122]؛ أي: إذ حدَّثت نفسها طائفتان من المؤمنين لا من المنافقين، أن تفشلا وتضعُفا في وقت الشديدة والكريهة، مع أن الله تعالى وليهما وناصرهما، ومن يكُنِ الله معه لا ينهزم، إلا إذا خالف أوامر الله وأوامر نبيِّه وقائده الأعلى، فذكر ولاية الله تعالى في هذا المقام لسببين:

أحدهما: أن المنافقين استطاعوا أن يؤثروا في المؤمنين ذلك التأثيرَ، مع أن المؤمن يشعر دائمًا بولاية الله تعالى وعزته، وأنه سبحانه وتعالى ينصر من ينصره، وهو القوي العزيز، وأن هذا يُوجِب أن يعمل الهادي والْمُرشِد على أن يصون نفوس المؤمنين من أن يدخل إليها شياطين الإنس من المنافقين والمخادعين.

 

الثاني: أن ذلك فيه معنى التوبيخ لأولئك الذين تأثرت نفوسهم بأولئك المنافقين؛ لأنه ما كان ينبغي لهم أن يستمعوا إلى دعاية المنافقين، أو أن يفتحوا لها بابًا تدخُل منه إلى قلوبهم، ولكن هكذا البشر تتسرب إلى نفوسهم وسوسة الشيطان من حيث لا يشعرون.

 

﴿ وَعَلَى اللَّهِ ﴾ قُدِّمت لإفادة الحصر؛ أي: يتوكلون على الله لا على غيره، ﴿ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 122]، وأتى به عامًّا لتندرج الطائفتان الهامَّتان وغيرهم في هذا الأمر، وأن متعلقه من قام به الإيمان.

 

والتوكل: تفعُّل من وَكَلَ أمرُه إلى فلان، إذا اعتمد في كفايته عليه، ولم يتولَّه بنفسه، بل فوَّض غيره فيه.

 

وقول عامة الفقهاء: التوكل على الله هو الثقة بالله بأنه سيُعينك ويكفيك، والإيقان بأن قضاءه ماضٍ، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في السعي فيما لا بد منه من الأسباب من مَطْعَمٍ ومَشْرَبٍ، وتحرُّزٍ من عدو، وإعداد الأسلحة، واستعمال ما تقتضيه سنة الله تعالى المعتادة.

 

فتوكلت الطائفتان على الله، وواصلتا سيرهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلَّمهما الله من أشرِّ ذنب وأقبحه.

 

وفيه أنه إذا قَوِيَ الإيمان، قَوِيَ التوكل على الله؛ لقوله: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 122]، بِناءً على قاعدة معروفة؛ وهي أن ما عُلِّق على وصف يَقْوَى بقوته، ويضعُف بضعفه.

 

هذا الموقف في غزوة أُحُدٍ المقصود منه التذكير بعاقبة عدم الصبر وترك التقوى.

 

قال الواقدي بإسناده عن نافع بن جبير قال: سمعت رجلًا من المهاجرين يقول: شهدت أُحُدًا فنظرت إلى النَّبْلِ تأتي من كل ناحية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها، كلُّ ذلك يُصرَف عنه.

 

ولقد رأيت عبدالله بن شهاب الزهري يقول يومئذٍ: دُلُّوني على محمد، دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا، وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ما معه أَحَدٌ ثم جاوزه، فعاتبه في ذلك صفوانُ، فقال: والله ما رأيتُه، أحلف بالله، إنه منا ممنوع، خرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله، فلم نخلُص إلى ذلك.

 

وأكبَّت الحجارة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سقط في حفرة، كان أبو عامر الراهب قد حفرها مكيدة للمسلمين، فخرَّ عليه السلام على جنبه، واحتضنه طلحة حتى قام، ومصَّ مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم الدمَ، وتشبَّثت حلقتان من دِرعِ الْمِغْفَرِ في وجهه صلى الله عليه وسلم، فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح، وعضَّ عليهما بثَنِيَّتَيه فسقطتا، فكان أهتمَ يَزِينه هَتَمُه رضي الله عنه.

 

وفي هذه الغزاة قُتِلَ حمزة رضي الله عنه، قتله وحشيٌّ، وكان وحشي مملوكًا لجُبير بن مطعم، وقد كان جبير قال له: إن قتلت محمدًا، جعلنا لك أعِنَّة الخيل، وإن أنت قتلتَ علي بن أبي طالب، جعلنا لك مائة ناقة كلها سُودُ الحَدَقِ، وإن أنت قتلتَ حمزة فأنت حرٌّ.

 

فقال وحشي: أمَّا محمد فعليه حافظ من الله لا يخلص إليه أحد، وأما عليٌّ فما برز إليه أحد إلا قتله، وأما حمزة فرجل شجاع، وعسى أن أصادفه فأقتله، وكانت هندُ كلما تهيأ وحشي أو مرَّت به، قالت: إيها أبا دَسْمَةَ، اشفِ واستَشْفِ.

 

فكمَن له خلف صخرة، وكان حمزة حَمَلَ على القوم من المشركين، فلما رجع من حملته ومرَّ بوحشي، زرقه بالمزراق فأصابه، فسقط ميتًا، رحمه الله ورضي عنه.

 

قال ابن إسحاق: "فبقرت هندُ عن كبد حمزة، فلاكتها، ولم تستطع أن تُسيغها فلفِظتها؛ لإِحْنَةٍ كانت في قلبها عليه إذ قتل أباها عتبةَ يوم بدر، ثم عَلَت على صخرة مُشرفة، فصرخت بأعلى صوتها فقالت:

نحن جزيناكم بيوم بدر         والحرب بعد الحرب ذات سعر".

 

وفي الآية إشارة إلى أنه ينبغي أن يدفع الإنسان ما يعرِض له من مكروه وآفةٍ بالتوكل على الله، وأن يصرِفَ الجَزَعَ عن نفسه بذلك التوكل.

 

﴿ وَلَقَدْ ﴾ هذه الجملة مؤكدة بأمور ثلاثة؛ الأول: القَسَم المقدَّر، الثاني: اللام، والثالث: قد؛ لأن التقدير: "والله لقد نصركم الله".

 

﴿ نَصَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ ذكر تعالى في هذا الموقف النصرَ لأنه خير، ولم يقُل في الموقف الأول: "ولقد هزمكم الله بأحد وأنتم أعزة"؛ لأنه تعالى حَيِيٌّ كريم، فاكتفى بتذكيرهم بالغزوة فقط، وهم يذكرون هزيمتهم فيها، ويعلمون أسبابها؛ وهي عدم الطاعة، وقلة الصبر.

 

والنصر المشار إليه ببدر بالملائكة، أو بإلقاء الرعب، أو بكفِّ الحصى التي رمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بإرادة الله لقوله: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [الأنفال: 10] على أقوال.

 

والنصر ببدر هو اليوم المشهور الذي قُتِلَ فيه صناديد وسادة قريش، وأئمة الشرك، وحسبك بأبي جهل ابن هشام، وعلى يوم بدر انبنى الإسلام.

 

﴿ بِبَدْرٍ ﴾ الباء هنا بمعنى (في)، كما في قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ ﴾ [الصافات: 137، 138] يعني: في الليل.

 

وبَدْرٌ موضع بين الحرمين، إلى المدينة أقرب، تُعرَف ببئرها، منسوبة إلى رجل حفرها يُقال له: "بدر بن النارين"، وهي الآن قرية تبعُد عن المدينة النبوية بنحوٍ من مائة وخمسين ميلًا «كيلومترًا واحدًا».

 

وعلى العكس ففي غزوة بدر صبر فيها المؤمنون، واتقوا أسباب الهزيمة، فنصرهم الله، وأنجز لهم ما وعدهم لأنهم صبروا واتقوا، فقتلوا سبعين رجلًا من المشركين، وأسَرُوا سبعين، وغنِموا غنائم طائلة.

 

وقد كانت غزوة بدر وليس بين المؤمنين منافقون؛ لأن أولئك المنافقين ما دخلوا إلا بعد أن وجدوا أن كلمة الله هي العليا، فأظهروا الإسلام وأبطنوا غيره، وكان منهم يهود ومنهم مشركون، فكان المسلمون قلة، ولكن لأنه لم يكن بينهم منافقون، ولم يتخذوا بطانة من غيرهم، نصرهم الله سبحانه وتعالى.

 

وفيه أن القلة مع نقاء القلوب وتلاقي العزائم يكون معها النصر؛ لأن توحيد الغرض قوة في ذاته تُكافِئ قوة العتاد والعُدَّة.

 

ويوم بدر كان في جمعة وافق السابع عشر من رمضان، من سنة اثنتين من الهجرة، وهو يوم الفرقان الذي أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله، ودمغ فيه الشرك وخرب محله، هذا مع قلة عدد المسلمين يومئذٍ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، فيهم فرس واحد، وسبعون بعيرًا، والباقون مشاة، ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه، وكان العدو يومئذٍ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبِيضِ، والعُدَّة الكاملة، والخيول المسوَّمة، والحَلْيِ الزائد، فأعز الله رسوله، وأظهر وحيَه وتنزيله، وبيَّض وجه النبي وقَبِيلِهِ، وأخزى الشيطان وجِيلَه.

 

﴿ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ لقلة عَدَدِكم وعُدَدِكم، وتفوُّق العدو عليكم، فاسم الذل في هذا الموضع مستعار، ولم يكونوا في أنفسهم إلا أعزة، ولكن نسبتهم إلى عدوهم وإلى جميع الكفار في أقطار الأرض تقتضي عند التأمل ذِلَّتَهم في أعْيُنِ غيرهم، وأنهم يُغلَبون.

 

وذلك أنهم خرجوا على النَّواضِحِ، يعتقب النفر منهم على البعير الواحد، وما كان معهم إلا فرس واحد، وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، وكان عدوهم في حال كثرة زُهاءَ ألفِ مقاتلٍ، ومعهم مائة فرس.

 

وأذلة جمع ذليل، وجمع الكثرة ذُلَّان، فجاء على جمع القلة ليدل أنهم كانوا قليلين عددًا وعُدَّة.

 

وفيه استحسان التذكير بالنِّعم والنِّقم؛ للعِبرة والاتعاظ.

 

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ إذا كان النصر من عنده تعالى، وهو ولي المؤمنين، فعليهم أن يتقوه، والتقوى معناها: استشعار هيبته وجبروته، وعظمته وقوته، وأنه إن أراد بقوم خيرًا، فلا يستطيع أهل الدنيا أن يمنعوه، وإذا أراد بقوم سوءًا، فلا يستطيع أن يمنعه من قوة الله تعالى، فلا عزَّةَ إلا منه، ولا ذلة إلا في عصيانه، وأن التقوى على هذا المعنى تُوجِب الشكر؛ ولذلك قال بعد الأمر بالتقوى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].

 

وهذه الفاء للتفريع، يعني: بهذا النصر الذي نصركم الله يجب عليكم أن تتقوا الله، وألَّا تجعلوا النصر سببًا للأشَرِ والبَطَرِ، كما يفعله من ليس عنده إيمانٌ، إذا انتصر على عدوه، جعل هذا سببًا للأشر والبطر، ودخل البلد وهو يُغنِّي ويَطْرَب، كما ذكر عن بعض مذيعي العرب أيام حربهم مع اليهود يقول: غدًا تُغنَّى الأغاني في تل أبيب، فهل هذا جزاء وشكر النعمة؟!

 

أما الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه دخل مكة عام الفتح وهو من أعظم الانتصارات، مُطَأطِئًا رأسه، خاضعًا لله سبحانه وتعالى، مُتَّقِيًا الله.

 

﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123]، وضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب له.

 

وقيل: (لعل) هنا: للتعليل؛ أي: لأجل أن تنالوا درجة الشاكرين؛ أي: اتقوا الله تعالى وهابوه، وأقِرُّوا بأن الكبرياء له وحده في السماوات والأرض؛ رجاءَ أن تشكروه بهذه التقوى، والرجاء من العبيد لا من الله تعالى، فهو الغنيُّ الحميد، فالتقوى هي في الحقيقة شكر الله تعالى، لأنه سبحانه هو الْمُنْعِمُ وهو الْمُتفضِّل في كل ما يتعلق بالإنسان من نِعَمِ هذا الوجود، وشكره أن تعرف حقَّ ما أسدى، وما تدل عليه النعم من جلال الله وعظمته، فاللهم وفقنا لتقواك، ليتحقق منا شكرك، إنك أنت العليُّ الوهاب.

 

روى الإمام أحمد عن سماك قال: سمعت عياضًا الأشعري قال: "شهدت اليرموكَ وعلينا خمسة أمراء؛ أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض -وليس عياضٌ هذا بالذي حدَّث سماكًا – قال: وقال عمر رضي الله عنه: إذا كان قتالٌ، فعليكم أبو عبيدة قال: فكتبنا إليه إنه قد جاش إلينا الموت - تدفَّق وفاض – واستمددناه، فكتب إلينا: إنه قد جاءني كتابكم تستمدُّوني، وإني أدلكم على من هو أعزُّ نصرًا وأحضر جندًا؛ الله عز وجل، فاستنصروه؛ فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نُصِرَ يومَ بدرٍ في أقل من عُدَّتكم، فإذا أتاكم كتابي هذا، فقاتلوهم ولا تراجعوني، قال: فقاتلناهم فهزمناهم، وقتلناهم أربعة فراسخ، قال: وأصَبْنا أموالًا فتشاوروا، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل رأس عشرةً، قال: وقال أبو عبيدة: من يراهنِّي، فقال شابٌّ: أنا إن لم تغضب، قال: فسبقه، فرأيت عَقِيصَتي أبي عبيدة - العقيصة: الشعر المقصوص، وهو نحوٌ من المضفور - تَنْقِزان - تهتزَّان وتثِبَّان من شدة العَدْوِ والجري - وهو خلفه على فرس عربي.

 

وفيه أن تقوى الله تعالى من الشكر لله؛ لقوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123]، وهذا أمر لا شك فيه أن التقوى من الشكر، بل هي الشكر حقيقة؛ لأن التقوى اتخاذ وقاية من عذاب الله، بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، والشكر هو القيام بطاعة الْمُنْعِم بالقلب واللسان والجوارح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير قول الله تعالى: (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم)

مختارات من الشبكة

  • من صفات عباد الرحمن {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} ، {وإذا مروا باللغو مروا كراما}(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى (بطاقة)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مكارم أخلاق صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلمات في الإخلاص(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • من هدي النبوة(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • شرح حديث أبي هريرة: "حق المسلم: تشميت العاطس"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث أبي هريرة: "حق المسلم: إجابة الدعوة"(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب