• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ
علامة باركود

من معجزات وبركات سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم (خطبة)

من معجزات وبركات سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم (خطبة)
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/12/2024 ميلادي - 29/6/1446 هجري

الزيارات: 4142

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من معجزات وبركات سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم


الخطبة الأولى

الحمد لك يا ألله؛ جعلت الفردوس لعبادك المؤمنين نُزُلًا، فلك الحمد أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، الحمد لله الذي يسَّرها لنا، ويسَّر الأعمال الصالحة لنا، فلم يتخذ السالكون إلى الله سواها شغلًا، وسهَّل لهم سبلَها فلم يسلكوا سواها سبلًا، خلقها قبل أن يخلقهم، وأسكنهم إياها قبل أن يوجدهم، وحفَّها بالمكاره؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملًا، وأودعها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفوق ذلك: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف:108].

 

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، شهادة أدَّخرها لي ولكم إلى يوم المصير، شهادة عبده وابن عبده وابن أَمَتِه، ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته وفضله ومنِّه وكرمه، ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بمنِّه وكرمه ورحمته.

 

وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، شرح الله به الصدور، وأنار به العقولَ، وفتح به أعينًا عميًا وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا.

 

قدْ كانَ هذا الكونُ قبلَ وُصولِه
شُؤْمًا لظالِمِهِ وللمظلوم
لَمَّا أَطَلَّ محمدٌ زَكَتِ الرُّبا
واخضرَّ في البُسْتانِ كلُّ هشيم

 

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإخوة الإيمان، المعجزة هي أمرٌ خارق للعادة، يُظهره الله على يد نبي من أنبيائه؛ ليتحدى بها قومه، وسُميت بذلك لعجز البشر عن الإتيان بمثلها، وهي بمثابة صدق هذا العبد في كل ما أخبر به عن الله؛ كما قال شيخ الإسلام.

 

ولم يَرِدْ لفظ المعجزة في القرآن الكريم، وإنما الوارد هو لفظ الآية، وهي العلامة الدالة على الشيء، وقد أيَّد الله جميع الأنبياء بمعجزات؛ منها ما ذُكر في القرآن أو في السُّنة، ومنها ما لم يُذكر.

 

تنوُّع المعجزة مع بيان الحكمة في ذلك:

آيات الأنبياء التي أيَّد الله بها رسلَه قد اختلفت أنواعها، وتباينت مظاهرها وأشكالها، إلا أنها تجتمع في أن كلًّا منها قد عجز البشر عن أن يأتوا بمثله منفردين أو مجتمعين، فكانت بذلك شاهدَ صدقٍ على الرسالة وحجة قاطعة تُخرس الألسنة، وينقطع عندها الخصوم، ويجب لها التسليم والقبول.

 

ويغلب أن تكون معجزة كلِّ رسول مناسبة لما انتشَر في عصره وبرَز فيه قومه، وعُرفوا بالمهارة فيه؛ ليكون ذلك أدعى إلى فَهْمها، وأعظم في دلالتها على المطلوب، وأمكن في الإلزام بمقتضاها؛ ففي عهد موسى انتشر السحر، ومهَر فيه قومُه حتى أثَّروا به في النفوس، وسحروا أعينَ الناظرين، وأوجس في نفسه خيفةً منه مَن شَهِده، وإن كان عالي الهمة قويَّ العزيمة، فكان ما آتاه الله نبيه موسى فوق ما تبلغه القوى والقدرة، وما يُدرَك بالأسباب والوسائل، وقد أوضح الله ذلك في كثير من الآيات، فقال تعالى: ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ﴾ [طه: 17 - 23]، ولهذا بُهِت السحرة وبطَل ما جاؤوا به من التمويه والتخييل، وامتاز الحق من الباطل؛ قال تعالى في بيان ذلك في المباراة التي كانت بين موسى عليه السلام والسحرة، ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الشعراء: 46 - 48].

 

وفي عهد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، برَع بنو إسرائيل في الطب، فكان مما آتاه الله أن يصوِّر من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله، إلى غير ذلك من الآيات التي ثبت بها رسالته، وقامت بها الحجة على قومه.

 

وفي عهد محمد - صلى الله عليه وسلم - كان العرب قد بلغوا الغاية في الفصاحة وقوة البيان، وجرت الحكمة على ألسنتهم، حتى اتَّخذوا ذلك ميدانًا للسباق والمباراة، فأنزل الله القرآن على رسوله عليه الصلاة والسلام، فكانت بلاغته وبيانه وما تضمَّنه من الحكم والأمثال، إلى جانب ما كان من تأبيد إعجازه، كان ذلك من الأدلة والآيات التي تدل على صدقه في نبوته ورسالته؛ عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[1].

 

وأما معجزاته - صلى الله عليه وسلم - فهي كثيرة، وقد اختلف العلماء في عددها، فمنهم من أوصلها إلى ثلاثة آلاف؛ كما قال ابن حجر، ومنهم من قال دون ذلك، وسبب اختلافهم جلي هو أنه لم يَرِدْ دليلٌ على حصرها في عدد معين، فطفِق كلٌّ منهم يَعد ما يعتبره معجزة، ويُبعد ما لا يراه، أو ما لم يَصِحَّ عنده، وبعضهم بالغ في ذلك حتى قال:

ومعجزات بعدد الرَّمل لو كُتبت
لم يُحصها ماءُ سيحان وجيحان

تسبيح الحصى بين يديه صلى الله عليه وسلم:

إخوة الإيمان، من معجزات سيد ولد عدنان - صلى الله عليه وسلم - تسبيح الحصى في يده الشريفة والصحابة من حوله يسمعون ذلك؛ عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "إني انطلقتُ ألتَمِس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض حوائط المدينة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد، فأقبلتُ إليه حتى سلمتُ عليه، وحصيات موضوعة بين يديه، فأخذهنَّ في يده فسبَّحنَ في يده، ثم وضَعهنَّ في الأرض فسكتنَ، ثم أخذهنَّ فوضعهنَّ في يد أبي بكر فسبَّحنَ في يده، ثم أخذهنَّ فوضعهنَّ في الأرض، فخَرِسنَ - أي: سكتْنَ - ثم أخذهنَّ فوضعهنَّ في يد عمر، فسبَّحنَ في يده، ثم أخذهنَّ فوضعهن في الأرض فخَرِسنَ، ثمَّ أخذهنَّ فوضعهنَّ في يد عثمان فسبَّحنَ، ثم أخذهنَّ فوضعهنَّ في الأرض، فخرسن"[2].

 

سبحان الله العظيم سبحانه الله القائل في كتابه العزيز: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].

 

يقول الشيخ محمد سيد طنطاوي رحمه الله: أي تُنزِّه الله تعالى وتُمجِّده السماوات السبع، والأرض، ومن فيهنَّ من الإنس والجن والملائكة، وغير ذلك، وما من شيء من مخلوقاته التي لا تُحصَى إلا ويسبِّح بحمد خالقه تعالى، ولكن أنتم يا بني آدم: «لا تفقهون تسبيحهم»؛ لأن تسبيحهم بخلاف لغتكم، وفوق مستوى فَهْمكم، وإنما الذي يعلم تسبيحهم هو خالقهم عز وجل، وصدق سبحانه إذ يقول: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].

 

والمتدبر في هذه الآية الكريمة، يراها تبعث في النفوس الخشية والرهبة من الخالق عز وجل؛ لأنها تصرح تصريحًا بليغًا بأن كل جماد وكل حيوان، وكل طير وكل حشرة، بل كل كائن في هذا الوجود، يسبِّح بحمده تعالى.

 

وهذا التصريح يحمِل كلَّ إنسان عاقلٍ على طاعة الله، وإخلاص العبادة له، ومداومة ذكره... حتى لا يكون - وهو الذي كرَّمه ربه وفضَّله - أقلَّ من غيره طاعة لله تعالى[3].

 

ويقارن ابن كثير بين هذه المعجزة ومعجزة أخيه نبي الله داود عليهما السلام، فيقول: "ولا شك أن صدور التسبيح من الحصى الصغار الصم التي لا تجاويف فيها، أعجب من صدور ذلك من الجبال؛ لما فيها من التجاويف والكهوف، فإنها وما شاكلَها تردِّدُ صدى الأصوات العالية غالبًا.. ولكن من غير تسبيح؛ فإن ذلك - أي تِردادها بالتسبيح - من معجزات داود عليه السلام، ومع هذا كان تسبيح الحصى في كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان أعجب"[4].

 

وصدق الشاعر إذ يقول:

لئن سبَّحتْ صمُّ الجبال مُجيبةً
لداود أو لان الحديدُ المصفَّحُ
فإن الصخورَ الصمَّ لانَتْ بكفِّه
وإن الحصا في كفه ليُسبِّحُ

 

وإن من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - العظيمة نُطق الجمادات بين يديه، فالجمادات لا تعقل ولا تنطق، فإذا أنطقها الله بتصديقه، فهو دليلُ رضاهُ عن النبي في قوله بنبوة نفسه وتصديقه حين قال بإرسال الله إياه[5].

 

تسبيح الطعام في يد سيد الأنام - صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَالَ اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةُ مِنْ اللَّهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ[6].

 

تسليم الأشجار والأحجار على النبي المختار - صلى الله عليه وسلم:

أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من معجزات النبي الكريم أن الأشجار والأحجار كانت تسلِّم عليه؛ عن جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ)[7].

 

قال النووي في شرح صحيح مسلم: "فيه معجزة له - صلى الله عليه وسلم - وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات، وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة: ﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 74]، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء: 44]".

 

وذكر البيهقي في دلائل النبوة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بمكة، فخرج في بعض نواحيها فما استقبله شجرٌ ولا جبل، إلا قال: له السلام عليك يا رسول الله).

 

فسلام الحجر - وهو جماد - أمرٌ خارق للعادة، معجزٌ للبشر أن يأتوا بمثله، فلذا هو آية النبوة المحمدية، ومعجزة من معجزات الحبيب - صلى الله عليه وسلم[8].

 

شهادة الأشجار للنبي المختار بالرسالة:

يقول ابن عمر رضي الله عنهما: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأقبل أعرابي، فلما دنا منه قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أين تريد؟))، قال: إلى أهلي، قال: ((هل لك في خير؟))، قال: وما هو؟ قال: ((تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله)).

 

قال الأعرابي: ومن يشهد على ما تقول؟ فأشار النبي إلى شجرة، وقال: ((هذه السلَمَة))، فدعاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي بشاطئ الوادي، فأقبلَتْ تَخُدُّ الأرض خدًّا حتى قامت بين يديه, فاستشهدها ثلاثًا، فشهدت ثلاثًا أنه كما قال.

 

ثم رجعت إلى مَنبَتها، ورجع الأعرابي إلى قومه، وهو يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن اتبعوني أتيتُكَ بهم، وإلا رجعتُ فكنتُ معك[9].

 

تكثير الطعام والشراب والوضوء ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم:

إن من المعجزات الخارقة لعادات البشر التي تشهد بالنبوة للأنبياء، ما يجعله الله على أيديهم من البركة التي ينتفع بها الناس؛ قال الله على لسان نبيه المسيح: ﴿ ‌قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 30-31].

 

ونبينا - صلى الله عليه وسلم - أيضًا كان نبيًّا مباركًا، وكان ما ساقه الله من البركة على يديه دليلًا ساطعًا وبرهانًا دامغًا على نبوته ورسالته، وقد كثُرت في ذلك الأخبارُ وتكاثرت، وهي تتحدث عما كتب الله من تكثير القليل ببركة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وحملتها إلينا الأسانيد الصحاح التي بلغتْ بها مَبلغَ التواتر؛ قال النووي: "وقد تظاهرت أحاديثُ آحادٍ بمثل هذا، حتى زاد مجموعها على التواتر، وحصل العلمُ القطعيُّ بالمعنى الذي اشتركت فيه هذه الآحاد، وهو انخراق العادة بما أتى به - صلى الله عليه وسلم - من تكثيرِ الطعامِ القليلِ الكثرةَ الظاهرة، ونبعِ الماء وتكثيرِه، وتسبيحِ الطعام، وحنينِ الجِذْعِ وغيرِه..."[10].

 

ومن هذه الأخبار الكثيرة التي تواتر معناها ما رواه لنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ حيث قال: تُوفي أبي وعليه دينٌ، فعرضتُ على غُرمائه في الدَّين أن يأخذوا التمر بما عليه، فأبوا، ولم يروا أن فيه وفاءً[11]؛ يقول جابر: فأتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرتُ ذلك له، فقال: ((إذا جَدَدتَه فوضعتَه في المِرْبد [12]، آذنتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي طلب منه إذا جمع التمر في مكانه أن يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -قال جابر: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ومعه أبو بكر وعمر، فجلس على المِربَد، ودعا بالبركة، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ادعُ غُرَماءَك فأَوفِهم))، قال جابر: فما تركتُ أحدًا له على أبي دَيْنٌ إلا قضيتُه، وفَضَل ثلاثةَ عشر وسقًا...

 

فوافيتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرِب، فذكرتُ ذلك له، فضحك، وقال: ((ائت أبا بكر وعمر فأخبرهُما))، فقالا: لقد علمنا إذ صنعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما صنعَ أنْ سيكون ذلك [13]؛ أي: إن أبا بكر وعمرَ توقعا أن يقضي التمرُ - مع قِلته - الدَّين، وذلك ليَقِينهما ببركة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

قال ابن حجر: "وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة، لتكثيرِ القليل إلى أن حصل به وفاء الكثير، وفَضَل منه"[14].

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

فإخوة الإسلام أعجبُ مما سبق ما رآه جابر في يوم آخر، وذلك يوم الخندق، فقد رأى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - جوعًا شديدًا، يقول: فانكفأْتُ إلى امرأتي، فقلتُ لها: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَمَصًا شديدًا، قال: فأخرجَت لي جِرابًا فيه صاعٌ من شعير، ولنا بهيمةٌ داجنٌ، فذبحتُها...

 

ثم ولَّيتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت امرأةُ جابر: لا تفضحني برسول الله -صلى الله عليه وسلم - ومن معه.

 

لقد خَشِيتْ أن يدعو جمْعًا لا يكفيه الطعام، فتفضح بين النساء بعجزها عن إطعامهم؛ يقول جابر: فجئتُه - صلى الله عليه وسلم - فسارَرْتُه، فقلتُ: يا رسول الله، إنا قد ذبحنا بهيمة لنا، وطحنتُ صاعًا من شعير كان عندنا، فتعال أنت في نفرٍ معك؛ يقول جابر: فصاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((يا أهل الخندق، إن جابرًا قد صنع لكم سُورًا، فحيَّ هلًا بكم)).

 

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجابر: ((لا تُنزلِنَّ بُرمَتكم، ولا تخبِزُنَّ عجينَتَكم حتى أجيء))؛ قال جابر: فجئت وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْدُمُ الناسَ حتى جئتُ امرأتي، فقالت: بكَ وبكَ.

 

لقد لامَته وقرَّعته على دعوةِ العدد الكبير إلى طعامهم القليل، إذ ظنت أنه أهمل طلبتها؛ يقول جابر: فقلتُ: قد فعلتُ الذي قلتِ لي؛ قال جابر: فأخرجتُ له عجينتنا، فبصق فيها وبارك، ثم عمَد إلى بُرْمَتِنا، فبصَق فيها وبارك، ثم قال لامرأتي: ((ادعي خابزةً فلتَخبز معَكِ، واقدحي من بُرْمتِكم ولا تُنزِلوها))، قال جابر: وهم ألفٌ، فأقسَم بالله، لأكلوا حتى تركوه... وإن بُرْمَتنا لتغِطُّ كما هي، وإن عجينتنا لتُخبَز كما هو [15].

 

لقد أطعم النبي - صلى الله عليه وسلم - ألفَ رجلٍ من طعام لا يكاد يكفي البضعَ من الرجال؛ يقول النووي: "حديث طعام جابر فيه أنواع من فوائد وجُمَل من القواعد؛ منها: الدليلُ الظاهر والعلم الباهر من أعلام نبوةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تضمن هذا الحديث عَلَمَينِ من أعلام النبوة: أحدُهُما: تكثيرُ الطعام القليل، والثاني: عِلمُه - صلى الله عليه وسلم - بأن هذا الطعام القليل الذي يكفي في العادة خمسةَ أنفسٍ أو نحوَهم سيَكْثُر، فيكفي ألفًا وزيادة، فدعا له ألفًا - أي من أصحابه - قبل أن يصل إليه، وقد عُلم أنه - أي طعامُ جابر- صاعُ شعير وبهيمة"[16].

 

وأعجب منه وأعظم في البركة ما قصَّه علينا عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما، حين قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثين ومائة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: ((هل مع أحدٍ منكم طعام؟))، فإذا مع رجل صاعٌ من طعام أو نحوُه، فعُجِن، ثم جاء رجلٌ مشرك مُشعَانٌ طويلٌ[17] بغنم يسوقها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بيعًا أم عطية؟ أو قال: هِبة؟))، فقال: لا، بل بيع، فاشترى منه شاةً، فصُنِعَت، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بسواد البطن [أي الكبد] أن يُشوى، وايْمُ الله ما في الثلاثين والمائة إلا قد حَزَّ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حُزَّة من سواد بطنها، إن كان شاهدًا أعطاه إياه، وإن كان غائبًا خبَّأ له، فجعل منها قصعتين، فأكلوا أجمعون، وشبعنا، فَفَضَلت القصعتان، فحملناه على البعير [18].

 

قال النووي: "وفي هذا الحديث معجزتان ظاهرتان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إحداهما: تكثيرُ سوادِ البطن حتى وسِع هذا العدد، والأخرى تكثير الصاع ولحم الشاة حتى أشبعهم أجمعين، وفَضَلَت منه فَضْلةً حملوها لعدم حاجة أحد إليها"[19].

 

وأدرك أبو هريرة - رضي الله عنه - ما عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من البركة، فطمع أن ينال حظَّه منها، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمرات فقال: يا رسول الله، ادع الله لي فيهن بالبركة، قال: فصَفَّهن بين يديه، ثم دعا، فقال لي: ((اجعلهن في مِزْود [وعاء]، وأدخل يدك ولا تَنثُرْه))، قال: فحملت منه كذا وكذا وسْقًا في سبيل الله، ونأكل ونطعِم، وكان لا يفارق حقوي؛ أي معْقِدَ الإزار، فلما قُتل عثمان رضي الله عنه انقطع المِزود عن حقويَّ، فسقط[20].

 

لقد بَقِيَ - رضي الله عنه - يأكل من الجراب زُهاء خمس وعشرين سنة، كل ذلك ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليكونَ شاهدًا آخرَ على نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم.

 

اللهم استُرنا ولا تفضَحنا، وأكرِمنا ولا تُهنا، وكن لنا ولا تكُن علينا.

 

اللهم لا تدَع لأحدٍ منا في هذا المقام الكريم ذنبًا إلا غفَرته، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا دَينًا إلا قضيته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا ميتًا إلا رحِمته، ولا عاصيًا إلا هديته، ولا طائعًا إلا سدَّدته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاحٌ إلا قضيتَها يا رب العالمين.

 

اللهم اجعَل جمعنا هذا جمعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا، ولا تجعل فينا ولا منَّا ولا معنا شقيًّا أو محرومًا.

 

اللهم اهدِنا واهدِ بنا، واجعلنا سببًا لمن اهتدى.



[1] أخرجه البخاري في الصحيح 6/ 558، كتاب المناقب (61)، باب خاتم النبيين - صلى اللَّه عليه وسلم - (18)، الحديث (3534)، ومسلم في الصحيح 4/ 1791، كتاب الفضائل (43).

[2] البزار (2413)، وذكره الهيثمي 8/ 302، وقال: رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما ثقات وفي بعضهم ضعف، وصحَّحه الألباني في ظلال الجنة (1146).

[3] التفسير الوسيط لطنطاوي (8/ 359)

[4] البداية والنهاية (6/ 286).

[5] دلائل النبوة - السقار (ص: 64).

[6] أخرجه البخاري في الصحيح 6/ 587، كتاب المناقب (61)، باب علامات النبوة في الإسلام (25)، الحديث (3579)، والآيات: أي الأمور الخارقة للعادات، والطَّهور: هو بفتح الطاء والمراد به الماء، ويجوز ضمها، والمراد الفعل؛ أي تطهَّروا؛ (الحافظ ابن حجر، فتح الباري 6/ 591 - 592).

[7] أخرجه ابن أبي شيبة 11/464، والدارمي (20) ، ومسلم (2277).

[8] المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم (ردًّا على بنديكتوس) (1/ 99).

[9] رواه الدارمي ح (16)، وصححه ابن حبان ح (519)، والألباني في مشكاة المصابيح، ح (5868).

[10] شرح النووي (13/ 215).

[11] أي عرض على المدينين أن يعطيَهم تمر بستانه قضاءً لدين أبيه، فأبوا لأنهم رأوه أقلَّ من ديونهم.

[12] المربد هو الموضع الذي يجفِّف فيه التمر؛ انظر: فتح الباري (7/ 289).

[13] رواه البخاري ح (2709)، ومسلم ح (2039).

[14] فتح الباري (6/ 688).

[15] رواه البخاري ح (4102)، ومسلم ح (2039)، واللفظ له.

[16] شرح النووي (13/ 217).

[17] أي طويل جدًّا شعث الرأس.

[18] رواه البخاري ح (2618)، ومسلم ح (2056).

[19] شرح النووي على صحيح مسلم (14/ 17).

[20] رواه أحمد ح (8414)، والترمذي ح (3839)، وحسَّنه الألباني في صحيح الترمذي ح (3015).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
  • من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
  • من معجزات الرسل
  • من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
  • ذكر شيء من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم
  • الذب عن عرض المسلم بالغيب
  • إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • بيان معجزة القرآن بعظيم أثره وتنوع أدلته وهداياته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معجزات نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معجزات النبي صلى الله عليه وسلم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • معجزات الحبيب صلى الله عليه وسلم (مطوية)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إثبات أمية النبي صلى الله عليه وسلم صفة من صفاته ومعجزة من معجزاته(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • معجزات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم(محاضرة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • معجزات النبي صلى الله عليه وسلم(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب