• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير سورة النازعات

تفسير سورة النازعات
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/10/2024 ميلادي - 22/4/1446 هجري

الزيارات: 1628

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سُورَةُ النَّازِعَاتِ

 

سُورَةُ (النَّازِعَاتِ): سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ[1].

 

أَسْمَاءُ السُّورَةِ:

لَمْ يَذْكُرِ الْعُلَمَاءُ لِهَذِهِ السُّورَةِ إِلَّا اسْمَيْنِ فَقَطْ: سُورَةُ السَّاهِرَةِ، وَسُورَةُ الطَّامَّةِ[2].


الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ مِنَ السُّورَةِ:

هَذِهِ السُّورَةُ العَظِيمَةُ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْكثيرِ مِنَ الْمَقَاصِدِ وَالمَعَانِي، وَمِنْ ذَلِكَ[3]:

• إِثْبَاتُ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَإِبْطَالُ إحَالَةِ الْمُشْرِكينَ وُقُوعه.


• تَهْوِيلُ يَوْمِهِ وَمَا يَعْتَرِي النَّاسَ حِينَئِذٍ مِنَ الْخَوْفِ.


• بَيَانُ طُغْيَانِ فِرْعَوْنَ وَإِعْرَاضِهِ عَنْ دَعْوَةِ مُوسَى (عليه السلام)، وَتَسْلَيَةُ رَسُولِ اللهِصلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ.


• ذِكْرُ مَا فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مِنْ دَلَائِلَ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى وَمِنَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ.


• التَّفْرِيقُ بَيْنَ حَالِ مَنْ آثَرَ الدُّنْيَا وَطَغَى، وَحَالِ مَنْ خَافَ الْمَوْلَى وَاتَّقَى.


• اسْتِعْجَالُ الْكَافِرينَ بِالْقيَامَةِ، وَأَنَّ سُؤَالَهُمْ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ سُؤَالُ تَعَنُّتٍ، وَأَنَّ شَأْنَ الرَّسُولِ أَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِهَا وَلَيْسَ شَأْنُهُ تَعْيِينَ وَقْتِهَا.

 

شَرْحُ الْآيَاتِ:

قَوْلُهُ: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾، أقْسَمَ اللهُ تعالى بِالْمَلائِكة الَّتِي تَنْزِعُ أَرْواحَ الكُفّارِ[4]. ﴿ غَرْقًا ﴾، أي: تنزعها نَزْعًا بِشِدَّةٍ[5].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴾، أي: وَالْمَلائِكَة الَّتِي تَقْبِضُ أَرْواحَ الْمُؤْمِنِينَ[6]. ﴿ نَشْطًا ﴾، أي: بِرِفْقٍ وَلِينٍ وَسُهولَةٍ[7]. وَقَدَ رَوَى أَبُو هُرَيرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلائِكَةُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا، قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبةُ، كَانَتْ في الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ ورَيْحَانٍ، ورَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخرُجَ، ثمَّ يُعْرَجُ بِها إِلى السَّمَاءِ، فَيُفْتَحُ لَها، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلانٌ، فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبةِ، كَانَتْ فِي الجَسَدِ الطَّيِّبِ، ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِري برَوحٍ وريحانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلى السَّماءِ الَّتي فِيهَا اللَّهُ (عز وجل)، وإذا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ، قَالَ: اخرُجِي أيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبيثَةُ، كَانَتْ في الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً، وَأَبْشِرِي بحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حتَّى تَخْرُجَ، ثمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَلَا يُفْتَحُ لَهَا، فَيُقالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: فُلَانٌ، فَيُقَالُ: لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً، فَإنَّهَا لَا تُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَيُرسَلُ بِهَا مِنَ السَّمَاءِ، ثمَّ تَصِيرُ إِلَى القَبْرِ... »[8].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴾، أي: الْمَلائِكَة الَّتِي تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى مُسْرِعِينَ لِتَنْفِيذِ أَمْرِهِ؛ كما يُقَالُ لِلْفَرَسِ الْجَوَادِ: سَابِحٌ: إِذَا أَسْرَعَ فِيْ جَرْيِهِ[9].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ﴾، أي: الْمَلائِكَة تَسْبِقُ إِلَى أَمْرِ اللهِ تَعَالَى لِلْعَمَلِ بِهِ[10]، وَقَد قَالَ اللهُ تَعَالَى في وَصْفِ بَعْضِ المَلَائِكَةِ: ﴿ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون ﴾ [سورة التحريم:6][11].

 

قَوْلُهُ:﴿ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴾، أي: الْمَلَائِكَة التِي تُدَبِّرُ أَمْرَ الدُّنْيا الّذِي أُسْنِدَ إِلَيْهَا فَتَقُومُ بِهِ وَفْقَ مَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ؛ ومنهم[12]:

• جِبْرِيلُ (عليه السلام)، وهو مُوَكَّلٌ بِالْوَحَيِ الَّذِي بِهِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ.


• مِيكَائِيلُ، وهو مُوَكَّلٌ بِالْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ الذِي بِهِ حَيَاةُ الأَبْدَانِ.


• مَلَكُ الْمَوْتِ، وهو مُوَكَّلٌ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ.


• إِسْرَافِيلُ، وهو مُوَكَّلٌ بِالنَّفْخِ في الصُّورِ.

 

فأَقْسَمَ الله سبحانه وتعالى بِهَذِهِ الْأَشْيِاءِ الَّتِيْ ذَكَرَهَا على أَنَّ الْقِيَامَةَ حَقٌّ[13]، وَجَوَابُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: (لَتُبْعَثُنَّ وَلَتُحَاسَبُنَّ) بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَة ﴾[سورة النازعات:6] وَالآيَاتِ الَّتِي بَعْدَهَا[14].

 

قَوْلُهُ: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَة ﴾، أي: ترْجُفُ الأَرْضُ والجبال، ويَتَزَلْزَلُ وَيَتَحَرَّكُ كُلُّ شَيْءٍ، وذلك للنَّفْخَة الْأُولَى، وهي التي يَمُوتُ مِنْهَا كُلُّ مَخْلُوقٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ[15].

 

قَوْلُهُ: ﴿ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَة ﴾، أي: تتبعها النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ، التي رَدِفَتِ الْأُولَى؛ لِبَعْثِ النَّاسِ مِنْ قُبُورِهِمْ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُون ﴾ [سورة الزمر:68][16].

 

وَبَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبعُونَ، قَالُوا: يَا أَبَا هُريْرةَ، أرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالُوا: أَرْبعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أبَيْتُ، قَالُوا: أرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَال: أبَيْتُ»[17]؛ فذكرها في الحديث مجملة، ولكن كما قال النووي رحمه الله: "قَدْ جَاءَتْ مُفَسَّرَةً مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ: أَرْبَعُونَ سَنَةً"[18].

 

ولعل معنى قول أبي هريرة: (أبيت)، أي: "أبيت أن أخبر بشيء أنا على غير يقين منه، وليس هذا مما خصصتكم به الآن، وإنما هو عادتي من قبل ألا أذكر إلا ما أتيقنه"[19].

 

قَوْلُهُ: ﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَة ﴾، أَيْ: قُلوبُ الْكُفَّارِ خَائِفَةٌ قَلِقَةٌ مِنَ الْفَزَعِ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا مَا كَانُوا يُنْكِرُونَ، وأَصْبَحَ أَمَامَهُمْ حَقِيقَةً مَاثِلَةً، لَا مَجَالَ فِيها لِلْهَرَبِ وَالْإِنْكَارِ، كما قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَقَالُوا يَاوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّين ﴾ [سورة الصافات:20][20].

 

قَوْلُهُ: ﴿ أَبْصَارُهَا خَاشِعَة ﴾، أَيْ: أنَّ أَبْصَارَ أَصْحَابِ هَذِهِ الْقُلُوبِ ذَلِيلَةٌ حقيرةٌ لِهَوْلِ مَا تَرَى؛ كَمَا قَالَ اللهُ: ﴿ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ ﴾ [سورة الشورى:45][21].

 

قَوْلُهُ: ﴿ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَة ﴾، أَيْ: يَقُولُ مُنْكِرُو الْبَعْثِ بَعدَ الْمَوْتِ: أَنُرَدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ في الحافرة وهي الْحَالَة الْأُولَى الَّتيِ كُنَّا عَلَيْهَا فِي الْأَرْضِ؟[22].

 

قَوْلُهُ: ﴿ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَة ﴾، أَيْ: أَنُرَدُّ وَقَدْ صِرْنَا عظامًا بَالِيَةً[23].

 

قَوْلُهُ: ﴿ قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَة ﴾، أَيْ: قَالَ الْمُنْكِرُونَ لِلْبَعْثِ: رَجْعَتُنَا لِلْحيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ رَجْعَةٌ خَائِبَةٌ ذَاتُ خُسْرانٍ؛ لِتَكْذِيبِنَا بِهَا، وَهَذَا اسْتِهْزاءٌ مِنْهُمْ[24].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَة ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: لَا يَسْتَصْعِبونَهَا، فَمَا هِيَ إلّا صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ، يَعْنِي: النَّفْخَةَ الثّانِيَةَ لِإسْرَافِيلَ الَّتي يَكُونُ الْبَعْثُ بِهَا[25].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَة ﴾ أَيْ: فَإِذَا جَمِيعُ الْخَلْقِ مَاثِلُونَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ (عز وجل) يَنْظُرُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُون ﴾ [سورة الصافات:19]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُون ﴾ [سورة يس:53].

 

قَوْلُهُ: ﴿ هَلْ أتَاكَ ﴾، أَيْ: يَا مُحَمَّدُ، ﴿ هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾، فَيُسَلِّيكَ عَلَى تَكْذِيبِ قَوْمِكَ، وتُهَدِّدَهُمْ بِأَنْ يُصِيبَهم مِثْلُ مَا أَصَابَ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنهُمْ[26].


قَوْلُهُ: ﴿ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ ﴾ حِينَ نَادَاهُ رَبُّه نِدَاءً سَمِعَهُ مُوسَى (عليه الصلاة والسلام)، ﴿ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ ﴾، أي: اَلْمُبَارَكِ الْمُطَهَّرِ، ﴿ طُوًى ﴾، وهو اسْمٌ لِلْوَادِي الَّذِي نَادَى اللهُ تَعَالَى فيهِ مُوسَى (عليه السلام)، وَهُوَ عِنْدَ الطُّورِ الَّذِي أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿ وَالطُّور * وَكِتَابٍ مَّسْطُور ﴾[سورة الطور:1-2]، وَقَوْلِهِ: ﴿ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ ﴾ [سورة مريم:52][27].


قَوْلُهُ: ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾، أَيْ: اذهب يَا مُوسَى إلى فرعون إنه طغى فتَجَاوَزَ الحَدَّ فِي الكُفْر، حَيْثُ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ وَالأُلُوهِيَّةَ مَعًا، فَقَالَ: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ﴾ [سورة النازعات:24]، وَقَالَ: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [سورة القصص:38][28].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى ﴾، أَيْ: قل لِفِرْعَوْنَ: هل لك سبيل إلى أَنْ تَتَطَهَّرَ مِنَ الكُفْرِ وَالطُّغْيانِ، وَتَتَحَلَّى بِالإِيمَانِ[29].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾، أَيْ: وأُرْشِدَكَ إِلَى مَعْرِفَة اللهِ تَعَالَى؛ فتخشى بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ[30].


قَوْلُهُ: ﴿ فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى ﴾، أَيْ: فَذَهَبَ مُوسَى (عليه السلام) وَأَرَى فِرْعَوْنَ الآية الكبرى والْمُعْجِزَةَ الْعُظْمَى، وَهِيَ الْعَصَا وَالْيَد؛ كَمَا قَالَ اللهُ: ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ﴾[سورة طه:17-23][31].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَكَذَّبَ وَعَصَى ﴾، أي: فكذب فِرْعَوْنُ بِمُوسَى، وعصى اللهَ تَعَالَى، وَامْتَنَعَ عَنْ قَبُولِ الإِيمَانِ[32]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى ﴾ [سورة طه:56].

 

قَوْلُهُ: ﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ﴾، أَيْ: تَوَلَّى فِرْعَوْنُ عَنْ مُوسَى يسعى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ[33].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَحَشَرَ فَنَادَى ﴾، أَيْ: جَمَعَ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَأَتْبَاعَهُ؛ فنادى فِيهِمْ قائِلًا لَهُمْ بِصَوْتٍ عَالٍ: ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ﴾، أَيْ: لَا رَبَّ فَوْقِي -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ-[34].


قَوْلُهُ: ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى ﴾، أَيْ: عَاقَبَهُ الله عُقُوبَةً شدِيدَةً، وجعله نكالًا -من التنكيل- حَتَّى يَعْتَبِرَ به غَيْرُهُ، والمقصود بنكال الآخرة: عَذَابَ الْآخِرَةِ بِالنَّارِ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ-، ونكال الأولى: عَذَابَ الدُّنْيَا بالْغَرَق؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِين * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِين * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُون ﴾ [سورة يونس:90-92].

 

وَقَدَّمَ اللهُ تَعَالَى عَذَابَ الْآخِرَةِ عَلَى عَذَابِ الدُّنيَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ وَأَبْقَى، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [سورة طه:127][35].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾، أَيْ: الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ إِهْلَاكِ فِرْعَوْنَ وعُقُوبَتِهِ الشَّدِيدَةِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لعبرة لمن يخشى اللَّهَ تَعَالَى، فَيَتَّعِظ وَيَنْزَجِر وَيَعْتَبِر[36].

 

قَوْلُهُ: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا ﴾، أَيْ: هل أنتم أيها الْمُنْكِرُون للْبَعْثِ أشدُّ خلقًا؟، وقوله: (أم السماء): مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى: "أَمِ السَّمَاءُ أَشَدُّ خَلْقًا"[37]، ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفَ خَلَقَها؛ فَقالَ: ﴿ بَنَاهَا ﴾، أَيْ: اللَّهُ.

 

قَوْلُهُ: ﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴾، هنا فسر البناء بأنه (رَفَعَ سمكها): جرمها وصورتها فَوْقَكُمْ، وَجَعَلَهَا سَقْفَ الْمَخْلُوقَاتِ[38]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ [سورة الرعد:2]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا ﴾ [سورة الأنبياء:32]، (فسواها)، أَيْ: جَعَلَهَا مُسْتَوِيَة بِلا عَيْبٍ وَلَا تَشَقُّقٍ وَلَا تَصَدُّعٍ[39]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُور ﴾ [سورة الملك:3].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾، أَيْ: أَظْلَمَ لَيْلَهَا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ[40]، وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا فَأَبْرَزَ نَهَارَهَا بِشُرُوقِهَا[41]، وَإِنَّما عَبَّرَ عَنِ النَّهَارِ بِالضُّحَى؛ لِأَنَّ الضُّحَى أَكْمَلُ أَجْزاءِ النَّهَارِ في النُّورِ وَالضَّوْءِ[42].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾، أي: بَسَطَهَا، وَكَانَتْ مَخْلُوقَةً قَبْلَ السَّمَاءِ مِن غَيْر دَحْوٍ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِين * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِين * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم ﴾ [سورة فصلت:9-12]، فَالْأَرْضُ خُلِقَتْ أَوَّلًا غَيْرَ مَدْحُوَّةٍ، ثُمَّ خُلِقَتِ السَّمَاءُ، ثُمَّ دُحِيَتِ الْأَرْضُ، وَذَلِكَ بِإِخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْهَا وَالْمَرْعَى، أَيْ: النَّبَاتَ وَنَحْوَهُ[43].

 

وَبِهَذَا أَجَابَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم لَمَّا سَأَلَهُ رَجُلٌ: «إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ، قَالَ: ﴿ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُون ﴾ [سورة المؤمنون:101]، ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُون ﴾[سورة الصافات:27]، ﴿ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا ﴾ [سورة النساء:42]، ﴿ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين ﴾ [سورة الأنعام:23]، فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ؟ وَقَالَ: ﴿ أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ دَحَاهَا ﴾، فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [سورة فصلت:9] إِلَى قَوْلِه: ﴿ طَائِعِين ﴾ [سورة فصلت:11]؛ فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ؟ وَقَالَ: ﴿ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾[سورة النساء:96]، ﴿ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾، ﴿ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [سورة النساء:58]، فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى، فَقَالَ:... وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ، فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ، ودَحْيُهَا: أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى، وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْجَمَادَ وَالْآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ دَحَاهَا ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿ خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [سورة فصلت:9]؛ فَخُلِقَتِ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّمَاوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ»[44].

 

قَوْلُهُ: ﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا ﴾، أَيْ: فَجَّرَ مِنَ الْأَرْضِ عُيُونًا وَأَجْرَى أَنْهارًا، وأَنْبَتَ فيها مَا يرْعَى فيهَا مِنَ النَّبَاتَاتِ[45]، وَالْآيَةُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾[سورة النازعات:30].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾، أَيْ: أَثْبَتَهَا في الْأَرْضِ وَجَعَلَهَا كَالْأَوْتَادِ[46] لِئَلَّا تَمِيدَ بِأَهْلِهَا[47]؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ ﴾ [سورة الأنبياء:31].

 

قَوْلُهُ: ﴿ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُم ﴾، قوله: (متاعًا): مَفْعولٌ لِأَجْلِهِ، وَالْمَعْنَى: دَحَوْنَا الْأَرْضَ وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا مَاءَها وَمَرْعَاهَا، وَأَرْسَيْنَاهَا بِالْجِبَالِ مَنْفَعَةً لكم ولأنعامكم، والأنعام: جَمْعُ نَعَمٍ، وَهِيَ الْإبِل وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ[48].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾، أي: الْقِيامَةُ الكبرى، وَالشِدَّةُ العُظْمَى، وَهِيَ النَّفْخَةُ الثّانِيةُ[49]، وسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَطُمُّ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ هَائِلٍ مُفْظِعٍ لِعِظَمِ هَوْلِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَر ﴾ [سورة القمر:46][50].

 

قَوْلُهُ: ﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى ﴾، أَيْ: مَا عَمِلَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ[51]، فَيَرىَ كِتَابَهُ مَفْتُوحًا قَدْ سُجِّلَتْ فِيهِ جَميعُ أَعْمَالِهِ، وَيُقَالُ لَهُ: ﴿ اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [سورة الإسراء:14][52].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى ﴾، أَيْ: وأُظْهِرَتْ النَّارُ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ- لِكُلِّ رَاءٍ بِحَيْثُ لا تَخْفى عَلَى أحَدٍ[53]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِين ﴾ [سورة التكاثر:7].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَأَمَّا مَن طَغَى ﴾، أي: تَجَاوَزَ الْحَدَّ فِي الْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ[54].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾، أَيْ: فَضَّلَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا الزَّائِلَةَ، وَقَدَّمَهَا عَلَى الْآخِرَةِ الْبَاقْيَةِ[55]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾[سورة الأعلى:16-17].


قَوْلُهُ: ﴿ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾، أَيْ: فإن جهنم هي الْمَصْيرُ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا ﴾ [سورة النساء:97].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾، أَيْ: مَن خَافَ الْقِيَامَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعَالَى؛ لِعِلْمِهِ بِالْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ[56]، فَاسْتَعَدَّ لِهَذا الْقِيَامِ الْعَظيمِ.

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾، أَيْ: كَفَّ نَفْسَهُ عَنِ اتِّبَاعِ مَا تَشْتَهِيهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ؛ لِعِلْمِهِ بِأنَّهُ مُرَدٌّ[57].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾، أي: الَّتِي يَأْوُونَ إِلَيْهَا وَيَسْكُنُونَ فِيهَا، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون ﴾ [سورة السجدة:19].

 

قَوْلُهُ: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾، أيْ: يَسْأَلُوْنَكَ يَا مُحَمَّدُ عَنِ السَّاعَةِ وَهِيَ: عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَتَى وَقْتُ حُلُولِهَا وَوُقُوعِهَا؟[58].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا ﴾، أَيْ: "في أَيِّ شَيْءٍ أَنتَ من ذكرِ السَّاعة، والبحثِ عنها؟"[59]، ولَيْسَ لَكَ عِلْمٌ بِهَا حَتَّى تَذْكُرَهَا لَهُمْ، وَإِنَّمَا شَأْنُكَ الاسْتِعْدَادُ لَهَا[60]، كَمَا ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّ أَعْرَابيًّا قَالَ لِرَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: حُبَّ اللَّهِ ورسولِهِ، قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»[61]، وَفي رِوَايَةٍ: «مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَوْمٍ وَلا صَلاةٍ وَلا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»[62]، وَفِي رِوَايَةٍ: «قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحنا بقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهم، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ»[63].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا ﴾، أَيْ: مُنْتَهَىَ عِلْمِها إِلَى اللهِ وَحْدَهُ[64]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون ﴾ [سورة الأعراف:187]، وَجَاءَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه الْمَشْهُورِ: أَنَّ جِبْرِيلَ (عليه السلام) لَمَّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ قَالَ: «مَا الْمَسْؤولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ»[65].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ﴾، أَيْ: يَا مُحَمَّدُ مُحذِّر مَنْ يَخافُ أَهَوْالَها وَشَدَائِدَهَا[66].

 

قَوْلُهُ: ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾، أَيْ: كأنَّ الْكُفَّار يوم يَرَوْنَ السَّاعَةَ، لم يلبثوا في الدُّنْيَا إلا عشية أو ضحاها، والْعَشِيَّةُ: مَا بَينَ الظُّهْرِ إِلى غُرُوبِ الشَّمْسِ، والضُّحَى: مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلى نِصْفِ النَّهارِ[67].

 

بَعْضُ الْفَوائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ:

ذِكرُ بعضِ دَلَالَاتِ قَسَمِ اللهِ بِالْمَلائِكَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴾[سورة النازعات:1-5]: إِقْسَامٌ مِنَ اللهِ بِالْمَلائِكَةِ، وَلذَلِكَ دلالات كثيرة؛ منها:

أولًا: دَليلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَهُ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، أَمَّا الْخَلْقُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا إِلَّا بِهِ سُبْحَانَهُ. قَالَ ابن تيمية رحمه الله: "ِسَائِرِ الْأَئِمَّةِ... يَمْنَعُونَ أَنْ يُقْسِمَ أَحَدٌ بِالْمَخْلُوقِ؛ فَإِنَّهُ إذَا مَنَعَ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى مَخْلُوقٍ بِمَخْلُوقِ؛ فَلَأَنْ يُمْنَعَ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْخَالِقِ بِمَخْلُوقِ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَهَذَا بِخِلَافِ إِقْسَامِهِ سُبْحَانَهُ بِمَخْلُوقَاتِهِ، كـ ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾[سورة الليل:1-2]، ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ [سورة الشمس:1]، ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ [سورة النازعات:1]، ﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ﴾ [سورة الصافات:1]، فَإِنَّ إِقْسَامَهُ بِمَخْلُوقَاتِهِ يَتَضَمَّنُ مِنْ ذِكْرِ آياَتِهِ الدَّالَةِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ مَا يَحْسُنُ مَعَهُ إِقْسَامُهُ، بِخِلافِ الْمَخْلُوقِ، فَإِنَّ إِقْسَامَهُ بِالْمَخْلُوقَاتِ شِرْكٌ بِخَالِقِهَا"[68].

 

ثانيًا: عِظَمُ مَكَانَةِ الْمَلائِكَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ، حَيْثُ أَقْسَمَ بِالمَلائِكَةِ، وَلَا يُقْسِمُ رَبُّنَا َتَعَالَى إِلَّا بِعَظيمٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَتَنْبِيهًا عَلَى الْمَقْسُومِ بِهِ بِالنَّظَرِ وَالتَّفَكُّرِ. قَالَ ابْنُ عَاشورٍ رحمه الله: "ابْتُدِئَتْ بِالْقَسَمِ بِمَخْلوقَاتٍ ذَاتِ صِفَاتٍ عَظيمَةٍ قَسَمًا مُرَادًا مِنْهُ تَحْقيقُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْخَبَرِ، وَفي هَذَا الْقَسَمِ تَهْوِيلُ الْمُقْسَمِ بِهِ"[69].

 

ثالثًا: أَنَّ الْمَلائِكَةَ لَهُمْ وَظَائِفُ وَأَعْمَالٌ، وَكُلٌّ لَهُ عَمَلٌ يَخْتَصُّ بِهِ، وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَةُ عَلَى أَصْنَافِ الْمَلائِكَةِ، وَأَنَّهَا مُوَكَّلَةٌ بِأَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ، فُوُكِّلَ بِالْجِبَالِ مَلائِكَةٌ، وَوُكِّلَ بِالسَّحَابِ وَالْمَطَرِ مَلَائِكَةٌ، وَوُكِّلَ بِالرَّحِمِ مَلَائِكَةٌ، وَوُكِّلَ بِالْعَبْدِ مَلَائِكَةٌ لِحِفْظِهِ، وَمَلائِكَةٌ لِحِفْظِ مَا يَعْمَلُهُ وَإِحْصَائِهِ وَكِتَابَتِهِ، وَوُكِّلَ بِالْمَوْتِ مَلَائِكَةٌ، وَوُكِّلَ بِالنَّارِ وَإِيقَادِهَا وَتَعْذِيبِ أَهْلِهَا وَعِمَارَتِهَا مَلَائِكَةٌ، وَوُكِّلَ بِالسُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ مَلَائِكَةٌ، وَوُكِّلَ بِالْجَنَّةِ وَعِمَارَتِهَا وَغِرَاسِهَا وَعَمَلِ الْأَنْهَارِ فِيهَا مَلَائِكَةٌ[70].

 

بيان حَال الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ عِنْدَ السَّكَرَاتِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴾ [سورة النازعات:1]: أَنَّ الكَافِرَ يُعَانِي مِنْ شِدَّةِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله: "قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُرِيدُ أَنْفُسَ الْكُفَّارِ يَنْزِعُهَا مَلَكُ الْمَوْتِ مِنْ أَجْسَادِهِمْ؛ مِنْ تَحْتِ كُلِّ شَعْرَةٍ، وَمِنْ تَحْتِ الْأَظَافِيرِ، وَأُصُولِ الْقَدَمَيْنِ نَزْعًا كَالسَّفُّودِ يُنْزَعُ مِنَ الصُّوفِ الرَّطْبِ، يُغْرِقُهَا، أَيْ: يُرْجِعُهَا فِي أَجْسَادِهِمْ، ثُمَّ يَنْزِعُهَا؛ فَهَذَا عَمَلُهُ بِالْكُفَّارِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ"[71].


وأَمَّا الْمُؤْمِنُ: فَيُخَفَّفُ عَنْهُ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الشِّدَّةِ؛ فَهَذِهِ الشِّدَّةُ لَا تُقَارَنُ بِمَا يُلَاقِيهِ الْكَافِرُ الْمُكَذِّبُ.


الغرض من الْقَسَمِ عَلَى قِيَامِ الْقِيَامَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾... إلى قوله:﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَة * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَة ﴾[سورة النازعات:1-7]: أقسم الله تعالى بذلك على قيام الساعة، وهذا فيه تَقْرِيرٌ لِبَعْضِ الْأمور؛ مِنْهَا:

أولًا: تَقْرِيرُ عَقِيدَةِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ بِالإِقْسَامِ عَلَيْهَا، وَذِكْرِ كَيْفِيَّةِ وُقُوعِهَا.

 

ثانيًا: هَزُّ الْقُلُوبِ الْمُكَذِّبَةِ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وذلك مِنْ خِلالِ ذِكْرِ بَعْضِ مَشَاهِدِ الْمَوْتِ وَالْبَعْثِ وَالْحَشْرِ وَالْقِيامَةِ.

 

ثالثًا: دَعْوَةٌ لِلْمُكَذِّبينَ بِالْبَعْثِ وَتَخْوِيفٌ لَهُمْ، وَدَعْوَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ لِلْإِكْثَارِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ اسْتِعَدادًا لِهَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ.

 

رابعًا: دَلِيلٌ عَلَى قُرْبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ إِلَّا أَنْ تَهْتَزَّ الْأَرْضُ؛ مِصْدَاقًا لِقَوْلِ الله تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلاً ﴾ [سورة المزمل:14].

 

بيان حَال الْقُلُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَة ﴾ [سورة النازعات:8]: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْقُلُوبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ هِيَ الَّتِي تَتَلَقَّى هَذِهِ الْأَحْدَاثِ وَتَتَفَاعَلُ بِهَا، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدِ اسْتَحَالَ إِلَى قَلْبٍ وَاجِفٍ مُضْطَرِبٍ، كُلُّ جَارِحَةٍ فِيهِ وَكُلُّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ قَدْ صَارَ قَلْبًا يُدْرِكُ وَيَشْعُرُ وَيَنْفَعِلُ، وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ وَقْعِ الْأَحْدَاثِ، الَّتِي يَتَنَبَّهُ لَهَا كِيَانُ الْإِنْسَانِ كُلِّهِ[72].

 

بيانُ حال الْأَبْصَارِ يوم القيامة، وسببه:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَبْصَارُهَا خَاشِعَة ﴾ [سورة النازعات:9]: ذِكْرٌ لِمَا يُصِيبُ أَبْصَارَ أَصْحَابِهَا مِنَ الْكَآبَةِ وَالْحُزْنِ مِنَ الْخَوْفِ وَالرُّعْبِ الَّذِي قَدْ نَزَلَ بِهِمْ مِنْ عَظِيمِ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ[73]، "وَإِنَّمَا أَوْقَعَ الذُّلَّ عَلَى الْأَبْصَارِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمِرْآةُ الَّتِي تَتَجَلَّى عَلَى صَفْحَتِهَا أَحْوَالُ الْإِنْسَانِ، وَمَا يَقَعُ في الْقَلْبِ مِنْ مَسَرَّاتٍ وَمَسَاءَاتٍ"[74].

 

ما يدل عليه الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالْبَصَرِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَة * أَبْصَارُهَا خَاشِعَة ﴾[سورة النازعات:8-9]: جمع بين الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ، وفي هذا بَيَانٌ وَاضِحٌ لِمَنْزِلَةِ الْبَصَرِ وَالْقَلْبِ مِنَ الْإِنْسَانِ، وَمَدَى الْارْتِبَاطِ الْعَمِيقِ بَيْنَهُمَا، حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنْ آثَارِ الْمَشَاعِرِ وَالاِنْفْعَالَاتِ، وَمَا يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمَا. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: "وَلَيْسَ مِنَ الْأَعْضَاءِ أَشَدُّ ارْتِبَاطًا بِالْقَلْبِ مِنَ الْعَيْنَيْنِ؛ وَلِهَذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ ﴾ [سورة الأنعام:110]، ﴿ تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَار ﴾ [سورة النور:37]، ﴿ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ﴾ [سورة الأحزاب:10]، ﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَة * أَبْصَارُهَا خَاشِعَة ﴾ [سورة النازعات:8-9]؛ وَلِأَنَّ كِلَيْهِمَا لَهُ النَّظَرُ، فَنَظرُ الْقَلْبِ الظَّاهِرِ بِالْعَيْنَيْنِ، وَالْبَاطِنِ بِهِ وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ اللِّسَانُ هُوَ الذَّكَرُ وَالشَّفَتَانِ أُنْثَاهُ"[75].

 

الإخبار بسُوء حَالِ مَنْ يُنْكِرُ الْبَعْثَ ولا يستعدُّ للآخِرةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَة * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَة ﴾: دلالة على أمور؛ منها:

أولًا: أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَسْتَعِدُّ لِلْآخِرَةِ خَاسِرٌ لَا مَحَالَةَ، فَالْأَمْرُ لَا يَسْتَغْرِقُ إِلَّا زَجْرَةً وصيحة وَاحِدَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ﴾[سورة النحل:77][76].

 

ثانيًا: إِعْلَامٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى بِسُهُولَةِ الْبَعْثِ عَلَيْهِ، فَإِنَّمَا هِيَ صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ إِسْرَافِيلَ يَسْمَعُونَهَا وَهُمْ فِي بُطُونِ الْأَرْضِ أَمْوَاتٌ فَيَحْيَوْنَ[77].

 

الغرض من ذِكْرِ قِصَّةِ مُوسَى مَعَ فِرْعَوْنَ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾ [سورة النازعات:15] وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ: ذِكْرٌ لِقِصَّةِ مُوسَى مَعَ فِرْعَوْنَ، وَمَا جَرَى فِيها مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْمَوَاقِفِ، وَفِي ذَلِكَ فَائِدَتَانِ[78]:

الْأُولَى:تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَصْبِيرٌ لَهُ مِمَّا يُلَاقِيهِ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ تَكْذِيبٍ وَشِدَّةِ عِنَادِهِمْ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ دَعْوَتِهِ.

 

الثَّانِيَةُ: تَهْدِيدٌ لِلْكُفَّارِ بِأَنْ يُصِيبَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ مَنْ هُوَ أَقْوَى وَأَعْتَى وَأَشَدُّ شَوْكَةً، وَأَكْثَرُ جَمْعًا.

 

إِثْبَاتُ صِفَةِ الْكَلامِ للهِ تَعَالَى:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [سورة النازعات:16-17]: إِثْبَاتُ صِفَةِ الْكَلَامِ للهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ حَقِيقِيٍّ، مَتَى شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ بِمَا شَاءَ، بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ لَا يُمَاثِلُ أَصْوَاتَ الْمُخْلُوقِينِ[79]، وقد ثبت عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنادِي بِصَوْتٍ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلى النَّارِ»[80].

 

وعلى كلٍّ:فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾: دَلْيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللهِ تعالى غَيْرُ مَخْلُوقٍ، تَكَلَّمَ بِهِ تَكَلُّمًا؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ كَلَامٌ مَسْمُوعٌ لا مَحَالَةَ، وَالْكَلامُ لِلْمُتَكَلِّمِ وَالنِّدَاءُ مِنْهُ، وَصِفَةٌ مِنْ صْفَاتِهِ، وَهُوَ بِجَميعِ صِفَاتِهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ[81].

 

التَّحْذِيرُ مِنَ الطُّغْيَانِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾: بَيَانٌ لِسَبَبِ إِرْسَالِ مُوسَى (عليه السلام) إِلَى فِرْعَوْنَ، وَأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى طُغْيَانِهِ وَجَبَرُوتِهِ، وَقَدْ تَنَوَّعَ طُغْيَانُ فِرْعَوْنَ مِنَ الْكُفْرِ وَادِّعَاءِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ، إِلى الْفَسَادِ وَالْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ، وَقَهْرِ الضُّعَفَاءِ، إِلَى تَكْذِيبِ مُوسَى (عليه السلام) أَخِيرًا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ﴾ [سورة النازعات:21-24]، ثُمَّ كَانَ عَاقِبَتُهُ الْغَرَقَ فِي الدُّنْيَا، وَسُوء الْمَصيرِ في الْآخِرَةِ،كما قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى ﴾ [سورة النازعات:25][82].

 

بيان أَهَمِّيَّة تَزْكِيَةِ النَّفْسِ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْمَعَايِبِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى ﴾: إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ إِلى حَقِيقَةِ التَّزْكِيَةِ، وَسَعَةِ مَعْنَاهَا وَمَدْلُولِهَا، فَلَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُزَكِّيَ نَفْسَهُ إِلَّا بِالتَّطَهُّرِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَالتَّحَلِّي بِالْإِيمَانِ[83].

 

أهمية تَحَلِّي الدَّاعِيَةِ إِلَى اللهِ بِاللِّينِ وَالرِّفْقِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ [سورة النازعات:18-19]: تَنْبيهٌ قُرْآنِيٌّ إِلى ضَرُورَةِ تَحَلِّي الدَّاعِيَةِ بِاللِّينِ وَالرِّفْقِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى في آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾[طه:43-44]، فَالْقَوْلُ اللَّيِّنُ يُؤَدِّي بِمَشِيئَةِ اللهِ إِلى التَّذْكِرَةِ أَوِ الْخَشْيَةِ، وَقَدْ قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [سورة النحل:125]، أَيْ: بِالطَّريقَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ طُرُقِ الْمُجَادَلَةِ مِنَ الرِّفْقِ وَاللِّينِ مِنْ غَيْرِ فَظاظَةٍ وَلَا تَعْنِيفٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [سورة آل عمران:159].

 

أَخْشَى النَّاسِ أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ [سورة النازعات:19]: أَنَّ خَشْيَةَ اللهِ تَعَالَى لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ، وَأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَكْثَرَ عِلْمًا وَمَعْرِفَةً بِاللهِ (عز وجل) اشْتَدَّتْ خَشْيَتُهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى الْعُلَمَاءَ بِهِ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُمُ الَّذينَ يَخْشَوْنَ اللهَ حَقًّا، فَقَالَ: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾ [سورة فاطر:28][84] ؛ وَلِهَذا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ الْخَلْقِ خَوْفًا مِنْ رَبِّهِ وَأَعْظمَهُمْ خَشْيَةً لَهُ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَوَاللهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً»[85]، وَفي لَفْظٍ: «وَاللهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي»[86].

 

لفتُ الانْتِبَاهِ إِلَىْ الاتِّعَاظِ بِمَا حَصَلَ لِفِرْعَوْنَ مِنَ الْعِقَابِ فِي الدُّنْيَا:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾[سورة النازعات:25-26]: نهاية قِصَّةِ فِرْعَوْنَ، وَبيان مَا فَعَلَ اللهُسبحانه وتعالى بِهِ، وأن ذلك عِبْرَةٌ عَظيمَةٌ لِمَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَخْشَى اللهَ وَيَتَّقِيَهُ، وَيَخَافَ عُقوبَتَهُ، وَيَحْذَر غَضَبَهُ. قَالَ ابْنُ عُثَيْمِين رحمه الله: "﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾ [سورة النازعات:26]، أَيْ: فيمَا جَرَى مِنْ إِرْسَالِ مُوسَى إِلى فِرْعَوْنَ وَمُحَاوَرَتِهِ إِيَّاهُ، وَاسْتِهْتَارِ فِرْعَوْنَ بِهِ، وَاسْتِكْبَارِهِ عَنِ الِانْقِيَادِ لَهُ؛ عِبْرَةً"[87].


بيان من ينتفع ويتعظ بالتخويف والآيات الكونية والقرآنية:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾[سورة النازعات: 26]: بَيَانُ أَنَّ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِالْآيَاتِ وَيَتَّعِظُ هُوَ مَنْ يَخْشَى اللهَ تَعَالَى، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ مَلَاقِيهِ، فَيَرْجُو ثَوَابَهُ وَيَخَافُ عِقَابَهُ؛ كَمَا قَالَ اللهُ في آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى ﴾ [سورة الأعلى:10].

 

وقد تكرَّر هذا المعنى فِي آخر السورة؛ في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ﴾ [سورة النازعات:45]، فأخبر الله أَنَّهُ إِنَّمَا يَنتَفعُ بِالآيَاتِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْقُرْآنِيَّةِ أَهْلُ التَّقْوَى وَالْخَشْيَةِ وَالْإِنَابَةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾[سورة طه:1-3][88]، والَّذِي يَنْتَفِعُ بِالإِنْذَارِ وَالتَّخْوِيفِ هُوَ مَنْ يَخْشى وَيَخَافُ أَهْوَالَ الْقِيَامَةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيم ﴾ [سورة يس:11].

 

مُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى إِلَى ذِكْرِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ:

فِي انْتِقَالِ سِيَاقِ الْآيَاتِ مِنْ ذِكْرِ قِصَّةِ مُوسَى (عليه السلام) مَعَ فِرْعَوْنَ، إِلى ذِكْرِ خَلْقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فائِدَةٌ، قَالَ الشَّنْقِيطِيُّ رحمه الله: "لَمَّا كَانَ فِرْعَوْنُ عَلَى تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ مِنَ الطُّغْيَانِ وَالْكُفْرِ، وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ طُغْيَانِهِ الْمُلْكُ وَالْقُوَّةُ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَاد ﴾ [سورة الفجر:10]، وَقَوْلِه: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ ﴾ [سورة القصص:4]، وَقَوْلِهِ عَنْهُ: ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ﴾ [سورة الزخرف:51]، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَظَاهِرُ طُغْيَانِهِ وَعَوَامِلُ قُوَّتِهِ- خَاطَبَهُمُ اللهُ بِمَا آلَ إِلَيْهِ هَذَا الطُّغْيَانُ، ثُمَّ خَاطَبَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ مُحَذِّرًا مِنْ طُغْيَانِ الْقُوَّةِ: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء ﴾ [سورة النازعات:27]، حَتَّى لَوِ ادَّعَيْتُمْ أَنَّكُمْ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ فِرْعَوْنَ الّذِي أَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، فَهَلْ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ؟"[89].

 

تَوْبيخُ مُنْكِرِي الْبَعْثِ مِنَ الْكُفَّارِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُم ﴾[سورة النازعات:27-33]: تَوْبيخٌ لْمُنْكِرِي الْبَعْثِ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ رحمه الله: "لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْقِ السَّماءِ الَّتِي لَها هَذَا الجَرْمُ العَظِيمُ، وَفِيهَا مِنْ عَجَائِبِ الصُّنْعِ وَبَدائِعِ القُدْرَةِ مَا هُوَ بَيِّنٌ لِلنّاظِرِينَ، كَيْفَ يَعْجَزُ عَنْ إِعَادَةِ الْأَجْسامِ الَّتِي أماتَها بَعْدَ أَنْ خَلَقَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ؟ وَمِثْلُ هَذا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ﴾ [سورة غافر:57]، وَقَوْلُهُ: ﴿ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم ﴾ [سورة يس:81]"[90].

 

بيان تَّذَكُّر الإنسان أعماله يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ مع أنه لَا فَائِدَةَ مِنْهُ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى ﴾ [سورة النازعات:35-36]: أن الْإِنْسَان في ذَلِكَ الْيَوْمِ يَتَذَكَّرُ جَميعَ عَمَلِهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَيَنْدَمُ عَلَى مَا قَدَّمَ في الدُّنْيَا مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَعَلَى مَا عَمِلَ مِنْ أَعْمَالِ السُّوءِ، وَلَكِنْ هَلْ تَنْفَعُهُ الذِّكْرَى؟ لَا تَنْفُعُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾ [سورة الفجر:23]، فَقَدْ فَاتَ الْأَوَانُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَنْفَعُهُ الذِّكْرَى لَوْ تَذَكَّرَ الْحَقَّ قَبْلَ حُضُورِ الْمَوْتِ[91].

 

بيان أسباب دخول النار وأسباب دخول الجنة:

فِي قَوْلِه تَعَالَى: ﴿ فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [سورة النازعات:37-41]: بَيَانُ أَنَّ سَبَبَ دُخولِ النَّارِ وَالْجَحِيمِ أَمْرَانِ:

الأَوَّلُ: تَجَاوُزُ الْحَدِّ في الْعُدْوَانِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْكُفْرُ بِاللهِ.

 

الثَّانِي: تَقْدِيمُ الدُّنْيَا وِإِيثَارُهَا وَالِانْهِمَاكُ بِمَلَذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا، وَعَدَمُ الاِسْتِعْدَادِ لِلآخِرَةِ بِالْعِبادَةِ وَتَهْذِيبِ النَّفْسِ[92].

 

وأما سَبَبَ دُخُولِ الْجَنَّةِ فأَمْرَانِ مُتَلازِمَانِ:

الْأَوَّلُ: الْخَوْفُ من اللهِ تَعَالَى وبَيْنَ يَدَيه؛ فكُلَّمَا خاف الْإِنْسَانُ من ربه ازْدَادَ يَقِينًا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وزَادَ إِيمَانُهُ، وَحَرِصَ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَابْتَعَدَ عَنِ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةَ، وَاسْتَعَدَّ لِهَذا الْيَوْمِ الْعَظيمِ بِمَا يُحِبُّهُ اللهُ (عز وجل)، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ آثَارِ الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ عَلَى الإِنْسَانِ.

 

الثَّانِي: كَفُّ النَّفْسِ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَمَا تَشْتَهِيهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: "فَأَمَّا مُخَالَفَةُ الْهَوَى فَلَمْ يَجْعَلِ اللهِ لِلْجَنَّةِ طَريقًا غَيْرَ مُخَالَفَتِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلنَّارِ طَرِيقًا غَيْرَ مُتَابَعَتِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [سورة النازعات:37-41]، وَقالَ تَعَالَى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان ﴾ [سورة الرحمن:46] قِيلَ: هُوَ الْعَبْدُ يَهْوَى الْمَعْصِيَةَ فَيَذْكُرُ مَقَامَ رَبِّهِ عَلَيْهِ في الدُّنْيَا وَمَقَامَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ في الْآخِرَةِ فَيَتْرُكُهَا للهِ"[93].


عَاقِبَةِ اتِّبَاعِ الْهَوَى:

فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾ [سورة النازعات:40]: إشارة وتشْدِيد عَلَى خَطَرِ اتِّبَاعِ الْهَوَى، فَمَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ الْهَلاكُ وَالْخِذْلانُ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ دَوَاعِي الضَّلَالِ، وَأَسْبَابِ الْهَلَاكِ: اتِّبَاعُ الْهَوَى، فَإِنَّهُ يَهْوِي بِصَاحِبِهِ إِلى الْمَهَالِكِ حَتَّى يُورِدَهُ النَّارَ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ-، كَمَا قَالَ الشَّعْبِيُّ رحمه الله: "سُمِّيَ الْهَوَى هَوىً لِأَنَّهُ يَهْوِي بِصَاحِبِهِ إِلى النَّارِ"[94]، وَقَدْ قِيلَ: لَمْ يَذْكُرِ اللهُ تَعَالَى الْهَوَى فِي كِتَابِهِ إِلَّا ذَمَّهُ[95]. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: "وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يُضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، ثُمَّ ذَكَرَ مَآلَ الضَّالِينَ عَنْ سَبيلِهِ وَمَصِيرَهُمْ فَقَالَ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب ﴾ [سورة ص:26]، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ بِاتِّبَاعِ الْهَوَى يَطْبَعُ عَلَى قَلْبِ الْعَبْدِ فَقَالَ: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُم ﴾ [سورة محمد:16]"[96].


عِلْمُ السَّاعَةِ مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا ﴾[سورة النازعات:42-44]: دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ السَّاعَةُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا رَبُّ الْعِزَّةِ، وَأَنَّهَا تَأْتِي بَغْتَةً، وَأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم لَا يَدْرِي مَتَى هِيَ[97].

 

فالسَّاعَةُ إِحْدَى مَفَاتِحِ الْغَيْبِ الْخَمْسَةِ التي لا يعلمها إلا الله، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ: قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير ﴾ [سورة لقمان:34]، وفي الحَدِيث عن ابْن عُمَرَ رضي الله عنهم: أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ [سورة لقمان:34]»"[98].

 

فَعِلْمُ السَّاعَةِ مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي اخْتَصَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ، وَاسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ، فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ بِمَا فِيهِمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ وَالْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ، حَتَّى أَفْضَل الرُّسُلِ وَهُوَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌصلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ.

 

بيان قِصَر الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهَوَانُهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْآخِرَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [سورة النازعات:46]: بَيَانٌ لِقِصَرِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَحَقَارَتِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الله تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَثير مِنَ الْآيَاتِ الْمُبَيِّنَةِ لِذَلِكَ؛ مُذَكِّرًا بِحَالِ النَّاسِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، وَمِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْمًا ﴾[سورة طه:102-104]، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُون ﴾ [سورة الروم:55]، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِين * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّين * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُون ﴾ [سورة المؤمنون:112-114][99].

 

فَإِنْ ضَعُفَتِ نَّفْسُ الإنسان عَنْ مُلَاحَظَةِ قِصَرِ الْوَقْتِ، وَسُرْعَةِ انْقِضَائِهِ؛ فَلْيَتَدَبَّرْ قَوْلَهُ (عز وجل): ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ﴾ [سورة الأحقاف:35].

 

وإن مَنْ تأمَّل في هذه الدُّنْيَا لوَجَدَ أنها لَيْسَتْ بِشَيْءٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ [سورة يونس:45]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ﴾ [سورة الأحقاف:35]، وَفِي حَدِيثِ الْمُسْتَوْرِد بْنِ شَدَّادٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ في الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ!»[100].

 

فَالْعَاقِلُ مَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا، وَجَعَلَهَا مَزْرَعَةً لِلْآخِرَةِ، وَجَعَلَهَا كَأَنَّهَا شَجَرَةٌ يَسْتَظِلُّ بِهَا سَاعَةً ثُمَّ يَمْضِي فِي طَرِيقِهِ، كَمَا جاء فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «نَامَ رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً، فَقَالَ: مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا»[101].

 


[1] ينظر: تفسير ابن عطية (5/ 430)، التحرير والتنوير (30/ 59).
[2] ينظر: فتح القدير للشوكاني (5/ 449)، تفسير القاسمي (9/ 395)، التحرير والتنوير (30/ 59).
[3] ينظر: بصائر ذوي التمييز (1/ 499)، التحرير والتنوير (30/ 60).
[4] ينظر: تفسير البغوي (8/ 320).
[5] ينظر: تفسير الجلالين (ص789).
[6] ينظر: تفسير البغوي (8/ 324).
[7] ينظر: تفسير الرازي (31/ 28)، تفسير الجلالين (ص789).
[8] أخرجه أحمد في المسند (25090)، وابن ماجه (4262) واللفظ له.
[9] ينظر: زاد المسير (4/ 394)، تفسير القرطبي (19/ 193).
[10] ينظر: تفسير البغوي (8/ 325).
[11] ينظر: تفسير العثيمين، جزء عم (ص41).
[12] ينظر: تفسير البغوي (8/ 325).
[13] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 190).
[14] ينظر: تفسير الطبري (24/ 68)، تفسير البغوي (8/ 325).
[15] ينظر: تفسير الطبري (24/ 65)، فتح القدير (5/ 451).
[16] ينظر: تفسير الطبري (24/ 65)، معاني القرآن للزجاج (5/ 278).
[17] سبق تخريجه.
[18] شرح مسلم، للنووي (18/ 92).
[19] الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 349).
[20] ينظر: تفسير البغوي (8/ 327).
[21] ينظر: تفسير الطبري (24/ 69).
[22] ينظر: تفسير الماوردي (6/ 195).
[23] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 197).
[24] ينظر: تفسير البغوي (8/ 327-328).
[25] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 283).
[26] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 283)، تفسير الألوسي (15/ 230).
[27] ينظر: تفسير العثيمين (ص45).
[28] ينظر: تفسير السعدي (ص504).
[29] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 283)، اللباب في علوم الكتاب (20/ 136).
[30] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 283).
[31] ينظر: تفسير البغوي (8/ 328).
[32] ينظر: تفسير البغوي (8/ 329)، تفسير النسفي (3/ 598).
[33] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 202).
[34] ينظر: زاد المسير(4/ 396).
[35] ينظر: تفسير البغوي (8/ 329)، فتح القدير (5/ 455).
[36] ينظر: تفسير ابن كثير(8/ 315).
[37] ينظر: تفسير النسفي (3/ 598).
[38] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 203)، تفسير السعدي (1/ 909).
[39] ينظر: تفسير النسفي (3/ 598)، تفسير الجلالين (ص790).
[40] ينظر: فتح القدير (5/ 460).
[41] ينظر: تفسير الطبري (24/ 91).
[42] ينظر: تفسير الرازي (31/ 45).
[43] ينظر: فتح القدير (5/ 458).
[44] صحيح البخاري (6/ 127)، وانظر باقي جواب ابن عباس رضي الله عنهم فيه.
[45] ينظر: التفسير الوسيط، للواحدي (4/ 421)، فتح القدير (5/ 458).
[46] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 205)، فتح القدير (5/ 458).
[47] ينظر: تفسير الطبري (24/ 96).
[48] ينظر: تفسير الطبري (24/ 97)، تفسير القرطبي (19/ 206)، تفسير الجلالين (ص791).
[49] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 206)، تفسير السعدي (ص910).
[50] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 317).
[51] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 207).
[52] ينظر: تفسير العثيمين (ص52).
[53] ينظر: تفسير البغوي (6/ 119)، تفسير البيضاوي (5/ 285).
[54] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 207).
[55] ينظر: فتح القدير (5/ 459).
[56] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 285).
[57] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 285).
[58] ينظر: تفسير الجلالين (ص791).
[59] الهداية إلى بلوغ النهاية (12/ 8046).
[60] ينظر: تفسير الرازي (4/ 393)، التحرير والتنوير (30/ 95).
[61] أخرجه البخاري (6171)، ومسلم (2639) واللفظ له.
[62] هذا لفظ البخاري.
[63] أخرجه البخاري (3688) واللفظ له، ومسلم (2639).
[64] ينظر: تفسير الطبري (24/ 100)، تفسير البغوي (8/ 331).
[65] أخرجه البخاري (50) ومسلم (9).
[66] ينظر: تفسير النسفي (3/ 600)، تفسير الألوسي (15/ 240).
[67] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 318).
[68] مجموع الفتاوى (1/ 203).
[69] التحرير والتنوير (30/ 60).
[70] ينظر: إغاثة اللهفان (2/ 125-126).
[71] تفسير القرطبي (19/ 190).
[72] ينظر: التفسير القرآني (16/ 1433).
[73] تفسير الطبري (24/ 193).
[74] التفسير القرآني (16/ 1434).
[75] مجموع الفتاوى (16/ 225).
[76] ينظر: التفسير القرآني (16/ 1435).
[77] ينظر: تفسير الوسيط للواحدي (4/ 419)، تفسير ابن كثير (8/ 314).
[78] ينظر: التفسير المنير (30/ 39).
[79] ينظر: تفسير الألوسي (1/ 18).
[80] أخرجه البخاري (7483).
[81] النكت الدالة عَلَى البيان في أنواع العلوم (4/ 477).
[82] تفسير السعدي (ص504).
[83] ينظر: تفسير ابن عطية (5/ 433).
[84] تفسير ابن عثيمين (1/ 47).
[85] أخرجه البخاري (6101) واللفظ له، ومسلم (2356).
[86] أخرجه مسلم (1110).
[87] تفسير ابن عثيمين (1/ 49).
[88] ينظر: بدائع الفوائد (ص131).
[89] أضواء البيان (8/ 421-422). وينظر: التحرير والتنوير (30/ 83).
[90] فتح القدير (5/ 457).
[91] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 317)، تفسير العثيمين (ص53).
[92] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 317)، السراج المنير (4/ 482).
[93] روضة المحبين (ص401-402).
[94] تفسير ابن أبي حاتم (7/ 2419).
[95] روضة المحبين (ص469).
[96] روضة المحبين (ص401-402).
[97] ينظر: القيامة الصغرى، للأشقر (ص118).
[98] ينظر: القيامة الصغرى للأشقر (ص118).
[99] ينظر: تفسير ابن كثير (4/ 271).
[100] أخرجه مسلم (2858).
[101] أخرجه الترمذي (2377)، وقال: "حسن صحيح".




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة النازعات للناشئين
  • تفسير سورة النازعات كاملة
  • تفسير سورة النازعات
  • تفسير سورة المطففين
  • تفسير سورة التكاثر
  • تفسير سورة العصر

مختارات من الشبكة

  • تفسير سورة النازعات(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تفسير القرآن الكريم بلغة الإشارة – سورة النازعات (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تأملات في بعض آيات سورة النازعات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإعراب الصوتي للقرآن الكريم: سورة النازعات(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • محاور دعوة الرسل لبناء النفس المؤمنة "رسالة موسى إلى فرعون في سورة النازعات أنموذجا"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن سورة النازعات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تلاوة سورة النازعات(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • صلاة الفجر من المسجد الحرام 1426هـ (تلاوة سورة القيامة وأواخر النازعات)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط)
  • إعراب سورة النازعات(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب