• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير سورة النبأ

تفسير سورة النبأ
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/10/2024 ميلادي - 15/4/1446 هجري

الزيارات: 1808

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سُورَةُ النَّبَإِ

 

سُورَةُ (النَّبَإِ): سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ، وَهِيَ أَرْبَعُونَ آيَةً[1].

 

أَسْمَاءُ السُّورَةِ:

وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ أَسْمَائِهَا: سَورَةُ (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ)، وَسُورَةُ (النَّبَأِ)، وَسُورَةُ (عَمَّ)، وَسُورَةُ (التَّسَاؤُلِ)، وَسُورَةُ (الْمُعْصِرَاتِ)[2].


الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ لِلسُّورَةِ:

يُمْكِنُ إِجْمَالُ مَقَاصِدِ سُورَةِ (النَّبَأِ) فِي الْأُمُورِ التَّالِيَةِ[3]:

• ذِكْرُ الْقِيَامَةِ وَبَعْضِ أَحْوَالِهَا.

• كَيْفِيَّةُ النَّشْرِ وَالْبَعْثِ.

• ذِكْرُ عَذَابِ الْعَاصِينَ، وَثَوَابِ الْمُطِيعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

• حَالُ الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.


شَرْحُ الْآيَاتِ:

قَوْلُهُ: ﴿ عَمَّ يَتَسَاءلُون ﴾، أي: عَنْ أَيِّ شَيْءٍ يَسْأَلُ هَؤُلَاءِ الْجَاحِدُونَ الْمُكَذِّبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا[4].

 

قَوْلُهُ: ﴿ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيم ﴾، وَهُوَمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم الْمُشْتَمِلِ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[5].

 

قَوْلُهُ: ﴿ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُون ﴾، أَيْ: مُنْقَسِمُونَ؛ فَبَعْضُهُمْ يَجْحَدُهُ وَآخَرُ يَرْتَابُ فِيهِ[6].

 

قَوْلُهُ: ﴿ كَلاَّ ﴾: كلمة رَدْعٌ وَزَجْرٌ، ﴿ سَيَعْلَمُون ﴾، أَيْ: سيعلمون مَا يَحِلُّ بِهِمْ عَلَى إنْكَارِهِمْ لَهُ[7]، وَهَذَا تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ يَدُلُّ عَلَى أنَّ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ هُمُ الكُفَّارُ فَقَطْ[8].

 

قَوْلُهُ: ﴿ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُون ﴾، أَعَادَ الْجُمْلَةَ وَالْتَّهْدِيْدَ لِلْمُبَالَغَةِ في التَّأْكِيدِ، والتَّشْدِيدِ فِي الْوَعِيدِ[9].

 

ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى بَعْضَ مَظَاهِر ِقُدْرَتِهِ وَإِنْعَامِهِ عَلَى خَلْقِهِ وَعِنَايَتِهِ بِمَصَالِحِهِمْ؛ فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا ﴾... إلى قوله سبحانه: ﴿ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾، وقد ذكر الله تعالى هذه النعم لِلِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى أَمْرَيْنِ:

 

الأمر الْأَوَّلُ: اِسْتِحْقَاقُهُ وَحْدَهُ لِعِبَادَتِهِمْ.

 

الأمر الثَّانِي: قُدْرَتُهُ عَلَى بَعْثِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ.

 

قَوْلُهُ: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا ﴾، المهاد: الوطاء والفراش، أَيْ: جعلها مُمَهَّدَةً لَكُمْ كَالْفِرَاشِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُون ﴾ [سورة البقرة:22][10]، وَكما قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُون ﴾ [سورة الذاريات:48]، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور ﴾ [سورة الملك:15].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾، الأوتاد: جمع وتد، وَالْوَتَدُ: عُودٌ غَلِيظٌ، أَسْفَلُهُ أَدَقُّ مِنْ أَعْلَاهُ يُدَقُّ فِي الْأَرْضِ لِتُشَدَّ بِهِ أَطْنَابُ الْخَيْمَةِ، والمعنى: وجعلنا الجبال أوتادًا تُثَبِّتُ الأَرْضَ حَتَّى لَا تَضْطَرِبَ وَتَمِيدَ كَمَا تُثَبِّتُ الْأَوْتَادُ الْخِيَامَ[11]، كَمَا قَاْل تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُون ﴾ [سورة الأنبياء:31]، وَكما في قَوْلِهِ سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون ﴾ [سورة الرعد:3].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ﴾، أَيْ: أَصْنَافًا؛ ذُكُورًا وَإِنَاثًا[12]؛ لِيَحْصُلَ الزَّوَاجُ، وَيَسْكُنَ كُلٌّ مِنْهُمَ إِلَى الْآخَرِ، وَتَكْونَ بينكما الْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ[13]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون ﴾ [سورة الروم:21][14].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ﴾، السُّبَاتُ: بِمَعْنَى: السَّبْتِ، وهو: الْقَطْع والسكون، أَيْ: وجَعَلْنَا نومكُمْ لكم قَطْعًا لِعَمَلِ الْجَسَدِ تهدؤون وتسكنون به؛ لأنه لا بد للبدن منه[15]، وهذا كَمَا قَالَ اللهُ: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾ [سورة الفرقان:47][16].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ﴾، أَيْ: وجَعَلْنَا اللَّيْلَ سَاتِرًا لَكُمْ بِظَلَامِهِ كَمَا يَسْتُرُكُمُ اللِّبَاسُ؛ كَمَا قَالَ اللهُ: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ [سورة الليل:1]، وكما قَالَ: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ [سورة الشمس:4][17].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾، أَيْ: تُحَصِّلُونَ فِيهِ ما يَقُومُ بِهِ مَعَاشُكُمْ، وَمَا قَسَمَهُ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الرِّزْقِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾ [سورة الفرقان:47]، أَيْ: يَنْتَشِرُ النَّاسُ فِيهِ لِمَعَايِشِهِمْ وَمَكَاسِبِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ[18].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا ﴾، أَيْ: سَبْعَ سَمَاوَاتٍ[19]؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [سورة الطلاق:12]. ﴿ شِدَادًا ﴾، أَيْ: قَوِيَّةَ الْخَلْقِ، مُحْكَمَةَ الْبِنَاءِ، لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا مُرُورُ الدُّهُورِ[20]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوج ﴾ [سورة ق:6]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُور ﴾ [سورة الملك:3].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا ﴾، أَيْ: الشَّمْس الْمُنِيرَة. ﴿ وَهَّاجًا ﴾، ﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ﴾ أي: وَقَّادًا مُضِيئًا[21]؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون ﴾ [سورة يونس:5].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ ﴾، أَيْ: مِنَ السُّحُبِ الْمُمْطِرَةِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُون ﴾ [سورة الروم:48][22]. ﴿ مَاء ثَجَّاجًا ﴾، أَيْ: مُنْصَبًّا بِكَثْرَةٍ وَغَزَارَةٍ[23].

 

قَوْلُهُ: ﴿ لِنُخْرِجَ بِهِ ﴾، أَيْ: لنخرج بِهذا الْمَاءِ. ﴿ حَبًّا ﴾، أي: مِمَّا يَقْتَاتُ بِهِ النَّاسُ كَالبُرِّ وَالشَّعِيرِ[24]، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُون ﴾ [سورة يس:33]. ﴿ وَنَبَاتًا ﴾، وَهُوَ الْكَلَأُ مِنَ الْحَشِيشِ والزُّرُوعِ مِمَّا تَأْكُلُهُ الْأَنْعَامُ[25].

 

وَقد جاءت الإشارة إِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ بِقَوْلِهِ عز وجل: ﴿ كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى ﴾ [سورة طه:54][26].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾، أَيْ: بَسَاتِينَ وَحَدَائِقَ مُلْتَفَّةً مُجْتَمِعَةً[27]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون ﴾ [سورة الرعد:4][28].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ﴾، أي: يوم الفصل بَيْنَ الْخَلَائِقِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ؛ كَانَ وَقْتًا وَمِيعَادًا مُحَدَّدًا لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْخَلَائِقِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ[29].

 

قَوْلُهُ: ﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾، أَيْ: يوم ينفخ فِيْ الْقَرْنِ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ إِسْرَافِيلُ عليه السلام إِيذَانًا بِالبَعْثِ؛ فتأتون مِنْ قُبُورِكُمْ إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ؛ أفواجًا: جَمَاعَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُون ﴾ [سورة يس:51][30]، وَهَذِهِ هِيَ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ[31]، وَالنَّفْخَةُ الْأُولَى نَفْخَةُ الْفَزَعِ وَالصَّعْقِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُون ﴾ [سورة الزمر:68][32]، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ»[33]، وَقَدْ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ مَعْنَى الْأَرْبَعِينَ فَأَبَى أَنْ يُحَدِّدَ، هَلْ هِيَ أَرْبَعُونَ سَنَةً، أَوْ أَرْبَعُونَ شَهْرًا، أَوْ أَرْبَعُونَ يَوْمًا.

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا ﴾، أَيْ: شُقِّقَتْ لِنُزُولِ الْمَلائِكَةِ؛ فكانت ذَاتَ أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً ﴾ [سورة الفرقان:25][34].

 

وَهَذَا الْفَتْحُ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿ إِذَا السَّمَاء انشَقَّت ﴾ [سورة الانشقاق:1]، وَقَوْلِهِ: ﴿ إِذَا السَّمَاء انفَطَرَت ﴾ [سورة الانفطار:1]، إذِ الْفَتْحُ وَالتَّشَقُّقُ وَالتَّفَطُّرُ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ[35].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴾، أَيْ: ذُهِبَ بِهَا عَنْ أَمَاكِنِهَا؛ حتى يَظُنُّ مَنْ يَراها مِنْ بُعْدٍ مَاءً، وَهُي فِي الْحَقِيقَةِ هَباءٌ[36]؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ [سورة النمل:88].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا ﴾، أَيْ: مُعَدَّةً ومجهَّزة لَهُمْ، يُقَالُ: أَرْصَدْتُ لَهُ الشَّيْءَ: إِذَا أَعْدَدْتُهُ لَهُ[37].

 

قوله: ﴿ لِلْطَّاغِينَ مَآبًا ﴾، أَيْ: مَرْجِعًا وَمَأْوًى[38]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [سورة النازعات:37-39][39].

 

قَوْلُهُ: ﴿ لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ﴾، أَيْ: مَاكِثينَ فِي جَهَنَّمَ دُهُورًا مُتَتابِعَةً لَا تَنْقَطِعُ، كُلَّمَا مَضَى حِقْبٌ جَاءَ بَعْدَهُ حِقْبٌ آخَرُ[40].

 

قَوْلُهُ: ﴿ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا ﴾، أي: يُبْرِدُ جُلُودَهُمْ مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ-، ولا يذوقون شرابًا طَيِّبًا يَتَلَذَّذُونَ بِهِ، وَيَدْفَعُ ظَمَأَهُمْ[41].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ﴾، أَيْ: لَكِنْ يَذُوقُونَ مَاءً حَارًّا يَشْوِي الْوُجُوهَ مِنْ شِدَّةِ حَرَارَتِهِ[42]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [سورة الكهف:29]. ﴿ وَغَسَّاقًا ﴾، وَهُوَ مَا يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ[43]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيد * مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيد * يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظ ﴾ [سورة إبراهيم:15-17][44].

 

قَوْلُهُ: ﴿ جَزَاء وِفَاقًا ﴾، أي: وَإِنَّمَا اسْتَحَقُّواْ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ الْفَظيِعَةِ: جزاءً عَادِلًا مُوَافِقًا لِمَا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا، وَالَّتِي مِنْ أَعْظَمِهَا الْكُفْرُ بِاللهِ وَإِنْكَارُ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ[45].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَرْجُونَ حِسَابًا ﴾، أَيْ: لَا يَخَافُونَ وَلَا يَتَوَقَّعُونَ حسابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِإِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ[46].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ﴾، أَيْ: كذبوا بِالْقُرْآنِ تَكْذِيبًا[47] وَاضِحًا صَرِيحًا.

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ﴾، أَيْ: مِنَ الْأَعْمَالِ ضَبَطْنَاهُ كَتْبًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لِنُجازِيَ عَلَيْهِ[48]، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [سورة الإسراء:14].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا ﴾، أَيْ: فَيُقَالَ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ فِي الْآخِرَةِ عِنْدَ وُقُوعِ الْعَذَابِ: ذُوقُواْ جَزَاءَكُمْ[49] فلن نزيدكم إلا عذابًا، وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَشَّدِّ الْآيَاتِ عَلَى أَهْلِ النَّارِ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ-[50].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾، أي: إن للمتقين الَّذِينَ امْتَثَلُوا أَوَامِرَ اللهِ تَعَالَى وَاجْتَنَبُوا نَوَاهِيَهُ، مَكَانًا يَفُوزُونَ بِهِ، وَهُوَ الجَنَّةُ[51].

 

قَوْلُهُ: ﴿ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴾، هنا بَيَّنَ الْمَفَازَ الذِيْ فِيْ الْآيَةِ السَّابِقَةِ، فَقَالَ عز وجل: ﴿ حَدَائِقَ ﴾ [52]، وَهِيَ البَسَاتِينُ العَظِيمَةُ وَالْمُتَنَوِّعَةُ مِنَ النَّخِيلِ وَغَيْرِهَا. ﴿ وَأَعْنَابًا ﴾: جَمْعُ عِنَبٍ، وَيُطْلَقُ عَلَى شَجَرَةِ الْكَرْمِ وَعَلَى ثَمَرِهَا[53].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَكَوَاعِبَ ﴾، أَيْ: نِساءً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، ثُدُيُّهُنَّ نَوَاهِدُ لَمْ يَتَدَلَّيْنَ؛ لِأَنَّهُنَّ أَبْكَارٌ. ﴿ أَتْرَابًا ﴾، أَيْ: فِي سِنٍّ وَاحِدَةٍ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِين ﴾ [سورة الواقعة:35-38][54].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَكَأْسًا دِهَاقًا ﴾، أَيْ: مَمْلُوءَةً خَمْرًا صَافِيًا[55].

 

قَوْلُهُ: ﴿ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّابًا ﴾، أَيْ: لا يسمعون فِي الْجَنَّةِ ﴿ لَغْوًا ﴾ وهو الكَلَام البَاطِل كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا * إِلاَّ قِيلاً سَلاَمًا سَلاَمًا ﴾ [سورة الواقعة:25-26][56]، ﴿ وَلاَ كِذَّابًا ﴾ أَيْ: ولا يُكْذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا[57].

 

قَوْلُهُ: ﴿ جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا ﴾، أَيْ: جزاء لِأَهْلِ الْجَنَّةِ كَثِيرًا وَافِيًا؛ بِسَبَبِ تَقْوَاهُمْ، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَعْطَانِي فَأَحْسَبَنِي، أَيْ: أَكْثَرَ عَلَيَّ حَتَى قُلْتُ: حَسْبِي[58].

 

قَوْلُهُ: ﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ ﴾ [59]، أَيْ: الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون ﴾ [سورة الأعراف:156].

 

وَلَعَلَّ فِي ذِكْرِ هَذَا الِاسْمِ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ، إِذْ أَنْكَرُوا اسْمَ الرَّحْمَنِ الْوَارِدِ فِي الْقُرْآنِ،كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾ [سورة الفرقان:60][60].

 

قَوْلُهُ: ﴿ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴾، أَيْ: لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ من الخلق أَنْ يُخَاطِبَهُ عز وجل إِلَّا بِإِذْنِهِ؛ خَوْفًا مِنْهُ وَإِجْلَالًا له؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيد ﴾ [سورة هود:105][61].

 

قَوْلُهُ: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ ﴾، أَيْ: جِبْرِيلُ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ[62]؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ قَدْ وَصَفَهُ بِذَلِكَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْر ﴾ [سورة القدر:4] ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفًّا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾، ﴿ صَفًّا ﴾ حال، أَيْ: مُصْطَفِّينَ خَاضِعِينَ[63]. ﴿ لاَّ يَتَكَلَّمُونَ ﴾، أَيْ: الْخَلْقُ فِي مَوْقِفِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ إِجْلالًا لِرَبِّهِمْ وَخُضُوعًا لَهُ[64]. ﴿ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ ﴾ فِي الْكَلِامِ، ﴿ وَقَالَ صَوَابًا ﴾، أي: وقال قَوْلًا حَقًّا وَسَدَادًا[65].

 

قَوْلُهُ: ﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ﴾، أي: ذلك اليوم الَّذِي لَا رَيْبَ فِي وُقُوعِهِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. ﴿ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ﴾، أَيْ: مَرْجِعًا يَرْجِعُ إلَيْهِ بِالْعَمَلِ الصّالِحِ[66]؛ لِيَسْلَمَ مِنَ الْعَذَابِ[67]؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾ [سورة الإنسان:29].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا ﴾، أي: أنذرناكم أَيُّهَا النَّاسُ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ قَرِيبُ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وَيَجِدُ الْإِنْسَانُ مَا قَدَّمَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ[68].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا ﴾، أي: يوم ينظر الإنسان عمله؛ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَاد ﴾ [سورة آل عمران:30][69]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾ [سورة الزلزلة:7-8]، وَهَذَا فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ يُجْزَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِعَمَلِهِ هُوَ، لَا بِعَمَلِ غَيْرِهِ. ﴿ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا ﴾، أَيْ: ويقول الكافر إِذَا شَاهَدَ مَا أَعَدَّهُ اللهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ الْعَذَابِ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ-: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا فِي الدُّنْيَا، فَلَمْ أُخْلَقْ وَلَمْ أُكَلَّفْ، أَوْ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَلَمْ أُبْعَثْ[70].

 

بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ:

الإشارة إلى عَظَمَة شَأْنِ الْمَسْؤُولِ عَنْهُ في أول السورة:

في قوله تعالى: ﴿ عَمَّ يَتَسَاءلُون ﴾، وهو: مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌصلى الله عليه وسلم من التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وغيره؛ وَذَلِكَ بِسَبَبِ إِبْهَامِ أَمْرِهْ، وَتَوْجِيهِ أَذْهَانِ السَّامِعِينَ نَحْوَهُ، وَتَنزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ الْمُسْتَفْهِمِينَ، وَإِيرَادِهِ عَلَى طرِيقَةِ الاسْتِفْهَامِ مِنَ اللهِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَسْتَدْعِي أَنْ يُعْتَنَى بِمَعْرِفَتِهِ وَيُسْأَلَ عَنْهُ[71].

 

بيان الاخْتِلَاف بين أَهْل الْبَاطِلِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُون ﴾: بَيَّنَ الله أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لِلرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ مخُتَلِفُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلَيْسُوا عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد ﴾ [سورة البقرة:176]؛ فَمَنْ خَالَفُوا الْحَقَّ تَجِدُهُمْ فِرَقًا وَشِيَعًا وَأَحْزَابًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ، أَمَّا البَاطِلُ فَشُعَبٌ وَظُلُمَاتٌ، وَاللهُ تَعَالَى دَائِمًا يُوَحِّدُ الْحَقَّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ﴾ [سورة الأنعام:153].

 

جَوَازُ اسْتِعْمَالِ أُسْلوبِ التَّهْديدِ فِي الْوَعْظِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كَلاَّ سَيَعْلَمُون * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُون ﴾: دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ أُسْلُوبِ التَّهْدِيدِ فِي الْمَوَاعِظِ وَغَيْرِهَا.

 

اسْتِعْمَالُ أُسْلُوبِ التَّكْرَارِ لِلتَّهْدِيدِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:: ﴿ كَلاَّ سَيَعْلَمُون * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُون ﴾ تَكْرَارٌ فِي التَّهْدِيدِ، وَالعَرَبُ مَتَى تَهَمَّمَتْ بشَيْءٍ أَرَادَتْهُ لِتَحَقُّقِهِ وَقُرْبِ وُقُوعِهِ، أَوْ قَصَدَتِ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ؛ كَرَّرَتْهُ تَوْكيدًا، وَالْقُرْآنُ إِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّر * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّر ﴾ [سورة المدثر:19-20]، وَقَوْلُهُ: ﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ [سورة القيامة:34-35]، وَمِنْهُ: ﴿ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِين ﴾ [سورة التكاثر:6-7]، وَالِإنْسَانُ مَجْبُولٌ مِنَ الطَّبَائِعِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَكُلُّهَا دَاعِيَةٌ إِلَى الشَّهَوَاتِ، وَلَا يَقْمَعُ ذَلِكَ إِلَّا تَكْرَارُ الْمَوَاعِظِ وَالْقَوَارِعِ[72].

 

الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كَلاَّ سَيَعْلَمُون * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُون ﴾: رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ وَلِهَذَا جَاءَتْ بِأُسْلُوبِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ الْقَوِيِّ، وَأَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ الْحَقِيقَةَ عِنْدَمَا يُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ[73]، وقد ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى أَدِلَّةً تِسْعَةً عَلَى قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وكأنه يقول: إن مَنْ قَدَرَ عَلَى هَذِهِ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ قَادِرٌ عَلَى الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، فَمَا الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ بِشَيْءٍ أَمَامَ هَذِهِ الْآيَاتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ﴾ [سورة النبأ:17].

 

الدَّعْوَةُ إِلى التَّفَكُّرِ فِي آيَاتِ اللهِ الْكَوْنِيَّةِ:

من تأمل في هَذِهِ السُّورَةُ وجدها مَلِيئَةً بِالآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الدَّعْوَةُ إِلَى التَّفَكُّرِ فِي آيَاتِ اللهِ الْكَوْنِيَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا ﴾ [سورة النبأ:6]، فهَذِهِ تُعَدُّ مِنَ الآيَاتِ الْعَظِيمَةِ؛ حَيْثُ مَهَّدَ اللهُ لِعِبَادِهِ السَّيْرَ عَلَى الأَرْضِ[74]، وَمن ذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ ؛ فهُنَا حَدَّثَ اللهُ عِبَادَهُ عَنْ نِعْمَةِ الجِبَالِ، وأنها بِمَثَابَةِ الْوَتدِ الَّذِي يُثبِّتُ الْأَرْضَ حَتَى لَا تَهْتَزَّ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ﴾ [سورة الرعد:3]، وَقَالَ: ﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُون ﴾ [سورة النحل:15].

 

ذكر أن التَّزَاوُج فِي الْكَوْنِ مِنْ سُنَنِ اللهِ الْكَوْنِيَّةِ:

في قوله تعالى: ﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ﴾: أن الله تعالى يزاوج بَيْنَ الذَّكَر وَالأُنْثَى، ويَجْعَل بَيْنَهُمَا السَّكِينَةَ والْمُتْعَةَ وَالتَّكَامُلَ، فَلَا يَسْتَغْنِي أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الاِسْتِقْرَارُ الاِجْتِمَاعِيُّ وَالتَّنَاسُلُ الَّذِي تَسْتَمِرُّ بِهِ الْحَيَاةُ، قَالَ اللهُ: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون ﴾ [سورة الروم:21].

 

امتنان الله تعالى على خلقه بنِعْمَةِ النَّوْمِ:

فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَىْ: ﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ﴾: أن النَّوْم نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا إِلَّا مَنْ حُرِمَ مِنْهَا، خَلَقَهُ اللهُ لِتَحْصُلَ فِيهِ لِلْإِنْسَانِ الرَّاحَةُ وَالسَّكِينَةُ، وللنوم فوائد عظيمة؛ منها ما ذكره ابن القيم رحمه الله فقال: "وَلِلنَّوْمِ فَائِدَتَانِ جَلِيلَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا:سُكُونُ الْجَوَارِحِ وَرَاحَتُهَا مِمَّا يَعْرِضُ لَهَا مِنَ التَّعَبِ، فَيُرِيحُ الْحَوَاسَّ مِنْ نَصَبِ الْيَقَظَةِ، وَيُزِيلُ الْإِعْيَاءَ وَالْكَلَالَ.

 

وَالثَّانِيَةُ:هَضْمُ الْغِذَاءِ، وَنُضْجُ الْأَخْلَاطِ؛ لِأَنَّ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ فِي وَقْتِ النَّوْمِ تَغُورُ إِلَى بَاطِنِ الْبَدَنِ، فَتُعِينُ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا يَبْرُدُ ظَاهِرُهُ وَيَحْتَاجُ النَّائِمُ إِلَى فَضْلِ دِثَارٍ"[75].

 

وقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رحمه الله عند قوله تعالى: ﴿ وَالنَّوْمَ سُبَاتًا ﴾ [سورة الفرقان:47]: "أَيْ: قَطْعَا لِلْحَرَكَةِ؛ لِرَاحَةِ الْأَبْدَانِ، فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ وَالْجَوَارِحَ تَكِلُّ مِنْ كَثْرَةِ الْحَرَكَةِ فِي الِانْتِشَارِ بِالنَّهَارِ فِي الْمَعَايِشِ؛ فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ وَسَكَنَ سَكَنَتِ الْحَرَكَاتُ، فَاسْتَرَاحَتْ فَحَصَلَ النَّوْمُ الَّذِي فِيهِ رَاحَةُ الْبَدَنِ وَالرُّوحِ مَعًا"[76].

 

فَجعل اللهُ تعالى النَّوْم رَاحَةً إِجْبارِيَّة يَتَقَوَّى بِهَا الْإِنْسَانُ عَلَى مَعَاشِهِ فِي النَّهَارِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ رضي الله عنه: «يَا عَبْدَ اللهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومَ اللَّيْلَ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا»[77].

 

بيان نِظَام الْحَيَاةِ لَيْلًا وَنَهَارًا:

فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَىْ: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾ أن مِنْ سُنَنِ اللهِ الْكَوْنِيَّةِ أَنَّ النَّوْمَ وَالرَّاحَةَ فِي اللَّيْلِ، وَالْعَمَلَ وَالسَّعْيَ وَالْكَدْحَ فِي النَّهَارِ. قَالَ ابْنْ عَاشُور رحمه الله: "وَفِي هَذَا امْتِنَانٌ عَلَى النَّاسِ بِخَلْقِ نِظَامِ النَّوْمِ فِيهِمْ؛ لِتَحْصُلَ لَهُمْ رَاحَةٌ مِنْ أَتْعَابِ الْعَمَلِ الَّذِي يَكْدَحُونَ لَهُ فِي نَهَارِهِمْ، فَاللهُ تَعَالَى جَعَلَ النَّوْمَ حَاصِلًا لِلْإِنْسَانِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ، فَالنَّوْمُ يُلْجِئُ الْإِنْسَانَ إِلَى قَطْعِ الْعَمَلِ؛ لِتَحْصُلَ رَاحَةٌ لِمَجْمُوعِهِ الْعَصَبِيِّ الَّذِي رُكْنُهُ فِي الدِّمَاغِ، فَبِتِلْكَ الرّاحَةِ يَسْتَجِدُّ الْعَصَبُ قُوَاهُ الَّتِي أَوْهَنَهَا عَمَلُ الْحَوَاسِّ وَحَرَكَاتُ الأَعْضَاءِ وَأَعْمَالُهَا، بِحَيْثُ لَوْ تَعَلَّقَتْ رَغْبَةُ أَحَدٍ بِالسَّهَرِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ"[78].

 

وقال أيضًا رحمه الله: "كَوْنَ اللَّيْلِ لِبَاسًا حَالَةٌ مُهَيِّئَةٌ لِتَكَيُّفِ النَّوْمِ وَمُعِينَةٌ عَلَى هَنَائِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ لِأَنَّ اللَّيْلَ ظُلْمَةٌ عَارِضَةٌ فِي الْجَوِّ مِنْ مُزَايَلَةِ ضَوْءِ الشَّمْسِ عَنْ جُزْءٍ مِنْ كُرَةِ الْأَرْضِ وَبِتِلْكَ الظُّلْمَةِ تَحْتَجِبُ الْمَرْئِيَّاتِ عَنِ الْإِبْصَارِ فَيَعْسُرُ الْمَشْيُ وَالْعَمَلُ وَالشُّغْلُ وَيَنْحَطُّ النَّشَاطُ فَتَتَهَيَّأُ الْأَعْصَابُ لِلْخُمُولِ ثُمَّ يَغْشَاهَا النَّوْمُ فَيَحْصُلُ السُّبَاتُ بِهَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ الْعَجِيبَةِ، فَلَا جَرَمَ كَانَ نِظَامُ اللَّيْلِ آيَةً عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْخَلْقِ وَبَدِيعِ تَقْدِيرِهِ...، ﴿ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾، لَمَّا ذُكِرَ خَلْقُ نِظَامِ اللَّيْل قوبل بِذكر خلق نِظَامِ النَّهَارِ، فَالنَّهَارُ: الزَّمَانُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ ضَوْءُ الشَّمْسِ مُنْتَشِرًا عَلَى جُزْءٍ كَبِيرٍ مِنَ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ. وَفِيهِ عِبْرَةٌ بِدِقَّةِ الصُّنْعِ وَإِحْكَامِهِ إِذْ جُعِلَ نِظَامَانِ مُخْتَلِفَانِ مَنْشَؤُهُمَا سُطُوعُ نُورِ الشَّمْسِ وَاحْتِجَابُهُ فَوْقَ الْأَرْضِ، وَهُمَا نعمتان للبشر مُخْتَلِفَانِ فِي الْأَسْبَابِ وَالْآثَارِ فَنِعْمَةُ اللَّيْلِ رَاجِعَةٌ إِلَى الرَّاحَةِ وَالْهُدُوءِ، وَنِعْمَةُ النَّهَارِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْعَمَلِ وَالسَّعْيِ، لِأَنَّ النَّهَارَ يَعْقُبُ اللَّيْلَ فَيَكُونُ الْإِنْسَانُ قَدِ اسْتَجَدَّ رَاحَتَهُ وَاسْتَعَادَ نَشَاطَهُ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ مُخْتَلِفِ الْأَعْمَالِ بِسَبَبِ إِبْصَارِ الشُّخُوصِ وَالطُّرُقِ. وَلَمَّا كَانَ مُعْظَمُ الْعَمَلِ فِي النَّهَارِ لِأَجْلِ الْمَعَاشِ أُخْبِرَ عَنِ النَّهَارِ بِأَنَّهُ مَعَاشٌ وَقَدْ أَشْعَرَ ذِكْرُ النَّهَارِ بَعْدَ ذِكْرِ كُلٍّ مِنَ النَّوْمِ وَاللَّيْلِ بِمُلَاحَظَةِ أَنَّ النَّهَارَ ابْتِدَاءُ وَقْتِ الْيَقَظَةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ النَّوْمِ"[79].

 

والعَجَبُ مِمَّنْ غَيَّرَ هَذا النَّامُوْسَ الرَّبَّانِيَّ؛ فَقَلَبَ الَّليْلَ نَهَارًا والنَّهَارَ لَيْلًا؛ فَهُو يَشْتَغِلُ وَيَطْلُبُ الْمَعَاشَ فِي الَّليل، وَيَنامُ فِي النَّهَارِ من غير ضرورة، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله أَضْرَارَ النَّوْمِ فِيْ النَّهَارِ فقال: "وَنَوْمُ النَّهَارِ رَدِيءٌ يُورِثُ الْأَمْرَاضَ الرُّطُوبِيَّةَ وَالنَّوَازِلَ، وَيُفْسِدُ اللَّوْنَ، وَيُورِثُ الطِّحَالَ، وَيُرْخِي الْعَصَبَ، وَيُكْسِلُ، وَيُضْعِفُ الشَّهْوَةَ إِلَّا فِي الصَّيْفِ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ، وَأَرْدَؤُهُ نَوْمُ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَأَرْدَأُ مِنْهُ النَّوْمُ آخِرَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ...، وَقِيلَ: نَوْمُ النَّهَارِ ثَلَاثَةٌ: خُلُقٌ، وَحُرَقٌ، وَحُمْقٌ. فَالْخُلُقُ: نَوْمَةُ الْهَاجِرَةِ، وَهِيَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِصلى الله عليه وسلم. وَالْحُرَقُ: نَوْمَةُ الضُّحَى، تَشْغَلُ عَنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَالْحُمْقُ: نَوْمَةُ الْعَصْرِ"[80].

 

عَرْضُ بَعْضِ ما تفَضَّلَ الله تعالى به على عباده تقريرًا لتوحيد الربوبية:

فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْمُبَارَكَةِ: عَرْضٌ عَجِيبٌ لكثير من النعم التي تَفَضَّل الله تعالى بها على عباده؛ وذلك من باب الاستدلال بذلك على توحيد الربوبية:

فَالْأَرْضُ جَعَلَهَا اللهُ بِقُدْرَتِهِ ﴿ مِهَادًا ﴾ وفِرَاشًا مُمَهَّدًا، وَبِسَاطًا مَمْدُودًا، يَتَحَرَّكُ فَيها الْإِنْسَانُ وَيَسْلُكُ مَسَالِكَهَا، وَيَجِدُ وَسَائِلَ الْعَيْشِ وَالْحَيَاةِ فِيهَا.

 

وَالْجِبَالُ جَعَلَهَا اللهُ سُبْحَانَهُ ﴿ أَوْتَادًا ﴾ تُمْسِكُ الْأَرْضَ، فَلَا تَمِيدُ وَتَضْطَرِبُ.. فَهِيَ أَشْبَهُ بِالْأَوْتَادِ الَّتِي تَشُدُّ الْخَيْمَةَ وَتُمْسِكُ بِهَا.

 

وَالنَّاسُ خَلَقَهُمُ اللهُ أَزْوَاجًا؛ ذَكَرًا وَأُنْثَى، حَتىَّ يَتَوَالَدُوا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ وَيَتَكَاثَرُوا، وَهَذِهِ الْمُزَاوَجَةُ أَمْرٌ عَامٌّ يَنْتَظِمُ عَوَالِمَ الْأَحْيَاءِ كُلِّهَا؛ مِنْ نَبَاتٍ وَحَيَوَانٍ وَجَمَادٍ.. بَلْ إِنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيَمْتَدُّ، فَيَشْمَلُ عَالَمَ الْمَعَانِي أَيْضًا.. فَالذَّكَرُ تُقَابِلُهُ الْأُنْثَى، وَالأُنْثَى يُقَابِلُها الذَّكَرُ، وَالنُّورُ يُقَابِلُهُ الظَّلَامُ، وَالنَّهَارُ يُقَابِلُهُ اللَّيْلُ، وَالْيَقَظَةُ يُقَابِلُهَا النَّوْمُ، وَالحْيَاةُ يُقَابِلُهَا الْمَوْتُ، وَالْحَقُّ يُقَابِلُهُ الْبَاطِلُ، وَالْجَمِيلُ يُقَابِلُهُ الْقَبِيحُ.. وَهَكَذَا[81].

 

وأنزل الْمَاء وأخْرَج النَّبَات، فقال تَعَالَى: ﴿ لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾ [سورة النبأ:15-16]، وفي هذا بَيَانٌ لِبَعْضِ مَا تَفَضَّلَ بِهِ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ بِأَنْ أَخْرَجَ بِالْمَاءِ حَبًّا مُخْتَلِفًا أَنْوَاعُهُ كَالْقَمْحِ وَالشَّعيرِ وَالذُّرَةِ، مِنْهُ يَقْتاتُ النَّاسُ وَالبَهَائِمُ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج ﴾ [سورة الحج:5]، وَقَالَ: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ﴾ [سورة فاطر:27]، وَقَالَ: ﴿ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ﴾ [سورة الزمر:21]. قَالَ المَرَاغِيُّ رحمه الله: "وَقَدْ جَمَعَ اللهُ فِي هَذِهِ الآيَةِ[82] جَميعَ أَنْواعِ مَا تُنْبِتُهُ الْأرْضُ، فَإِنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا: إِمَّا أَنْ يَكونَ ذَا سَاقٍ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ إِذَا اجْتَمَعَ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَكَثُرَ حَتَّى الْتَفَّ فَهُوَ الْحَديقَةُ، وَالثَّانِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَكْمَامٌ فيهَا حَبٌّ، وإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ النَّبَاتُ. وَقَدَّمَ الْحَبَّ؛ لِأَنَّهُ غِذاءُ أَشْرَفِ أَنْواعِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ الإِنْسَانُ، وَأَعْقَبَهُ بِذِكْرِ النَّبَاتِ؛ لِأَنَّهُ غَذَاءُ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ، وَأَخَّرَ الْحَدَائِقَ؛ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ مِمَّا يَستَغْنِي عنْهَا الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ"[83].

 

ففي هذه الآيات بيان لِفَضْلِ اللهِ على عبادِهِ، وهيَ أَدِلَّة وَبَرَاهِين شَاهِدَة عَلَى قُدْرَةِ اللهِ عز وجل؛ حَيَاةً، وَمَوْتًا، وَبَعْثًا، وغير ذلك؛ وهكذا يَظْهَرُ بِجَلَاءٍ وَاضِحٍ في السُّورَةِ تِلْكَ الْعِنَايَةُ الشَّدِيدَةُ بِبَيَانِ قدرة الله تعالى وعرض أَدَلَّةِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ التّوْحِيدُ الذِي يُبْنَى عَلَيْهِ تَوْحيدُ الأُلُوهيَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِتَوْحيدِ الرُّبُوبِيَّةِ لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ أَنْ يُفْرَدَ اللهُ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُعز وجل، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُعْبَدَ إِلَّا مَنْ كَانَ رَبًّا خَالِقًا مَالِكًا مُدَبِّرًا، ومَا دَامَ ذَلِكَ كُلُّهُ للهِ وَحْدَهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ المَعْبُودُ وَحْدَهُ.

 

وَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَلَى سَوْقِ آيَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ مَقْرُونَةً بِآيَاتِ الدَّعْوَةِ إِلَى تَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ﴾ [سورة البقرة:21]، فَطالَبَهُمْ بِتَوْحيدِ الْأُلوهِيَّةِ مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ بِتَوْحيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّهُ خلَقَهُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُون ﴾ [سورة البقرة:22]؛ فَابْتَدَأَ الآيَةَ بِالأَمْرِ بِالعِبَادَةِ، وَخَتَمَ بِالنَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ، وَذَكَرَ بَيْنَهُمَا تَوْحيدَ الرُّبُوبِيَّةِ.

 

وَأَمَّا تَوْحيدُ الْأُلوهِيَّةِ فَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِتَوْحيدِ الرُّبُوبِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَبَدَ اللهَ وَلَمْ يُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا فَهَذَا يَدُلُّ ضِمْنًا عَلَى أَنَّهُ قَدِ اعْتَقَدَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ رَبُّهُ وَمَالِكُهُ الَّذِي لَا رَبَّ غَيْرُهُ، وَهَذَا أَمْرٌ يُشاهِدُهُ الْمُوَحِّدُ مِنْ نَفْسِهِ، فَكَوْنُهُ قَدْ أَفْرَدَ اللهَ بِالعِبَادةِ وَلَمْ يَصْرِفْ شَيْئًا مِنْهَا لِغَيْرِ اللهِ، مَا هُوَ إِلَّا لِإِقْرَارِهِ بِتَوْحيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّهُ لا رَبَّ وَلَا مَالِكَ وَلَا مُتَصَرِّفَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ.

 

الْحِكْمَةُ مِنْ جَعْلِ الْجِبَالِ أَوْتَادًا لِلْأَرْضِ:

فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾: بَيَانٌ لِحِكْمَةِ جَعْلِ الجبال أوتادًا، قَالَ ابْن عُثَيْمينٍ رحمه الله: "أَيْ: جَعَلَهَا اللهُ تَعَالَى أَوْتادًا لِلْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَتِدِ لِلْخَيْمَةِ؛ حَيْثُ يُثّبِّتُهَا فَتَثْبُتُ بِهِ، وَهِيَ أَيْضًا ثَابِتَةٌ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا ﴾ [سورة فصلت:10]. قَالَ عُلَمَاءُ الْأَرْضِ: إِنَّ هَذِهِ الْجِبَالَ لَهَا جُذُورٌ رَاسِخَةٌ في الْأَرْض كَمَا يَرْسَخُ جِذْرُ الْوَتِدِ بِالْجِدَارِ، أَوْ وَتِدُ الْخَيْمَةِ فِي الْأَرْضِ، وَلِذَلِكَ تَجِدُهَا صَلْبَةً قَوِيَّةً لَا تُزَعْزِعُهَا الرِّيَاحُ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِ قُدْرَتِهِ وَنِعْمَتِهِ"[84].

 

وأَمَّا وَجْهُ مُناسَبَةِ ذِكْرِ الْجِبَالِ في السُّورَةِ فَهُوَ أَمْرَانِ:

الْأَوَّلُ: دَعَا إِلَيْها ذِكْرُ الأَرْضِ وَتَشْبِيهُهَا بِالمِهَادِ الَّذي يَكُونُ دَاخِلَ الْبَيْتِ، فَشُبِّهَتْ جِبَالُ الْأَرْضِ بِأَوْتادِ الْبَيْتِ تَخْيِيلًا لِلْأَرْضِ مَعَ جِبَالِهَا بِالْبَيْتِ وَمِهَادِهِ وَأَوْتَادِهِ.

 

الثَّانِي: أَنَّ كَثْرَةَ الْجِبَالِ النَّاتِئَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَدْ يَخْطُرُ فِي الْأَذْهَانِ أَنَّهَا لَا تُنَاسِبُ جَعْلَ الْأَرْضِ مِهَادًا، فَكَانَ تَشْبيهُ الْجِبَالِ بِالْأَوْتَادِ مُسْتَمْلَحًا بِمَنْزِلَةِ حُسْنِ الاعْتِذَارِ[85].

 

الاستدلال على البعث بعد الموت بإِحْيَاء الْأَرْضِ بِالنَّبَاتِ:

فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾ [سورة النبأ: ١٤-١٦]: أن نُزُول الْمَطَرِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ إِحْيَاءِ الْأَرْضِ بِالنَّبَاتِ أَقوَى الأَدِلَّةِ على البَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ وَلِهَذا يَقُولُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُور ﴾ [سورة الحج:5-7][86].

 

قَالَ ابْنُ عَاشُوْرٍ رحمه الله: "اسْتِدْلَالٌ بِحَالَةٍ أُخْرَى مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي نِظَامِ الْمَوْجُودَاتِ وَجَعَلَهَا مَنْشَأً شَبِيهًا بِحَيَاةٍ بَعْدَ شَبِيهٍ بِمَوْتٍ أَوِ اقْتِرَابٍ مِنْهُ وَمَنْشَأَ تَخَلُّقِ مَوْجُودَاتٍ مِنْ ذَرَّاتٍ دَقِيقَةٍ، وَتِلْكَ حَالَةُ إِنْزَالِ مَاءِ الْمَطَرِ مِنَ الْأَسْحِبَةِ عَلَى الْأَرْضِ فَتُنْبِتُ الْأَرْضُ بِهِ سَنَابِلَ حَبٍّ وَشَجَرًا، وَكَلَأً، وَتِلْكَ كُلُّهَا فِيهَا حَيَاةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَهِيَ حَيَاةُ النَّمَاءِ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا لِلنَّاسِ عَلَى تَصَوُّرِ حَالَةِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِدَلِيلٍ مِنَ التَّقْرِيبِ الدَّالِّ عَلَى إِمْكَانِهِ حَتَّى تَضْمَحِلَّ مِنْ نُفُوسِ الْمُكَابِرِينَ شُبَهُ إِحَالَةِ الْبَعْثِ.وَهَذَا الَّذِي أُشِيرُ إِلَيْهِ هُنَا قَدْ صُرِّحَ بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيد * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيد * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوج ﴾ [سورة ق: 9-11]"[87].

 

انْفِتَاحُ السَّمَاءِ لِنُزولِ الْمَلائِكَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا ﴾ [سورة النبأ:19]: أَنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تَتَفَتَّحُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لنُزولُ الْمَلَائِكَةِ[88].

 

ذكر أَحْوَال الْجِبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴾ [سورة النبأ:20]: ذَكَرَ حالًا مِنْ أَحْوَالِ الْجِبَالِ يَوْمَ الْقِيَامةِ، وَفِي الْقُرْآنِ أَحْوَالٌ أُخْرَى لَهَا. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ رحمه الله: "وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحانَهُ أَحْوالَ الْجِبالِ بِوُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ، ولَكِنَّ الجَمْعَ بَيْنَها أَنْ نَقُولَ:

أَوَّلُ أَحْوالِها: الْانْدِكَاكُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَة ﴾ [سورة الحاقة:14].

 

وَثانِي أَحْوالِهَا: أَنْ تَصِيرَ كَالعِهْنِ الْمَنْفُوشِ؛ كَمَا في قَوْلهِ: ﴿ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوش ﴾ [سورة القارعة:5].

 

وَثَالِثُ أَحْوَالِها: أَنْ تَصِيرَ كَالهَبَاءِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا ﴾ [سورة الواقعة:5-6].

 

وَرَابِعُ أَحْوالِها: أَنْ تُنْسَفَ وَتَحْمِلَهَا الرِّياحُ كَمَا في قَوْلِهِ: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ [سورة النمل:88].

 

وَخَامِسُ أَحْوَالِها: أَنْ تَصِيرَ سَرابًا، أَيْ: لَا شَيْءَ كَمَا في هَذِهِ الآيَةِ"[89].

 

بيان مَا يَحْصُلُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ مِنْ عَلَامَاتٍ:

فيَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ عَظيمٌ رَهيبٌ؛ وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ اللهُ يَوْمَ الفَصْلِ، وَقَدْ تَحَدَّدَ وَقْتُهُ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ، فَلا يَتَقَدَّمُ وَلا يَتَأَخَّرُ، وَلَا يَعْلَمُ شَأْنَهُ إِلَّا اللهُ سُبْحَانَهُ. وَفي السُّورَةِ ذِكْرٌ لِبَعْضِ الْعَلامَاتِ الَّتي تَسْبِقُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، مِنْها: نَفْخُ الصُّورِ، وَتَشُقُّقُ السَّمَاءِ، وتَسيِيرُ الجِبَالِ عَنْ أَمَاكِنِهَا وَصَيْرُورَتُها هَبَاءً مُنْبَثًّا كالهَوَاءِ.

 

التَّخويفُ مِنَ النَّارِ وَأَهْوَالِهَا:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلْطَّاغِينَ مَآبًا * لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ﴾، وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الآيَاتِ: مَسْلَكٌ قُرْآنيٌّ يَتَمَثَّلُ في التَّخْويفِ وَالتَّرْهيبِ مِنَ النَّارِ وَعَذابِها وَأَهْوَالِهَا[90]، وكذلك قَوْله تَعَالَى:: ﴿ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا * إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ﴾ فذكر أَنَّ الكُفَّارَ لَيْسَ لَهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مَاءٌ حَارٌّ مُحْرِقٌ، وَقَيْحُ أَهْلِهَا، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُم ﴾ [سورة محمد:15].

 

وَقد وَرَدَ في التَّخْويفِ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ النَّارِ: أَحَادِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ مِنْهَا: حَدِيثُ النُّعْمَانِ بنِ بَشيرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ في مَقَامِي هَذَا سَمِعَهُ أَهْلُ السُّوقِ، حَتَّى سَقَطَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَليْهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ»[91]. ومنها: حَدِيثُ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّارَ فَأَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ»، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»[92]، وَهَذَا الْحَديثُ الْعَظِيمُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلِمَةَ الطَّيِّبةَ صَدَقَةٌ يُتَّقى بهَا النَّارُ، كَمَا أنَّ الكَلِمَةَ الخَبِيثةَ قَدْ تُوجِبُ النَّارَ.

 

بيان خُلُود الْكُفَّارِ في النَّارِ وَعَدَم خُرُوجِهِمْ مِنْهَا:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ﴾: ذكْر خُلُود الكُفَّارِ في النَّارِ، وَعَدَمِ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا، وَعَدَمِ فَنَائِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ [سورة البينة:6]، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعُصَاةِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ فَإِنَّهُمْ يَخْرُجُونَ منَ النَّارِ[93]؛ لِمَا رَوَى أَنَسُ بنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللهُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي، لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»[94].

 

وَمذهب أَهْلِ السُّنَّةِ: أنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنْ عُصَاةِ المْوَحِّدِينَ فَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ، أَوْ بِرَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ[95].

 

بيان أن الْجَزاء مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وأن ذلك من تمام عدل الله تعالى:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ جَزَاء وِفَاقًا ﴾: أن الله تَعَالَى يُجَازي الْمُتَّقِينَ ويعَاملهم بِالرَّحْمَةِ وَالْعَطَاءِ والْكَرَمِ وَالجُودِ، ويجازي العصاة بما يستحقون من دخول النَّار والعذاب فيها، وهكذا يعامِلُهُمْ بِالوِفَاقِ وَالْعَدْلِ، قَالَ الْبَغَوِيُّ رحمه الله: "أَيْ: جَازَيْنَاهُمْ جَزَاءً وَافَقَ أَعْمَالَهُمْ، قَالَ مُقَاتِل: وَافَقَ العَذَابُ الذَّنْبَ فَلَا ذَنْبَ أَعْظَمُ مِنَ الشِّرْكِ وَلَا عَذابَ أَعْظَمُ مِنَ النَّارِ"[96].

 

ويَظْهَرُ في هذه الآية: تَمَامُ عَدْلِ اللهِ تَعَالَى سُبْحَانَهُ وَدِقَّةُ قِسْطِهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ آيَاتٌ أُخْرَى، مِنْها قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِين ﴾ [سورة الأنبياء:47]، وَقَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ [سورة النساء:40].

 

ذِكْرُ أن التَّصْديق بِالْبَعْثِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَرْجُونَ حِسَابًا ﴾ [سورة النبأ:27]: بَيَانُ أنَّ الِإيمَانَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَرْكَانِ الإِيمَانِ الَّتِي تَدْعُو لِلإيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ.

 

التنبيه إلى إِحْصاء أَعْمالِ الْعِبَادِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ﴾: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الْعِبَادُ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَيَكْتُبُهُ في اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وفي صَحَائِفِ الْعِبَادِ لِيُحَاسَبُوا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُر * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَر ﴾ [سورة القمر:52-53][97].

 

أن الجنة لا لَغْو وَلا كَذِب:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّابًا ﴾: بيان أَنَّ سَمَاعَ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ الَّذِي لَا فَائِدَةَ مِنْهُ تُنَزَّهُ عَنْهُ الْجَنَّةُ وَأَهْلُهَا.

 

مُجَازَاةُ اللهِ تَعَالَى الْمُتَّقِينَ وَالْعُصَاةَ كل منهم بما يستحقة:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا ﴾: أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَامَلَ الْمُتَّقينَ بِالرَّحْمَةِ وَالْعَطَاءِ والْكَرَمِ وَالجُودِ، بِخِلَافِ أَهْلِ النَّارِ فَقَدْ عامَلَهُمْ بِالوِفَاقِ وَالْعَدْلِ فَقَالَ:  ﴿ جَزَاء وِفَاقًا ﴾.

 

مَنْ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ يَوْمَ الْقِيامَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفًّا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾: أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغيْرِهِمْ لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا إِذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ في الْكَلَامِ، وأَنْ يَتَكَلَّمَ بِالصَّوابِ، وَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ وَهُمْ أكْرَمُ الخَلْقِ عَلَى اللَّهِ وأقْرَبُهُمْ إِلى اللَّهِ لَا يَتَكَلَّمُونَ إلّا إِذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُمْ، فَغَيْرُهُم مِنَ الخَلْقِ مِن بَابِ أَوْلَى، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِي هَذَا اليَوْمِ الْعَظِيمِ فِي قَبْضَةِ اللهِ، وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا بِإِذْنِهِ عز وجل.

 

إِثْباتُ مَشِيئَةٍ لِلْعَبْدِ مُقَيَّدَةً بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى:

في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ﴾: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ مَشِيئَةً وَقُدْرَةً يَفْعَلُ بِهِمَا وَيَتْرُكُ، لَكَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى[98].

 

تَوْجيهُ ذِكْرِ مَا لِلْمُتَّقينَ مِنَ النَّعيمِ عَقِبَ ذِكْرِ عِقَابِ الْمُجْرِمينَ:

فِي هذه السُّورَةِ الْمُبَارَكَةِ ذَكَرَ اللهُ عز وجل مَا لِلْمُتَّقِينَ مِنَ النَّعِيمِ بَعْدَ قَوْلهِ: ﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلْطَّاغِينَ مَآبًا ﴾، لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَثَانِي، فَإذَا ذَكَرَ الْعِقَابَ ذَكَرَ الثّوَابَ، وَإِذَا ذَكَرَ الثَّوَابَ ذَكَرَ الْعِقَابَ، وَإِذَا ذَكَرَ أَهْلَ الْخَيْرِ ذَكَرَ أَهْلَ الشَّرِ، وَإِذَا ذَكَرَ الحَقَّ ذَكَرَ البَاطِلَ.

 

وَالفَائِدَةُ من ذَلِكَ أَمْرَانِ[99]:

الْأَوَّلُ: حَتَّى يَكُونَ سَيْرُ الْإِنْسَانِ إِلَى رَبِّهِ بَيْنَ الْخَوْفِ والرَّجَاءِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الرَّجَاءُ وَقَعَ في الْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللهِ، وَإِنَ غَلَبَ عَلَيْهِ الْخَوْفُ وَقَعَ فِي الْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَته، وَكِلَاهُمَا مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.

 

الثَّانِي: لِئَلَّا تَمَلَّ النُّفُوسُ مِنْ ذِكْرِ حَالٍ واحِدَةٍ والإِسْهَابِ فيهَا دُونَ مَا يُقَابِلُهَا.

 

الإخبار عن قُرْب يَوْمِ الْقِيامَةِ وَمَا يَسْتَوْجِبُهُ مِنَ الاسْتِعْدَادِ لَهَا:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا ﴾: التَّصْرِيحُ بِقُرْبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [سورة النازعات:46].

 

قَالَ ابْنُ عُثَيْمِينٍ رحمه الله: "فهَذَا الْعَذَابُ الَّذِي أَنْذَرَنَا اللهُ قَرِيبٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَهُ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ، وَالْإنْسَانُ لَا يَدْرِي مَتَى يَمُوتُ قَدْ يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي، أَوْ يُمْسِي وَلَا يُصْبِحُ؛ وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَحْزِمَ فِي أَعْمَالِنَا، وَأَنْ نَسْتَغِلَّ الفُرْصَةَ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ"[100].

 

التَّرْغيبُ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالتَّنْفيرُ مِنَ الْعَمَلِ السَّيِّئِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾: تَلْمِيحٌ وَتَعْرِيضٌ لِلْإِنْسَانِ بِأَنْ يَجِدَّ فِي تَحْصِيلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمُقَرِّبَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَاجْتِنَابِ مَا قَدْ يَضُرهُ وَيُهْلِكُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَيُعَرِّضُهُ لِلْخُسْرَانِ وسُوءِ الْعَاقِبَةِ. قَالَ ابنُ كَثِيرٍ رحمه الله: " ﴿ يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾، أَيْ: يُعْرَضُ عَلَيْهِ جَمِيعَ أَعْمالِهِ، خَيْرِهَا وَشرِّهَا، قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا، كَقَوْلُهُ: ﴿ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ﴾ [سورة الكهف:49]، وكَقَوْلُهُ: ﴿ يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّر ﴾ [سورة القيامة:13]"[101].

 


 

[1] ينظر: تفسير ابن عطية (5/ 423).

 

[2] ينظر: الإتقان في علوم القرآن (ص196)، التحرير والتنوير (30/ 5).

 

[3] ينظر: بصائر ذوي التمييز (1/ 497)، مصاعد النظر (3/ 151).

 

[4] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 169-170)، تفسير السعدي (ص906).

 

[5] ينظر: التفسير الوسيط للواحدي (4/ 411)، فتح القدير (5/ 438).

 

[6] ينظر: تفسير القاسمي (9/ 388).

 

[7] ينظر: السراج المنير للشربيني (4/ 469).

 

[8] ينظر: اللباب في علوم الكتاب (20/ 92).

 

[9] ينظر: تفسير أبي السعود (9/ 86)، فتح القدير (5/ 439).

 

[10] ينظر: أحكام القرآن للجصاص (1/ 31)، تفسير ابن كثير (8/ 302).

 

[11] ينظر: تفسير الجلالين (ص787)، فتح القدير (5/ 439)، تفسير السعدي (ص906)، التحرير والتنوير (30/ 14).

 

[12] ينظر: تفسير البغوي (8/ 312).

 

[13] ينظر: تفسير السعدي (ص906).

 

[14] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 302).

 

[15] ينظر: تفسير الطبري (24/ 151)، التحرير والتنوير (30/ 18).

 

[16] ينظر: أضواء البيان (8/ 409).

 

[17] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 303)، تفسير الجلالين (ص4/ 412).

 

[18] ينظر: تفسير الطبري (24/ 9)، تفسير الزمخشري (4/ 685).

 

[19] ينظر: تفسير البغوي (8/ 312).

 

[20] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 172)، تفسير النسفي (3/ 590)، تفسير الجلالين (ص787).

 

[21] ينظر: تفسير البغوي (8/ 312)، تفسير ابن كثير (8/ 303).

 

[22] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 303).

 

[23] ينظر: تفسير النسفي (3/ 590).

 

[24] ينظر: تفسير أبي السعود (9/ 88)، فتح القدير (5/ 440).

 

[25] ينظر: تفسير الطبري (24/ 16).

 

[26] ينظر: تفسير الرازي (31/ 11).

 

[27] ينظر: تفسير النسفي (3/ 590).

 

[28] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 304).

 

[29] ينظر: تفسير ابن عطية (5/ 425)، تفسير الرازي (31/ 12)، تفسير القرطبي (19/ 175)، فتح القدير (5/ 441).

 

[30] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 175)، أضواء البيان (8/ 409).

 

[31] ينظر: فتح القدير للشوكاني (4/ 178)، تفسير العثيمين (ص29).

 

[32] ينظر: تفسير البغوي (7/ 131)

 

[33] أخرجه البخاري (4814)، ومسلم (2955).

 

[34] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 176).

 

[35] ينظر: معاني القرآن للزجاج (5/ 273).

 

[36] ينظر: تفسير الرازي (31/ 14)، تفسير القرطبي (19/ 176)، تفسير ابن كثير (8/ 305)، تفسير الجلالين (ص: 787).

 

[37] ينظر: تفسير البغوي (8/ 314).

 

[38] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 280).

 

[39] ينظر: تفسير القاسمي (9/ 391).

 

[40] ينظر: تفسير الطبري (24/ 25)، تفسير الألوسي (15/ 214).

 

[41] ينظر: تفسير السعدي (ص906).

 

[42] ينظر: تفسير السعدي (ص906).

 

[43] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 307)، تفسير الجلالين (ص787).

 

[44] ينظر: تفسير الطبري (24/ 28).

 

[45] ينظر: تفسير ابن جزي (2/ 446)، تفسير الجلالين (ص787)، تفسير القاسمي (9/ 392).

 

[46] ينظر: تفسير البغوي (8/ 315).

 

[47] ينظر: تفسير البغوي (8/ 315).

 

[48] ينظر: تفسير الجلالين (ص788).

 

[49] ينظر: تفسير الجلالين (ص788).

 

[50] ينظر: تفسير الطبري (24/ 36)، تفسير السعدي (ص906).

 

[51] ينظر: تفسير النسفي (3/ 592)، تفسير الجلالين (ص788).

 

[52] (حدائق) بدل من (مفازًا) منصوب. ينظر: فتح القدير للشوكاني (5/ 445).

 

[53] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 183)، المفردات في غريب القرآن (ص589).

 

[54] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 308).

 

[55] ينظر: تفسير البغوي (8/ 316)، السراج المنير للشربيني (4/ 473).

 

[56] ينظر: تفسير السعدي (ص907).

 

[57] ينظر: تفسير البغوي (8/ 316).

 

[58] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 309).

 

[59] بِالجَرِّ والرَّفْع في كليهما، أَيْ: (رب) و(الرحمن). ينظر: تفسير الطبري (24/ 45)، معاني القرآن للزجاج (5/ 275).

 

[60] ينظر: التحرير والتنوير (30/ 49).

 

[61] ينظر: تفسير الواحدي (ص1167)، تفسير ابن كثير (8/ 309).

 

[62] ينظر في أقوال المفسرين: زاد المسير (4/ 391-392)، تفسير القرطبي (19/ 186). قال ابن كثير في تفسيره (8/ 310): "وتوقف ابن جرير فلم يقطع بواحد من هذه الأقوال كلها، والأشبه -والله أعلم-أنهم بنو آدم".

 

[63] ينظر: تفسير السعدي (ص907).

 

[64] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 188)، فتح القدير (5/ 447).

 

[65] ينظر: فتح القدير (5/ 447).

 

[66] ينظر: تفسير النسفي (3/ 593).

 

[67] ينظر: تفسير الجلالين (ص788).

 

[68] ينظر: تفسير البغوي (8/ 318)، تفسير البيضاوي (5/ 281).

 

[69] ينظر: أضواء البيان (8/ 414) و(9/ 59).

 

[70] ينظر: تفسير الزمخشري (4/ 692)، تفسير البيضاوي (5/ 281).

 

[71] ينظر: تفسير أبي السعود (9/ 84).

 

[72] ينظر: البرهان في علوم القرآن (3/ 9)، ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (2/ 500).

 

[73] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 278)، تفسير الثعالبي (5/ 541).

 

[74] ينظر: تفسير ابن عثيمين- جزء عم (ص26).

 

[75] زاد المعاد (4/ 220).

 

[76] ينظر: تفسير ابن كثير (6/ 114).

 

[77] أخرجه البخاري (1975) واللفظ له، ومسلم (1159).

 

[78] التحرير والتنوير (30/ 19).

 

[79] التحرير والتنوير (30/ 19-21).

 

[80] زاد المعاد (4/ 221، 222).

 

[81] التفسير القرآني للقرآن (16/ 1415) بتصرف.

 

[82] أَيْ: قوله تَعَالَى: (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً).

 

[83] تفسير المراغي (30/ 9).

 

[84] تفسير العثيمين (ص26).

 

[85] ينظر: التحرير والتنوير (30/ 15).

 

[86] ينظر: تفسير ابن عطية (4/ 365)، تفسير السعدي (ص685).

 

[87] التحرير والتنوير (30/ 25).

 

[88] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 305).

 

[89] فتح القدير (5/ 441).

 

[90] ينظر: التفسير القرآني للقرآن (16/ 1420).

 

[91] أخرجه أحمد في المسند (18360)، والدارمي (2854) واللفظ له.

 

[92] أخرجه البخاري (6023)، ومسلم (1016) واللفظ له.

 

[93] ينظر: تفسير القرطبي (19/ 178).

 

[94] أخرجه البخاري (7510) واللفظ له، ومسلم (193).

 

[95] ينظر: شرح الطحاوية (ص206).

 

[96] تفسير البغوي (5/ 201).

 

[97] ينظر: تفسير المراغي (22/ 148).

 

[98] ينظر: تفسير العثيمين (ص37).

 

[99] ينظر: تفسير العثيمين (ص34).

 

[100] تفسير العثيمين (ص37-38).

 

[101] تفسير ابن كثير (8/ 310).

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التفسير المفهوم لسورة النبأ
  • إعراب سورة النبأ
  • تفسير سورة النبأ للناشئين
  • تفسير سورة النبأ كاملة
  • تفسير سورة المطففين
  • تفسير سورة التكاثر
  • تفسير سورة العصر

مختارات من الشبكة

  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين تفسير سورة يونس (الحلقة السادسة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل (34) تفسير سورة قريش (لإيلاف قريش)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سورة المفصل ( 33 ) تفسير سورة الماعون(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 32 ) تفسير سورة الكوثر ( إن شانئك هو الأبتر - الجزء الرابع )(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 31 ) تفسير سورة الكوثر ( فصل لربك وانحر - الجزء الثالث )(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 30 ) تفسير سورة الكوثر ( إنا أعطيناك الكوثر - الجزء الثاني )(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 29 ) تفسير سورة الكوثر ( إنا أعطيناك الكوثر - الجزء الأول )(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 28 ) تفسير سورة الكافرون(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 27 ) تفسير سورة النصر (الجزء الثاني)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب