• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / عون الرحمن في تفسير القرآن
علامة باركود

تفسير قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ...}

تفسير قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزي
الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/9/2024 ميلادي - 26/3/1446 هجري

الزيارات: 1263

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير قوله تعالى:

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ... ﴾

 

قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 18 - 20].

 

قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.

 

قوله ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾: الشهادة تكون بالقول والإخبار والإعلام، وتكون بالفعل، أي: شهد الله بقوله وإخباره وإعلامه لخلقه بما أنزل في كتبه وعلى ألسنة رسله أنه لا معبود بحق إلا هو، المتفرد بالألوهية لجميع الخلق، وكلهم عبيده.

 

وبذلك قضى وحكم؛ كما قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: 19]، وقال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء: 23]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [النحل: 51]، وقال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، وقال تعالى: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 24]، وقال تعالى: ﴿ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ﴾ [الإسراء: 22]، وقال تعالى: ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ [الشعراء: 213].

 

وشهد - عز وجل - بفعله أنه لا معبود بحقٍّ إلا هو بما نصَّبه من الأدلة الدالة على وحدانيته التي تُعلم دلالتها بالعقل والفطرة، من خلق السماوات والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار، والإنسان والحيوان والنبات، وغير ذلك، فهو سبحانه وتعالى بخلقه لها ونصبها دلائل على وحدانيته قد شهد وأبان بها أنه لا إله إلا هو؛ كما قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53].

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وشهادة الرب وبيانه وإعلامه يكون بقوله تارة، وبفعله تارة، فالقول هو ما أُرسل به رسله، وأُنزل به كتبه، وأوحاه إلى عباده؛ كما قال: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2].

 

وأما شهادته بفعله فهو ما نصَّبه من الأدلة على وحدانيته التي تُعلم دلالتها بالعقل، وإن لم يكن هناك خبر عن الله، وهذا يُستعمل فيه لفظ الشهادة والدلالة والإرشاد، فإن الدليل يبين المدلول عليه ويُظهِره، فهو بمنزلة المخبر به، الشاهد به.

 

كما قيل: سل الأرض من فجَّر أنهارها، وغرَس أشجاها، وأخرج ثمارها، وأحيا نباتها، وأغطش ليلها، وأوضَح نهارها، فإن لم تُجِبكَ حِوارًا، أجابتك اعتبارًا.

 

وهو سبحانه شهِد بما جعلها دالة عليه، فإن دلالتها إنما هي بخلقه لها، فإذا كانت المخلوقات دالة على أنه لا إله إلا هو سبحانه الذي جعلها دالة عليه، فإن دلالتها إنما هي بخلقه، وبيَّن ذلك؛ فهو الشاهد المبيِّن أنه لا إله إلا هو، وهذه الشهادة الفعلية ذكرها طائفة.

 

قال ابن كيسان: «شهد الله بتدبيره العجيب، وأموره المحكمة عند خلقه - أنه لا إله إلا هو»[1].

 

وقد ذكر ابن القيم أن للشهادة أربع مراتب، قال:

«فأول مراتبها: علم ومعرفة واعتقاد لصحه المشهود به وثبوته، وثانيها: تكلمه بذلك ونطقه به - وإن لم يُعلِم به غيره، بل يتكلم هو به مع نفسه، ويَذكُرها وينطق بها، أو يكتُبها، وثالثها: أن يُعلِم غيره بما شهد به ويخبره به ويُبينه له، ورابعها: أن يلزمه بمضمونها ويأمره به»، ثم قال: «فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط، تضمَّنت هذه المراتب الأربعة: علم الله سبحانه بذلك وتكلُّمه به، وإعلامه، وإخباره خلقه به، وأمرهم وإلزامهم به»[2].

 

﴿ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾؛ أي: إنه لا معبود بحقٍّ إلا هو، فكل ما عُبِد من دون الله فهو باطل، كما قال تعالى: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 21، 22]، وقال تعالى: ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40].

 

﴿ وَالْمَلَائِكَةُ ﴾: معطوف هو و﴿ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴾ على لفظ الجلالة ﴿ الله ﴾؛ أي: وشهد الملائكة أنه لا إله إلا هو؛ قال تعالى: ﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 166].

 

﴿ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴾؛ أي: وشهد أولو العلم، أي: أصحاب العلم بالله - عز وجل - وشرعه، وما يجب له - عز وجل - أنه لا إله إلا هو، بإقرارهم بذلك، وبيانهم وإعلامهم بذلك غيرهم.

 

﴿ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ﴾: حال؛ أي: شهد الله أنه لا إله إلا هو حال كونه قائمًا بالقسط - كما شهد الملائكة أولو العلم أنه لا إله إلا هو حال كونه قائمًا بالقسط؛ أي: قائمًا بالعدل، قولًا وفعلًا وإخبارًا وحُكمًا به وأمرًا.

 

فشهد سبحانه أنه لا إله إلا هو ﴿ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ﴾؛ أي: متكلمًا بالعدل، مخبرًا به، حاكمًا به، آمرًا به؛ كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 115]؛ أي: صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأحكام.

 

وقال هود عليه السلام: ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 56]، وقال تعالى في مثل ضربه لنفسه ولما يُشرك به من الأوثان: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 76]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴾ [الأحزاب: 4].

 

فخلقه - عز وجل - السماوات والأرض بالعدل، وعبادته وحده دون غيره حقيقة العدل، وجزاؤه المؤمنين بالجنة، والكافرين بالنار عدل.

 

قال ابن القيم[3]: «فتضمنت هذه الآية أجلَّ شهادة، وأعظمها، وأعدلها، وأصدقها، من أجل شاهد، بأجل مشهود».

 

فهو سبحانه خير الشاهدين، وأصدق القائلين، وشهادته على وحدانيته، وعلى قيامه بالقسط، أكبر وأعظم شهادة، وتوحيده أعدل العدل، والشرك به أظلم الظلم؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ [الأنعام: 19]، وقال تعالى: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43].

 

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾: شهد عز وجل أولًا لنفسه أنه (لا إله إلا هو)، كما شهدت بذلك الملائكة وأولو العلم، وحكم ثانيًا أنه (لا إله إلا هو)، فشهد بذلك أولًا، وحكم به ثانيًا، وأكده وأمر به.

 

ففي الأولى شهادته - عز وجل - وإخباره أن (لا إله إلا هو)، وفي الثانية حكمه وتأكيد أنه (لا إله الا هو)، وفي ذلك كله تعليم عباده، وأمرهم بالشهادة بذلك واعتقاده وعبادته وحده دون سواه.

 

﴿ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ ﴿ الْعَزِيزُ ﴾: من أسماء الله - عز وجل - يدل على أنه ذو العزة التامة، و«الحكيم»: اسم من أسمائه - عز وجل - يدل على أنه سبحانه ذو الحكم التام، وذو الحكمة البالغة[4].

 

قال ابن القيم[5]: «فتضمنت هذه الآية وهذه الشهادة وحدانيته المنافية للشرك، وعدله المنافي للظلم، وعزته المنافية للعجز، وحكمته المنافية للجهل والعيب».

 

قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾.

 

قوله ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾: قرأ الكسائي بفتح الهمزة «أنَّ»، وقرأ الباقون بكسرها ﴿ إِنَّ ﴾.

 

فعلى قراءة فتح الهمزة تكون الجملة عطف بيان؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾، يعنى: شهد الله أنه لا إله إلا هو وأن الدين عند الله الإسلام، وعلى قراءة كسر الهمزة تكون الجملة مستأنفة.

 

و﴿ الدين ﴾: الملة والشرعة؛ قال تعالى: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ﴾ [يوسف: 76].

 

﴿ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾: أي إن الدين المقبول، المرضي عند الله هو الإسلام؛ كما قال تعالى: ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

 

وفي قوله: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ صيغة حصر؛ أي: الدين الذي لا دين عند الله سواه.

 

﴿ الْإِسْلَامُ ﴾: هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، وهو الدين الذي بعث الله به جميع أنبيائه ورسله وأتباعهم من أولهم إلى آخرهم؛ ولهذا قال أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام لقومه: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 72]، وقال إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128]، وقال تعالى: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132]، وقال يعقوب لبنيه عند الموت: ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133]، وقال موسى عليه الصلاة والسلام لقومه: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 84].

 

وقال تعالى عن التوراة: ﴿ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ﴾ [المائدة: 44]، وقال عيسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 52]، وقالت ملكة سبأ: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 44]، وقال تعالى مخاطبًا هذه الأمة: ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الحج: 78].

 

ولما خُتمت الأديان بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، صار الإسلام علمًا بالغلبة على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يُقبل بعد بَعثه من أحد سواه؛ لنسخه لجميع الأديان السابقة، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48].

 

والإسلام إذا أطلق وأفرد يشمل جميع شرائع الدين الظاهرة، وجميع عقائده الباطنة، فيشمل أركان الإسلام الخمسة.

 

وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا»[6].

 

وكذا أركان الإيمان الستة؛ كما في حديث: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»[7].

 

وكذا كل ما أمر الله به من التوكل على الله، وخوفه، ورجائه، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك، سواء كان ذلك الأمر واجبًا أو مندوبًا.

 

كما يشمل ذلك ترك كل ما نهى الله عنه من الكفر والشرك، والقتل العمد، والربا، وأكل مال اليتيم، والسحر، والكذب والفجور وقول الزور، والغيبة والنميمة، وغير ذلك.

 

قوله: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾: في هذا تقرير وتأكيد لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾، وأن هذا هو الذي كان عليه الناس، وعليه أجمعت الأمة، ثم طرأ الاختلاف بما حصل من أهل الكتاب من اختلاف من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم.

 

قوله ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ الواو: عاطفة، و«ما»: نافية، و﴿ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ هم: اليهود والنصارى.

 

سُمُّوا أهل الكتاب؛ لأن لهم كتبًا بقيت إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت محرفة؛ أي: وما وقع الاختلاف بين أهل الكتاب في أديانهم وفي دين الإسلام، فاختلف اليهود مع النصارى، واختلف أهل كل ملة منهم فيما بينهم، واجتمعوا على مخالفة الإسلام، وحذف متعلق الاختلاف ليشمل هذا كله.

 

﴿ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾ «إلا»: أداة حصر، و«ما»: مصدرية، أي: إلا من بعد مجيء العلم إليهم؛ أي: إلا من بعد مجيء الوحي من الله تعالى إليهم في كتبه، وعلى ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام؛ أي: إلا من بعد ما عرَفوا الحقَّ، وقامت عليهم الحجة، فاختلفوا حيث لا يسوغ لهم الاختلاف.

 

﴿ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ «بغيًا»: مفعول لأجله؛ أي: لأجل البغي بينهم والحسد، أي: بغيًا من بعضهم على بعض، وحسدًا، وطلبًا للرياسة.

 

ولم يكن اختلافهم لشبهة عندهم، فأصبح بعضهم يضلل بعضًا، ويُكَفِّر بعضهم بعضًا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [البقرة: 113]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [البقرة: 213]، وقال تعالى: ﴿ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [الجاثية: 17]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ﴾ [الشورى: 14]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ [البينة: 4].

 

﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾ الواو: استئنافية، و«من»: شرطية، أي: ومن يكذِّب بآيات الله الشرعية والكونية ويجحدها ويستكبر عن الانقياد لما جاء فيها من الحق.

 

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾: جملة جواب الشرط، و«الفاء»: رابطة لجواب الشرط؛ لأنه جملة اسمية، وفيها تخويف وتهديد، أي: فإن الله سريع الحساب، وسيحاسبه ويجازيه ويعاقبه على كفره عن قريب، وأكد عز وجل هذا بــ«إنَّ» وكون الجملة اسمية.

 

والله - عز وجل - سريع الحساب فحسابه آتٍ، وكل آتٍ قريب؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا»[8].

 

وهو عز وجل سريع الحساب؛ لأن عمر الإنسان في هذه الدنيا قليل، والدنيا كلها قليل بالنسبة للآخرة؛ كما قال تعالى: ﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها»[9].

 

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل».

 

وكان ابن عمر يقول: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخُذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك»[10].

 

وهو - عز وجل - سريع الحساب؛ لأن الانسان يجد في هذه الحياة الدنيا شيئًا من عاقبة عمله سعادة وتيسيرًا لأموره إن كان مطيعًا، وشقاوة وتعسيرًا لأموره إن كان عاصيًا.

 

وهو - عز وجل - سريع الحساب، لا يحتاج إلى وقت طويل لمحاسبة الخلائق؛ لأنه لا يخفى عليه شيء من الخلق وأعمالهم؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، ولهذا قال تعالى: ﴿ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 62].

 

وقد قال بعض أهل العلم: إن الله - عز وجل - يحاسب الخلائق في نصف يوم أخذًا من قوله تعالى: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ [الفرقان: 24]، قالوا: فهو يحاسب الخلق في النصف الأول من النهار، والنصف الثاني يكون أهل الجنة فيها، أي: يقيلون فيها.

 

قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾.

 

ذكر الله - عز وجل - اختلاف أهل الكتاب بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم، ثم أتبع ذلك بقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ ﴾ في إشارة واضحة إلى أن اختلافهم فيما بينهم مُفضٍ إلى محاجة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به.

 

قوله ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ ﴾ الفاء: عاطفة، وضمير الواو في «حاجوك» يعود إلى أهل الكتاب والمشركين، بدليل قوله: ﴿ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ ﴾، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.

 

و«المحاجة»: المخاصمة، وأكثر ما تكون في المخاصمة بالباطل، أي: فإن خاصموك في الدين خصام مكابرة وعناد.

 

﴿ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ ﴾: جواب الشرط «إن»، قرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح الياء: ﴿ وَجْهِيَ ﴾، وقرأ الباقون بتسكينها «وجهيْ»؛ أي: توجهت إلى الله بوجهي وقلبي وبدني، وأخلصت له في عبادتي، واتبعت شرعه؛ امتثالًا لأمره، واجتنابًا لنهيه، ورضًا بحكمه، كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 79].

 

وفي قوله: ﴿ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾: قطع الطريق على المحاجين وإسكاتهم، سواء قلنا: هذا من باب الإعراض عنهم، أو المحاجة لهم.

 

﴿ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾ الواو: عاطفة، و«من»: اسم موصول معطوف على الضمير في «أسلمت»، أي: والذي اتبعني أسلم وجهه لله، أو ينبغي أن يُسلِم وجهه لله، أي: أسلمت وجهي لله أنا وأتباعي على ديني؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].

 

﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾؛ أي: اليهود والنصارى.

 

﴿ وَالْأُمِّيِّينَ ﴾ أي: العرب، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾[الجمعة: 2].

 

و﴿ وَالْأُمِّيِّينَ ﴾: جمع «أُمِيِّ»، وهو من لا يقرأ ولا يكتب، نسبةً إلى أمه، أي: إلى الحالة التي وُلِدَ عليها.

 

﴿ أَأَسْلَمْتُمْ ﴾: الاستفهام للتحضيض والأمر، وفيه معنى الاستبطاء؛ أي: أسلِموا؛ كما في قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [الأنبياء: 108]؛ أي: أسلِموا، وكما في قوله تعالى: ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]؛ أي: انتهوا، والمعنى: أنه قد أتاكم من البينات ما يوجِب أن تُسلِموا، فأسلِموا.

 

﴿ فَإِنْ أَسْلَمُوا ﴾؛ أي: فإن استسلموا لله ظاهرًا وباطنًا، بتوحيدهم إياه بالعبادة، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك.

 

﴿ فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾: جواب الشرط في قوله: ﴿ فَإِنْ أَسْلَمُوا ﴾ الفاء: رابطة لجواب الشرط؛ لاقترانه بـ «قد»، أي: فقد رشدوا وَوُفِّقوا للهدى وسلكوا طريقه.

 

﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾؛ أي: أعرضوا عن الإسلام باطنًا بقلوبهم، وظاهرًا بأبدانهم فلا يضرك ذلك.

 

﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ﴾: جواب الشرط في قوله: ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾، وقُرِنَ بالفاء لأنه جملة اسمية.

 

و﴿ إنما ﴾: أداة حصر، أي: ما عليك نحوهم إلا البلاغ، وقد بلَّغت البلاغ المبين، وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النحل: 82]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54].

 

وأما هداية القلوب وحساب الخلق فإلى الله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ﴾ [الرعد: 40].

 

وقد بلَّغ صلوات الله وسلامه عليه البلاغ المبين، وأدَّى الرسالة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وترَك أُمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك.

 

﴿ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾؛ أي: والله مطلع على العباد كلهم، خبير بهم وبأعمالهم وأحوالهم، ومن كان منهم أهلًا للهداية، ومن لم يكن أهلًا لذلك.



[1] انظر: «دقائق التفسير» (1/ 288- 289).

[2] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 453).

[3] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 452).

[4] انظر ما سبق في الكلام على قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129].

[5] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 463).

[6] أخرجه البخاري في الإيمان (8)، ومسلم في الإيمان (16)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (5001)، والترمذي في الإيمان (2609).

[7] أخرجه مسلم في الإيمان (8)، وأبو داود في سننه (4695)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (4990)، والترمذي في الإيمان (2610)، وابن ماجه في المقدمة (63)، من حديث عبدالله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

[8] ذكره الترمذي في «صفة القيامة»، و«الرقائق»، و«الورع» (2459).

[9] سبق تخريجه.

[10] أخرجه البخاري في «الرقاق» (6416)، والترمذي في «الزهد» (2333)، وابن ماجه في «الزهد» (4114).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
  • تفسير قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ...)
  • تفسير قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا)
  • تفسير قوله تعالى: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه)
  • تفسير قوله تعالى: كذبت ثمود بالنذر
  • تفسير قوله تعالى: {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب...}
  • تفسير قوله تعالى: {وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون}
  • تفسير قوله تعالى: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم}
  • تفسير قوله تعالى: {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض ...}
  • تفسير قوله تعالى: { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون }
  • تفسير قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين... }
  • تفسير قوله تعالى: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ...}
  • تفسير قوله تعالى: { ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله... }

مختارات من الشبكة

  • تفسير قوله تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (وأما بنعمة ربك فحدث)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله..)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب