• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فتنة الابتلاء بالرخاء
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الحج ويوم عرفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الدرس الواحد والعشرون: غزوة بدر الكبرى
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    أهم مظاهر محبة القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    تفسير سورة المسد
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    الحديث: أنه سئل عن الرجل يطلق ثم يراجع ولا يشهد؟
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    التجارب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خطبة مختصرة عن أيام التشريق
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    قالوا عن "صحيح البخاري"
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (12)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    عشر أيام = حياة جديدة
    محمد أبو عطية
  •  
    من مائدة الحديث: فضل التفقه في الدين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خطبة: فما عذرهم
    أحمد بن علوان السهيمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

تدبر سورتي الأعلى والغاشية (خطبة)

تدبر سورتي الأعلى والغاشية (خطبة)
د. محمد بن علي بن جميل المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/9/2024 ميلادي - 7/3/1446 هجري

الزيارات: 4336

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تَدبُّرُ سورتَي الأعلى والغاشية (خطبة جمعة)

 

الحمد لله على نعمه التي لا تُحصى، الحمد لله الذي خلقنا من العَدَم، ورزقنا من النِّعَم، ودفع عنا النِّقَم، الحمد لله على القرآن الذي أنزله ليتدبره عباده، وليتذكر أولو الألباب.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فالقرآن العظيم خير ما نتذكَّر به، وخير ما نتدبره، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر في صلاة الجمعة من قراءة سورَتَي الأعلى والغاشية، وفي صلاة العيدين، فنتدبر معكم في هذه الخطبة هاتين السورتين العظيمتين، ونبدأ بسورة الأعلى، التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل ليلة في صلاة الوِتْر، فلنتدبَّرْ ما فيها من المعاني العظيمة، يقول الله تعالى: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم * سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]؛أي: نزِّه اسم ربِّك عن كل سوء، فإنه الخالق المالك المدبِّر كلَّ شيء، المتصفُ بصفات الكمال، فاعبده وعظِّمْه، واذكر اسمه الأعلى بقولك: سبحان ربي الأعلى.

 

والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيه أُمَّتُه، فكل واحد منا مأمورٌ أن يسبح الله، والتسبيح: هو التنزيه عن النقائص، فيجب أن نُنزِّه الله عما يصفه المشركون والجاهلون من الولد والصاحبة والشريك والنقص، كما قال الله: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الصافات: 180]، وقال تعالى: ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الروم: 40]، وحين يذكر الله بعض ما يصفه الجاهلون في كتابه يسبح نفسه؛ كقوله: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ ﴾ [البقرة: 116].

 

﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ﴾ [الأعلى: 2]؛ أي: الذي خلق كل شيء من العدم فأتقن خلقه، وجعله في أحسن هيئةٍ تُناسبه.

 

﴿ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [الأعلى: 3]؛ أي: والذي قدَّر مقادير الخلائق في ذواتها وصفاتها وأحوالها ومآلها، فهدى كلَّ مخلوق لمصالحه، ويسَّر له تحصيلَ رزقِه وتدبيرَ مسكنه، وكيفيةَ منكحِه وتغذيةِ صِغاره؛ كما قال تعالى: ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50].

 

والمتفكر في الحيوانات والطيور بمختلف أنواعِها يجدُ العجبَ العجاب في هداية الله لها في جميع مصالحها، ولو تكلمنا عن هداية الله للنحل أو النمل لطال الكلام بنا، فتكفي الإشارةُ عن الإطالة.

 

﴿ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ﴾ [الأعلى: 4]؛ أي: والذي أخرج من الأرض بقدرته أنواعَ النبات والحشيشَ الذي ترعاه الأنعام.

 

﴿ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾ [الأعلى: 5]؛ أي: فجعل الله ذلك المرعى يابسًا مسودًّا بعد أن كان أخضر رطبًا.

 

﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ﴾ [الأعلى: 6] هذه بشارة خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: سنُحفِّظك - أيها الرسول - القرآن، فلا تنساه بعد أن تسمعه من جبريل عليه السلام. وهذه من أعظم معجزات النبي، فقد كان يقرأ عليه جبريل ما يُنزله الله عليه من الوحي، وهو أُمِّيٌّ لا يكتب ولا يقرأ، فيحفظه حفظًا متقنًا، ويبقى محفوظًا في صدره لا ينساه أبدًا، مع كونه لا يرجع إلى كتابٍ مكتوبٍ ليراجعَ ما حفظه!

 

﴿ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ [الأعلى: 7]؛ يعني: إلا ما شاء الله أن يُنسيك - أيها الرسول - من آيات القرآن التي ينسخها الله لحِكمةٍ بالغة؛ كما قال تعالى: ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ﴾ [البقرة: 106]، فبعضُ الآيات والأحكام ِكانت ثابتة في أول الإسلام، ثم نسخها الله وأتى بخير منها أو مثلها، مثل استقبال بيت المقدس في الصلاة، نسخه الله بالأمر باستقبال المسجد الحرام، فوعد الله رسوله أنه لا ينسى ما يُحفِّظه من القرآن إلا ما شاء الله أن ينسخه ويأتي بخير منه أو مثله.

 

﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾ [الأعلى: 7]؛ أي: إن الله يعلم ما يُظهِره الخلقُ من الأفعال والأقوال، وما يُخفونه من أعمالهم، وما يسرُّونه في صدورهم. ومن ذلك أن الله يعلم ما يصلح عباده، فشرع لهم ما يصلحهم في دينهم ودنياهم.

 

﴿ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾ [الأعلى: 8]؛ أي: ونُسهِّل لك - أيها الرسول - عمل الخير والدعوة إليه، ونجعل لك شريعةً سهلةً لا ضيق فيها أبدًا؛ كما قال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، فالنبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله بالحنيفية السمحة، فالدين يُسْر، ولكنَّ كثيرًا من الناس يوقعون أنفسهم أو غيرهم في الضيق والحرج بمخالفة شرع الله، وتركِ الاستقامةِ كما أمرهم الله، فمنهم من يغلو ويتنطَّع، ومنهم من يجفو ويتميَّع، ودينُ اللهِ وسطٌ بين الغالي فيه، والجافي عنه.

 

﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾ [الأعلى: 9]؛ أي: فعِظْ جميعَ الناس مُسلمِهم وكافرِهم بكتاب الله، وبيِّن لهم عظمة الله، وخَوِّفْهم عذابه، إن نفعت الموعظةُ بعضَ من يسمعُها، كما قال تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45]، وقال سبحانه: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55]، فقد أمر الله بتذكير كلِّ أحد، فمن انتفع كان تذكُّره تامًّا نافعًا، وإلا قامت عليه الحجة، وربما انتفع بالتذكير بعد مدة، أو انتفع بها غيرُه، وبعد أن يُكرِّر الداعي إلى الله الذكرى تكريرًا تقوم به الحُجَّة يكون مأمورًا بالتذكير عند ظن الفائدة، فمن علم أنه مصرٌّ على الكفر أو المعصية، فلا يجبُ عليه تكرير الذكرى له دائمًا.

 

﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ﴾ [الأعلى: 10]؛ أي: سيتعظُ من يخافُ الله، ويعلمُ عظمته، ويخافُ عذابَه في الدنيا والآخرة.

 

﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴾ [الأعلى: 11]؛ أي: ولا ينتفعُ بالموعظةِ ويَبعُدُ عنها الكافرُ الأشقى.

 

﴿ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ﴾ [الأعلى: 12]؛ أي: الذي يدخل نارَ جهنمَ العظمى؛ كما قال تعالى: ﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ﴾ [الليل: 14، 15].

 

﴿ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى ﴾ [الأعلى: 13]؛ أي: ثم لا يموت الكافرُ في جهنمَ فيستريحَ من عذابِها، ولا يحيا حياةً تنفعُه؛ كما قال تعالى: ﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ [النساء: 56].

 

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [الأعلى: 14]؛ أي: قد فاز بالنجاة من النار والخلودِ في الجنة من تطهَّرَ من الكفرِ والمعاصي والأخلاقِ السيئة، فآمن ووحَّد الله، وعمل الأعمالَ الصالحةَ التي منها ذكرُ الله والصلاةُ والزكاة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 9]، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها».

 

﴿ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 15]؛ أي: وذكر اسم الله بتسبيحِه وتحميدِه وتهليله وتكبيره واستغفاره، ودعاه وحدَه، فصلى الصلواتِ الخمسَ والنوافلَ مخلصًا لله تعالى.

 

﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [الأعلى: 16]؛ أي: بل تُقدِّمون - أيها الناس - متاعَ الحياةِ الدنيا على ثوابِ الآخرة، وتهتمون بأمور دنياكم أكثرَ من اهتمامكم بأمورِ دينكم إلا من رحم الله؛ كما قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14].

 

﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 17]؛ أي: وثواب الله في الجنة أفضل لكم من متاع الدنيا القليل، وأدومُ لكم من الدنيا الفانية، فنعيمُ الجنةِ كاملٌ لا نقص فيه، أبديٌّ لا ينتهي؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [القصص: 60]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثلُ ما يجعلُ أحدُكم إصبعَه هذه - وأشار بالسبابة - في اليَمِّ، فلينظرْ بمَ ترجِع؟!».

 

﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18، 19] الإشارة في قوله: ﴿ هَذَا ﴾ إلى الآيات الأربعِ الأخيرة، أي: إن ما أخبرتُكم في هذه السورة من فلاح مَن زكَّى نفسه، وذكرَ اسم ربِّه فصَلَّى، وإيثارِ الناسِ الدنيا على الآخرة، وأن الجنةَ خير وأبقى؛ مذكورٌ بمعناه في الكتب السابقة المنزَّلة قبل القرآن، في الصحف المنزلة على إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام.

 

فما أعظم موعظة هذه السورة! أسأل الله أن يبارك لنا في القرآن، وأن يجعلنا من المُتدبِّرين له، العاملين به، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من والى الله ورسوله والمؤمنين، أما بعد:

نتدبر في هذه الخطبة سورة الغاشية التي بدأها الله بسؤال لكل واحد منا، فقال سبحانه: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾ [الغاشية: 1] فالخطاب لكل إنسان؛ أي: هل وصلك أيها الإنسان خبرُ القيامة التي تغشى الناسَ والكونَ بأهوالها؟! فمن أسماء يوم القيامة الغاشية، عظَّم الله ذلك اليوم وحذره عباده، ومن أسماء يوم القيامة أيضًا: يومُ التلاق، ويومُ الخروج، ويوم التناد، ويوم الدِّين، واليوم الحق، والطامَّة الكبرى، والصاخَّة، والآزفة، والحاقة، والقارعة، فإذا أتاك أيها الإنسان خبر يوم القيامة فماذا عملت استعدادًا له؟ هل تزودت بالأعمال الصالحة التي تنفعك ذلك اليوم؟ هل زكَّيتَ نفسك واتقيت ربك؟

 

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ﴾ [الغاشية: 2]؛ أي: وجوه الكافرين يوم القيامة ذليلةٌ، متغيرةُ اللون من شدة العذاب والخوف.

 

﴿ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ﴾ [الغاشية: 3، 4]؛ أي: عاملةٌ ما لا تطيق، تاعبةٌ بالعذاب يوم القيامة، فالكفار والمنافقون والفُجَّار والظلمة يُكلَّفون يوم القيامة ما لا يُطيقون، ويُعذَّبون في النار عذابًا شديدًا لا يُخفَّف عنهم، فهم يُسحبون في النار، ويأكلون الزقوم، ويشربون الحميم، وغيرُ ذلك من أنواع العذاب الأليم.

 

وفي الآية معنى آخر؛ أي: عاملةٌ تاعبةٌ في الدنيا بالعبادات الباطلة كعُبَّاد النصارى وغيرِهم ممن يعبدون الله بما لم يشرعْه، فهم يُتعِبون أنفسَهم بعبادات لا يقبلها الله منهم، ويكون مصيرُهم في الآخرة نارَ جهنم.

 

وفي الآية معنى ثالث؛ أي: عاملةٌ تاعبةٌ بأمور الدنيا من جمعِ الأموال، وفعلِ المعاصي والشهوات بكدٍّ وتعب، ثم في الآخرة تَصْلَى نار جهنم الحامية، فلا تنفعهم أموالهم يوم القيامة، وتذهب عنهم تلك اللذاتُ المحرمة، ويبقى عليهم عذابُها في الآخرة.

 

وكل هذه المعاني الثلاثة صحيحة، فمعنى الآية: عاملةٌ تاعبةٌ في الدنيا بالمعاصي واتِّباع الشهوات، أو بالعبادات الباطلة، وعاملةٌ تاعبةٌ في الآخرة بالعذاب الشديد في يوم القيامة يُدخِلهم الله نارًا حامية.

 

﴿ تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ﴾ [الغاشية: 5]؛ أي: يُسقى الكُفَّار والفُجَّار في جهنم من عينِ ماءٍ بلغت الغايةَ في شدةِ الحرارة والغليان؛ كما قال تعالى: ﴿ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 15].

 

﴿ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ﴾ [الغاشية: 6]؛ أي: ليس لهم طعام في جهنم إلا شوكًا يابسًا سامًّا؛ قال المفسرون: الضريع شوكٌ سامٌّ يابس، وأهل النار لهم أنواع من الطعام يُعذَّبون بأكله، ففي وقتٍ لا يأكلون إلا الضريع، وفي وقتٍ لا يأكلون إلا الغِسلين، وفي وقتٍ لا يأكلون إلا الزَّقُّوم.

 

﴿ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ﴾ [الغاشية: 7]؛ أي: لا يُسمن الضريعُ بدنَ من يأكلُه من أهل النار، ولا يدفع عنه شيئًا من ألم الجوع.

 

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ﴾ [الغاشية: 8]؛ أي: وجوه المؤمنين يوم القيامة فيها أثر النعمة والسرور.

 

﴿ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ﴾ [الغاشية: 9]؛ أي: لما عملته في الدنيا من الأعمال الصالحة راضية، حين وجدت ثوابَه العظيمَ في الجنة.

 

﴿ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾ [الغاشية: 10]؛ أي: في بستانٍ عالي المكان والقدر، مرتفعِ القصورِ والغرف.

 

﴿ لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً ﴾ [الغاشية: 11]؛ أي: لا تسمع في الجنة أيَّ كلمةِ لغوٍ لا فائدةَ في سماعها، من الباطل والكذب والسب وغير ذلك.

 

﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ﴾ [الغاشية: 12]؛ أي: في الجنة عيونٌ متدفقةٌ من الماء وأنواع الأشربة؛ كما قال تعالى: ﴿ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ﴾ [محمد: 15].

 

﴿ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ ﴾ [الغاشية: 13]؛ أي: في الجنة أسِرَّةٌ عاليةُ القدر في حسن فِراشِها ولِينه، وفي ارتفاعِ محلِّها؛ ليرى المؤمنُ الجالسُ عليها ما حوله من النعيم العظيم.

 

﴿ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ﴾ [الغاشية: 14]؛ أي: وفي الجنة أكوابٌ ممتلئةٌ بأنواع الأشربة اللذيذة، موضوعةٌ في أماكنهم، ومُعّدَّةٌ على حافَة الأنهارِ الجاريةِ لمن يشتهي الشربَ بها.

 

﴿ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ﴾ [الغاشية: 14]؛ أي: وفي الجنة وسائدُ مرتبةٌ أحسن ترتيب، كل وسادةٍ بجانبِ الأخرى في صفٍّ واحد، مُعَدةٌ للاتِّكاءِ عليها.

 

﴿ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ﴾ [الغاشية: 16]؛ أي: وفي الجنة فُرُشٌ كثيرةٌ كاملةُ الحسن، مبسوطةٌ ومفرَّقةٌ في المجالس؛ للزينة والجلوس عليها.

 

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ [الغاشية: 17]؛ أي: أفلا ينظر الناسُ متفكرين إلى الجِمَال كيف خلقها الله؛ ليستدلوا بخلقها العجيبِ وأحوالِها الغريبة على كمال قدرة الله وحكمته، فيؤمنوا بالبعث بعد الموت، ويُوحِّدوا الله سبحانه؟! والإبل تتميز عن غيرها من الحيوانات بأشياءَ كثيرةٍ، منها: أنها تُقتنى لمنافعَ كثيرةٍ لا تجتمع في غيرها، يُؤكلُ لحمُها، ويُشربُ لبنُها، وتَحمِلُ الإنسانَ وأمتعتَه في أسفاره، وفيها زينةٌ وجمالٌ وغِنى لأصحابها، وتنقادُ مع قوتها للإنسان ولو كان صبيًّا، ويُحمل عليها وهي باركةٌ ثم تقومُ بِحِملها الثقيل، ومن عجائبها: أنها تأكل الشوك ولا يضرُّها، وتتحمل العطش والسير في الصحراء، وفي عينها غشاء شفَّافٌ يقيها الرمال ولا يمنعها من الرؤية، وحين تمشي تُقدِّمُ يدَها ورجلَها اليمنى في وقتٍ واحدٍ، ثم تُقَدِّم يدَها ورجلَها اليسرى في وقت واحد، بخلاف جميع الحيوانات التي تمشي بتقديم يدِها اليمنى ورجلِها اليسرى، ثم يدِها اليسرى ورجلِها اليمنى، وفي الإبل أشياءُ كثيرةٌ عجيبةٌ.

 

﴿ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ﴾ [الغاشية: 18]؛ أي: وألا ينظر الناس متفكرين إلى السماء كيف رفعها الله فوق الأرض بمسافةٍ عظيمةٍ، ورفع ما فيها من الشمس والقمر والنجوم بلا عَمَدٍ بقدرته؟! فالسماء الدنيا تحيط بالكرة الأرضية من جميع جهاتها، فأينما كنت في الأرض فهي فوقَك؛ كما قال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ [ق: 6]؛ أي: ليس فيها شقوق ولا عيوب.

 

﴿ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ﴾ [الغاشية: 19]؛ أي: وألا ينظر الناس متفكِّرين إلى الجبال العظيمة كيف نصبها الله بقدرته، وجعلها راسخة لا تزول عن أماكنها برحمته؟!

 

﴿ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 20]؛ أي: وألا ينظر الناس متفكرين إلى الأرض كيف بسطها الله ووسَّعها، وسهَّل منافعها؛ ليستقر الخلقُ عليها، ويتمكنَ الناسُ من السير والبناء عليها، والحفرِ فيها، وحرثِها وغرسِها؟! كما قال تعالى: ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾ [ق: 7].

 

ولا ينافي جعلُ الأرضِ مسطحة ًكونَها كُروية، فالأرض سطحها واسعٌ ليستقر عليها الخلقُ وينتفعوا بها، فلو كانت كلها صخورًا وجبالًا فلن يتمكن الناس من الانتفاع بها، فمن رحمة الله أن ذللها لعباده، وسطَّحها بقدرته، وقد ذكر غير واحد من علماء المسلمين القدامى أن الأرض كرويةُ الشكل.

 

﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ﴾ [الغاشية: 21]؛ أي: فعِظ - أيها الرسولُ - جميع الناس بالقرآن، وخوِّفهم عذاب الله، إنما أنت واعظ، بعثك الله لدعوة الناس إلى الله. وأمرُ الله لرسولِه أمرٌ لأمته، فعلى المسلمِ أن يعظَ وينصحَ من يستطيعُ من الناس، لا سيما أهلُه وأصحابُه، وأن يذكرهم ولو بآية من كتاب الله، ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55].

 

﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 22]؛ أي: لست على الناس بمُتَسَلِّطٍ تُجبرهم على الإيمان والعمل الصالح، إنما عليك التذكير والبلاغ، وحسابهم على الله؛ كما قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 272].

 

﴿ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ﴾ [الغاشية: 23، 24]؛ أي: لكن من أعرض عن طاعة الله، وكفر بالحق الذي جاء من عند الله، فيعذبه الله أشدَّ العذابِ في جهنم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 127].

 

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 25]؛ أي: إن إلينا مرجعَ الناس بعد موتهم.

 

﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 26]؛ أي: ثم إن علينا أن نحاسب الناس ونجازيهم على أعمالهم.

 

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها، واجعلنا الذاكرين المصلين، واجعلنا من المتذكرين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم ارحمنا في حياتنا وبعد موتنا، اللهم حاسبنا حسابًا يسيرًا، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلِّ اللهُمَّ وسلم على نبينا محمد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إعراب سورتي: الأعلى والغاشية
  • خطبة: تفسير سورتي الأعلى والغاشية
  • تفسير سورتي الأعلى والغاشية كاملة
  • استحباب أخذ يد الصاحب عند التعليم والكلام والمشي

مختارات من الشبكة

  • إطلالة على كتاب: قواعد تدبر القرآن وتطبيقات على قصار السور(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تدبر سورة العصر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تدبر خواتيم سورة آل عمران (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تدبر آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تدبر أول سورة المؤمنون وآخرها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تدبر سورة الإنسان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تدبر سورة الفاتحة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تدبر سورة ق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تدبر سورة البروج (2) الآيات: من 11 إلى 22 (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تدبر سورة البروج (1) الآيات: من 1 إلى 10 (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/12/1446هـ - الساعة: 8:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب