• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

حفظ المال

حفـظ المـال
الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/8/2024 ميلادي - 19/2/1446 هجري

الزيارات: 5268

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حفـظ المـال


الخطبة الأولى

إن الحمدَ لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71]، أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة وكل ضلالة في النار.

 

معاشر المؤمنين الكرام، لقد اعتنى الله سبحانه وتعالى بخلقه أعظم عناية، حينما بعث إليهم الرسل، وأنزَل عليهم الكتب؛ لئلا يكون للناس حجج بعد ذلك؛ كما قال ربنا جل وعلا: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165]، وكما قال جل وعلا في مُحكم كتابه: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 115].

 

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]، وبيَّن سبحانه وتعالى على وجه الخصوص امتنانه على هذه الأمة المحمدية بنبيها خاتم الأنبياء والمرسلين، وهي خير أمة على وجه الأرض إلى قيام الساعة؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ [المزمل: 15 - 19].

 

معاشر المؤمنين، لقد أرسل الله الرسل إلى الأمم الماضية، وكان حظ هذه الأمة بعثة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنزل الله الكتب، وكان حظ هذه الأمة القرآن الكريم الذي جاء ناسخًا لكل الكتب التي سبقته، فكان هذا الكتاب هدايةً ورحمةً وشفاءً للعالمين، وإن من عنايته سبحانه وتعالى أن كان المراد من هذا الإنزال ومن ذلك البعث، حفظ ضرورات خمس يحتاج إليها البشر، ففيها سعادتهم وفلاحهم في الدارين، وبفسادها فيها خسارتهم في هذه الدنيا والآخرة، هذه الضرورات عبَّر عنها العلماء بهذا الاسم، حفظ الضرورات الخمس التي عليها قوام الحياة، والمراد بها حفظ الدين وحفظ العقل، وحفظ النسل وحفظ النفس، وحفظ المال، هذه الغاية من بعثة الأنبياء والرسل، من أجل هذه الضرورات، من أجل أن يَسلَم للناس دينُهم.

 

الدين رأس المال فاستمسك به، فضياعُه من أعظم الخُسران، وحفظ العقل من أن يخالطه شيء من الريب والشك، أو مما يُزيغه من الخمور وغيرها، وهكذا حفظ النسل من أن يتلطَّخ بقاذورات الزنا واللواط، وحفظ النفس من القتل وحفظ المال من السرقة، فإذا تأملت في مراد الله سبحانه وتعالى، وجدت أن بعثة الأنبياء والرسل سعادة، والله شهِد بذلك ربنا سبحانه، وشهد بذلك الراسخون من العلماء، وشهد بذلك عقلاء كل أمة، شهد بذلك العقلاء من كل أمة، ففيهم العالم من المسلمين والعاقل من غير المسلمين، شهدوا بأن هذا الدين هو سعادة للبشرية بأسْرها.

والدين جاء لسعادة البشر
ولانتفاء الشرِّ عنهم والضرر

أردتُ في هذه الخطبة أن أتناول ضرورة من هذه الضرورات، وبعدها يتبع إن شاء الله، والمراد بذلك حفظ المال من السرقة ومن التبذير فيه في غير مرضاة الله سبحانه وتعالى، لكن على وجه الخصوص أردت أن أتناول موضوع السرقة التي تساهل بها الكثير من المسلمين، لا أقول من غير المسلمين، لكن من المسلمين، فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].

 

تفيد هذه الآية أن السرقة من كبائر الذنوب والآثام، لما ترتَّب عليها من الحد في هذه الدنيا، ولما كان في لفظ الآية من التنفير والقبح: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].

 

ولقد ذكر الإمام الذهبي في كتابه الكبائر: أن من كبائر الذنوب والآثام السرقة.

 

ويبيِّن صلى الله عليه وسلم فداحة ذلك بتصديره لعنًا على من سرق، فيقول كما في الحديث الصحيح: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده)[1].

 

ولقد سرقت امرأة زمن النبي صلى الله عليه وسلم، هذه المرأة كانت من قبيلة قوية، كانت المرأة مخزومية من أسرة خالد بن الوليد بن المغيرة، قبيلة لها شرف وسُؤدد، لكن الدين سوَّى في أحكامه بين الشريف والوضيع، وهكذا الصغير والرفيع، فالناس في دين الله كأسنان المشط، لا فرق بين عربي على أعجمي ولا أسود على أبيض أو أحمر إلا بالإيمان وتقوى الله، فهذا هو الفارق[2].

 

هذه المرأة كانت تجحد المتاع إن استعارت متاعًا جحدته، والمراد بالمتاع ما لا يساوي شيئًا؛ أيَّ شيء، فإذا استعارت دلوًا أو قصعة أو أقل من ذلك أو أكثر، جحدته، فرفعوا أمرها إلى رسول الله، فقرر الرسول قطع يدها، فأراد بعض الناس الاستشفاع إلى رسول الله عن طريق الوساطات؛ حتى لا تقطع يد هذه المرأة لِما لقومها من الشرف، فقالوا: هذا أسامة بن زيد، وأسامة كان محبوبًا إلى رسول الله، يحبه رسول الله كثيرًا لما وقر في قلبه من الإيمان وحب الخير، وإلا فقد كان عبدًا أسودَ، لكن ليس هذا الميزان عند الله ولا عند رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم لبعض: اجعلوا أسامة يشفع إلى رسول الله، فيذهب أسامة إلى النبي فيخبره، فيغضب رسول الله ويقول: (أتشفع في حد من حدود الله)، ثم قام فاختطب ثم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يده)[3].

 

فما نفعت هذه الشفاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه قرَّر القطع، فقطعت يد هذه المرأة، وهكذا ما يحصل من الاعتراضات على مسألة القطع في كثير من قوانين البشر التي جاءت من قِبَل أعدائنا أعداء الإسلام، معترضين على حكم الله رب الأرض والسماوات.

إن القوانين فوق الناس تحكُمُهم
والله أنزل قرآنًا هجرناه

يعارضون حكم رب العالمين ناسين أو متناسين أن القطع حكم الله، ففيه حسم للسرقة، وفيه أمان للمال ولأهل المال؛ كما قال ربنا الرحمن: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة179].

 

هذا رجل من الشعراء اعترَض على حكم رب الأرض والسماء؛ حاله كحال المقنِّنين في قوانينهم، اعترض على حكم رب البرية قائلًا:

يد بخمس مئين عسجد وديت
ما بالها قطعت في رُبع دينار
تناقض ما لنا إلا السكوت له
ونستجير بمولانا من النار[4]


إنه يورد إشكالًا واعتراضًا يقول: هذه اليد قيمتها خمس مئين عسجد، بمعنى أن ديتها دية اليد الواحدة نصف الدية، هذا في مقام الديات، ما كان مثنى لابن آدم، ففيه نصف الدية إذا أُتلف، وما كان مذكرًا كالأنف وما أشبه، ففيه الدية الكاملة، فيقول هذا المعترض:

يد بخمس مئين عسجد وديت
ما بالها قطعت في ربع دينار

قال الفقيه المالكي: لما كانت أمينة كانت ثمينة، ولما خانت هانت، حينما كانت هذه اليد أمينة كان لها وزن ومثقال وكرامة وشرف، ولما خانت هانت، لما خانت اليد كانت قيمتها لا شيء.

ذل الأمانة أغلاها وأرخصها
عز الأمانة فافهم حكمة الباري

هذا كان اعتراض، وما أشبه المعترضين، والآية على وجه العموم، وجاءت السنة في تفصيل ذلك وتبيينه، فبيَّن عليه الصلاة والسلام أن اليد تقطع في ربع دينار فصاعدًا[5]، والمراد بالدينار هو الدينار الذهبي، زنته أربع جرامات ونصف من الذهب، فإذا سرق العبد ما كان أقل من الدينار، ربع دينار؛ أي جرامًا، ما يعادل جرامًا من الذهب، فقد وجب على نفسه قطع يده، هذا حكم رب العالمين، لِما يترتب على ذلك من الإضرار بالسارق، وعلى أموال الناس، أما السارق فيترتب عليه الحد في هذه الدنيا والخزي والعار فيها يوم أن يتحدث الناس أن ابن فلان من آل فلان يسرق، هو من السراق، أو أنه أُدخل السجن بسبب جريمة السرقة، أو قطعت يده، إنها والله إهانة، وقد أمر الله بالعفاف، وأمر الله أن يطلب المال من وجوهه، واعلم أيها الرجل أن مالك موجود في هذه الدنيا، ولن تخرج منها إلا وقد أخذت ما كتبه الله عز وجل لك لا بد أن تأخذه بأكمله.

وأرزاق لنا متفرقات
فمن لم تأته سعيًا أتاها

ومما يترتب عليه أيضًا بعد الخزي والعار والفضيحة في الدنيا، وإقامة الحد عليه ما يكون في الآخرة من النكال، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم النار عرضت عليه النار، ورأى فيها صاحب المحجن رجل سرق محجنًا، والمراد بالمحجن عصا رآه يسبح في نهر من أنهار جهنم[6] عياذًا بالله.

 

ويقول عليه الصلاة والسلام في قصة رجل رجع من المعركة من ساحات الوغى، فجاءه سهم لا يدري من رماه، فقال الصحابة: هنيئًا له الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: (كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارًا)[7].

 

إنه أمرٌ يسير نقول للمسلمين: اتقوا الله في أعراضكم أن يتناولها ألسنة الناس، اتقوا الله في أجسامكم من أن تعرضوها لسخط الجبار، فعلى الموظف أن يكون أمينًا لا داعي للرشوة ولا داعي للاختلاس، ولا داعي للتزوير، ونقول كذلك للخازن، لمن كان يشتغل في بقالة، أو في معرض، وقد استأمنه مسلم على ماله وعلى كل ما يتعلق بشأن المال: اتَّقِ الله في شأن المال، واعلم أنه حلوة خضرة، وأنه إلى الفناء والزوال، وأن الدنيا بأسرها فانية، إنها كلها كدر.

أحلام نوم أو كظل زائل
إن اللبيب بمثلها لا يخدع

ونناشد ولاة الأمر أن يقيموا حكم الله عز وجل فيمن سرق، حتى يكون عبرة وعظة للآخرين، زجرًا للآخرين، إنهم مسؤولون عن ذلك، وهنا تنبيه، يجب التنبيه على هذا الأمر أن إقامة الحدود هو من شأن ولاة الأمر، فهم الذين يتولونه، فلا يتولاه الأب ولا الأخ ولا صاحب المال، ولا شيخ القبيلة ولا شيخ البلد، وإنما يتولاه المسؤولون أصحاب السلطة الذين هم مسؤولون عن هذه الرعية: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته)[8].

 

اللهم بارك لي ولكم في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، هذا ما قلته لكم، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم فاستغفروه يغفر لكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله ورضي الله عن أصحاب رسول الله، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

عباد الله، إن من آفات السرقة وإن كانت قليلًا، تكون حاجزًا بينك وبين ربك سبحانه وتعالى من قبول الدعاء، فالسارق وإن سرق شيئًا يسيرًا لا ترفع له دعوة، فمهما دعا الله ومهما توسَّل، ولو تصدق بالملايين حتى يتوب من هذه الجريمة، والدليل على ذلك ما جاء في صحيح الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُم ﴾ [البقرة: 172].

 

ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: (يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يستجاب له)[9]، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر في سبيل الله أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، فتأمل في هذه المؤهلات.

 

أولًا أنه مسافر في الطاعة، ثانيًا أنه قد اغبرت قدماه، فهو أشعث أغبر، ثالثًا أنه يمد يديه، ومد اليدين إلى السماء سبب من أسباب إجابة الدعاء؛ كما في الحديث: (إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا أو خائبتين)[10].

 

رابعًا أنه يتوسل بأحب الأسماء إلى الله يقول: يا رب يا رب، إنه يهتف باسم الربوبية، لكن مع ذلك تأمل إلى تقرير الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو تقرير من لا ينطق عن الهوى قال: (ومطعمه حرام ومشربه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يستجاب له)، كيف يستجاب لمن كان هذا شأنه؟ لا يمكن أن يستجاب لمن كان هذا شأنه ولو كان شيئًا حقيرًا، فإنه يدخل في مسمى السرقة، فإن السرقة أن تأخذ المال، وليس لك فيه حق عن طريق الخلسة تختلسه، فمن كان قد وقع في ذلك، فباب التوبة مفتوح، تُب إلى ربك يا عبد الله، تُب إلى ربك يا عبد الله، ولا ينفع أن يقول: تبتُ إلى الله، فإن هذا يكون بينك وبين الله أن تقول: تبت إليك، يا رب توبة نصوحًا، لكن السرقة تحتاج إلى توبة من وجه آخر، وهو أن تعيد المال إلى أهله؛ إما أن تعيده إلى أهله إن كنت مستطيعًا، وإلا أصلحت النية، ونيتك يا عبد الله على قدر عزيمتك.

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ
وتأتي على قدر الكريم الكرائمُ
ويكبر في عين الصغير صغيرُها
وتصغر في عين العظيم العظائمُ

 

فسوف يعطيك الله المال حتى تردَّه إلى أهله، وإن كنت لا تستطيع فاذهب إلى أهل المال، وقل: لقد اختلست كذا وكذا، فربما يسامحونك، رُبَّما يعفون عنك إن كنت صادقًا في التوبة، هذا رجل من المسلمين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقع على زوجته في نهار رمضان، فتأملوا إلى هذه القصة البديعة العجيبة، وقع الرجل على زوجته في حال الصيام، فذهب إلى الرسول وقال: يا رسول الله، احترقت بمعنى أن الذنوب والمعاصي حريقة تحرق صاحبها، احترقت يا رسول الله، وفي رواية: هلكت يا رسول الله، قال: (ما أهلكك؟)، قال: وقعت على أهلي في نهار رمضان، إنه صادق، إنه يريد الحل الشرعي من رسول الله، يريد جوابًا نافعًا، فقال له الرسول: (هل تستطيع أن تعتق رقبة، قال: لا قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ قال: لا).

 

ما يستطيع لهذه الكفارة التي تسمى بالكفارة المغلظة كفارة الظهار، فقال الرسول: اجلس، فجلس الرجل في مجلس رسول الله، مجلس علم ووعظ وخير ووحي، فإذا برجل يأتي بصدقة قليل من تمر، مكتل فيه تمر، فيقول صلى الله عليه وسلم: (أين المحترق؟ أين هذا السائل؟ قال: أنا يا رسول قال: خذ هذا فتصدق به قال: على غير أهلي؟ والله ما بين لابتيها - أي حرتيها - أهل بيت أفقر مني، فضحك الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، وقال: أطعمه أهلك)[11].

 

فتأمل في الفرج والمخرج، جعل الله له فرجًا ومخرجًا في هذه الكفارة، وعولِجت قضيته يوم أن نوى وصدق في النية، فإذا صدقت النية يا عبد الله صدقك الله، وإذا خرجت من بيتك صباح يومك باحثًا عن الرزق من وجه الحلال، يسَّر الله لك بالحلال، وإن خرجت صبيحة يومك باحثًا عن الحرام تستدرج؛ كما قال الله: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [القلم: 44 - 45].

 

يتيسر لك الحرام، لكن لا تظن أن ذلك شطارة وأنه ذكاء، لا والله إنه ابتلاء، وربما زاد الله لك في ذلك حتى يقيم عليك الحجة، وفي الحديث: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)، ثم قرأ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102][12].

 

ولو كانت المسألة ريال خمسة ريال عشرة ريال تدخله في أموالك، إنه يخرج المئات، بل والله الألوف في مثل هذا الكلام يعتقده اليهود والنصارى في ديانتهم؛ لأنه مكتوب في التوراة والإنجيل؛ لأن الديانات كلها مرتبة على هذا في ما يتعلق بحفظ المال، فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله في أموالكم، واتقوا الله في أموال عُمَّالكم، وعلى العمال أن يتقوا الله عز وجل في مال إخوانهم الذين استأمنوهم في أموالهم، فإنهم مسؤولون عن ذلك بين يدي الله؛ قال سبحانه: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 72 - 73].

 

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم لا تدَع لنا ذنبًا إلا غفرته ولا هَمًّا إلا فرَّجته ولا دينًا إلا قضيتَه، ولا عسيرًا إلا يسَّرته، اللهم خُذْ بأيدينا إلى كل خير وجنِّبنا كل شر وضير.

 

اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين، وارفَع درجاتنا في المهديين، وأرِنا الحق حقًّا، وارزُقنا اتباعه والباطل باطلًا وارزُقنا اجتنابه.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وأقم الصلاة.



[1] متفق عليه: البخاري (6401, 6414) ومسلم (1687) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

وعند أحمد (23536) والبيهقي في الشعب (5137) وغيرهما وصححه الألباني في: صحيح الترغيب (2963) والصحيحة (2700) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أوسط أيام التشريق في خطبة الوداع: (يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله).

[3] القصة رواها الجماعة: البخاري ( 2505, 3288, 3526, 4053, 6405, 6406, 6415) ومسلم (1688) وأحمد (25336) أبو داود (4373) والترمذي (1430) والنسائي (4899) وابن ماجة (2547) وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها.

[4] القائل هو أبو العلاء المعري المشهور بالزندقة: كما في البداية والنهاية (12/73) وإعلام الموقعين (2/82) وقد رد عليه كثير من العلماء:

روي أن الشافعي رحمه الله أجاب بقوله...

هناك مظلومة غالت بقيمتها
وها هنا ظلمت هانت على الباري

وأجاب شمس الدين الكردي بقوله...

قل للمعري عار أيما عار
جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عار
لا تقدحن زناد الشعر عن حكم
شعائر الشرع لم تقدح بأشعار
فقيمة اليد نصف الألف من ذهب فإن
تعدَّت فلا تُسوى بدينار

ومنها قول القاضي عبد الوهاب مجيبًا له:

عز الأمانة أغلاها وأرخصها
ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
ويروى: وقاية النفس أغلاها وأرخصها
وقاية المال فافهم حكمه الباري

وقال بعضهم: لما خانت هانت..

وقال ابن الجوزي لما سئل عن هذا: لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت؛ انظر: فيض القدير (1/299) والإقناع للشربيني (2/190) وإعلام الموقعين (2/82ـ83) وغيرها من المراجع.

[5] روى البخاري (6407) ومسلم (1684) عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع السارق في ربع دينار فصاعدًا).

[6] رواه مسلم (904) عن جابر رضي الله عنه وكان ذلك في خطبة صلاة الكسوف ولفظ الحديث: يا أيها الناس إنما الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا حتى تنجلي، ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه لقد جيء بالنار وذلكم حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبه في النار كان يسرق الحاج بمحجنه فإن فطن له قال إنما تعلق بمحجني وإن غفل عنه ذهب به.

[7] متفق عليه: البخاري (3993, 6329) ومسلم (115) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[8] متفق عليه: البخاري (853, ومواضع ) ومسلم (1829) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

[9] رواه مسلم (1015) وأحمد (8330) والترمذي (2989) والبخاري في رفع اليدين (94) والدارمي (2717) والبيهقي في الكبرى (6187) والشعب: (1159) وعبد الرزاق: (8839) وغيرهم.

[10] صحيح: رواه أحمد (23765) وأبو داود (1488) والترمذي (3556) وابن ماجة (3865) والحاكم (1831) وابن حبان (876) وغيرهم عن سلمان رضي الله عنه, وصححه الألباني: صحيح الجامع)1757) وصحيح الترغيب (1635).

[11] القصة في الصحيحين: البخاري (1834, ومواضع) ومسلم (1111) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[12] متفق عليه: البخاري (4409) ومسلم (2583) عن أبي موسى رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مقاصد السنة النبوية (5) حفظ المال
  • خطبة: النزاهة وحفظ المال العام
  • حفظ المال (بطاقة دعوية)

مختارات من الشبكة

  • احترام النفس البشرية في الحروب النبوية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حفظ المال العام والتحذير من الاعتداء عليه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بعض قواعد المال وفن إدارته وحفظه من الضياع وحصول البركة فيه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حفظ المال العام(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • بعض قواعد المال وفن إدارته وحفظه من الضياع(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حب المال بين إشباع الحاجة وحفظ الهوية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أصول حفظ الكليات الخمس في بينات القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بركة المال الحلال، وتلف المال الحرام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل السعادة في المال أم المال طريق إلى السعادة؟(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • مخطوطة الفوز في المآل بالوصية بما جمع من المال(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب