• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من مائدة الحديث: خيرية المؤمن القوي
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    وفاء القرآن الكريم بقواعد الأخلاق والآداب
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    خطبة: كيف أتعامل مع ولدي المعاق؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    تذكير (للأحياء) مِن الأحياء بحقوق الأموات عليهم!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    الوسيلة والفضيلة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حقوق الطريق (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    حديث: حسابكما على الله، أحدكما كاذب لا سبيل لك ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حديث: «نقصان عقل المرأة ودينها» بين نصوص السنة ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تحبيب الله إلى عباده
    عبدالرحيم بن عادل الوادعي
  •  
    خطبة: المصافحة
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    دور السنة النبوية في وحدة الأمة وتماسكها (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    خطبة عن الافتراء والبهتان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    خطبة: الشهوات والملذات بين الثواب والحسرة
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    تخريج حديث عائشة: "أن رسول الله - صلى الله عليه ...
    أحمد بن محمد قرني
  •  
    خطبة (المنافقون)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تفسير: (وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن)
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

{سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} (خطبة)

{سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} (خطبة)
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/8/2024 ميلادي - 13/2/1446 هجري

الزيارات: 13800

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

(سنستدرجهم من حيثُ لا يعلمون)

 

الحمدُ للهِ الحقِّ المبينِ، ذي الكيدِ المتينِ، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ مخلصاً له الدينَ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ.

 

أما بعدُ، فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ‌حَقَّ ‌تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

أيها المؤمنون!

عقوبةُ الذَّنبِ من شؤمِ مُواقعتِه، وأخطرُ أنواعِ تلك العقوبةِ العقوبةُ الخَفِيِّةُ التي لا تُرى، ولا يَشْعُرُ بها العاصي، ولا يُبْصرُ معها آثارَ ذنبِه؛ فَيَسْدُرُ في غيِّه، ولا يَلْوِي عنه حتى يُفْضيَ به إلى هُوَّةٍ سحيقةٍ مِن الهلاكِ. والاستدراجُ أخطرُ العقوباتِ الخفيِّةِ؛ فهو مكرٌ من اللهِ خفيٌّ بمَن تمادى في طغيانِه؛ فيُدنيه لعاقبةِ الهلاكِ التي طَوى عنه عِلْمَها إدناءَ تلطُّفٍ؛ درجةً درجةً من حيثُ لا يَتوقَّعُ ولا يَشعرُ، ويُعمي بصيرتَه عن التنبُّهِ لهذه العاقبةِ السيِّئةِ التي يَؤولُ إليها، حتى يُورِّطَه بأخذِه أخْذةَ أَسَفٍ دون إمهالٍ أو إعذارٍ. وذاك ما يُعامِلُ اللهُ به مَن قد سقطَ مِن عينِه ممَّن لجَّ في طغيانِه؛ فلم يكن له عنده قدْرٌ يَصونَه إذ كان مُتلبِّساً بسببٍ من أسبابِ الاستدراجِ؛ إما بكفرٍ يكونُ به التكذيبُ بآياتِ اللهِ، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ‌سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [الأعراف: 182، 183]، وإما بنفاقٍ اعتقاديٍّ يُوجِبُ الخلودَ في الدَّرْكِ الأسفلِ من النَّارِ، كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ‌وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: 15]، وإما بإمعانٍ في سقَطاتِ المظالمِ والغرقِ في مُستنقعِها الآسنِ بالعدوانِ على أعراضِ العبادِ وأموالِهم ودمائِهم دون حاجزٍ من وَرَعٍ أو توبةٍ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي ‌لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ ‌يُفْلِتْهُ "، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ ‌أَلِيمٌ ‌شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102] رواه البخاريُّ ومسلمٌ. وعقوبةُ الاستدراجِ إنما تكونُ بقدْرِ المظالمِ، والمرء يُستدرَجُ بقدْرِ بَغيه.

 

عبادَ اللهِ!

إنما كان خطرُ الاستدراجِ في خفائِه، وغلبةِ طولِ وقتِه، واقترانِه بحالِ رغدٍ من النِّعمِ الغامرةِ المتجدِّدةِ المتواليةِ، وتزيينِ سوءِ العملِ لصاحبِه، ومصيرِه الوخيمِ. فالاستدراجُ مكرٌ ربانيٌّ دقيقُ المَسْلكِ شديدُ الخَفاءِ؛ طالما أطارَ خوفُ خفائِه قلوبَ أهلِ الخشيةِ من العلماءِ الراسخين. لمّا حُمِلَ إلى عمرَ -رضيَ اللهُ عنه- ‌كنوزُ ‌كسرى نَظرَ إليها، فقال: " اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك أنْ أكونَ مُستدرَجاً؛ فإنِّي أسمعُك تقولُ: ﴿ ‌سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 182] "، وقال الحسنُ البصريُّ: " كَمْ ‌مِنْ ‌مُسْتَدْرِجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ؟! وَكَمْ مِنْ مَفْتُونٍ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ؟! وَكَمْ مِنْ مَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ؟!"، وقال المَرُّوذيُّ للإمامِ أحمدَ: " مَا أَكْثَرَ الدَّاعِينَ لَكَ! فَتَغَرْغَرَتْ عَيْنُهُ، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا ‌اسْتِدْرَاجًا! "، وقال ابنُ القيِّمِ: " كم مِن مُستدرَجٍ بالنِّعمِ وهو لا يشعرُ، مفتونٍ بثناءِ الجُهَّالِ عليه، مغرورٍ بقضاءِ اللهِ حوائجَه وسترِه عليه! وأكثرُ الخلقِ عندهم أنَّ هذه الثلاثةَ علامةُ السعادةِ والنجاحِ؛ ﴿ ذَلِكَ ‌مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ [النجم: 30]! ". ويَزيدُ من خطرِ الاستدراجِ أنه لا يكونُ إلا في حالِ نعيمٍ دنيويٍّ مما يُحبُّه العبدُ ويطلبُه ويَلتذُّ به؛ فيُعميه ذلك النعيمُ وتلك اللذةُ عن محاسبةِ النفسِ وتبصُّرِ خطرِ المآلِ؛ لِظنِّه أنَّ ذلك الحالَ علامةُ خيرٍ ومحبةٍ من اللهِ واصطفاءٍ؛ لِينغمِسَ في مُعافسةِ النِّعمِ مُنهمِكاً في غَيِّه؛ كُلَّمَا جَدَّدَ عَلَيْهِ نِعَمَهُ؛ ازْدَادُ بَطَرًا وَجَدَّدَ مَعْصِيَةً، فَيَتَدَرَّجَ فِي الْمَعَاصِي بِسَبَبِ تَرَادُفِ النِّعَمِ، ظَانَّاً أَنَّ مُتَوَاتِرَةَ النِّعَمِ أَثَرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَتَقْرِيبٌ، وَإِنَّمَا هِيَ خِذْلَانٌ مِنْهُ وَتَبْعِيدٌ. قال ابنُ القيِّمِ: " وقلَّ أنْ يقعَ ‌إعطاءُ ‌الدنيا وتوسعتُها إلا استدراجًا من اللَّهِ، لا إكرامًا ومحبةً لمَن أعطاه". ويزدادُ خطرُ الاستدراجِ بطولِ زمنِه وإرخاءِ اللهِ للمستدرَجين عادةً، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي ‌لِلظَّالِمِ " رواه البخاريُّ ومسلمٌ؛ يُرخي لهم؛ لِتستحكِمَ غفلتُهم، ويزدادَ طغيانُهم؛ فتَعظمَ عقوبتُهم، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ‌لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [آل عمران: 178]. ويزيدُ خطرَ الاستدراجِ اقترانُ تزيينِ العملِ به؛ إذ لا يَنظرُ المستدرَجُ لسيءِّ عملِه وقبيحِ طغيانِه وعيبِه إلا بمنظارِ الحُسْنِ والزَّيْنِ الذي يُلْبِسُه إياه الشيطانُ، كما قال تعالى: ﴿ وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 43]، وهل يَرجِعُ عن غيِّه مَن يراه رُشْدَاً؟! قال الحسنُ البصريُّ: " المُعجَبُ بعملِه مُستدرَجٌ "، وقال السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ: " مِن عَلامةِ الاستدراجِ العَمى عَن ‌عُيُوبِ ‌النَّفسِ ". ومُنتهى خطورةِ الاستدراجِ مصيرُه الوخيمُ الذي تكونُ به نهايةُ النعيمِ الحقيرِ الفاني واستقبالُ نَكالِ الجحيمِ الباقي الذي يَقعُ فَجأةً دونَ إنذارٍ أو رجوعٍ، كما قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ ‌بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44].

 

أيها المسلمون!

إنَّ علامةَ الاستدراجِ التي لا تُخْطيه أنْ يَتوالى على العبدِ تَدفُّقُ النِّعمِ ممَّا يُحِبُّه ويَطلبُه ويزدادَ مع ذلك طغيانُه وفجورُه، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " ‌إِذَا ‌رَأَيْتَ ‌اللهَ ‌يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ "، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ ‌مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44] رواه أحمدُ وحسَّنَه العراقيُّ والسُّيوطيُّ. وأخطرُ الاستدراجِ ما نبَّه اللهُ فيه أهلَ النِّعمِ بشيءٍ يُنَغِّصُ عليهم نعيمَهم كالمرضِ والفقرِ وفشوِّ المظالمِ، ثم لا يَرجعون إلى ربِّهم، فيَرفعُ عنهم ذلك المنغِّصَ ويَزيدُهم من النَّعيمِ؛ لِتكونَ أخْذةُ الغضبِ المفاجئةُ إِثْرَ ذلك، ويكونَ بها استئصالُ هذا الخَلْقِ الفاسدِ المتمرِّدِ على ربِّه، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ ‌بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 42 - 45].

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.

أما بعدُ. فاعلموا أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

 

أيها المؤمنون!

إنَّ عقوبةَ الاستدراجِ قد تقعُ على الفردِ، وقد تقعُ على المجتمعِ حين تفشو فيه المنكراتُ ولا يُظْهَرُ فيه أمرُ اللهِ ونهيُه، كما قال تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا ‌وَهِيَ ‌ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [الحج: 48]. سُئلَ ابنُ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهما- عن الاستدراجِ، فقال: " ذَلِكَ مَكْرُ اللَّهِ بِالْعِبَادِ الْمُضَيِّعِينَ ". وإنِّما تكونُ عصمةُ اللهِ من شؤمِ الاستدراجِ بالشُّعورِ الإيمانيِّ المُرْهَفِ حِيالَ نِعَمِ اللهِ وما يَصْدُرُ عن العبدِ مِن عملٍ؛ حين يَتذكَّرُ نِعَمَ اللهِ، ويُقِرُّ بتفرُّدِه بإسْدائِها واستحقاقِه الشُّكرَ عليها، ويَلْهَجُ لسانُه بالثناءِ على ربِّه، ويخشى أنْ تكونَ هذه النِّعمُ حُجَّةً عليه واستدراجاً له، ويُلِحُّ بدعائه ضارِعاً كما كان رسول الله يدعو بقولِه: " وَامْكُرْ لِي وَلَا ‌تَمْكُرْ ‌عَلَيَّ " رواه الترمذيُّ وقال: حسَنٌ صحيحٌ، ويَجتهِدُ في طاعةِ ربِّه مُسْتَقِلَّاً عملَه، مُزْرِياً على نفسِه، محاسِباً لها؛ لِيكون ذلك قَيْداً يَمنعُه من الطُّغيانِ، وتنبيهاً لقلبِه من غِشاوةِ الغفلةِ، وحثَّاً له على المبادرةِ بالتوبةِ عند وقوعِ الزَّللِ؛ فيَنكسِرُ قلبُه بين يدي مولاه، ويَنطلِقُ عامِلاً بأمرِه في الناسِ، داعياً بفعلِه وقولِه وحالِه؛ فبذلك التوفيقِ الرَّبَّانيِّ تكونُ العصمةُ من الاستدراجِ، وبه يَظْهَرُ الفرْقُ بين كرامةِ النِّعَمِ والاستدراجِ بها، فـ"صَاحِبُ الْكَرَامَةِ لَا يَسْتَأْنِسُ بِتِلْكَ الْكَرَامَةِ، بَلْ عِنْدَ ظُهُورِ الْكَرَامَةِ يَصِيرُ خَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- أَشَدَّ، وَحَذَرُهُ مِنْ قَهْرِ اللَّهِ أَقْوَى؛ فَإِنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ ‌الِاسْتِدْرَاجِ. وَأَمَّا صَاحِبُ ‌الِاسْتِدْرَاجِ، فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِذَلِكَ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَيْهِ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ إِنَّمَا وَجَدَ تِلْكَ الْكَرَامَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهَا، وَحِينَئِذٍ يَسْتَحْقِرُ غَيْرَهُ، وَيَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ، وَيَحْصُلُ لَهُ أَمْنٌ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ، وَلَا يَخَافُ سُوءَ الْعَاقِبَةِ. فَإِذَا ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ عَلَى صَاحِبِ الْكَرَامَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتِ اسْتِدْرَاجًا، لَا كَرَامَةً". قال يونسُ بنُ عُبيدٍ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَتْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ، فَحَفِظَهَا، وَأَبْقَى عَلَيْهَا، ثُمَّ شَكَرَ اللَّهَ مَا أَعْطَاهُ؛ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَشْرَفَ مِنْهَا. وَإِذَا ‌ضَيَّعَ ‌الشُّكْرَ؛ اسْتَدْرَجَهُ اللَّهُ، وَكَانَ تَضْيِيعُهُ لِلشُّكْرِ اسْتِدْرَاجًا".

وما زالتِ النَّعماءُ تَستدرِجُ الفتى
وتُملي له من حيثُ يَدري ولا يَدري
فكن مُستمسِكاً بالشُّكرِ إنِّه
أمانٌ من اللهِ طِيلةَ العُمْرِ




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون)
  • يعلمون.. ولا يعلمون

مختارات من الشبكة

  • عالم الفساد والعفن: السحر والكهانة والشعوذة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: كيف أتعامل مع ولدي المعاق؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: المصافحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دور السنة النبوية في وحدة الأمة وتماسكها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن الافتراء والبهتان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الشهوات والملذات بين الثواب والحسرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة (المنافقون)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • من غشنا فليس منا (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خطبة: وقفات مع اسم الله العدل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوازن في حياة المسلم (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/2/1447هـ - الساعة: 14:45
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب