• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
  •  
    الخواطر والأفكار والخيالات وآثارها في القلب
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    طائر طار فحدثنا... بين فوضى التلقي وأصول طلب
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    محبة القرآن من علامات الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (10)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    نبذة عن روايات ورواة صحيح البخاري
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم والذين جاؤوا من ...
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    الحج المبرور
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    مائدة التفسير: سورة المسد
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أفضل استثمار المسلم: ولد صالح يدعو له
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    السماحة في البيع والشراء وقضاء الديون
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطبة: الحج ومقام التوحيد: بين دعوة إبراهيم ومحمد ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    موقف الشيعة من آيات الثناء على عموم الصحابة
    الدكتور سعد بن فلاح بن عبدالعزيز
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

{ولكن كونوا ربانيين}

{ولكن كونوا ربانيين}
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/7/2024 ميلادي - 16/1/1446 هجري

الزيارات: 1664

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾

 

قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 79، 80].

 

﴿ مَا كَانَ ﴾ أي: ما صحَّ وما استقام لأحد، وكلمة «ما كان» تستعمل في الشيء الممتنع شرعًا أو قدرًا؛ فقوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 79]؛ الآية، هذا ممتنع شرعًا وقدرًا، وقوله: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم: 64] ممتنع قدرًا، بل ممتنع وصفًا؛ لأنه لا يُتصوَّر أن يأتي به القَدَرُ، مستحيل أن يكون الله تعالى ناسيًا أو منسيًّا، وقوله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ [الأنفال: 33] ممتنع شرعًا، ولو شاء أن يعذبهم وهو فيهم لعذَّبهم، ولكنه ممتنع شرعًا.

 

قال في البحر المحيط: نفى عنه الكون، والمراد نفيُ الخبر، وذلك على قسمين:

أحدهما: أن يكون الانتفاء من حيث العقل، ويعبر عنه بالنفي التام؛ ومثاله قوله: ﴿ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ﴾ [النمل: 60]، ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 145].

 

والثاني: أن يكون الانتفاء فيه على سبيل الانتفاء، ويعبر عنه بالنفي غير التام؛ ومثاله قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم أن يصلِّيَ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم".

 

ومَدرك القسمين إنما يُعرَف بسياق الكلام الذي النفيُ فيه، وهذه الآية من القسم الأول، لأنَّا نعلم أن الله لا يعطي الكَذَبَةَ والمدَّعين النبوةَ، وفي هذه الآية دلالة على عصمة الأنبياء عليهم السلام.

 

﴿ لِبَشَرٍ ﴾ إشعارًا بعلة الحكم؛ فإن البشرية منافية للأمر الذي أسنده الكفرة إليهم، والبشر هو الإنسان من بني آدم، وسُمِّيَ بشرًا لظهور بشرته، فإن بشرة الإنسان ظاهرة بارزة ليس عليها شعر ولا صوف، ولا وبر ولا ريش، ولا زعانف بادية، وقيل: سُمِّيَ بشرًا؛ لظهور أثر البشارة عليه فيما إذا أُخبِرَ بما يسره، ولا مانع من أن يكون سُمِّيَ بشرًا لهذا ولهذا، والحكمة من أن الله تعالى جعل الآدميَّ بارزَ البَشَرة؛ ليعلم الآدمي أنه مفتقر إلى اللِّباس الحسيِّ، فينتقل من ذلك إلى العلم بأنه مفتقر إلى اللباس المعنوي وهو التقوى، وأنه بحاجة إلى أن يعمل الأسباب التي تستره معنًى، كما هو يعمل الأسباب التي تستره حسًّا، وهذا من حكمة الله عز وجل.

 

﴿ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ ﴾؛ أي: يعطيه إيتاء شرعيًّا، وكذلك إيتاء قدريًّا.

 

﴿ الْكِتَابَ ﴾: الناطق بالحقِّ، الآمِر بالتوحيد، الناهي عن الإشراك.

 

﴿ وَالْحُكْمَ ﴾: الحكمة، وهي الفقه في أسرار الشرع، وقيل: الحكم أي: بما أُوحِيَ من الكتاب؛ كما قال الله تعالى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ [المائدة: 49].

 

والظاهر أن الحكم هنا القضاء والفصل بين الناس، وهذا من باب الترقِّي؛ بدأ أولًا بالكتاب وهو العِلْم، ثم ترقَّى إلى التمكين وهو الفصل بين الناس، ثم ترقَّى إلى الرتبة العليا وهي النبوة، وهي مجمع الخير.

 

﴿ وَالنُّبُوَّةَ ﴾ يعني: الإخبار بالوحي، والنبوة بتشديد الواو، إما أنها من النَّبْوَةِ وهي الارتفاع، وعلى هذا فتكون الواو أصلية؛ لأن رتبة النبيِّ أعلى طبقات الخَلْقِ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].

 

وإما أن تكون الواو مسهَّلة، وأصلها النبوءة، فتكون مأخوذة من النبأ؛ وهو الخبر؛ وذلك لأن الرسول مُنبَّأ ومُنبِّئ؛ مُنبَّأ من قِبلِ الله عز وجل، ومُنبِّئ لمن أُرسل إليهم، يخبرهم ويبشرهم وينذرهم.

 

وإنما قال: ﴿ وَالنُّبُوَّةَ ﴾ مع قوله: ﴿ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ ﴾ [آل عمران: 79]؛ لأنه قد يُطلَق إيتاء الكتاب على من أُرسل إليهم به، لا من أُرسل به، فلا يلزم ممن أُوتِيَ الكتاب أن يكون نبيًّا؛ كما في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ [البقرة: 146]، وقوله: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [البقرة: 121]، فالذين أُوتوا الكتاب هنا ليسوا أنبياء.

 

ولهذا قال: ﴿ وَالنُّبُوَّةَ ﴾ لئلا يتوهم واهمٌ أن الذين أُوتوا الكتاب هم الذين أُرسل إليهم بالكتاب، والمراد بالذين أوتوا الكتاب هنا الذي أُرسِل بالكتاب، لا الذي أُرسِل إليهم به، بل الذي أُرسل بالكتاب إلى غيره.

 

﴿ ثُمَّ ﴾ أتى بلفظ: «ثم» التي هي للمهلة؛ تعظيمًا لهذا القول، ﴿ يَقُولَ لِلنَّاسِ ﴾، ذلك البشر بعدما شرفه الله عز وجل بما ذكر من التشريفات، وعرَّفه الحق، وأطلعه على شؤونه العالية.

 

﴿ كُونُوا عِبَادًا لِي ﴾ قال ابن عطية: والذي استقريتُ في لفظة: «العباد»، أنه جمع عبد، سِيقت اللفظة في مِضمار الترفيع والدلالة على الطاعة، دون أن يقترن بها معنى التحقير وتصغير الشأن... فانظر قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [البقرة: 207]، ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 26]، ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53]، وقول عيسى في معنى الشفاعة والتعريض: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118].

 

وأما العبيد، فيُستعمل في التحقير؛ ومنه قول حمزة بن عبدالمطلب: "وهل أنتم إلا عبيد لأبي"، ومنه: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]؛ لأنه مكان تشفيق وإعلام بقلة انتصارهم ومقدرتهم، وأنه تعالى ليس بظلَّام لهم مع ذلك، ولما كانت لفظة «العباد» تقتضي الطاعة، لم يقع هنا؛ ولذلك أنس بها في قوله: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الزمر: 53]، فهذا النوع من النظر يسلك بك سبيل العجائب في حيز فصاحة القرآن العزيز على الطريقة العربية السليمة.

 

﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 79] هذا هو الممتنع، وهو الذي انصبَّ عليه النفي، وهذا لا يمكن؛ لأن من آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة إنما جاء لضدِّ هذه الأشياء، ليمحق هذا الشيء، لا ليدعو الناس إليه.

 

وهو بيان لافترائهم على الأنبياء عليهم السلام؛ حيث قال نصارى نجران: إن عيسى عليه السلام أمرنا أن نتخذه ربًّا، حاشاه عليه السلام.

 

قال ابن عاشور: لما ذَكَرَ ليَّ اليهود ألسنتهم بالتوراة، وهو ضرب من التحريف، استطرد بذكر التحريف الذي عند النصارى؛ لمناسبة التشابه في التحريف؛ إذ تقول النصارى على المسيح أنه أمرهم بعبادته، فالمراد بالبشر عيسى عليه السلام، والمقصود تنزيه عيسى عن أن يكون قال ذلك.

 

﴿ وَلَكِنْ ﴾ يقول للناس ﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾، هذا الاستدراك استدراك واقع في مقابلة النفي الذي صُدِّرت به الآية، ﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾، كونًا شرعيًّا، لا يملك أن يقول لهم كونوا كونًا قدريًّا، لكن يملك أن يأمرهم شرعًا بأن يكونوا ربانيين.

 

﴿ رَبَّانِيِّينَ ﴾ جمع رباني: من يُنسَب إلى الرب لكثرة عبادته وغزارة علمه، أو إلى الرُّبَّان؛ وهو الذي يرُبُّ الناس، فيصلح أمورهم ويقوم عليها.

 

نسبة إلى الرب، ونسبة إلى التربية، فالربانيُّ هو من كان عبدًا للرب عز وجل، والرباني هو الذي يربي الناس على شريعة الله بالعلم والدعوة، والعبادة والمعاملة، فالرباني منسوب إلى التربية، وإلى الربوبية، فباعتباره مضافًا إلى الله ربوبية، وباعتباره مضافًا إلى الإصلاح تربية.

 

قال محمد بن الحنفية حين مات ابن عباس: "اليوم مات ربانيُّ هذه الأمة"، وقال أبو العباس ثعلب: "إنما قِيل للفقهاء: الربانيون؛ لأنهم يُربُّون العلم؛ أي: يقومون به"، وقال مجاهد: "الربانيون فوق الأحبار؛ لأن الأحبار العلماء، والرباني الجامع إلى العلم والفقه، البصير بالسياسة والتدبير بأمر الرعية، منسوب إلى الرب... والألف والنون للمبالغة، كلحيانيٍّ وشعرانيٍّ، لعظيم اللحية، وكثير الشعر".

 

• وفيه أن مَنْ مَنَّ الله عليه بالكتاب والحكمة والنبوة، فإنه لا يأمر إلا بخير؛ لقوله: ﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾ [آل عمران: 79].

 

• وفيه أن المعلم للناس يصحُّ أن نسمِّيَه ربَّانيًّا؛ لأنه قال: ﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ ﴾ [آل عمران: 79]، ولهذا نجد في تراجِم العلماء رحمهم الله، نجد كثيرًا ما يصفون العالم بأنه العالم الرباني.

 

﴿ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ ﴾ من التعليم؛ أي تعلمون غيركم ﴿ الْكِتَابَ ﴾، قرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو (بما كنتم تَعْلَمون)؛ بمعنى عالمين أو تفهمون، وتعلِّمون أعم؛ لأنه لن يُعلِّم إلا مَن علِم.

 

أي: كونوا عاملين بما كنتم تعلمون؛ لأن العالم إنما يُقال له: عالم، إذا عمِل بما علِم، وإن لم يعمل بعلمه، فليس بعالم؛ لأن من ليس له من علمه منفعة، فهو والجاهل سواء.

 

قال ابن عثيمين: الباء هنا للسببية؛ أي: بسبب تعليمكم الكتاب، لأن الذي يعلم الكتاب مُرَبٍّ؛ ولهذا كلما كثُر الطلبة عند شخص، كثُرت تربيته للناس؛ لأن المفروض في المعلم ألَّا يكون معلمًا للناس تعليمًا نظريًّا جدليًّا؛ لأن هذا يمكن أن يدركوه بالكتب، لكنه ينبغي أن يعلمهم تعليمًا نظريًّا وتعليمًا تربويًّا، وهذا هو هَدْيُ النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وأصحابه، إذا نظرنا إلى السيرة النبوية، وجدنا كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الناس تعليمًا مقرونًا بالتربية، مصحوبًا بها، وإذا تأملنا سيرة الخلفاء الراشدين وجدناها كذلك، فلننظر – مثلًا - إلى سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد رفع عقوبة الخمر إلى ثمانين ليردع الناس، ومنع المطلِّق ثلاثًا من الرجوع إلى زوجته من أجل أن يَرْدَعَ الناس؛ فالحقيقة أن المعلِّم ليس هو الذي يملأ أذهان الناس علمًا فحسب، ولكن الذي يملأ أفكارهم أو أذهانهم علمًا، وأخلاقهم تربية.

 

والمراد بالكتاب الجنس، يشمل التوراة والإنجيل والبعض منها والكل.

 

• وفيه الرد على منكري الأسباب؛ لقوله: ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ ﴾ [آل عمران: 79]، والباء للسببية، ولا شكَّ أن الأسباب ثابتة، ولكنها ليست مستقلة بالإيجاد أو العدم، بل هي مؤثِّرة بما أودع الله فيها من قوة التأثير، وبهذا ندفع شبهة من قالوا بنفي الأسباب، محتجين بأن إثبات الأسباب يستلزم إثبات خالق مع الله، ونحن نقول لهم: إننا نثبت الأسباب، لكنها لا تؤثر بنفسها، بل بما أودع الله فيها من القوة، والدليل على هذا أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أُلْقِيَ في النار؛ قال الله للنار: ﴿ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69]، فكانت بردًا وسلامًا عليه، لم يتأثر بها مع أنها مُحْرِقة، قال أهل العلم: ولو قال الله تعالى: ﴿ كُونِي بَرْدًا ﴾، ولم يقُلْ: ﴿ وَسَلَامًا ﴾ [الأنبياء: 69]، لَأهْلَكَتْهُ من البرد؛ لأنها تمتثل أمرَ الله عز وجل.

 

﴿ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ معناه: تقرؤون قراءة بإعادة وتكرير؛ لأن مادة (درس) في كلام العرب تحوم حول معاني التأثُّر من تكرُّر عملٍ يُعمل في أمثاله، فمنه قولهم: "درست الريح رسم الدار"، إذا عَفَتْهُ وأبْلَتْهُ، فهو دارس، يُقال: منزل دارس، والطريق الدارس العافي الذي لا يتبين، وثوب دارس خَلَقٌ، وقالوا: درس الكتاب، إذا قرأه بتمهُّل لحفظه، أو للتدبُّر؛ وفي الحديث: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السَّكِينة...))؛ [أبو داود]، ومنه سُمِّيَ تعليم العلم درسًا.

 

فيكون عندكم للكتاب علمٌ لفظيٌّ وعلم معنوي؛ فالعلم اللفظي يكون بالدراسة، والمعنوي يكون بالعلم والتعليم.

 

أي: بسبب مثابرتكم على تعليم الكتاب ودراسته أي: قراءته، فإنَّ جَعْلَ خبر كان مضارعًا لإفادة الاستمرار المتجدد، وتكرير ﴿ بِمَا كُنْتُمْ ﴾ للإيذان باستقلال كلٍّ من استمرار التعليم، واستمرار القراءة بالفضل وتحصيل الربانية، وتقديم التعليم على الدراسة لزيادة شرفه عليها، أو لأن الخطاب الأول لرؤسائهم، والثاني لمن دونهم، وفي قراءة: (تدرِّسون) من التدريس للناس.

 

قال الضحاك في قوله: ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79]: "حق على من تعلَّم القرآن أن يكون فقيهًا".

 

وتوسيط الاستدراك: ﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79] بين المعطوفين؛ للمسارعة إلى تحقيق الحق ببيان ما يليق بشأنه، ويحق صدوره عنه، إثر تنزيهه عما لا يليق بشأنه، ويمتنع صدوره عنه.

 

﴿ وَلَا يَأْمُرَكُمْ ﴾ التفات من الغيبة إلى الخطاب، ﴿ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ ﴾ من الألوكة، وهي الرسالة؛ قال تعالى: ﴿ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا ﴾ [فاطر: 1]، ﴿ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ﴾ [آل عمران: 80] جمع ربٍّ؛ يعني: أربابًا تُعبَد من دون الله، وتُقصَد من دون الله.

 

﴿ أَيَأْمُرُكُمْ ﴾ الاستفهام للإنكار، ﴿ بِالْكُفْرِ ﴾ الكفر هنا الرِّدَّة عن الإسلام، وهو تصريح في أن المراد بيان انتفاء كلا الأمرين قصدًا، لا بيان انتفاء الأول لانتفاء الثاني.

 

كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى ﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ [الزخرف: 45]، وقال تعالى إخبارًا عن الملائكة: ﴿ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 29].

 

﴿ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 80] يعني: بعد أن تقرر إسلامكم وثبت، فإنه لا يمكن أن يأمركم بالكفر.

 

وكونه بعد كونهم مسلمين أفحشَ وأقبح؛ إذ الأمر بالكفر على كل حال منكر، ومعناه: أنه لا يأمر بكفر لا بعد الإسلام ولا قبله، سواء كان الآمِرُ اللهَ، أم الذي استنبأه الله.

 

وفي هذه الآية دلالة على أن المخاطَبين كانوا مسلمين، ودلالة على أن الكفر ملة واحدة؛ إذ الذين اتخذوا الملائكة أربابًا هم الصابئة وعَبَدَة الأوثان، والذين اتخذوا النبيين أربابًا هم اليهود والنصارى، ومع هذا الاختلاف سمَّى الله الجميع كفرًا.

 

وإذا كان هذا لا يصلح لنبي ولا لمرسل، فلأن لا يصلح لأحد من الناس غيرهم بطريق الأولى والأحرى؛ ولهذا قال الحسن البصري: لا ينبغي هذا لمؤمن أن يأمر الناس بعبادته، قال: وذلك أن القوم كان يعبد بعضهم بعضًا؛ يعني: أهل الكتاب كانوا يتعبدون لأحبارهم ورهبانهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]، وفي المسند، والترمذي أن عَديَّ بن حاتم رضي الله عنه قال: يا رسول الله، ما عبدوهم، قال: ((بلى، إنهم أحَلُّوا لهم الحرام، وحرَّموا عليهم الحلال، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم)).

 

فالجَهَلَةُ من الأحبار والرهبان ومشايخ الضلال يدخلون في هذا الذم والتوبيخ، بخلاف الرسل وأتباعهم من العلماء العاملين، فإنما يأمرون بما أمر الله به وبلغتهم إياه رسله الكرام، إنما ينهَونهم عما نهاهم الله عنه وبلغتهم إياه رسله الكرام، فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هم السُّفَراء بين الله وبين خَلْقِهِ في أداء ما حُمِّلُوه من الرسالة وإبلاغ الأمانة، فقاموا بذلك أتمَّ قيام، ونصحوا الخَلْقَ، وبلغوهم الحقَّ.

 

• وفيه أن من ألزم الناس أو أراد منهم أن يتبعوا قوله، مهما كان، فإنه قد جعلهم عبادًا له؛ لأن طاعة الشخص من العبادة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كونوا ربانيين.. لا مذهبيين ولا طائفين

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع قوله تعالى: (ولكن كونوا ربانيين)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عثمان السبت)
  • ولكن ينزل بقدر ما يشاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخطباء كثر ولكن...(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ولكن بالتحريش بينهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإنترنت عالم مشتت ولكن!(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فيه كل المواصفات ولكن...(استشارة - الاستشارات)
  • تفسير: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 0:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب