• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

وقفات ودروس من سورة البقرة (13)

وقفات ودروس من سورة البقرة (13)
ميسون عبدالرحمن النحلاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/7/2024 ميلادي - 9/1/1446 هجري

الزيارات: 1157

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفات ودروس من سورة البقرة (13)

وقفات مع قلب السورة -7-

مقومات الجهاد، وقصة بني إسرائيل مع طالوت وجالوت وداود

 

تبدأ جزئية الجهاد، التي تختم الجزء الثاني من السورة، بمقدمة من ثلاث آيات، يليها نموذج مفصل من جهاد بني إسرائيل، ممثَّلًا بقصة طالوت وجالوت وداود، نستعرضها جميعًا، ثم نخلُص إلى مقومات الجهاد.

 

المقدمة:

يقول تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 243 - 245].

 

سبحان منزل الكتاب! وردت هذه الآيات في ترابط عجيب مع قصة بني إسرائيل، وطلبهم الجهادَ من نبيهم، تحكي الآيات قصة قريةٍ من قرى بني إسرائيل خرج أهلها منها، وهم ألوف، لما وقع فيها الطاعون؛ فرارًا من الموت، ظنًّا منهم أن هذا الخروج سيُنجيهم من الموت، لكن الله أراد أن يلقِّنهم – ويلقن من بعدهم – درسًا في القضاء والقدر، في مشيئة الله ومشيئة الإنسان، في الموت والبعث، درسًا وأي درسٍ؟

 

﴿ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ﴾ [البقرة: 243]، يحكي سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في شأن هؤلاء: "كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارًا من الطاعون، قالوا: نأتي أرضًا ليس بها موت، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا، قال الله لهم: موتوا، فماتوا، فمرَّ عليهم نبيٌّ من الأنبياء، فدعا ربه أن يحييهم فأحياهم؛ فذلك قوله عز وجل: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾ [البقرة: 243]؛ الآية.

 

يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: "وذكر غير واحد من السلف أن هؤلاء القوم كانوا أهل بلدة في زمان بني إسرائيل، استوخموا أرضهم وأصابهم بها وباء شديد، فخرجوا فرارًا من الموت إلى البرية، فنزلوا واديًا أفيح، فملؤوا ما بين عدوتَيهِ، فأرسل الله إليهم مَلَكَين؛ أحدهما من أسفل الوادي، والآخر من أعلاه، فصاحا بهم صيحة واحدة، فماتوا عن آخرهم موتة رجل واحد، فحِيزوا إلى حظائرَ وبُنِيَ عليهم جدران وقبور، وفنوا وتمزقوا وتفرقوا، فلما كان بعد دهر مرَّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يُقال له: حزقيل، فسأل الله أن يحييهم على يديه، فأجابه إلى ذلك وأمره أن يقول: أيتها العظام البالية، إن الله يأمرك أن تجتمعي، فاجتمع عظام كل جسد بعضها إلى بعض، ثم أمره فنادى: أيتها العظام، إن الله يأمرك بأن تكتسي لحمًا وعصبًا وجلدًا، فكان ذلك، وهو يشاهده، ثم أمره فنادى: أيتها الأرواح، إن الله يأمرك أن ترجع كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره، فقاموا أحياء ينظرون قد أحياهم الله بعد رقدتهم الطويلة، وهم يقولون: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، لا إله إلا أنت، وكان في إحيائهم عِبرةٌ ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة؛ ولهذا قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 243]؛ أي: فيما يريهم من الآيات الباهرة، والحجج القاطعة، والدلالات الدامغة، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 243]؛ أي: لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم في دينهم ودنياهم، وفي هذه القصة عِبرة ودليل على أنه لن يغني حَذَرٌ من قَدَر، وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فإن هؤلاء فرُّوا من الوباء طلبًا لطول الحياة، فعُوملوا بنقيض قصدهم، وجاءهم الموت سريعًا في آن واحد"؛ [انتهى].

 

والعبرة من القصة:

1- أنه لا يمكن لأحدٍ أن يفر من قضاء الله وقدره، فالموت مكتوب على كل نفس في زمانها ومكانها: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34].

 

2- تعرض الآية صورة مصغرة عن يوم البعث، حدثت في الدنيا، كي يرى الناس ويشهدوا أن الله جل في علاه كما هو القادر على الإماتة، قادر على البعث، فهو جل جلاله أماتهم كلهم بصيحة واحدة، وأحياهم جميعًا بأمر واحد.

 

3- وأن فرار هؤلاء من الموت كفِرار الناس من الجهاد في سبيله حذَرَ الموت، فكما أمات الله أولئك الفارين من الموت بسبب البلاء، يُميت هؤلاء الفارين من الجهاد خوفًا من الموت.

 

لذلك جاءت آية القتال فرضًا بعد هذا الدرس وتلك العبرة؛ في قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 244].

 

يقول ابن كثير:

"وقوله: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 244]: أي: كما أن الحذر لا يغني من القدر، كذلك الفرار من الجهاد وتجنُّبه لا يقرِّب أجلًا ولا يباعده، بل الأجل المحتوم والرزق المقسوم مقدَّر مقنَّن، لا يُزاد فيه ولا يُنقص منه؛ كما قال تعالى في سورة آل عمران 168: ﴿ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آل عمران: 168]، وقال تعالى في سورة النساء 77، 78: ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 77، 78]، ورُوينا عن أمير الجيوش، ومقدَّم العساكر، وحامي حَوزةِ الإسلام، وسيف الله المسلول على أعدائه أبي سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه، أنه قال وهو في سياق الموت: لقد شهدت كذا وكذا موقفًا، وما من عضو من أعضائي إلا وفيه رمية أو طعنة أو ضربة، وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء؛ يعني: أنه يتألم لكونه ما مات قتيلًا في الحرب، ويتأسف على ذلك، ويتألم أن يموت على فراشه"؛ [انتهى].

 

ثم يأتي السياق على آية الإنفاق:

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245].

 

وللمرة الثانية في هذه السورة تأتي آية الإنفاق مرتبطة بالجهاد، والقبض والبسط بيد الله، سواء في الأنفس أو في المال، فلا يظنَّنَّ أحدٌ أن البخل بالنفس يَقِيه من الموت، أو أن البخل بالمال يحفظه من أمر الله، إن سلَّط جنوده على هلاك ذلك المال، وجنود الله لا يعلمها إلا هو.

 

يقول السعدي في تفسير الآية: "ولما كان القتال في سبيل الله لا يتم إلا بالنفقة وبذل الأموال في ذلك، أمر تعالى بالإنفاق في سبيله ورغَّب فيه، وسمَّاه قرضًا، فقال: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾ [البقرة: 245]، فينفق ما تيسَّر من أمواله في طرق الخيرات، خصوصًا في الجهاد، والحسن هو الحلال المقصود به وجهُ الله تعالى، ﴿ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245] الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، بحسب حالة المنفق، ونيته ونفع نفقته والحاجة إليها، ولما كان الإنسان ربما توهَّم أنه إذا أنفق، افتقر، دفع تعالى هذا الوهم بقوله: ﴿ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ﴾ [البقرة: 245]؛ أي: يوسع الرزق على من يشاء، ويقبضه عمن يشاء، فالتصرف كله بيديه، ومدار الأمور راجع إليه، فالإمساك لا يبسط الرزق، والإنفاق لا يقبضه، ومع ذلك فالإنفاق غير ضائع على أهله، بل لهم يوم يجدون ما قدموه كاملًا موفرًا مضاعفًا؛ فلهذا قال: ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245]، فيجازيكم بأعمالكم"؛ [انتهى].

 

قصة جهاد بني إسرائيل... طالوت وجالوت وداود:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 246].

 

"والملأ: الأشراف من الناس، كأنهم ممتلئون شرفًا، وقال الزجاج: سُمُّوا بذلك لأنهم ممتلئون مما يحتاجون إليه منهم، والملأ في هذه الآية القوم؛ لأن المعنى يقتضيه، والملأ: اسم للجمع كالقوم والرهط، والملأ أيضًا: حُسن الخُلُق، ومنه الحديث: ((أحسنوا الملأ؛ فكلُّكم سيُروى))؛ [أخرجه مسلم]"؛ [الكلام للقرطبي].

 

والنبي هنا هو شمويل عليه السلام على قول مجاهد، أوحى الله إليه، وأمره بالدعوة إليه وتوحيده، فدعا بني إسرائيل، فطلبوا منه أن يقيم لهم مَلِكًا يقاتلون معه أعداءهم، وكان الْمُلْكُ أيضًا قد باد فيهم، فقال لهم النبي: فهل عسيتم إن أقام الله لكم ملكًا ألَّا تَفُوا بما التزمتم من القتال؟ ﴿ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ﴾ [البقرة: 246]؛ أي: وقد أُخذت منا البلاد، وسُبِيَت الأولاد؟ قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 246]؛ أي: ما وفوا بما وعدوا، بل نكل عن الجهاد أكثرهم، والله عليم بهم.

 

وبعث الله الملِك، ولكن...

 

﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 247].

 

المماحكة والاعتراض والجرأة على الخالق صفاتٌ متأصلة في بني إسرائيل؛ إذ كيف لهم أن يَرضَوا بسهولة بما اختاره الله لهم ملِكًا؟! هم يريدون ملِكًا مفصَّلًا على أهوائهم هم، يتوافق مع مقاييسهم التي وضعوها للمُلك والقيادة، كأن يكون منهم – أي: من الملأ عِلية القوم - وأن يكون ثريًّا؛ أي: أن يكون ذا مال وجاه، ﴿ قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ﴾ [البقرة: 247]؟!

 

وهنا أوضَحَ لهم نبيُّهم أن مقاييسهم الدنيوية الفاشلة ليست هي المقاييس التي يُفلح معها قادة الجهاد، بل مقاييس ربِّ العباد هي التي تضمن النصر والغلبة على العدو: ﴿ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 247].

 

أولًا هو مصطفًى من رب العباد، فليس لكم من الأمر شيء، فالله أعلم به منكم، ثم إن الله وهَبَه الخَصلتين المطلوبتين لقيادة الجهاد؛ قوة العلم، وقوة الجسم: ﴿ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ﴾ [البقرة: 247]، وقد تقدَّمت قوة العلم على قوة الجسم؛ ما يفيد أن قوة الجسم دون علم لا تفيد شيئًا.

 

يقول ابن كثير في تفسير الآية:

"لما طلبوا من نبيهم أن يُعيِّنَ لهم ملِكًا منهم، فعيَّن لهم طالوت وكان رجلًا من أجنادهم، ولم يكن من بيت الْمُلك فيهم؛ لأن الْمُلك فيهم كان في سبط يهوذا، ولم يكن هذا من ذلك السبط، فلهذا قالوا: ﴿ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا ﴾ [البقرة: 247]؛ أي: كيف يكون ملِكًا علينا، ﴿ وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ﴾ [البقرة: 247]؛ أي: ثم هو مع هذا فقير لا مال له يقوم بالملك، وقد ذكر بعضهم أنه كان سقَّاء، وقيل: دبَّاغًا، وهذا اعتراض منهم على نبيهم وتعنُّت، وكان الأَولَى بهم طاعة وقول معروف؛ ثم قد أجابهم النبي قائلًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 247]؛ أي: اختاره لكم من بينكم، والله أعلم به منكم، يقول: لستُ أنا الذي عيَّنته من تلقاء نفسي، بل الله أمرني به لمَّا طلبتم مني ذلك، ﴿ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ﴾ [البقرة: 247]؛ أي: وهو مع هذا أعلم منكم، وأنبل وأشكل منكم، وأشد قوة وصبرًا في الحرب ومعرفة بها؛ أي: أتم علمًا وقامة منكم، ومن ها هنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم وشكل حسن، وقوة شديدة في بدنه ونفسه، ثم قال: ﴿ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 247]؛ أي: هو الحاكم الذي ما شاء فَعَلَ، ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون؛ لعلمه وحكمته ورأفته بخلقه؛ ولهذا قال: ﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 247]؛ أي: هو واسع الفضل يختص برحمته من يشاء، عليم بمن يستحق الملك ممن لا يستحقه"؛ [انتهى].

 

لكن القوم تمادَوا في اعتراضهم، فقدَّم الله عز وجل لهم آية أخرى قاطعة على ملكه؛ وهي التابوت:

﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 248].

 

رُوِيَ عن ابن مسعود، وابن عباس: أنهم قالوا لنبيهم: إن كنت صادقًا، فأتِنا بآية تدل على أنه ملِكٌ، فقال لهم: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 248].

 

قال ابن كثير في تفسيره:

"يقول نبيهم لهم: إن علامة بركة مُلْكِ طالوتَ عليكم أن يرُدَّ الله عليكم التابوت الذي كان أُخِذَ منكم، ﴿ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 248]، قيل: معناه فيه وقار، وجلالة، قال عبدالرزاق عن معمر عن قتادة ﴿ فِيهِ سَكِينَةٌ ﴾ [البقرة: 248]؛ أي: وقار، وقال الربيع: رحمة، وكذا رُوِيَ عن العوفي عن ابن عباس، وقال ابن جريج: سألت عطاء عن قوله: ﴿ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 248] قال: ما يعرفون من آيات الله فيسكنون إليه، وقوله: ﴿ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ ﴾ [البقرة: 248]، قال ابن جرير: أخبرنا ابن المثنى، حدثنا أبو الوليد، حدثنا حماد، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس في هذه الآية: ﴿ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ ﴾ [البقرة: 248]؛ قال: عصاه ورُضاض الألواح، وكذا قال قتادة، والسدي، والربيع بن أنس، وعكرمة، وزاد: والتوراة، وقال أبو صالح ﴿ وَبَقِيَّةٌ ﴾؛ يعني: عصا موسى، وعصا هارون، ولوحين من التوراة والْمَنَّ.

 

وقوله: ﴿ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ [البقرة: 248]؛ قال ابن جريج: قال ابن عباس: جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي طالوت، والناس ينظرون، وقال السدي: أصبح التابوت في دار طالوت فآمنوا بنبوة شمعون، وأطاعوا طالوت"؛ [انتهى، ابن كثير].

 

بنو إسرائيل يواجهون الاختبار الإلهي:

قبِل القوم بطالوت ملِكًا بعد أن أصبح التابوت بين أيديهم، وخرجوا معه ليواجهوا جالوت، لكن الله عز وجل أدرى بخلقه، وأعلم بمن يصلح للخروج إلى الجهاد ومن لا يصلح، فما كان إلا أن واجههم باختبار جديد؛ يمتحن عز وجل فيه مدى طاعتهم، وانسياقهم لأوامر القائد، فإن كانوا يماحكون بأوامر الله، فكيف بهم بأوامر قائدٍ قبِلوا به ملِكًا على مَضَضٍ؟ ناهيك عن أن معركة بجنود لا يأبهون للأوامر مصيرها الخسارة قبل أن تبدأ.

 

﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249].

 

قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ ﴾ [البقرة: 249]، ﴿ فَصَلَ ﴾ معناه: خرج بهم، فقال لهم طالوت: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ﴾ [البقرة: 249]، وكان عدد الجنود - في قول السدي - ثمانين ألفًا، وقال وهب: لم يتخلف عنه إلا ذو عذر من صغر أو كِبَرٍ أو مرض، والابتلاء: الاختبار.

 

"يقول تعالى مخبرًا عن طالوت ملك بني إسرائيل حين خرج في جنوده ومن أطاعه من ملأ بني إسرائيل، وكان جيشه يومئذٍ - فيما ذكره السدي - ثمانين ألفًا، فالله أعلم، أنه قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ﴾ [البقرة: 249]، قال ابن عباس وغيره: وهو نهر بين الأردن وفلسطين؛ يعني: نهر الشريعة المشهور، ﴿ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ﴾ [البقرة: 249]؛ أي: فلا يصحبني اليوم في هذا الوجه، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ﴾ [البقرة: 249]؛ أي: فلا بأس عليه؛ قال الله تعالى: ﴿ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 249]؛ قال ابن جريج: قال ابن عباس: من اغترف منه بيده رَوِيَ، ومن شرِب منه لم يَرْوَ، وكذا رواه السدي عن أبي مالك، عن ابن عباس، وكذا قال قتادة وابن شوذب، وقال السدي: كان الجيش ثمانين ألفًا، فشرِب ستة وسبعون ألفًا، وتبقى معه أربعة آلاف، كذا قال.

 

وروى البخاري عن عبدالله بن رجاء، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق عن البراء قال: "كنا - أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم - نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت، الذين جازوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمنٌ؛ بضعة عشر وثلاثمائة".

 

لهذا قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ﴾ [البقرة: 249]؛ أي: استقلُّوا أنفسهم عن لقاء عدوهم؛ لكثرتهم فشجعهم علماؤهم، وهم العالمون بأن وعد الله حقٌّ؛ فإن النصر من عند الله، ليس عن كثرة عَدَدٍ ولا عُدَدٍ؛ ولهذا قالوا: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]؛ [ابن كثير].

 

القلة المؤمنة في مواجهة جيش جالوت:

لم يبقَ مع طالوت إلا تلك القلة المؤمنة، التي تمثَّلت اليقين بملاقاة الله، وفاض به قلبها، فكانت أقدمَ على القتال، تدفعها الثقة بنصر ربها، وقوة التوكل عليه، فكان نكرانها لمقياس الخلق في القلة والكثرة، وانعقد قلبها على مقياس رب الخلائق: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]، فكان زادهم الصبر!

 

﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 250، 251].

 

ثم لما واجه حزب الإيمان - وهم قليل من أصحاب طالوت - لعدوِّهم أصحاب جالوت - وهم عدد كثير - ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ﴾ [البقرة: 250]؛ أي: أنزِل علينا صبرًا من عندك، ﴿ وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ﴾ [البقرة: 250]؛ أي: في لقاء الأعداء، وجنِّبنا الفِرار والعجز، ﴿ وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 250]، قال الله تعالى: ﴿ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 251]؛ أي: غلبوهم وقهروهم بنصر الله لهم، ﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ ﴾ [البقرة: 251]، ذكروا في الإسرائيليات: أنه قتله بمِقلاع كان في يده، رماه به فأصابه فقتله، وكان طالوت قد وعده: إن قتل جالوت أن يزوِّجه ابنته، ويُشاطره نعمته، ويُشركه في أمره، فوفَّى له، ثم آل الملك إلى داود عليه السلام، مع ما منحه الله به من النبوة العظيمة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ﴾ [البقرة: 251] الذي كان بيد طالوت، ﴿ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [البقرة: 251]؛ أي: النبوة بعد شمويل.

 

﴿ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 251]؛ أي: مما يشاء الله من العلم الذي اختصه به صلى الله عليه وسلم؛ ثم قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ [البقرة: 251]؛ أي: لولاه يدفع عن قوم بآخرين، كما دفع عن بني إسرائيل بمقاتلة طالوت وشجاعة داود، لهلكوا؛ كما قال في سورة الحج آية 40: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ [الحج: 40].

 

وقوله: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251]؛ أي: منٍّ عليهم ورحمة بهم، يدفع عنهم ببعضهم بعضًا، وله الحُكم والحِكمة والحُجَّة على خَلْقِهِ في جميع أفعاله وأقواله؛ [تفسير ابن كثير].

 

 

مقومات القتال، وشروط النصر كما نستخلصها من قصة الملأ من بني إسرائيل ونبيهم طالوت:

1- الإيمان بأن الموت مكتوب بالزمان والمكان، والظرف والسبب، فلا يظنن أحدٌ أن إقباله على الجهاد، أو إدباره منه، هو السبب في نجاته أو موته، أرشدنا المولى إلى هذه الحقيقة بمَثَلِ القوم الذين خرجوا من ديارهم فرارًا من الموت، فأوقع الله بهم الموت في المكان الذي اعتصموا به منه.

 

2- الانفاق والجود بالمال والنفس من مقومات الجهاد، والله عز وجل هو القابض الباسط، ومن أكبر الأوهام التي يعيشها الإنسان وَهْمُ الإنفاق، والإحجام عن الانفاق مَظِنَّةَ الفقر والغِنى.

 

3- القتال ليس ادعاء ولا أمنية يتمنَّاها المؤمن، ولكنه عزيمة يصدِّقها الفعل، مثال ذلك بنو إسرائيل أرادوا الجهاد وتمنَّوه، وسألوا نبيَّهم أن يُؤمِّر عليهم ملِكًا ليقاتلوا تحت رايته، فلما تحققت أسباب القتال واكتملت، جبُنوا ونكَصوا وتراجعوا عن وعدهم: ﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 246].

 

4- مقومات الملك والقيادة العسكرية لا علاقة لها بالحسب والنسب والغِنى والسيادة، مقياسها الإلهي القوةُ في العلم أولًا، وفي الجسم ثانيًا؛ كما في قوله تعالى: ﴿ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 247]، وفي النهاية هو فضل من الله يؤتيه من يشاء.

 

5- الابتلاء: في الخروج لملاقاة الأعداء ابتلاءات، مثَّلها الله لنا في قصة بني إسرائيل بابتلاء العطش مع وجود الماء، وبدا أنه لا يصبر عليها إلا قليل؛ ﴿ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 249]، وكما قال القرطبي في هذا الابتلاء: "ومعنى هذا الابتلاء أنه اختبار لهم، فمن ظهرت طاعته في ترك الماء، عُلِم أنه مطيع فيما عدا ذلك، ومن غلبته شهوته في الماء وعصى الأمر، فهو في العصيان في الشدائد أحرى، فرُوِيَ أنهم أتَوا النهر، وقد نالهم عطش وهو في غاية العذوبة والحسن، فلذلك رخص للمطيعين في الغَرفة؛ ليرتفع عنهم أذى العطش بعض الارتفاع، وليكسِروا نزاع النفس في هذه الحال، وبيَّن أن الغرفة كافية ضررَ العطش عند الحزمة الصابرين على شَظَفِ العيش، الذين همُّهم في غير الرفاهية؛ كما قال عروة: واحسوا قراح الماء والماء بارد، ﴿ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 249]؛ قال ابن عباس: شربوا على قدرِ يقينِهم، فشرب الكفار شُرب الهيم، وشرب العاصون دون ذلك، وانصرف من القوم ستة وسبعون ألفًا، وبقِيَ بعض المؤمنين لم يشرب شيئًا، وأخذ بعضهم الغَرفة، فأما من شرب فلم يَرْوَ، بل برَّح به العطش، وأما من ترك الماء، فحسنت حاله، وكان أجْلَدَ ممن أخذ الغَرفة"؛ [انتهى، القرطبي].

 

6- معادلة القلة والكثرة: الوهم الذي يزيِّنه الشيطان للمؤمنين دائمًا عند ملاقاة العدوِّ، أنتم قليل وهم كثير، فأنَّى لكم النصر: ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ﴾ [البقرة: 249].

 

7- القاعدة الذهبية في القتال يعقِلها الراسخون في العلم: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]، والمؤمنون بهذه القاعدة المرسِّخون لها هم ذوو الإيمان الراسخ، واليقين المتجذِّر بنصر الله، هؤلاء هم ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ ﴾ [البقرة: 249]، المستيقنون بهذا اللقاء قولًا وعملًا، الذين يبصرون موازين الأرض والسماء ببصيرتهم لا بأبصارهم، الذين أخلصوا النية، وتوكلوا على الله، أولئك ينطقهم الله بالحكمة: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249].

 

يقول القرطبي في تفسيره:

"قوله تعالى: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 249] الفئة: الجماعة من الناس، والقطعة منهم، وفي قولهم رضي الله عنهم ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ ﴾ [البقرة: 249]؛ الآية، تحريض على القتال، واستشعار للصبر، واقتداء بمن صدق ربه، قلت (والقول للقرطبي): هكذا يجب علينا نحن أن نفعل؟ لكن الأعمال القبيحة، والنيات الفاسدة منعت من ذلك، حتى ينكسر العدد الكبير منا قُدَّام اليسير من العدوِّ كما شاهدناه غير مرة، وذلك بما كسبت أيدينا، وفي البخاري: قال أبو الدرداء: إنما تقاتلون بأعمالكم، وفيه مسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((هل تُرزَقون وتُنصَرون إلا بضعفائكم))، فالأعمال فاسدة، والضعفاء مهملون، والصبر قليل، والاعتماد ضعيف، والتقوى زائلة؛ قال الله تعالى: ﴿ اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [آل عمران: 200]، وقال: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا ﴾ [المائدة: 23]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]، وقال: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾ [الحج: 40]، وقال: ﴿ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45]، فهذه أسباب النصر وشروطه، وهي معدومة عندنا غير موجودة فينا، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أصابنا، وحلَّ بنا، بل لم يبقَ من الإسلام إلا ذِكْرُه، ولا من الدين إلا رسمه؛ لظهور الفساد، ولكثرة الطغيان، وقلة الرشاد، حتى استولى العدو شرقًا وغربًا، برًّا وبحرًا، وعمَّت الفتن، وعظُمت المحن، ولا عاصم إلا من رحم"، فإن كان هذا قول الإمام القرطبي في القرن السابع الهجري، فما عسانا نقول اليوم؟ ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

8- اليقين والصبر: اليقين يمد المؤمن بالصبر، فكلما ازداد يقين المؤمن بالله، كان للصبر منه نصيب، ومن ثَمَّ بات في معية الله: ﴿ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249].

 

9- الدعاء: عندما وجدت القلة المؤمنة نفسها أمام جيش طالوت الجرَّار، توجَّهت بالدعاء إلى الله تعالى بثلاث دعوات: الصبر والتثبيت والنصر: ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 250]، دعَوا ربهم وهم مقبلون بنية خالصة، أن لا رجعة عن لقاء العدو، ولم يقدموا وهم في ريب يترددون، عين في الدنيا وعين على الآخرة، فهذه النظرة لا تصلح مطلقًا في ساحة القتال؛ يقول القرطبي في تفسيره: "ولما رأى المؤمنون كثرة عدوهم، تضرعوا إلى ربهم، وهذا كقوله: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ﴾ [آل عمران: 146] إلى قوله: ﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ﴾ [آل عمران: 147]؛ الآية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقِيَ العدو يقول في القتال: ((اللهم بك أصول وأجول))، وكان صلى الله عليه وسلم يقول إذا لقِيَ العدو: ((اللهم إني أعوذ بك من شرورهم، وأجعلك في نحورهم))، ودعا يوم بدر حتى سقط رداؤه عن مَنْكِبيه؛ يستنجز الله وعده"؛ [انتهى].

 

10- النصر: ومع استيفاء المؤمنين شروط النصر، أمدهم الله به: ﴿ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ ﴾ [البقرة: 251]، أنفذ الله وعده للمؤمنين بطريقة لم تكن تخطر لهم على بال، ولا هي في موازين العقل البشري ممكنة أو كائنة، فقد كان مقتل قائد جيوش العماليق على يد داود عليه السلام، وهو يومئذٍ صغير السن صغير الحجم، لا يُؤبَهُ له، وإمعانًا في تلقين البشرية درس "موازين البشر وموازين رب البشر"، كان موت العملاق بحجر رماه به داود من مقلاعه فحسب!

 

والعبرة هنا: لا تنصب نفسك مدبِّرًا لأمور الكون، إنما عليك اتخاذ الأسباب ودَعِ الأمر لله.

 

11- التمكين: ﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 251].

 

12- الحكمة الإلهية في فرض قتال الكافرين الدفعُ، معادلة دفع الباطل بالحق: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251].

 

قال ابن عباس: ولولا دفع الله العدو بجنود المسلمين، لَغَلَبَ المشركون، فقتلوا المؤمنين، وخربوا البلاد والمساجد، وقال سفيان الثوري: هم الشهود الذين تُستخرَج بهم الحقوق.

 

قال السعدي: "لولا أنه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيدَ الفُجَّار، وتكالب الكفار، لفسدت الأرض باستيلاء الكفار عليها، وإقامتهم شعائر الكفر، ومنعهم عبادَ الله من عبادة الله تعالى، وإظهار دينه؛ ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251]؛ حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم، والمدافعة عنهم، ومكَّنهم من الأرض بأسباب يعلمونها، وأسباب لا يعلمونها".

 

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

وهكذا انتهت قصة قتال بني إسرائيل بتمكين داود ملكًا نبيًّا، فجاء التعقيب عليها خطابًا للنبي بأنها من الآيات الحق، التي يتلوها الله عز وجل عليه في تأكيد على أنه رسول في كوكبة إخوانه من المرسلين؛ ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [البقرة: 252].

 

لماذا كان الاقتتال في البشرية؟


سنة الله في تفضيل الرسل واختلاف ذراريهم واقتتالهم.

 

ثم تأتي الآية التالية في نفس السياق، يتصدرها تفضيل الأنبياء بعضهم على بعض، مع تخصيص موسى وعيسى، في موافقة للسياق الذي سبق عن بني إسرائيل، في قصة داود وطالوت؛ يقول تعالى: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ [البقرة: 253].

 

فلماذا كان الاقتتال في البشرية؟

 

الاقتتال مشيئة إلهية ماضية في البشرية، أصلها العداوة التي نزلت مع آدم وإبليس: ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [الأعراف: 24]، ومحورها الحق والباطل، والخير والشر.

 

• وهذا الاقتتال ما كان إلا بعدما وقع الاختلاف.

 

• وهذا الاختلاف ما وقع إلا بعدما جاءتهم البينات: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ [البقرة: 253]، ومثال ذلك ما قصَّتْهُ علينا الآيات في قصة طالوت وجالوت.

 

• أما سبب الاختلاف الموجِب للاقتتال، فهو الإيمان والكفر: ﴿ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ [البقرة: 253].

 

قال القرطبي: "إنما اختلف الناس بعد كل نبيٍّ؛ فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، بغيًا وحسدًا، وعلى حطام الدنيا، وذلك كله بقضاء وقدر وإرادة من الله تعالى، ولو شاء خلاف ذلك، لكان، ولكنه المستأثر بسرِّ الحكمة في ذلك، الفعَّال لما يريد"؛ [انتهى].

 

ومرة أخرى تأتي آية الإنفاق مشفوعة بآية القتال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254].

 

يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: "قال الحسن: هي الزكاة المفروضة، وقال ابن جريج وسعيد بن جبير: هذه الآية تجمع الزكاة المفروضة والتطوع، قال ابن عطية: وهذا صحيح، ولكن ما تقدم من الآيات في ذكر القتال، وأن الله يدفع بالمؤمنين في صدور الكافرين يترجَّح منه أن هذا الندب إنما هو في سبيل الله، ويقوِّي ذلك في آخر الآية قوله: ﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254]؛ أي: فكافحوهم بالقتال بالأنفس وإنفاق الأموال، قلت (والكلام للقرطبي): وعلى هذا التأويل يكون إنفاق الأموال مرة واجبًا، ومرة ندبًا، بحسب تعيُّن الجهاد وعدم تعينه، وأمَرَ تعالى عباده بالإنفاق مما رزقهم الله، وأنعم به عليهم، وحذَّرهم من الإمساك إلى أن يجيء يومٌ لا يمكن فيه بيع ولا شراء ولا استدراك نفقة؛ كما قال: ﴿ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ ﴾ [المنافقون: 10]، والخُلَّة: خالص المودة، مأخوذة من تخلُّل الأسرار بين الصديقين، والخَلالة والخُلالة والخِلالة: الصداقة والمودة؛ [انتهى].

 

﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254]، ولا ظالم أظلم ممن وافى الله يومئذٍ كافرًا.

 

اللهم أحْيِنا على التوحيد، وأمِتْنا عليه واحشرنا عليه، وأدخلنا الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم آمين.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

يتبع بإذن الله...

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات ودروس من سورة البقرة (6)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (7)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (8)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (9)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (10)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (11)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (12)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (14)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (15)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (16) والأخيرة

مختارات من الشبكة

  • وقفات ودروس من سورة البقرة (5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العام الهجري الجديد وقفات ودروس(مقالة - ملفات خاصة)
  • عاشوراء .. وقفات ودروس!(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (9)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب