• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أحكام المغالبات
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    تفسير: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: الاستطابة
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    ثمرات الإيمان بالقدر
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    العشر وصلت... مستعد للتغيير؟
    محمد أبو عطية
  •  
    قصة موسى وملك الموت (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشاكر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (12)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

غاية المرام في بيان حال الخضر عليه السلام

غاية المرام في بيان حال الخضر عليه السلام
د. جابر القصاص

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/6/2024 ميلادي - 18/12/1445 هجري

الزيارات: 2409

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

غاية المرام في بيان حال الخضر عليه السلام

 

الحمد لله، برحمته اهتدى المُهتدون، وبعدله وحكمته ضلَّ الضالُّونَ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يُسألُ عمَّا يفعلُ وهم يُسألونَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله، ترَكَنا على المحجَّة البيضاء، لا يزيغُ عنها إلَّا أهلُ الأهواء والظُّنون، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله وأصحابِه وأتباعِه بإحسانٍ إلى يوم لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنونَ، إلَّا مَن أتى اللهَ بقلب سليم، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أحبتي في الله، إن مما قص علينا المولى تبارك وتعالى في كتابه الحكيم في سورة الكهف قصة عبده الخضر عليه السلام، ابتداء من قوله جل شأنه: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ [الكهف: 60]، إلى قوله عز من قال: ﴿ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82].

 

وقد مرت هذه القصة على خير القرون فلم يفتتن بها أحد، ولم يزغ بها عن الطريق القويم إنسان، حتى خلف من بعد هذه الخلوف خلف اتبعوا الشبهات وحادوا عن الجادة، فاتخذوها ذريعة لمعتقدات فاسدة ما أنزل بها من سلطان، فمنهم من قال بسقوط التكليف عن خواص الناس من أولياء الله الصالحين، وزعموا أنهم لا تجري عليهم أحكام الشريعة، استنادًا إلى أن الخضر عليه السلام قتل غلامًا ولم يؤاخذ بهذا الجرم، ومنهم من زعم أن الأولياء أعلى مقامًا من الأنبياء بزعم أن الأنبياء يتلقون العلم عن ربهم بواسطة الوحي، أما الأولياء فإنهم يتلقون بغير واسطة عن طريق الكشف الرباني، أو العلم اللدني الذي يقذف في قلوبهم بغير واسطة، ومنهم من قسم الدين إلى حقيقة وشريعة، وزعموا أن الشريعة تخص أهل الظاهر وعامة الناس، أما الحقيقة فقد استأثر بها خواصهم، وغير ذلك من الاعتقادات الفاسدة الكاسدة، فوجب أن نتصدى لهذه الشبهات ونبين حقيقتها للناس كي لا يفتتن بها من قلَّ نصيبه من العلم، ومعذرة إلى ربهم ولعلهم يتقون.

 

وبداية: نوضح نقاط الخلاف في شأن الخضر عليه السلام، وتتلخص في مسألتين:

الأولى: هل هو نبي أم وليٌّ؟

والثانية: هل مات؟ أم لم يزل حيًّا حتى اليوم؟

 

وقبل أن نتكلم في هذا الخلاف، ونذكر الصواب فيه، ونرد على شبهات المخالفين، علينا أن نوضِّح ما يلي:

إن هذا الخلاف في أصله ليس بالخطر، أو المؤثر على عقيدتنا كمسلمين، لكن خطورته تكمن فيما بناه عليه الخلوف الزائغة من عقائد فاسدة ومنحرفة، رَوجوا بها للانسلاخ من أحكام الشريعة الإسلامية، كما اغتنم الدجالون منهم الفرصة لادعاء "الولاية" بالمفهوم الصوفي، فادعوا لقاء الخضر عليه السلام، والتلقي منه، حتى انتهوا إلى تلك العقائد الفاسدة الكاسدة التي نوهنا إليها آنفًا، إذن فالخلاف في هذه المسألة- في أصله - ليس بالخطر، لكن الخطورة فيما ترتب عليه من عقائد زائغة، نسأل الله السلامة والعافية.

 

ومن ثمَّ فلا يقدح في عدالة ولا جلالة قدر الإمام أبي عبدالله القرطبي وغيره من علماء المسلمين، ممن مال إلى القول بحياة الخضر عليه السلام إلى اليوم، رغم مخالفتنا إياه في هذا؛ لأنه هو الذي قرر في ذات الوقت أن أحكام الشريعة لا تعلم إلا بواسطة رسل الله جل وعلا، السفراء بينه وبين خلقه، وهم المبلغون عنه رسالته وكلامه، المبينون شرائعه وأحكامه، اختارهم لذلك، وخصهم بما هنالك، وأنه لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه، ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل، فمن قال: إن هناك طريقًا آخر يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل، بحيث يستغنى عن الرسل، فهو كافر يقتل ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب، وكذلك قرر أن من ادعى أن للأولياء أحكامًا تخصهم دون سائر الناس هو بمثابة إثبات أنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله، فلا نبي بعده ولا رسول. وبيان ذلك: أن من قال: يأخذ عن قلبه، وأن ما يقع فيه هو حكم الله تعالى، وأنه يعمل بمقتضاه، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة، فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة، فإن هذا نحو ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس نفث في روعي"[1][2].

 

هذا كلام الإمام القرطبي، وبعضه منقول عن شيخه أبي العباس، رحمة الله عليهما، وجزاهما الله خير الجزاء، نقلناه بطوله، لنقرر أن الخلاف في هذه المسألة ليس مستقبحًا ولا مستنكرًا في أصله، وأن القول بأن الخضر عليه السلام كان وليًّا، وأنه لم يزل حيًّا، رغم عدم رجاحته، إلا أنه قول معتبر ما لم يترتب عليه تسويغ الانسلاخ من أحكام الشريعة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة، والاعتماد على الإلهام، وما يقع في الروع من خطرات، كمصدر للتشريع، فهذا كفر شنيع، ونحن نتصدى لهذا بكل طاقتنا، والله الموفق والمستعان.

 

وهذا الذي نقلناه عن القرطبي وشيخه أبي العباس يتناقض تمامًا مع ما نقله عبدالوهاب الشعراني وعزاه لابن عربي، حيث قال: "اعلم يا أخي- وفقنا الله وإياك- أن الرجل لا يكمل عندنا في مقام العلم، حتى يكون علمه عن الله عز وجل بلا واسطة من نقل، أو شيخ، فإن من كان علمه مستفادًا من نقل، أو شيخ، فما برح عن الأخذ عن المحدثات، وذلك معلول عند أهل الله عز وجل، ومن قطع عمره في معرفة المحدثات وتفاصيلها، فاته حظه من ربه عز وجل؛ لأن العلوم المتعلقة بالمحدثات يفني الرجل عمره فيها، ولا يبلغ إلى حقيقتها، ولو أنك يا أخي سلكت على يد شيخ من أهل الله عز وجل، لأوصلك إلى حضرة شهود الحق تعالى، فتأخذ عنه العلم بالأمور من طريق الإلهام الصحيح، من غير تعب ولا نصب، ولا سهر، كما أخذه الخضر عليه السلام، فلا علم إلا ما كان عن كشف وشهود، لا عن نظر، وفكر، وظن، وتخمين"[3].

 

وأيضًا ما نقله صالح الجعفري في بعض كتبه عن شيخه أحمد بن إدريس قال: "اجتمعت بالنبي صلى الله عليه وسلم اجتماعًا صوريًّا، ومعه الخضر عليه السلام، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الخضر أن يلقنني أذكار الطريقة الشاذلية، فلقنني إياها بحضرته، ثم قال بعد ذلك: "ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للخضر: يا خضر، لقنه ما كان جامعًا لسائر الأذكار، والصلوات، والاستغفار"[4].

 

وأقول: وأذكار الطريقة الشاذلية هذه أليست من العبادات؟ فمتى أوحيت للنبي صلى الله عليه وسلم؟ إن كانت أوحيت إليه في حياته، فكيف كتمها، والله تعالى حذره من ذلك فقال: ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [المائدة: 67]؟ وإن كانت أوحيت إليه بعد وفاته، فمقتضاه أن الشريعة لم تكتمل، والوحي لم ينقطع، وهذا أفسد ما يمكن أن يقال في حق هذا الدين الحنيف، نسأل الله العافية.

 

ثم أيهما أولى: أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الخضر عليه السلام إلى ابن إدريس ليلقنه الأذكار والصلوات، أم أن يأتي للأمة ويلقنها الصواب فيما اختلفوا فيه، وما يخمد ما دب فيها من الفتن؟

 

أي إننا أمام طائفتين من المخالفين، يقولون بولاية الخضر عليه السلام وبقائه إلى اليوم: طائفة من أهل العلم صحيحة الاعتقاد، تؤمن بأنه لا شرع إلا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من ابتداء بعثته حتى وفاته، وهو ما يسري على الأمة حتى قيام الساعة، وطائفة أخرى زائغة عن الصراط، تجعل الخضر عليه السلام مصدرًا من مصادر التلقي، ويرسمون له صورة تخالف ما عليه أهل السنة، فهم يضعون الخضر عليه السلام بالنسبة للأولياء موضع جبريل عليه السلام بالنسبة للأنبياء.

 

وهذه التفرقة بين الطائفتين مهمة جدًّا؛ لأننا نقبل الاختلاف مع الأولى، لكن لن نقبله من الثانية، وسوف نتشدد مع الثانية على نحو لن نفعله مع الأولى؛ لأننا- مع الطائفة الثانية - بصدد هدم عقائد زائغة منحرفة، تهدم قواعد هذا الدين، وتنقض أصوله، فوجب التصدي لهم، وكشف شبهاتهم، ونقض أباطيلهم.

 

ثانيًا: وأما بخصوص نقطة الخلاف الأولى: هل كان الخضر نبيًّا أم وليًّا؟ فالذي عليه جمهور أهل العلم: أنه نبي، قال الرازي في تفسيره (21/ 481): "قال الأكثرون: إن ذلك العبد كان نبيًّا"، ثم دلل عليه بوجوه سنذكرها قريبًا بإذن الله.

 

وقال القرطبي (11/ 16): "والخضر نبي عند الجمهور".

وكذلك قال أبو حيان في تفسيره (7/ 204): "والجمهور على أن الخضر نبي".

 

وقال ابن عطية (3/ 529): "والخضر نبي عند الجمهور، وقيل: هو عبد صالح غير نبي، والآية تشهد بنبوته؛ لأن بواطن أفعاله هل كانت إلا بوحي الله".

 

وقال الحافظ: "وذهب إلى أنه كان وليًّا، جماعة من الصوفية، وقال به أبو علي بن أبي موسى من الحنابلة، وأبو بكر بن الأنباري في كتابه (الزاهر)، بعد أن حكى عن العلماء قولين: هل كان نبيًّا أو وليًّا؟ وقال أبو القاسم القشيري في رسالته: لم يكن الخضر نبيًّا، وإنما كان وليًّا"[5].

 

قلت: والقول بنبوَّته هو الراجح، على ما فصله الرازي، وابن كثير، وابن الجوزي، وابن حجر، رحمة الله عليهم جميعًا، والأدلة عليه ظاهرة وقاهرة، فمنها:

- قوله تعالى في شأن الخضر عليه السلام: ﴿ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ﴾ [الكهف: 65]، قال الرازي: "والرحمة هي النبوَّة بدليل قوله تعالى: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ﴾ [الزخرف: 32]، وقوله: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ [القصص: 86] والمراد من هذه الرحمة النبوة"[6].

 

وقال القرطبي: "الرحمة في هذه الآية النبوة"[7].

وقال أبو حيان: "والرحمة التي آتاه الله إياها هي الوحي والنبوة"[8].

وقال ابن عطية: "و(الرحمة) في هذه الآية النبوءة"[9].

 

• ومنها: قوله تعالى: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ [الكهف: 65]؛ أي: علمًا مُتلقًّى من الله عز وجل، بلا واسطة معلم، ولا مرشد، وهو الوحي؛ أي: النبوة، وليس كما يدعي المتصوفة أنه الإلهام، فإن الإلهام لغير الأنبياء ليس بمعصوم، أما إلهام الأنبياء فهو وحي معصوم، قال القرطبي: "أي: علم الغيب، ابن عطية: كان علم الخضر علم معرفة بواطن قد أوحيت إليه"[10].

 

• ومنها: أن موسى عليه السلام خاطبه قائلًا: ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66]، قال ابن كثير رحمه الله: "فلو كان وليًّا وليس بنبي لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرد على موسى هذا الرد، بل موسى إنما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم الذي اختصه الله به دونه، فلو كان غير نبي لم يكن معصومًا، ولم يكن لموسى- وهو نبي عظيم ورسول كريم، واجب العصمة- كبيرُ رغبة ولا عظيمُ طَلِبةٍ في علم ولي غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب إليه والتفتيش عليه، ولو أنه يمضي حقبًا من الزمان، قيل: ثمانين سنة، ثم لما اجتمع به تواضع له وعظَّمه واتَّبعه في صورة مستفيد منه، دل على أنه نبي مثله يوحى إليه كما يوحى إليه، وقد خُصَّ من العلوم اللدنية، والأسرار النبوية، بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم نبي بني إسرائيل الكريم"[11].

 

• ومنها: أن موسى عليه السلام أظهر التواضع له حين قال: ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66]، وكذا حين قال: ﴿ وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 69]، أما الخضر عليه السلام فقد أظهر الترفع حين قال: ﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴾ [الكهف: 68]، وهذا لا ينبغي لغير نبي.

 

• ومنها: قوله تعالى: ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82]، قال ابن عطية: "وقول الخضر: ﴿ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ يقتضي أن الخضر نبي"، وكذا قال القرطبي[12].

 

وقال الحافظ ابن حجر: "ومن أوضح ما يستدل به على نبوة الخضر قوله: ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82]، وينبغي اعتقاد كونه نبيًّا لئلا يتذرَّع بذلك أهل الباطل في دعواهم أن الولي أفضل من النبي، حاشا وكلَّا"[13].

 

وقال ابن كثير: "﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82] لكني أمرت به ووقفت عليه، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر"[14]، وقال في موضع آخر: "الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام، وما ذاك إلا للوحي إليه من الملك العلام، وهذا دليل مستقل على نبوته، وبرهان ظاهر على عصمته؛ لأن الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس، بمجرد ما يلقى في خَلَده؛ لأن خاطره ليس بواجب العصمة؛ إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق، ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام، الذي لم يبلغ الحلم علمًا منه بأنه إذا بلغ يكفر، ويحمل أبويه عن الكفر لشدة محبتهما له فيتابعانه عليه، ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته، صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته، دل ذلك على نبوَّته وأنه مؤيد من الله بعصمته"[15].

 

• ومنها: دلالات بعض الألفاظ مثل: ﴿ فَخَشِينَا ﴾ - ﴿ فَأَرَدْنَا ﴾ - ﴿ فَأَرَادَ رَبُّك ﴾ - ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾، كلها تدل على أنه يوحى إليه.. وبذلك يتبين ظهور ورجحان قول من قال بنبوَّته، ولله الحمد والمنة.

 

ثالثًا: هل هو باقٍ إلى اليوم أم لا؟

فيه خلاف أيضًا على ما تقدم، وكلا الفريقين ادَّعى أن قوله قول الجمهور، وممن رجح بقاءه: النووي، وابن الصلاح، والقرطبي، والسيوطي، وهو القول الذي نصره المتصوفة، وحشوا مؤلفاتهم بأخبار لقاءات تمت بين أوليائهم والخضر عليه السلام، وأول من تولَّى كبر هذه المسألة الحكيم الترمذي حيث قال وهو يسرد علامات الأولياء: "السابعة: استجابة الدعوة وظهور الآيات، مثل طي الأرض، والمشي على الماء، ومحادثة الخضر عليه السلام، الذي تطوى له الأرض، برها وبحرها، سهلها وجبلها، في طلب مثلهم شوقًا إليهم"[16].

 

قلت: ثم تتابع منظرو الصوفية على تقرير هذه المسألة، من ابن عربي حتى صالح الجعفري، وقد تقدم ما حكاه صالح الجعفري عن ابن إدريس في هذا الصدد، ونضيف ها هنا ما حكاه النبهاني عن أبي العباس المرسي، أنه قال: "وأما الخضر عليه السلام فهو حي، وقد صافحته بكفي هذه، وعرفني بنفسه...."، ثم قال بعد ذلك: "فلو جاءني ألف فقيه يجادلونني في ذلك، ويقولون بموت الخضر، ما رجعت إليهم"[17].

 

قلت: والأخبار عندهم في هذا الشأن كثيرة جدًّا، يطول تقصِّيها وتتبُّعها.

 

وأما من قال بموته فجماعة من أهل العلم، منهم: الإمام البخاري صاحب الصحيح، وإبراهيم الحربي، وأبو الحسين بن المنادي، وابن حزم الأندلسي، والقاضي أبو يعلى الحنبلي، وأبو بكر بن العربي، وابن الجوزي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وغيرهم.

 

فأما القائلون بحياته إلى اليوم فعمدتهم:

1- أخبار وروايات تحكي لقاءه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وظهوره في عصره، وعلى رأسها حديث التعزية، الذي روي من طرق عديدة، أشهرها عن عليٍّ رضي الله عنه قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وسجي بثوب، هتف هاتف من ناحية البيت، يسمعون صوته ولا يرون شخصه: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم أهل البيت، ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185] - الآية- إن في الله خلفًا من كل هالك، وعوضًا من كل تالف، وعزاء من كل مصيبة، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب"، فكانوا يرون أنه الخضر عليه السلام، يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

 

2- حكايات ادَّعاها شيوخ المتصوفة، زعموا فيها التقاءهم بالخضر عليه السلام، وتلقيهم منه.

 

فذلك معتمدهم، لا مزيد عليه.. وكلامهم لا يصلح للاعتماد عليه.

 

فأما الأحاديث التي يتشدَّقون بها فلا يصح منها شيء، كما نص على ذلك أبو الخطاب بن دحية فقال: "وجميع ما ورد في حياته لا يصح منها شيء، باتفاق أهل النقل؛ وإنما يذكر ذلك من يروي الخبر، ولا يذكر علته، إما لكونه لا يعرفها، وإما لوضوحها عند أهل الحديث"[18].

 

وقال ابن كثير: "وذكروا في ذلك حكايات وآثارًا عن السلف وغيرهم، وجاء ذكره في بعض الأحاديث. ولا يصح شيء من ذلك، وأشهرها أحاديث التعزية وإسناده ضعيف"[19].

 

وقال في موضع آخر: "وهذه الروايات والحكايات هي عمدة من ذهب إلى حياته إلى اليوم، وكل من الأحاديث المرفوعة ضعيفة جدًّا، لا يقوم بمثلها حجة في الدين، والحكايات لا يخلو أكثرها عن ضعف في الإسناد، وقصاراها أنها صحيحة إلى من ليس بمعصوم من صحابي أو غيره؛ لأنه يجوز عليه الخطأ، والله أعلم"[20].

 

قلت: وقد ذكر رحمه الله طائفة من الأخبار والحكايات التي تروى في هذا الصدد، وبيَّن بطلانها ووهاءها، وكذلك فعل الشيخ أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله في كتابه (عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر) حيث تصدَّى للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات، فبين أنها موضوعة، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم، فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوالها، وجهالة رجالها، وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد، فجزاه الله خير الجزاء.

 

وقال ابن القيم: "الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته كلها كذب، ولا يصح في حياته حديث واحد"[21].

 

وقال أبو الحسين بن المنادي: "بحثت عن تعمير الخضر، وهل هو باقٍ أم لا؟ فإذا أكثر المغفلين مفترون بأنه باقٍ من أجل ما روي في ذلك!" قال: "والأحاديث المرفوعة في ذلك واهية؛ والسند إلى أهل الكتاب ساقط؛ لعدم ثقتهم، وخبر مسلمة بن مصلقة كالخرافة، وخبر رياح كالريح"، وقال: "وما عدا ذلك كله من الأخبار، كلها واهية الصدور والأعجاز، لا يخلو حالها من أحد أمرين: إما أن أدخلت على الثفات استغفالًا، أو يكون بعضهم تعمد ذلك"[22].

 

قلت: وأما الحكايات التي تحكى عن صالحيهم، فلا يعتد بها؛ لأنهم أكذب الناس على الأحياء والأموات، ومن يطالع مؤلفاتهم في تراجم أوليائهم، كما فعل الشعراني والنبهاني – وغيرهما - يجد أشياء تقشعر لها قلوب وأبدان أهل الحق، وأشياء لا تمت بصلة لملة الإسلام ومنهاجه، وكذلك الحكايات التي يضعونها على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم أجمعين، علاوة على الأحاديث والأخبار الموضوعة، والتي ليس لها أصل في كتب السنن، وعندهم من ذلك الشيء الكثير، نسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ به من الخذلان!

 

وحتى لو سلمنا بصدق تلك الحكايات التي تروى عن أوليائهم، فما يدريهم أنه الخضر عليه السلام؟ ولمَ لا يكون شيطانًا يتمثل به، وهم أصلًا لا يعرفون صفته، والشيطان ليس بمحظور عن التمثل بغير النبي صلى الله عليه وسلم، مع حرصه على إتلاف بني آدم وإهلاكهم، وقد أفلح معهم، وعُصم منه غيرهم، والله الموفق والمستعان!

 

قال ابن دحية رحمه الله: "وأما ما جاء عن المشايخ فهو مما يتعجب منه، كيف يجوز لعاقل، أن يلقى شخصًا لا يعرفه، فيقول له: أنا فلان، فيصدقه؟"[23].

 

وقال أبو حيان الأندلسي: "وقد أولع كثير ممن ينتمي إلى الصلاح بادعاء هذا العلم ويسمونه العلم اللدني، وأنه يلقى في روع الصالح منهم شيء من ذلك حتى يخبر بأن من كان من أصحابه هو من أهل الجنة على سبيل القطع، وأن بعضهم يرى الخضر. وكان قاضي القضاة أبو الفتح محمد بن علي بن مطيع القشيري المعروف بابن دقيق العيد يخبر عن شيخ له أنه رأى الخضر وحدَّثه، فقيل له: من أعلمه أنه الخضر؟ ومن أين عرف ذلك؟ فسكت"[24].

 

وقال ابن تيمية: "وعامة ما يحكى في هذا الباب من الحكايات بعضها كذب، وبعضها مبني على ظن رجل، مثل شخص رأى رجلًا ظن أنه الخضر، وقال: إنه الخضر كما أن الرافضة ترى شخصًا تظن أنه الإمام المنتظر المعصوم، أو تدعي ذلك، وروي عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال - وقد ذكر له الخضر - من أحالك على غائب فما أنصفك، وما ألقى هذا على ألسنة الناس إلا الشيطان"[25].

 

قلت: وأما عمدة القائلين بوفاته، فالآتي:

1- قوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 34]، قال ابن كثير رحمه الله نقلًا عن ابن الجوزي رحمه الله: "فالخضر إن كان بشرًا فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه منه إلا بدليل صحيح"؛ انتهى. وأضاف: "والأصل عدمه حتى يثبت، ولم يذكر ما فيه دليل على التخصيص عن معصوم يجب قبوله"[26].

 

2- وقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدًا"[27].

 

وهذا النفي بعمومه يشمل وجود الخضر عليه السلام حيًّا في الأرض؛ لأن على تقدير وجوده حيًّا في الأرض فإن الله تعالى يعبد حينئذٍ، حتى لو هزم الصحابة رضي الله عنه يوم بدر واستؤصلوا، فيكون هو القائم بعبادة الله عز وجل!

 

3- قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 81، 82]، قال ابن كثير: "فالخضر إن كان نبيًّا أو وليًّا، فقد دخل في هذا الميثاق، فلو كان حيًّا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه، يؤمن بما أنزل الله عليه، وينصره إن يصل أحد من الأعداء إليه؛ لأنه إن كان وليًّا فالصديق رضي الله عنه أفضل منه، وإن كان نبيًّا فموسى عليه السلام أفضل منه".

 

وقال رحمه الله: "وهذا الذي يقطع به ويعلم من الدين علم الضرورة، وقد دلت عليه هذه الآية الكريمة أن الأنبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانوا كلهم أتباعًا له، وتحت أوامره، وفي عموم شرعه، كما أنه صلوات الله وسلامه عليه لما اجتمع معهم ليلة الإسراء، رفع فوقهم كلهم، ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس وحانت الصلاة، أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم، فصلى بهم في محل ولايتهم ودار إقامتهم، فدلَّ على أنه الإمام الأعظم، والرسول الخاتم المُبجَّل المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

 

فإذا علم هذا - وهو معلوم عند كل مؤمن - علم أنه لو كان الخضر حيًّا لكان من جملة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وممن يقتدي بشرعه، لا يسعه إلا ذلك، هذا عيسى بن مريم عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان يحكم بهذه الشريعة المُطهَّرة، لا يخرج منها ولا يحيد عنها، وهو أحد أولي العزم الخمسة المرسلين، وخاتم أنبياء بني إسرائيل، والمعلوم أن الخضر لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن النفس إليه، أنه اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد، ولم يشهد معه قتالًا في مشهد من المشاهد"[28].

 

4- إخباره صلى الله عليه وسلم أن على رأس مائة سنة من الليلة تكلم فيها بالحديث لن يبقى على وجه الأرض أحد مما هو عليها تلك الليلة، فلو كان الخضر عليه السلام حيًّا يومها لما بقي بعد انقضاء المائة عام المذكورة، والحديث في الصحيحين وغيرهما عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام، فقال: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة منها، لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد»[29].

 

وفي لفظ آخر: قال: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة، لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث، عن مائة سنة، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض» يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن.

 

وللحديث طرق أخرى عن جابر، وأبي سعيد الخُدْري، رضي الله عنهم أجمعين؛ ولهذا صرَّح الإمام البخاري وغيره بأن الخضر عليه السلام لو بقي إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم لمات قبل انخرام المائة سنة المذكورة، وبذلك سقطت كل دعاوى الحكيم الترمذي ومن نحا نحوه من المتصوفة الذين زعموا التقاءهم به في القرون المتأخرة، وتبين بطلان دعواهم، وكذب الحكايات التي تروِّج لذلك عنهم!

 

5- أن الخضر قال لموسى عليهما السلام في آخر خبرهما: ﴿ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ﴾ [الكهف: 78]، فكيف يرضى لنفسه مفارقة كليم الله موسى عليه السلام، ولا يجتمع بسيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم طوال حياته، ثم يرضى أن يلتقي بمن هو أدنى منهم رتبة لو سلمنا بصلاحهم، فما بالك وأكثرهم من الجهلة العباد الخارجين عن الشريعة، فكيف يرضى الخضر لنفسه مفارقة الفاضل، ومصاحبة المفضول؟!

 

6- عدم ثبوت الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على حياته هو أكبر دليل على انتفائها، فمن زعم بعد ذلك أنه باقٍ وحي وموجود، فهو ملزم بالدليل الصحيح؛ لأنه خالف المعقول والمسلم به، وهذا الدليل غير موجود، فمن أصَرَّ على ذلك فهو متقوِّل على الله بغير علم، نسأل الله السلامة والعافية.

 

7- ما الفائدة من بقائه متسولًا يستجدي الخبز من الخلق، ويجوب البراري والفيافي والقفار، ولا يجاهد الكفار، ولا يرشد جهلة الأمة، ولا يخمد فتنة، ولا يحسم خلافًا، ولا يذب كذبًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يشيع خبرًا صحيحًا؟

 

قال ابن تيمية رحمه الله: "والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت، وأنه لم يدرك الإسلام، ولو كان موجودًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لوجب عليه أن يؤمن به ويجاهد معه كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره، ولكان يكون في مكة والمدينة، ولكان يكون حضوره مع الصحابة للجهاد معهم وإعانتهم على الدين أولى به من حضوره عند قوم كفار، ليرقع لهم سفينتهم، ولم يكن مختفيًا عن خير أمة أخرجت للناس، وهو قد كان بين المشركين ولم يحتجب عنهم"[30].

 

وختامًا نقول: إن خبر الخضر عليه السلام ورد في الكتاب والسنة، ومر على القرون الأولى مرور الكرام، فلم يفتتن به أحد، ولم يبرز فيه اعتقاد، حتى ظهر الحكيم الترمذي وألقى فتنته، وتلقَّفها منه الزنادقة، وروَّجوا لها، ووجد الدجَّالون فيها بغيتهم ليدعوا لأنفسهم الولاية، ويغرروا بالبسطاء والجهلاء، وينالون المرتبة العظمى عليهم.

 

والقول بنبوَّته وموته هو الأرجح دليلًا، والأسلم اعتقادًا، وهو المعتصم من فتنة الاعتقاد، وزلة القدم في الغي والكساد، نسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ به من الخذلان.

 

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب، رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن أعمل صالحًا ترضاه، وأصلح لي في ذريتي، إني تبت إليك، وإني من المسلمين، ربنا اغفر لي ولوالديَّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.



[1] رواه البزار (2914) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، والطبراني (7694) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.

[2] ينظر للأهمية: تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن: (11 / 40 – 41).

[3] الطبقات الكبرى للشعراني (1/ 5)، مكتبة محمد المليجي، القاهرة.

[4] انظر: مفاتيح كنوز السموات والأرض: ص 8.

[5] الزهر النضر في حال الخضر: ص 69.

[6] تفسير الرازي مفاتيح الغيب: (21 / 481).

[7] الجامع لأحكام القرآن (11 / 16).

[8] البحر المحيط في التفسير: (7 / 204).

[9] تفسير ابن عطية المحرر الوجيز: (3 / 530).

[10] الجامع لأحكام القرآن: (11 / 16).

[11] البداية والنهاية (ط: إحياء التراث): (1 / 382).

[12] المحرر الوجيز: (3 / 537)، الجامع لأحكام القرآن: (11/ 39).

[13] فتح الباري: (1 / 220).

[14] تفسير القرآن العظيم: (5 / 187).

[15] البداية والنهاية: (1 / 382).

[16] ختم الولاية: ص 42.

[17] جامع كرامات الأولياء: (1/ 521).

[18] الزهر النضر: (1 / 80).

[19] تفسير القرآن العظيم: (5/ 187).

[20] البداية والنهاية: (1 / 389).

[21] المنار المنيف في الصحيح والضعيف: ص 67.

[22] الزهر النضر: ص 92.

[23] الزهر النضر: ص 80.

[24] البحر المحيط: (7 / 204).

[25] مجموع الفتاوى: (27 / 101- 102).

[26] البداية والنهاية: (1/ 390).

[27] رواه مسلم (1763)، والترمذي (3081)، وأحمد (208)، وابن أبي شيبة (29583)، والبزار (196)، وابن حبان (4793)، من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[28] البداية والنهاية: (1 / 391).

[29] رواه البخاري (116)، ومسلم (2537).

[30] مجموع الفتاوى: (27 / 100).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الخضر عليه السلام والإصلاح الاجتماعي
  • كيف يتجلى اسم ربنا "السلام" في أجسامنا؟ (خطبة)
  • كشف الأستار عن الذين حرم الله أجسادهم على النار

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة تكمله لسان الحكام في معرفه الأحكام (غاية المرام في تتمة لسان الحكام)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة غاية المرام في شرح شروط المأموم والإمام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة غاية المرام في شرح بحر الكلام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة غاية المرام في شرح مقدمة الإمام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة نيل المرام في حكم السلام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الجزء الأول والثاني من سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كتاب نهاية المرام في معرفة من سماه خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة بلوغ المرام ببيان ألفاظ مولد سيد الأنام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • ( حد الشارب وبيان المسكر ) من بلوغ المرام(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • (إزالة النجاسة وبيانها) من بلوغ المرام(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 21:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب