• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
  •  
    إساءة الفهم أم سوء القصد؟ تفنيد شبهة الطعن في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تعظيم شعائر الله (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    كثرة أسماء القرآن وأوصافه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    عفة النفس: فضائلها وأنواعها (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    لا تغضب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة السيرة: تحنثه صلى الله عليه وسلم في
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

﴿فلما أحس عيسى منهم الكفر﴾

﴿فلما أحس عيسى منهم الكفر﴾
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/5/2024 ميلادي - 18/11/1445 هجري

الزيارات: 1385

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾

 

﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 52 - 54].

 

﴿فَلَمَّا أَحَسَّ﴾ [آل عمران: 52] الإحساس: الإدراك ببعض الحواس الخمس؛ وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس.

 

﴿عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾ [آل عمران: 52]، فلما أدرك بحاسته، واستشعر منهم التصميم على الكفر، والاستمرار على الضلال، وجحود نبوته، وإنكار معجزاته، مع هذه الآيات العظيمة التي يشاهدونها.

 

﴿قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: 52]؛ يعني: إذا كان الإيمان تعذَّر منكم جميعًا، فمن الذي يكون ناصري منكم؟ و(إلى) هنا للغاية، ولم يقل: مَن أنصاري (في) الله؛ ليكون النصر مبنيًّا على الإخلاص؛ لأن (إلى) للغاية، فيريد أن يكون نصرًا مُوصِّلًا إلى الله عز وجل.

 

والنصر يشمل إعلان الدين والدعوة إليه، فالظاهر أنه أراد: من أنصاري في الدعوة إلى الله؟ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج، قبل أن يهاجر: ((مَن رجلٌ يُؤويني على أن أبلِّغ كلام ربي، فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي؟))؛ [رواه أحمد في المسند من حديث جابر رضي الله عنه]، حتى وجد الأنصار فآوَوه ونصروه، وهاجر إليهم فآسَوه ومنعوه من الأسْوَدِ والأحمر.

 

وهكذا عيسى ابن مريم، انتدب له طائفة من بني إسرائيل، فآمنوا به وآزَرُوه، ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه.

 

وهذا موقف من مواقف الرسل؛ فقد أخبر الله تعالى عن نوح: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: 10]، وقال موسى: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي﴾ [طه: 29].

 

﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ [آل عمران: 52]، وهو لقبٌ غلب على أصحاب عيسى عليه السلام، الذين آمنوا به ولازموه، وكانوا اثني عشر رجلًا، وهو اسم مُعرَّب من النِّبطية ومفرده حواريٌّ.

 

والحواريُّ: صفوة الرجل وخاصَّتُه، وهو مشتق من: الحَوَر، وهو البياض، حورتُ الثوبَ: بيَّضته، وسُمُّوا حواريين لسلامة قلوبهم من أثر المعاصي؛ لأن للمعاصي - نسأل الله العافية - نُكَتٌ سوداءُ تكون في القلب، كلما عصى الإنسان، نُكِت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب صُقِل وعاد إلى الاستنارة، وإن لم يَتُبْ وأحدَثَ معصية أخرى، زادت نكتة أخرى، وهكذا حتى يُطبَع على القلب.

 

والحواري أيضًا: الناصر؛ كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب، فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير؛ فقال: ((إن لكل نبيٍّ حواريًّا، وحَوَاريَّ الزبيرُ))؛ [البخاري].

 

﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ [آل عمران: 52] أنصار دينه وشرعه، والداعي إليه، وفيه دلالة على أنهم علِموا أن نصر عيسى ليس لذاته، بل هو نصرٌ لدين الله.

 

وقد آمَنَ مع الحواريين أفرادٌ متفرقون من اليهود؛ مثل الذين شفى المسيح مرضاهم، وآمن به من النساء أمُّه عليها السلام، ومريم المجدلية، وأم يوحنا، ونساء أخريات، ولكن النساء لا تُطلَب منهن نُصرة.

 

﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 52]، الإيمان في الشرع هو: الإقرار المستلزم للقبول والإذعان، لا يكفي التصديق فقط، بل لا بد من قبول ما جاء به الرسول والإذعان له.

 

﴿وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 52]، أَشْهَدوا نبيَّهم عيسى عليه الصلاة والسلام على إسلامهم، مع أنه شهيد عليهم، سواء استشهدوه أم لم يستشهدوه، فكل رسول شهيد على أُمَّتِهِ، ولكنهم قالوا ذلك من باب التوكيد وإعلان الإسلام.

 

فلما ذكروا أنهم أنصار الله، ذكروا مستندَ لإيمانهم؛ لأن انقياد الجوارح تابع لانقياد القلب وتصديقه، والرسل تشهد يوم القيامة لقومهم، وعليهم.

 

ودلَّ ذلك على أن عيسى عليه السلام كان على دين الإسلام، برَّأه الله من سائر الأديان؛ كما برأ إبراهيم بقوله: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: 67].

 

• وفيه أن إشهاد الإنسان على نفسه بالإيمان أو بالإسلام أو ما أشبه ذلك، لا يُعَدُّ من الرياء لا سيما في الاتباع؛ لأن في ذلك فائدة؛ وهي: «تقوية المتبوع»، ولا يُعَدُّ هذا من الرياء.

 

ولم يُبيِّن هنا الحكمة في ذكر قصة الحواريين مع عيسى، ولكنه بيَّن في سورة "الصف"، أن حكمة ذكر قصتهم هي أن تتأسَّى بهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم في نصرة الله ودينه؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ [الصف: 14].

 

﴿رَبَّنَا﴾ [آل عمران: 53] منادى حُذفت منه ياء النداء؛ لسببين: كثرة استعمال هذا الاسم الكريم في الدعاء، والتبرك بالبداءة باسم الله عز وجل؛ لأن الرب من أسماء الله.

 

• وفيه التوسل إلى الله تعالى بربوبيته؛ لأن الربوبية تدور على ثلاثة أشياء؛ وهي: الخلق، والملك، والتدبير، وإجابة الدعاء داخل في هذه الثلاثة؛ فلذلك كان كثيرًا ما يتوسل دعاة الله بالربوبية؛ كما جاء في الحديث الصحيح: ((يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب)).

 

﴿آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾ [آل عمران: 53] (أل) هنا في (الرسول) للعهد الذهني، وهو عيسى عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لا رسول لهؤلاء القوم من بني إسرائيل إلا عيسى، فالذي عيَّن أن يُراد بالرسول عيسى هو العهد الذهني الذي كان معلومًا عندهم.

 

والاتباع في الحقيقة هو ثمرة الإيمان، وكلما كان الإنسان أقوى إيمانًا كان أشد اتباعًا لمن آمن به، وكلما قلَّ الإيمان قلَّ الاتباع، هكذا، ويصح أن نقول: كلما قل الاتباع قل الإيمان.

 

ولهذا يقرِنُ الله عز وجل بين الإيمان والعمل الصالح في آيات كثيرة؛ لأن الإيمان المجرد لا ينفع، والعمل الصالح بمنزلة سَقْيِ الشجرة، إن لم تَسْقِها ماتت، ولهذا ينبغي لنا عندما نتكلم عن الإسلام ألَّا نحاول جعل الإسلام عقيدة فحسب، بل هو: «عقيدة وعمل»؛ العقيدة وحدها لا تكفي؛ لأن العقيدة الآن كلٌّ يدَّعي أنه معتقد، اليهود والنصارى يقولون: نحن نؤمن بالله واليوم الآخر، ونؤمن بأن هناك ربًّا مدبرًا للخلق، وأنه عز وجل خالق، ونؤمن بالبعث، ولكن هذا ليس بإيمان، وإن كان عندهم هذه العقيدة، فهذه عقيدة فاسدة، فلا بد من قرن العقيدة بالعمل الصالح، حتى لا يتَّكِلَ الناس على ما عندهم من العقيدة، ويقولون: لا حاجة للعمل.

 

﴿فَاكْتُبْنَا﴾ [آل عمران: 53]، وعبَّروا عن فِعْلِ الله ذلك بهم بلفظ: ﴿فَاكْتُبْنَا﴾ [آل عمران: 53]؛ إذ كانت الكتابة تُقيِّد وتَضْبِطُ ما يحتاج إلى تحقيقه وعلمه.

 

﴿مَعَ﴾ [آل عمران: 53] (مع) هنا للمصاحبة، والمصاحبة لا تقتضي المخالطة أو الموافقة في الزمن، فقد تكون المصاحبة مع قوم سبقوك، لكن في النهاية يكونون معك إلى الله.

 

﴿الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 53]؛ أي: مع الذين شهدوا لرسل الله بالتبليغ، وبالصدق، وهذا مُؤذِن بأنهم تلقَّوا من عيسى فيما علَّمهم إياه فضائلَ من يشهد للرُّسُلِ بالصدق.

 

عن ابن عباس قال: "مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم"، وهذا إسناد جيد؛ لأن الشهادة المطلقة ليست إلا لهم؛ لأنهم آخر الأمم، فهم شهداء على جميع الرسل وعلى جميع الأمم، والشهداء الذين كانوا من قبلهم ليسوا شهداء إلا على من سبقهم فقط؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143]، والمعنى: اكتبنا مع أمة محمد، ولا يرِدُ على هذا التفسير أنهم سبقوا أمة محمد، فكيف يطلبون أن يُكتَبوا مع الشاهدين؟

والجواب: أن عيسى عليه الصلاة والسلام قد بشَّرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: 6]، فكان عندهم عِلْمٌ بهذه الأمة بواسطة البشارة التي ألقاها إليهم عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.

 

والقول الثاني: أن المراد بالشاهدين الذين شهِدوا لرسلك بالحق، وهذا يتناول من سبقهم بلا شك، ويتناول أمة محمد إذا كان بعد أن أخبرهم بذلك وبشَّرهم به، وهذا القول الثاني أعم من القول الأول، وأقل إشكالًا منه.

﴿وَمَكَرُوا﴾ [آل عمران: 54]، الضمير يعود على الذين كفروا بعيسى من بني إسرائيل؛ وقد بيَّن ذلك قوله تعالى في سورة الصف: ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ﴾ [الصف: 14].

 

والمكر فِعْلٌ يُقصَد به ضرُّ أحدٍ في هيئة تَخفَى عليه، أو تلبيس فعل الإضرار بصورة النفع، ويشبهه الخداع، ومكرهم هو احتيالهم وسعيهم لدى ولاة الأمور ليمكِّنوهم من قتل عيسى، أو بأن وكَّلوا به من يقتله غِيلةً.

﴿وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 54]، قيل: المكر هنا الأخذ بالغفلة لمن استحقه، وقيل: مجازاتهم على مكرهم، وسمَّى ذلك «مكرًا» من باب المقابلة والمشاكلة؛ لأن المجازاة لهم ناشئة عن المكر؛ كقوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: 40]، وقوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: 194]، وكثيرًا ما تسمى العقوبة باسم الذنب، وإن لم تكن في معناه.

 

أما أن نصِفَ الله بالمكر على الإطلاق، فهذا لا يجوز؛ لأن المكر صفة نقص، وأفعاله تعالى منزهة عن الوصف بالقبح أو الشناعة؛ لأنها لا تقارنها الأحوال التي بها تقبُح بعض أفعال العباد؛ من دلالة على سفاهة رأي، أو سوء طوِيَّة، أو جبن، أو ضعف، أو طمع، أو نحو ذلك؛ أي: فإن كان في المكر قبحٌ، فمَكْرُ الله خيرٌ محض.

 

﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 54]؛ أي: أقواهم عند إرادة مقابلة مكرهم بخِذلانه إياهم، ولم يبين هنا مكر اليهود بعيسى، ولا مكر الله باليهود، ولكنه بيَّن في موضع آخر أن مكرهم به: محاولتهم قتله؛ وذلك في قوله: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ﴾ [النساء: 157]، وبيَّن أن مكره بهم: إلقاؤه الشَّبَهَ على غير عيسى، وإنجاؤه عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ وذلك في قوله: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: 157]، وقوله: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ [النساء: 157، 158].

 

فقال تعالى مخبرًا عن ملأ بني إسرائيل فيما همُّوا به من الفتك بعيسى عليه السلام، وإرادته بالسوء والصلب، حين تمالؤوا عليه، ووَشَوا به إلى ملك ذلك الزمان، وكان كافرًا، فأنهَوا إليه أن ها هنا رجلًا يُضِلُّ الناس، ويصدهم عن طاعة الملك، ويفند الرعايا، ويفرق بين الأب وابنه، إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم، ورمَوه به من الكذب، وأنه ولد زانية، حتى استثاروا غضب الملك، فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكِّل به، فلما أحاطوا بمنزله، وظنوا أنهم قد ظفِروا به، نجَّاه الله من بينهم، ورفعه من رَوْزَنَةِ ذلك البيت إلى السماء، وألقى الله شَبَهَهُ على رجل ممن كان عنده في المنزل، فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل عيسى عليه السلام، فأخذوه وأهانوه وصلبوه، ووضعوا على رأسه الشوك، وكان هذا من مكر الله بهم، فإنه نجَّى نبيَّه ورفعه من بين أظْهُرِهم، وتركهم في ضلالهم يعمهون، يعتقدون أنهم قد ظفِروا بطلبتِهم، وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعنادًا للحق ملازمًا لهم، وأورثهم ذِلَّة لا تفارقهم إلى يوم التناد.

 

والرجل الذي أُلقيَ عليه الشبه هو زعيمهم، فلما أرادوا أن يقتلوه، قال: أنا صاحبكم، قالوا: كذبت، بل أنت عيسى فقتلوه وصلبوه، وهذا بلا شكٍّ مكرٌ أعظم من مكرهم؛ لأن هذا الرجل الذي جاء متزعِّمًا هؤلاء القومَ ليقتل عيسى، صار هو القتيل.

 

وقيل: بل الرجل من أصحاب عيسى، فإن عيسى عليه السلام لما أحس بأنهم سيدخلون عليه ليقتلوه، قال لأحد أصحابه: من يقبل أن يُلقِيَ الله عليه شبهي، فأضمن له الجنة؟ فانتدب واحدًا منهم لذلك، وألقى الله شبهه عليه، والمسألة ليست فيها نصٌّ عن النبي صلى الله عليه وسلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله ...)

مختارات من الشبكة

  • فوائد وأحكام من قوله تعالى: { فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله الله تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فقه الإحسان (3): {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • عيسى ابن مريم عليه السلام (5) رفع عيسى عليه السلام إلى السماء(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فلما جن الليل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من سلسلة أحاديث رمضان حديث: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب(مقالة - ملفات خاصة)
  • تفسير: (فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب