• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الأمة والعدل (1) (خطبة)

الأمة والعدل (1) (خطبة)
د. أمير بن محمد المدري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/5/2024 ميلادي - 14/11/1445 هجري

الزيارات: 6277

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأمة والعدل «1»

 

الحمد لله رب العالمين، القائل عز وجل في محكم التنزيل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].

 

وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال كما الحديث القدسي: «يا عبادي، إني حَرَّمْتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَموا»، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وخِيرتُه من خلقه، وأمينُه على وحيه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، ومن سار بدعوته واستَنَّ بِسُنَّتِهِ إلى يوم الدين.

 

أيها الناس: اتقوا الله، فتقوى الله خير الزاد، وهي أفضل ما ادخرتم، وخير ما عملتم، بها تنال محبة الله، تنجيكم من النار، وتقربكم من دار الأبرار، العون والنصر معلق بها، ومحبة الله لأهلها.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

عباد الله:

لقد خلق الله عز وجل الإنسانية ولم يخلقها عبثًا تعبث بها الأهواء ويتسلط فيها الأقوياء على الضعفاء، والأغنياء على الفقراء ولكنه عز وجل أنزل الكتب وأرسل الرسل لتعريف الناس بخالقهم وبيان الغاية التي خلقوا من أجلها قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25]، فكانت دعوة الرسل من أجل إقامة العدل في الأرض ونصرة المظلوم، ودارت المعركة بين الرسل والملوك الظلمة من أجل تحرير هذا الإنسان من الظلم: فقد قال نبي الله موسى لفرعون: ﴿ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾[الشعراء: 17]، فكانت رسالة موسى عليه السلام من أجل إطلاق سراح بني إسرائيل من ظلم فرعون وعبوديته إلى عدل الله وعبادته سبحانه وحده: وأرسل الله محمدًا صلى الله عليه وسلم لهذه الغاية كذلك فهو الذي أنزل عليه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى ﴾، وأنزل عليه: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ﴾[النساء: 58].

 

إن المصطفى صلى الله عليه وسلم علّمنا قيمة العدل وخطورة الظلم حين قال صلى الله عليه وسلم «إنه لا قُدّست أمة لا يأخذ الضعيف حقه غير متعتع»[ أخرجه ابن ماجه (2/810، رقم 2426)، وأبو يعلى (2/344، رقم 1091)]، فهل عرفت البشرية حقوقها إلا في ظل المنهج الإسلامي فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول: «الضعيف منكم عندي قوي حتى آخذ الحق له والقوي منكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه».

 

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يختبر جرأة الناس في قول الحق فقال ما تقولون لو حِدت عن الطريق هكذا؟ ماذا انتم فاعلون لو تجاوزت لو طغيت؟ ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا كذا؟ "أي لو انحرفت عن الثوابت المتفق عليها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ماذا قال له الشعب؟ هل قالوا له أنت لا تخطيء أبدًا، أنت نور الزمان، هل جاملوه؟ كلا إنما قام أحد المصلين من الناس البسطاء وقال: «لو ملت برأسك إلى الدنيا كذا، لقلنا بسيوفنا كذا»، وأشار إلى القطع. فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: «ويلك أتقول هذا لأمير المؤمنين»؟ فما يكون من أمير المؤمنين إلا أن يوقفه ويقول: «دعه فليقلها لنا، فوالله لا خير فيكم إذا لم تقولوها لنا ولا خير فينا إن لم نسمعها منكم».

 

بهذه القواعد والمرتكزات قام المجتمع الإسلامي يرعى بعضه بعضًا وينصر بعضه بعضًا، ويحكم القاضي لليهودي على الخليفة فيعترف اليهودي بالحق، ويقول: بهذا العدل قامت السموات والأرض، والإسلام يوم حارب الظلم وأقام العدل فإنه أعلن حربه على الأهواء والغرائز وجعل الناس يحتكمون لشرع الله، قال عز وجل: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾[الجاثية: 18].

 

فالظلم منبعه من تسلُّط الأهواء والغرائز،ومن البعد عن شريعة الله وعدم الخوف من عذاب الله.

 

الظلم منبعه من نسيان التعاليم الإسلامية التي يأت في مقدمتها قول الله في الحديث القدسي: «إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا» وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه»، ولذلك فإن الظلم يسير بالحياة الإنسانية سيرًا خاطئًا نحو الهاوية.

 

قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].

 

ومفهوم الآية أن الإيمان بالله والحكم بما أنزل الله وإخلاص العمل لله هو طريق آمن للأمة واستقرارها وما تشهده الأمة من سفك للدماء وهتك للأعراض ومصادرة للحريات ونهب وسطو وقسوة: إنما هو نتيجة طبيعية للظلم الذي ساد في الأرض.

 

ومن أجل تحقيق الأمن والهداية والاستقرار والحرية للبشرية فإن الإسلام وصل به الأمر في مقاومة الظلم إلى أن شرع النضال من أجل تحرير المظلومين قال تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 75].

 

وما شرع الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا من أجل مقاومة الظالمين، وإلا فماذا يعني حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى سلطان جائر فنصحه فقتله»[رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد]، لقد كان قيام هذا الداعية من أجل نصرة الحق وتحرير المظلومين.

 

وجاء في حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم: «أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا»[رواه البخاري]، ونصرة الظالم منعه وأطره على ألا يقدم على الظلم، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرًا أو لتقصرنه على الحق قصرًا أو ليوشك أن يلعنكم كما لعنهم»[أخرجه أبو داود و الترمذي]، فهل لُعن بني إسرائيل إلا لصمتهم عن الحق وعدم نصرتهم للحق وللمظلومين.

 

إن من خذل مظلومًا خذله الله ومن نصر مظلومًا نصره الله في موطن يحب أن يُنصر، ومع هذا كله فإن الظلم ربما اشترك فيه الظالم والمظلوم، فقد يكون فيها المظلوم أيضًا ظالمًا إذا لم يبذل جهده في مقاومة الظلم ومحاربته، وإلا فماذا يعني قول الله عز وجل في أكثر من آية: ﴿ ومَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [النحل: 118]، ظلموا أنفسهم لأنهم جهلوا الحق أولًا، ولأنهم لم يعملوا بهذا الحق ولأنهم لم ينصروا أولياء الله ولم يحددوا هو يتهم فظلموا أنفسهم.

 

دعونا نتأمل هذه الآية في سورة سبأ التي تجعل الظالم والمظلوم مسئولين بين يدي الله على حد سواء، فالله عز وجل يقول: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ﴾ [سبأ: 31]، فهذا هو المستكبر والمستضعف يقفان معًا أمام الله للمحاسبة لأن المظلوم تبع الظالم ونصره وهتف باسمه وصفّق له، فاليوم يجني حصاد ما فعل، ولن تنفعه براءته يوم القيامة: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ﴾ [البقرة: 166]، فالظالم يُعلن براءته من المظلوم والمظلوم.

 

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾[البقرة: 167].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه, واشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وجميع أخوانه.

 

وبعد عباد الله:

إن المظلوم يحب أن يعلن براءته من الظالم هنا في الحياة الدنيا وليس في الآخرة فيوم القيامة يلعن المظلومون الظالمين ولكن لا ينفعهم ذلك، قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾[الأحزاب: -68].

 

إن المظلوم بإمكانه أن يحارب الظلم والظالمين بما يملك من إمكانات يسيرة:

أولًا: عدم حبه واحترامه القلبي للظالم والظالمين.

 

ثانيًا: ألاّ يجعل لسانه صوتًا إعلاميًا لصالح الظلم والظالمين.

 

ثالثًا: أن يكف عن أي مظهر من مظاهر النصرة له، كانتخابه مثلًا، أو إعطائه المال أو الثناء، أو تكثير سواده، أو غير ذلك.

 

ومن أشد أنواع الظلم: الظلم السياسي: ونعني به الاستبداد أو مصادرة حرية الناس واستخدام السلطة في قهر عباد الله واستضعافهم واعتقالهم وتكميم أفواههم ومضايقتهم في أرزاقهم، ومن أنواع الظلم: الظلم كذلك الاجتماعي وهو: إن يظلم الناس بعضهم بعضًا.

 

ويساعد الظلم الاجتماعي على الظلم السياسي.

 

أيها المسلمون: إن مقاومة الظلم ينبغي أن تكون شاملة فالإسلام لا يرضى ظلم الزوج لزوجته أو عدم العدل بين الاثنتين، إن طريقنا لمحاربة المظالم الكبرى هو أن نكون قدوة في محاربة المظالم الصغرى، أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم.

 

إن الظلم يورث الذل والضعف ولهذا علينا أن نربي الأمة على شعار: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا».

 

إن الإسلام أخرج رجالًا عبر التاريخ قاوموا الظلم، فالصحابة جميعهم أعلنوا حربًا شعواء على الظالمين وخرجوا يجاهدون في سبيل الله من أجل نصرة المظلوم؛ وماذا تعني كلمات ربعي بن عامر: «الله ابتعثنا من أجل أن نخرج العباد من عبادة غير الله إلى عبادته ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الطغيان إلى عدل الإسلام».

 

أما التابعين فهذا سعيد بن جبير[1] الذي أنكر على الحجاج فأمر الحجاج باعتقاله فلما صار عنده، نظر إليه في حقد، وقال: ما اسمك؟ قال: سعيد بن جبير، فقال: بل شقي بن كسير، قال: بل كانت أُمِّي أعلمَ باسمي منك، هذا هو اسمي، قال: ما تقول في محمد؟ قال: تعني محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، قال: نعم، قال: سيد ولد آدم، النبي المصطفى، خير من بقي من البشر، وخير من مضى، حمل الرسالة وأدى الأمانة، ونصح لله ولكتابه، ولعامة المسلمين، وخاصتهم، قال: فما تقول في أبي بكر؟ قال: هو الصديق خليفة رسول الله، ذهب حميدًا، وعاش سعيدًا، ومضى على منهاج النبي صلوات الله وسلامه عليه، لم يغيِّر، ولم يبدل، قال: فما تقول في عمر؟ قال: هو الفاروق الذي فرّق الله به بين الحق والباطل، وخيرة الله من خلقه، وخيرة رسوله، ولقد مضى على منهاج صاحبَيْه، فعاش حميدًا، وقتل شهيدًا، قال: فما تقول في عثمان؟ قال: هو المجهِّزُ لجيش العسرة، الحافرُ لبئر رومة، المشتري لبيت لنفسه في الجنة، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، ولقد زوَّجه النبي بوحي من السماء، وهو المقتول ظلمًا، قال: فما تقول في عليِّ؟ قال: ابن عم رسول الله، وأول من أسلم من الفتيان، وهو زوج فاطمة البتول، وأبو الحسن والحسين، سيدي شباب أهل الجنة، قال: فأي خلفاء بني أمية أعجب لك؟ قال: أرضاهم لخالقهم، قال: فأيُّهم أرضى للخالق؟ قال: علمُ ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم، تحقيق طويل، قال: فما تقول فيَّ؟ قال: أنت أعلم بنفسك، قال: بل أريد علمك أنت، قال: إذًا يسوءك ولا يسرك، قال: لا بد من أن أسمع منك، قال: إني لأَعْلَمُ أنك مخالف لكتاب الله تعالى، تُقدِم على أمور تريد منها الهيبة، وهي تقحمك الهلَكَةَ، وتدفعك إلى النار دفعًا، قال: أمَا واللهِ لأقتلنك، قال: إذًا تفسد عليَّ دنياي، وأفسد عليك آخرتك، قال: اختر لنفسك أي قتلة شئت، قال: بل اخترها أنت لنفسك يا حجّاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا وقتَلك اللهُ مثلها في الآخرة، قال: أتريد أن أعفوَ عنك، قال: إن كان العفو فمن الله تعالى، أمّا أنت، فلا أريده منك، فاغتاظ الحجاج، وقال: السيف والنطع يا غلام، فتبَسَّم سعيد، فقال له الحجاج: وما تبسُّمك، قال عجبت من جرأتك على الله، وحلم الله عليك، قال: اقتله يا غلام، فاستقبل القبلة، وقال: ﴿ إني وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 79].

 

قال: حرِّفوه عن القبلة، فقال: ﴿ فأينما تولوا فثم وجه الله ﴾ [البقرة: 115].

 

قال: كبُّوه على الأرض، فقال: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: 55].

 

قال: اذبحوا عدو الله، فما رأيت رجلًا أَدْعَى منه لآيات القرآن الكريم، فرفع سعيد كفَّيه، وقال: «اللهم لا تسلِّط الحجاجَ على أحد بعدي»، قال: فلم يمضِ على مصرع سعيد بن جبير غيرُ خمسة عشر يومًا حتى حمَّ الحجاج، واشتدت عليه وطأةُ المرض، فكان يغفو ساعة ويفيق أخرى، فإذا غفا غفوة استيقظ مذعورًا وهو يصيح: هذا سعيد بن جبير آخذ بخناقي، هذا سعيد بن جبير، يقول: فيمَ قتلتني؟ ثم يبكي، ويقول: مالي ولسعيد جبير، ردّوا عني سعيد بن جبير، فلما قضى نحبه، وورِي في ترابه، رآهم بعضهم في الحلم، فقال له: ما فعل الله بك فيمن قتلتهم يا حجاج؟ قال: قتلني اللهُ بكل امرئ قتلة واحدة، وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة.

 

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله.

 

بذلك في كتابه فقال:  ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.



[1] سَعيد بن جُبَير (45 - 95 هـ = 665 - 714 م) سعيد بن جبير الأسدي، بالولاء، الكوفي، أبو عبد الله: تابعيّ، كان أعلمهم على الإطلاق. وهو حبشي الأصل، من موالي بني والبة بن الحارث من بني أسد. أخذ العلم عن عبد الله بن عباس وابن عمر. ثم كان ابن عباس، إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه، قال: أتسألونني وفيكم ابن أم دهماء؟ يعني سعيدا. قال الإمام أحمد بن حنبل: قتل الحجاج سعيدا وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • افتراق الأمة والمخرج (خطبة)
  • تربية الفرد نواة لتغيير الأمة والرقي بها (2)
  • الشباب لباب الأمة وعصبها
  • الأمة والعدل (2) (خطبة)
  • الأمة والعدل (3) (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • "حب بحب" حب الأمة لحاكمها المسلم "مسؤوليات الأمة تجاه الحاكم"(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • أنواع المقاصد باعتبار تعلقها بعموم الأمة وخصوص أفرادها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العدل سر قوة الأمة ودوامها ( خطبة )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: «كل أمتي يدخلون الجنة» الجزء السابع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء السادس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الخامس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الرابع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الثالث(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الثاني(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الأول(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب