• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

أسرة مباركة

أسرة مباركة
د. أمير بن محمد المدري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/5/2024 ميلادي - 10/11/1445 هجري

الزيارات: 1740

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أسرة مباركة

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مخلصين له الدين، وأشهد أن محمدًا خاتم النبيين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى وقوّوا صلتكم به بطاعته، وفعل ما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه، والإكثار من دعائه، فإنه لا غنى بكم عنه طرفة عين.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

عباد الله:

نقف وإياكم مع أُسرةٍ مباركة، أسرة من أُسر الأنصار، أُسرة نتعلم منها الشجاعة في قول الحق، الصبر على البلاء، الجهاد في سبيل الله الكرم.

 

تلك الأسرة هي أُسرة الصحابي الجليل أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم.

 

إنها أُسرة أم سُلَيم ب، هذه المرأة الصالحة، هذه الصحابية الجليلة أم سُلَيم المكناة بالرُّمَيْصَاء، قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

 

ورؤَى الأنبياء وحي وحقّ، ألم تقرؤوا قول رب العزة عن إبراهيم إذ قال لابنه: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ [الصافات: 102]، فهي امرأة لا كالنساء، وصحابية جليلة من خيرة الصحابة هي مبشرة بالجنة، ولعل هذه البشارة بالجنة تثير الانتباه وتجعلنا نتساءل: كيف وصلت هذه المرأة إلى هذه المرتبة؟

 

لما أسلمت جاءت إلى مالك زوجها، وكان رجلا مخمرًا كان لا يفارق الخمر، كانت هذه المصيبة متجذّرة فيه لا يستطيع مفارقتها بتاتًا ولو ضحّى بكل شيء في سبيلها كشأن المخمرين. فقالت: جئت اليوم بما تكره، فقال: لا تزالين تجيئين بما أكره من عند هذا الأعرابي، قالت: أعرابيًا اصطفاه الله واختاره وجعله نبيًا، قال: ما الذي جابه؟ قالت: حُرِّمت الخمر، قال: هذا فراق بيني وبينك، فمات مشركًا، وتركها وأبناءها. وكفاهم الله شره [رواه البزار بسند رجاله ثقات]، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]، ومن هنا رسالة إلى كل امرأة أن لا تفتر من نصيحة زوجها بالحسنى وتدله إلى الخير، ولعل هذا - إخوتي الكرام - أول امتحان تعرضت له هذه المرأة الصالحة المؤمنة، ولا يخفى أنه امتحان عسير، فإنه ليس من السهل أن تعرض أسرتك بين عشية وضحاها لزلزال عظيم مثل هذا بدافع الإسلام، وفي سبيل الإسلام.

 

فجاءها أبو طلحة الأنصاري - وهو المكوِّن الثاني للأسرة المؤمنة المرضية - يخطبها، وقد ترك لها مالك وَلَدين: أنس بن مالك والبراء بن مالك ب، وسيأتي الحديث عنهما إن شاء الله. فقالت أم سُلَيم ك: يا أبا طلحة، أنت لست ممن يُردّ، ولكنك مشرك نجس، وأنت محرّم عليَّ ما دمت مشركًا، قالت: فإني أشهدك وأشهد نبي الله صلى الله عليه وسلم أنك إن أسلمت فقد رضيت بالإسلام منك، قال: فمن لي بهذا؟ قالت: يا أنس، قم فانطلق مع عمك، قال: انس رضي الله عنه فأنطلقنا حتى إذا كنا قريبًا من نبي الله صلى الله عليه وسلم فسمع كلامنا فقال: «هذا أبو طلحة بين عينيه عزة الإسلام»، فسلم على نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فزوّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام. [رواه البزار].

 

فكان هذا الصداق أعظم صداق في المدينة المنورة: الإسلام، الدين العظيم.

 

نعم أيها المسلمون أكثر النساء بركة أقلهن مهورا فليتق الله آباء البنات ولا يكونوا سببا في انتشار الفاحشة، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»[خرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه والحاكم، والحديث حسن بمجموع طرقه].

 

فتحسّن إسلام الرجل، فصار رضي الله عنه مضرب المثل في النفقة والاستجابة لأمر الله تعالى. أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِد، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [ل عمران: 92]، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا - يَا رَسُولَ اللَّهِ - حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَخٍ! ذَلِكَ مَالٌ رَابِح، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ»، فَقَالَ: أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.

 

كما أصبح هذا الرجل العظيم من كبار الصحابة المجاهدين، فشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له يوم أحد موقف مشهود، إذ ثبت مع القلة مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقال عنه صلى الله عليه وسلم: «لَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ فِئَة»[رواه أحمد].

 

ويوم حُنين حين ضاقت على المسلمين الأرض بما رحبت كان أبو طلحة كعادته من أبرز أبطالها الصامدين. عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ يَعْنِي يَوْمَ حُنَيْنٍ: «مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ»، فَقَتَلَ أبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأخَذَ أسْلاَبَهُمْ». [أخرجه أبُو دَاوُدَ وقال: ”هَذَا حديثٌ حَسَنٌ ].

 

وتابع مسيرته الجهادية في كبره حتى لقي الله تعالى في سبيل الجهاد. عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة براءة فأتى على هذه الآية: ﴿ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ﴾ [لتوبة: 41]، فقال: ألا أرى ربي يستنفرني شابًا وشيخًا؟ جهزوني. فقال له بنوه: قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قُبض، وغزوت مع أبي بكر حتى مات، وغزوت مع عمر، فنحن نغزو عنك. فقال: جهزوني. فركب البحر فمات. فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فلم يتغير. [قال الهيثمي: [رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح].

 

فلقي الله تعالى بعد عمرٍ حافل بخدمة الإسلام والاجتهاد في طاعة الله، وذلك سنة أربع وثلاثين للهجرة، وهو ابن سبعين سنة رضي الله عنه.

 

العنصر الثالث من هذه الأسرة - معشر الإخوة - هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عشر سنوات، حرصت أمه أن يكون رفيقَ سيد الخلق صلى الله عليه وسلم؛ ليلتصق بنبع الخير والهداية، فجاءت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، خادمك أنس ادع الله له، فقال: «اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته»، قال أنس: فلقد دفنت من صلبي سوى ولد ولدي خمسًا وعشرين ومائة، وإن أرضي لتثمر في السنة مرتين، وما في البلد شيء يثمر مرتين غيرها. [رواه الطبراني].

 

وكان رضي الله عنه من أكثر الناس رواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

أما الشخصية الرابعة فهو البراء بن مالك أخو أنس بن مالك، هذا الرجل العظيم المجاهد، قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: «كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ» [أخرجه الترمذي وقال: ”هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْه"].

 

إن الإنسان - معشر الأحبة - لا يُقاس بطوله ولا بعرضه ولا بماله ولا بجاهه ولا بسلطانه، وإنما يُقاس بعمله وإيمانه. وعاش هذا الصحابي الجليل مجاهدًا مقدمًا متفانيًا بماله ونفسه ودمه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه، وفي جهاد الفُرس استعصت معركة على المسلمين والمجاهدين فجاؤوا إلى سيدنا البراء فقالوا: إن الأمر اشتد علينا، فادع الله أن ينصرنا؛ لأن المسلمين الأوائل - أيها الإخوة - كانوا يعرفون جيدًا أن الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء وينصر من يشاء هو الله، فلا الشرق ولا الغرب، قال تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم ﴾ [ل عمران: 126]. فرفع البراء في زحمة المعركة وشدتها يديه فقال: «اللهم انصرنا، وارزقنا أكتافهم، وارزقني الشهادة في سبيلك»، فلما انتصر المجاهدون وأظهر الله تعالى الحق بحثوا عن البراء فإذا هو شهيد بين الشهداء.

 

فهذه - أيها الإخوة الأعزاء - عناصر هذه الأسرة العظيمة الفريدة، فما هي المبادئ التي كانت تعيش عليها ولأجلها مما جعلها تنال ما نالت من الفضل وجعلت منها منارة للهداية؟

 

أول هذه المبادئ وأعظمها هو الإسلام وأولويته، فقد أُسّست على كلمة الله ووفْق تقواه، فعلى أساس الإسلام بُنيت الأسرة، وعلى أساسه عاشت، وعلى أساسه يجب أن تحيا كل أسرة تنشد الرشد، فبسببه فارقت أم سُلَيم زوجها الأول مالكًا، وعلمنا أن أبا طلحة لما جاءها خاطبًا لم تطلب منه مالًا ولا جاهًا ولا سلطانًا، وإنما طلبت منه أن يكون مسلمًا وكفى.

 

إن الإنسان - أيها الإخوة - بلا دين مصيبة وكارثة. إذا جاءك إنسان لا دين له وزوّجته ابنتك فقد قطعت رحمها وعصيت ربك، و أهلكتها. الحسن البصري – رحمه الله - جاءه أحد الناس فقال: إن الناس يخطبون مني ابنتي فلمن أزوجها؟ فقال: «يا أخي، زوجها التقيّ، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها».

 

ثم إن هذه الأسرة - وعلى رأسها أم سُلَيم - كانت أحرص ما تكون على تعلّم دينها، فصحّ عند البخاري ومسلم وغيرهما عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيم إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ»، فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ، تَعْنِي: وَجْهَهَا. وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟! قَالَ: «نَعَمْ تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا». فلقيها نسوة فقلن لها: يا أم سُلَيم، فضحتينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم! قالت: ما كنت أنتهي حتى أعلم أفي حلال أنا أم في حرام.

 

هذا مبدأ - أيها الإخوة المؤمنون - ينبغي للحياة كلها أن تتأسّس عليه، ليس هناك من عمل سرّي أو خاص بفئة دون أخرى، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله للرجال والنساء، فما من خطوة يخطوها المسلم إلا وهو ملزم أن يعلم أفي حلال هو أو في حرام.

 

ومن حرص أُم سُلَيم على العلم ما روي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَتْ أُمّ سُلَيم إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ، عَلّمْنِي كَلِمَاتٍ أَدْعُو بِهِنّ فِي صَلاَتِي، قَالَ: «سَبّحِي اللّهَ عَشْرًا، وَاحْمَدِيهِ عَشَرًا، وَكَبّرِيهِ عَشْرًا، ثُمّ سَلِيهِ حَاجَتَكِ، يَقُلْ: نَعَمْ، نَعَمْ». يعني: إذا سبحت عشرًا، وكبرت عشرًا، وحمدت عشرًا، وطلبت الله تعالى، يقول لك الله: لبيك يا أمَتي، ويستجيب لك.

 

بل الأعظم من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف حرص هذه الأسرة على العلم والتعلم كان يخصها بزيارات، فكان صلى الله عليه وسلم كما ورد في أحاديث صحيحة يقيل عندها مرارًا، ويصلي بهم في بيتها، لماذا أيها الإخوة؟ ليتعلموا منه مباشرة، وليتبرّكوا به مباشرة صلى الله عليه وسلم.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه, واشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وجميع اخوانه.

 

وبعد..

أيها الإخوة: إن الركن الأساس الذي بُنيت عليه هذه الأسرة الطيبة هو الإسلام وتعلمه، وبالفعل فالأسرة المحرومة من مجالس القرآن ومن سماع القرآن ومن الكتب الإسلامية ومن تفاسير القرآن ومن قصص الأنبياء والصالحين، هذه أسرة محرومة من الخير. إن الإنسان - معشر الإخوة - إذا أراد رحمة الله والسعادة في بيته لا بد له من إدخال التقوى والخير إلى بيته.

ولست أرى السعادة جمع مالٍ
ولكن التقي هو السعيد


كما كانت أُم سُليم الغايةَ في حسن التلطف والتودّد إلى زوجها في كل حال. أخرج مسلم وأحمد وأبو داود عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ فَقُبِضَ الصَّبِيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيم: هُوَ أَسْكَنُ مِمَّا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارُوا الصَّبِيَّ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ ”قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا». فرزقهم الله بعد تسعة من الأولاد كلهم قرؤوا القرآن الكريم. وفي رواية لأحمد: ثم تصنعت له فأصابها، فلما فرغ قالت: ألا تعجب لجيرانك، أُعيروا عارية، فطُلِبت منهم فجزعوا! فقال: بئس ما صنعوا، فقالت: ابنك كان عارية فقُبض، فحمد واسترجع.

 

ثم إن هذه الأسرة - أيها المسلمون - زيادة على ما ذكرناه، كانت القمة في الكرم والجود، والقمة في الضيافة، والمثال في الاهتمام بالحالة الاجتماعية للمجتمع. فمما يُروى عن هذه الأسرة الطيبة ي أن أبا طلحة خرج يومًا فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم يعلّم أهل الصفة سورة النساء كما جاء في بعض الروايات، ولاحَظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عصب بطنه من شدة الجوع، فأثَّر هذا في نفس أبي طلحة، فجاء إلى أم سُلَيم فقال لها: يا أم سُلَيم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعصب بطنه من شدة الجوع، فهل لديك شيء من الطعام؟ فقالت له: إذا جاءنا الرسول صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه. فأرسل أنس بن مالك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. قَالَ أنس: بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَدْعُوَه وَقَدْ جَعَلَ طَعَامًا، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ النَّاسِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقُلْتُ: أَجِبْ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: «قُومُوا»، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا صَنَعْتُ لَكَ شَيْئًا. قَالَ: فَمَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَة، ثُمَّ قَالَ: «أَدْخِلْ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِي عَشَرَةً»، وَقَالَ: «كُلُوا»، وَأَخْرَجَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِه، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا فَخَرَجُوا، فَقَالَ: «أَدْخِلْ عَشَرَةً» فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَمَا زَالَ يُدْخِلُ عَشَرَةً وَيُخْرِجُ عَشَرَةً حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَ فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ، ثُمَّ هَيَّأَهَا فَإِذَا هِيَ مِثْلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا.

 

وفي أسرة أبي طلحة في الراجح نزل قوله تعالى: ﴿ وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [لحشر: 9]. أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلاَّ الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا؟ ”فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلاَّ قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً. فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أَوْ عَجِبَ مِنْ فعَالِكُمَا»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [لحشر: 9].

 

كما كانت هذه الأسرة في طليعة العاملين لنشر دين الله تعالى وجهاد أعدائه الصادين عن سبيل الله.

 

فقد سبقت الإشارة إلى بلاء أبي طلحة رضي الله عنه في ميادين الجهاد والفداء، وسبق ذكر جهاد البراء رضي الله عنه، وما أكرمه الله به من الشهادة في سبيله. قال البخاري: حدثنا موسى، حدثنا إسحاق بن عثمان: سألت موسى بن أنس: كم غزا أنس رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثماني غزوات.

 

ولم تكن أم سُلَيم ك لتحرم نفسها من مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في غزواته، فقد كانت مجتهدة في الخروج معه وتحمل المشاق في مساعدة المقاتلين ومداواتهم والقتال معهم إذا اقتضى الحال. ومن ألطف ما يروى عن شجاعتها وثباتها ما حصل في غزوة حنين. أخرج مسلم وأبو داود عن أنس رضي الله عنه: أن أم سُلَيم اتخذت يوم حنين خنجرًا فكان معها، فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله، هذه أم سُلَيم معها خنجر! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا الخنجر؟ » قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، قالت: يا رسول الله، اقتُلْ مَن بعدَنا من الطلقاء انهزَمُوا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أم سُلَيم، إن الله قد كفى وأحسن».

 

هذه - إخواني - هي أسرة أم سُلَيم، وهذه بطاقة تعريف لعناصرها البارزة، وتلكم المبادئ التي تأسست عليها وعاشوا لأجلها، فغنموا السعادة والريادة في الدنيا، والفوز برضوان الله ورسوله، وذلك هو الفوز العظيم.

 

جعلني الله تعالى والإخوة من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ونسأله سبحانه أن يصلح أحوالنا. والحمد لله رب العالمين.

 

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾. [الأحزاب: 56]اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القيم والأسرة
  • أسرة عصرية (قصة)
  • تعريف الأسرة
  • أهداف الأسرة
  • أسرة قرآنية
  • تكوين الأسرة
  • أسرتك أمانة

مختارات من الشبكة

  • الأسرة السعيدة بين الواقع والمأمول (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر البصمة الوراثية في تصحيح النسب(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • دور الأسرة في علاج وتدريب الطفل المعاق(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • سلسلة فقه الأسرة: الخطبة (1) أسس بناء الأسرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مشاهد التكريم للأسرة يوم القيامة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد تربوية لمائدة طعام الأسرة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الأسرة ومقومات البيت المسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التربية الإبداعية والأسرة المسلمة (1)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • غانا: منظمة إنسانية تدعم المسلمين خلال شهر رمضان(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ندوة الأحد للدكتور راشد المبارك(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب