• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

القهار - القاهر جل جلاله، وتقدست أسماؤه

القهار - القاهر جل جلاله، وتقدست أسماؤه
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/5/2024 ميلادي - 4/11/1445 هجري

الزيارات: 1341

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القهار - القاهر جل جلاله، وتقدست أسماؤه


عَنَاصِرُ الْمَوْضُوعِ:

أولًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (القَهَّارِ).

ثانيًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (القَاهِرِ).

ثالثًا: وُرُودُهُ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ.

رابعًا: مَعْنَى الاسْمَينِ فِي حَقِّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

خامسًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بهَذَيْنِ الاسْمَينِ.

سادسًا: المعَانِي الإِيمَانِيَّةُ.

 

النِّيَّاتُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا الُمحَاضِرُ قَبْلَ إِلْقَاءِ هَذِهِ الُمحَاضَرَةِ:

أولًا: النِّيَّاتُ العَامَّةُ:

1- يَنْوي القيامَ بتبليغِ الناسِ شَيْئًا مِنْ دِينِ الله امْتِثَالًا لقولِ النبيِّ غ: «بلِّغُوا عَني ولَوْ آيةً» رواه البخاري.

 

2- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ مَجْلِسِ العِلْمِ[1].

 

3- رَجَاءَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ مَجْلِسِه ذلك مَغْفُورًا لَهُ[2].

 

4- يَنْوِي تَكْثِيرَ سَوَادِ المسْلِمِينَ والالتقاءَ بِعِبادِ الله المؤْمِنينَ.

 

5- يَنْوِي الاعْتِكَافَ فِي المسْجِدِ مُدةَ المحاضرة ـ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ مِنَ الفُقَهَاءِ ـ لَأَنَّ الاعْتِكَافَ هو الانْقِطَاعُ مُدَّةً للهِ في بيتِ الله.

 

6- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى أَجْرِ الخُطُوَاتِ إلى المسْجِدِ الذي سَيُلْقِي فيه المحَاضَرَةَ[3].

 

7- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، إذا كانَ سَيُلْقِي مُحَاضَرَتَه مثلًا مِنَ المغْرِبِ إلى العِشَاءِ، أَوْ مِنَ العَصْرِ إِلَى الَمغْرِبِ[4].

 

8- رَجَاءَ أَنْ يَهْدِي اللهُ بسببِ مُحَاضَرَتِه رَجُلًا، فَيَأْخُذَ مِثْلَ أَجْرِهِ[5].

 

9- يَنْوِي إرْشَادَ السَّائِليِنَ، وتَعْلِيمَ المحْتَاجِينَ، مِنْ خِلَالِ الرَّدِّ عَلَى أَسْئِلَةِ المسْتَفْتِينَ[6].

 

10- يَنْوِي القِيَامَ بِوَاجِبِ الأمرِ بالمعروفِ، وَالنهيِ عَنِ الُمنْكَرِ ـ بالحِكْمَةِ والموعظةِ الحسنةِ ـ إِنْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي ذلك.

 

11- يَنْوِي طَلَبَ النَّضْرَةِ الَمذْكُورَةِ فِي قولِ النبيِّ غ: «نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْها»، رواه أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (6766).

 

ثُمَّ قَدْ يَفْتَحُ اللهُ عَلَى الُمحَاضِرِ بِنِيَّات صَالِحَةٍ أُخْرَى فَيَتَضَاعَفُ أَجْرُه لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، مُتَّفَقٌ عَلَيه.

 

ثانيًا: النِّيَّاتُ الخَاصَّةُ:

1- تَنْوِي تَعْرِيفَهَم بِمَعَانِي اسْمَي الله تَعَالَى (القَاهِرِ ـ والقَهَّارِ).

2- تَنْوِي حَثَّهم عَلَى الاسْتِعَانَةِ بالله عَلَى كُلِّ ظَالمٍ وَمُتَجَبِّرٍ.

3- تَنْوِي تَحْذِيرَهُمْ مِنَ التَّكَبُّرِ والتَجَبُّرِ.

4- تَنْوِي لَفْتَ نَظَرِهم إلى أَنَّ العِزَّةَ إِنَّمَا تُطْلَبُ مِنَ الله وَحْدَهُ؛ لأَنَّهُ هُوَ القَهَّارُ، وَمَا دُونَهُ مَقْهُورٌ لَهُ سُبْحَانَهُ.

 

أولًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (القَهَّارِ)

القَهَّارُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، فَعَّالٍ مِنَ اسْمِ الفَاعِلِ القَاهِرِ.

والفَرْقُ بَيْنَ القَاهِرِ والقَهَّارِ أَنَّ القَاهِرَ هُوَ الذي لَهُ عُلُوُّ القَهْرِ الكُلِّيِّ المطْلَقِ باعْتِبَارِ جَمِيعِ المخْلُوقَاتِ وَعَلَى اخْتِلَافِ تَنَوِّعِهم، فَهُوَ قَاهِرٌ فوَقَ عِبَادِهِ، لَهُ عُلُوُّ القَهْرِ مُقْتَرِنًا بِعُلُوِّ الشَّأْنِ والفَوْقِيَّةِ، فَلَا يَقْوَى مَلِكٌ مِنَ الملُوكِ عَلَى أَنْ يُنَازِعَهُ فِي عُلُوِّهِ مَهْمَا تَمادَى فِي سُلْطَانِهِ وَظُلْمِهِ وَإِلَّا قَهَرَهُ القَهَّارُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَمقْهُورَ يَحْتَمِي مِنْ مَلِكٍ بِمَلِكٍ، وَيَخْرُجُ بِخَوْفِهِ مِنْ سُلْطَانِ أَحَدِهما لِيَتَقَوَّى بِالآخَرِ، لَكِنَّ الملوكَ جَمِيعًا إِذَا كَانَ فَوْقَهم مَلِكٌ قَاهِرٌ قَادِرٌ فَإِلَى مَنْ يَخْرُجُونَ وإلى جِوارِ مَنْ يَلْجَئُونَ؟

 

قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [المؤمنون: 88].

 

وَعِنْدَ البُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ البَرَاءِ ت أَنَّ النَّبِيَّ غ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغَبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ»[7]، فَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنَ الله إِلَّا إِلَيْهِ، فَالقَاهِرُ هُوَ الَّذِي لَهُ عُلُوُّ القَهْرِ الكُلِّي الُمطْلَقُ.

 

أَمَّا القَهَّارُ فهو الذي له عُلُوُّ القَهْرِ باعْتِبَارِ الكَثْرَةِ والتَّعْيينِ فِي الجُزْءِ، أَوْ باعْتِبَارِ نَوْعِيَّةِ المقْهُورِ، فاللهُ ﻷ أَهْلَكَ قَوْمَ نُوحٍ وقَهَرَهَمْ، وقَهَرَ قَوْمَ هُودٍ، وَقَهَرَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ والنَّمْرُودَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى * هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى ﴾ [النجم: 50 - 56].

 

وَقَهَرَ قَوْمَ صَالِحٍ وَقَوْمَ لُوطٍ، وَقَهَرَ أَبَا جَهْلٍ وَالُمشْرِكِينَ وَقَهَرَ الفُرْسَ والصَّلِيبِيينَ، واللهُ سُبْحَانَهُ قَهَّارٌ لِكُلِّ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ، والدُّنْيَا فِيهَا المُتَكَبِّرُونَ وَمَا أَكْثَرَهُمْ، وَفِيهَا الُمجْرِمُونَ وَمَا أَظْلَمَهُمْ، والُمسْتَضْعَفُونَ كَثِيرُونَ وَعَاجِزُونَ يَفْتَقِرُونَ إِلَى مُعِينٍ قَهَّارٍ، وَمَلِكٍ قَادِرٍ جَبَّارٍ، فَالوَاحِدُ القَهَّارُ هُوَ مَلْجَؤُهُمْ وَهُوَ بِالِمرْصَادِ لِكُلِّ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴾ [الفجر: 6 - 13].

 

فَالقَهَّارُ كَثِيرُ القَهْرِ، قَهْرُهُ عَظِيمٌ أَلِيمٌ، يَقْصِمُ ظَهْرَ الجَبَابِرَةِ مِنْ أَعْدَائِهِ فَيِقْهَرُهُمْ بالإِمَاتَةِ والإِذْلَالِ، وَيَقْهَرُ مَنْ نَازَعَهُ في أُلُوهِيَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَرَبُوبِيَّتِهِ وَحَاكِمِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ[8].

 

ثانيًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (القَاهِرِ)

القَاهِرُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ للمَوْصُوفِ بِقَهْرِ غَيْرِهِ، فِعْلُهُ قَهَرَ يَقْهَرُ قَهْرًا.

 

وَقَهْرَتُ الشَّيْءَ غَلَبْتُهُ وَعَلَوْتُ عَلَيْهِ مَعَ إِذْلَالِهِ بِالاضْطِرَارِ، تَقُولُ: أَخَذتُهُم قَهْرًا أَيْ مِنْ غَيْرِ رِضَاهم، وأُقهِرَ الرَّجُلُ إِذَا وَجَدْتَه مَقْهُورًا، أَوْ صَارَ أَمْرُهُ إِلَى الذُّلِّ والصَّغَارِ والقَهْرِ.

 

وعند الترمذيِّ وصححهُ الألبانيُّ من حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ت مَرْفُوعًا فِي شَأْنِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ: «فَيَقُوُلونَ: قَهَرْنَا مَنْ فِي الأَرْضِ وَعَلَوْنَا مَنْ فِي السَّمَاءِ قَسْوَةً وَعُلُوًّا»[9].

 

وَرَوَى أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبٍ الأنصارِي ت أَنَّ النَّبِي غ قَالَ: «وَلَمْ يَعْمَلْ يَوْمَئِذٍ عَمَلًا يَقْهَرُهُنَّ.. الحديث»[10].

 

والقَاهِرُ سُبْحَانَهُ هُوَ الغَالِبُ عَلَى جَمِيعِ الخَلَائِقِ عَلَى المعْنَى العَامِ، الذِي يَعْلُو فِي قَهْرِهِ وَقُوَّتِهِ فَلا غَالِبَ ولا مُنَازِعَ له، بلْ كُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 91]، فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا العَالَمِ إِلَّا إلهٌ وَاحِدٌ ؛ لَأَنَّ اللهَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ لَهُ العُلُوُّ والغَلَبَةُ، فَلَوْ فَرَضْنا وُجُودَ إلهينِ اثْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ومُتَضَادَّيْنِ وأرَادَ أَحَدُهما شيئًا خَالَفَهُ الآخَرُ، فلا بُدَّ عِنْدَ التَّنَازُعِ مِنْ غَالِبٍ وَخَاسِرٍ، فالذي لا تَنْفَذُ إرَادَتُه هُوَ الَمغْلُوبُ العَاجِزُ، وَالَّذِي نَفَذَتْ إِرَادَتُهُ هُوَ القَاهِرُ القَادِرُ، وَاللُه ﻷ قَالَ عَنْ نَفْسِهِ: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61]؛ أَيْ هُوَ الَّذِي قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَضَعَ لِجَلَالِهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَذَلَّ لِعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَعَلَا عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ.

 

قَالَ ابنُ جَريرٍ: «ويَعْنِي بِقَوْلِهِ القَاهِرِ أَيْ الُمذلِّلُ المُسْتَعْبِدُ خَلْقَهُ العَالِي عَلَيْهِمْ، وإنما قالَ فَوْقَ عِبَادِهِ لأَنَّهُ وَصَفُ نَفْسَهُ تَعَالَى بِقَهْرِهِ إِيَّاهُمْ وَمِنْ صِفَةِ كُلِّ قَاهِرٍ شَيْئًا أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِ، فَمَعْنَى الكَلَامِ إذًا: واللهُ الغَالِبُ عِبَادَهُ المذِلُّ لهم العَالِي عليهم بتذليلِه لهمُ وخلْقِهِ إِيَّاهُمْ، فهو فَوْقَهَم بِقَهْرِهِ إِيَّاهُمْ وَهُمْ دُونَهَ[11].

 

ثالثًا: وُرُودُهُ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ[12]:

(القَهَّارُ) فَعَّالٌ، مَبَالَغَةٌ مِنَ (القَاهِرِ) فَيَقْتَضِي تَكْثِيرَ القَهْرِ.

 

وَقَدَ وَرَدَ الاسْمُ (القَاهِرُ) في الكِتَابِ العَزِيزِ مَرَّتَينِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 18].

 

وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61].

 

و(القَهَّارُ) وَرَدَ سِتَّ مَرَّاتٍ مِنْها قَوْلُه تَعَالَى: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: 16].

 

وَقَوْلُه تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر: 16].

 

رابعًا: مَعْنَى الاسْمَينِ في حَقِّ الله تَعَالَى:

قَالَ ابنُ جَرِيرٍ: «(القَاهِرُ) الُمذَلِّلُ الُمسْتَعْبِدُ خَلْقَهُ العَالِي عَلَيْهِم، وَإِنَّمَا قَالَ فَوْقَ عِبَادِهِ لأَنَّهُ وَصَفَ نَفْسَهُ تَعَالَى بِقَهْرِهِ إِيَّاهُم، وَمِنْ صِفَةِ كُلِّ قَاهِرٍ شَيْئًا أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْلِيًا عليه، فَمَعْنَى الكَلَامِ إِذًا: وَاللهُ الغَالِبُ عِبَادَهُ الُمذَلِّلُ لَهُمْ، العَالِي عَلَيْهِم بِتَذْلِيلِهِ لهم وخَلْقِهِ إِيَّاهُم، فَهُوَ فَوْقَهُمْ بِقَهْرِهِ إِيَّاهُم وَهُمْ دُونَهُ»[13].

 

وَقَالَ ابنُ كَثِيرٍ: «﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾ [الأنعام: 18]؛ أَيْ: هُوَ الذي خَضَعَتْ له الرِّقَابُ، وذَلَّتْ لَهُ الجَبَابِرَةُ، وَعَنَتْ لَهُ الوُجُوهُ وقَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ، وَدَانَتْ لَهُ الخَلَائِقُ وَتَوَاضَعَتْ لِعَظَمَةِ جَلالِهِ وكِبْرِيَائِهِ وعَظَمَتِهِ وَعُلُوِّهِ وقُدْرَتِهِ على الأشْيَاءِ، واسْتَكَانَتْ وَتَضَاءَلَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَحْتَ قَهْرِهِ وحُكْمِهِ»[14].

 

وقَالَ الخَطَّابِيُّ: «(القَهَّارُ): هو الذي قَهَرَ الجَبَابِرَةَ مِنْ عُتَاةِ خَلْقِهِ بِالعُقُوبَةِ، وقَهَرَ الخَلْقَ كُلَّهم بالَموْتِ»[15].

 

وقال الزجاج: «واللهُ تَعَالَى قَهَرَ الُمعَانِدِينَ بِمَا أَقَامَ مِنَ الآيَاتِ والدِّلَالَاتِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَقَهَرَ جَبَابِرَةَ خَلْقِهِ بِعِزّ سُلْطَانِهِ، وَقَهَرَ الخَلْقَ كُلَّهُم بالَموْتِ»[16].

 

وقال الحليمي: «(القَاهِرُ) وَمَعْنَاهُ: إِنَّهُ يُدَبِّرُ خَلْقَهُ بِمَا يُرِيدُ، فَيَقَعُ فِي ذلك ما يَشُقُّ ويَثْقُلُ وَيَغُمُّ ويُحْزِنُ، ويَكُونَ مِنْهُ سَلْبُ الحَيَاةِ أَوْ نَقْصُ الجَوَارِحِ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ رَدَّ تَدْبِيرِهِ والخَرُوجَ مِنْ تَقْدِيرِهِ».

 

وَقَالَ فِي (القَهَّارِ): «أَنْ يَقْهَرَ ولا يُقْهَرَ بِحَالٍ»[17].

 

وَقَالَ ابنُ القَيِّمِ في (النُّونِيَّةِ):

وَكَذَلِكَ القَهَّارُ مِنْ أَوْصَافِهِ
فالخَلْقُ مَقْهُورُونَ بالسُّلْطَانِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا عَزِيزًا قَادِرًا
مَا كَانَ مِنْ قَهْرٍ وَلَا سُلْطَانِ[18]

 

خامسًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بهذين الاسْمَينِ:

1- إِنَّ القَهَّارَ عَلَى الحَقِيقَةِ هو اللهُ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ، هو قَهَرَ وَغَلَبَ عِبَادَهُ أَجْمَعِينَ، حَتَّى إِنَّ أَعْتَى الخَلْقِ يَتَضَاءَلُ ويَتَلَاشَى أَمَامَ قَهْرِ الله وَجَبَرُوتِهِ، فَهَا هُوَ الَموْتُ الذي كَتَبَهُ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ لَا يَسْتَطِيعُ الخَلْقُ رَدَّهُ أَوْ دَفْعَهُ عَنْ أَنْفُسِهِم، وَلَوْ أُوتُوا مِنَ القُوَّةِ والجَبَرَوتِ مَا أُوتُوا، وقَدْ ذَكَرَ اللهُ الَموْتَ قريبًا مِنْ وَصْفِهِ نَفْسَهَ بـ (القَاهِرِ) لِيُذَكِّرَهُم بِشَيْءٍ قَدْ قَهَرَهم به أَجْمَعِينَ وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 61، 62]، ومِمَّا قَهَرَهم بِهِ أيضًا: الأَمْرَاضُ والَمصَائِبُ والنَّكَبَاتُ التي لا يَمْلِكُونَ رَدَّهَا عَنْ أَنْفُسِهِم.

 

وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: القَهَّارُ الذي طَاحَتْ عِنْدَ صَوْلَتِهِ صَوْلَةُ الَمخْلُوقِينَ، وبَادَتْ عِنْدَ سَطْوَتِهِ قُوَى الخَلَائِقَ أَجْمَعِينَ.

 

قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر: 16].

 

فَأَيْنَ الجَبَابِرَةُ والأَكَاسِرَةُ عِنْدَ ظُهُورِ هذا الخِطَابِ؟ وأَيْنَ الأَنْبِيَاءُ والُمرْسَلُونَ؟ والَملَائِكَةُ الُمقَرَّبُونَ فِي هَذَا العِتَابِ؟ وأَيْنَ أَهْلُ الضَّلَالِ والإلْحَادِ؟ والتَّوْحِيدِ والإرْشَادِ؟ وَأَيْنَ آدَمُ وذُرِّيَّتُهُ؟ وأَيْنَ إِبْلِيسُ وشِيعَتُهُ؟ وَكَأَنَّهم بَادُوا وانْقَضَوا، زَهَقَتِ النُّفُوسُ وَتَبَدَّدَتِ الأَرْوَاحُ، وتَلَفَتِ الأَجْسَامُ والأَشْبَاحُ، وَتَفَرَّقَتْ الأَوْصَالُ، وَبَقِيَ المَوْجُودَ الذي لَمْ يَزَلْ ولا يَزَالُ[19].

 

2- وأَمَّا صِفَةُ القَهْرِ فِي الخَلْقِ فَغَالِبًا مَا تَكُونُ مَذْمُومَةً لِقِيَامِها عَلَى الظُّلْمِ والطُّغْيَانِ، والتَّسَلُّطِ على الضُّعَفَاءِ والفُقَرَاءِ، كَمَا قَالَ فِرْعَوْنُ لَعَنَهُ اللهُ: ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [الأعراف: 127].

 

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾ [الضحى: 9]؛ أَيْ: لَا تُسَلَّطْ عليه بالظُّلْمِ وادْفَعْ إليه حَقَّهُ، وخَصَّ اليَتِيمَ لأَنَّهُ لا نَاصِرَ لَهُ غَيْرُ الله تَعَالَى، فَغَلَّظَ في أَمْرِهِ بِتَغْلِيظِ العُقُوبَةِ عَلَى ظَالِمهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ [الضحى: 10]؛ أَيْ: لَا تَزْجُرْهُ ولا تُغْلِظْ لَهُ القَوْلَ.

 

﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11]؛ قَالَ القُرْطُبِيُّ: «وَهَذِهِ هي النِّعْمَةُ العُظْمَى، وهي مَا مَنَّ اللهُ عَلَيهِ مَنَ الرِّسَالَةِ والنُّبُوَّةِ والخُلَّةِ والَمحَبَّةِ والعِلْمِ والحِكْمَةِ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُظْهِرَ ذلك، ويُشِيعَهُ، وَيُحَدِّثَ بِهِ، ويُعَلِّمَ الجَاهِلَ غَيْرَ مُـمْتَنٍّ عليه ولا مُتَطَاوِلٍ ولا قَاهِرٍ له».

 

وَكَذَلِكَ قَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ الحَكَمِ السُّلَمِي: «فَبِأَبي هو وأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَه ولا بَعْدَه أَحْسَنُ تَعْلِيمًا منه، فَوَالله ما كَهَرَني ولا ضَرَبَني ولا شَتَمَنِي» الحَدِيثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ[20].

 

وقُرِئَ ﴿ فَلَا تَكْهَرْ ﴾ بالكَافِ، في قِرَاءةِ عَبْدِ الله بنِ مسعودٍ، قَالَ الكِسَائِيُّ: «كَهَرَهُ وقَهَرَه بِمَعْنَىً»[21].

 

3- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61]، يُسْتَفَادُ مِنْهُ صِفَةُ العُلُوِّ للهِ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ، سَوَاء عُلُوّ (الَمكَانَةِ والرُّتْبَةِ) أو عُلُوّ (المَكَانِ والِجهَةِ)، وقَدْ تَضَافَرَتْ أَدِلَّةُ الكِتَابِ والسُّنَّةِ عليه ـ أَيْ الثَّانِي ـ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5].

 

وَقَوْلِهِ: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16].

 

4- أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هو الذي قَهَرَ الخَلْقَ جَمِيعًا عَلَى مَا أَرَادَ.

 

5- إِنَّ اللهَ هُوَ القَهَّارُ الُمسْتَحِقُّ للعِبَادَةِ والأُلُوهِيَّةِ وما سِوَاهُ مِنَ الآلِهَةِ فَإِنَّمَا هي مَخْلُوقَاتٌ عَاجِزَةٌ مَقْهُورَةٌ، لا تَمْلِكُ أَنْ تَرُدَّ الضُّرّ عَنْ نَفْسِها فَكَيْفَ تَقْهَرُ غَيْرَها؟ بهذا جَادَلَ نَبِيُّ الله يُوسُفُ غ صَاحِبَيْهِ في السِّجْنِ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39]، فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ آلِهَتَهَمْ مُتَعَدِّدَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ، وَالعَابِدُ لها مُتَحِيِّرٌ أَيُّها يُرْضِي، وأنها مُسَخَّرَةٌ وَمَقْهُورَةٌ للهِ وفي قَبْضَتِهِ، وَلَيْسَ لَهَا من الأُلُوهِيَّةِ إِلَّا الاسْمُ الذي أُعْطِيَ لها زُورًا وبُهْتَانًا دُونَ حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ: ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40].

 

سادسًا: الَمعَانِي الإِيمَانِيَّةُ:

«بَلِ القَهْرُ والوحْدَةُ مُتَلَازِمَانِ، فالُملْكُ والقُدْرَةُ والقُوَّةُ والعِزَّةُ كُلُّهَا للهِ الواحِدِ القَهَّارِ، وَمَنْ سِوَاهُ مَرْبُوبٌ مَقْهُورٌ، لَهُ ضِدٌّ ومُنَافٍ ومُشَارِكٌ..

 

فَخَلَقَ الرِّيَاحَ وسَلَّطَ بَعْضَها عَلَى بَعْضٍ تُصَادِمُها وتُكَسِّرُ سَوْرَتَها وتَذْهَبُ بِهَا، وخَلَقَ الَماءَ وسَلَّطَ عَلَيْهِ الرِّيَاحَ تُصَرِّفُهُ وتُكَسِّرُهُ، وخَلَقَ النَّارَ وسَلَّطَ عَلَيْهَا الَماءَ يُكَسِّرُها ويُطْفِئُها، وخَلَقَ الحَدِيدَ وَسَلَّطَ عليه النَّارَ تُذِيبُه وتُكَسِّرُ قُوَّتَهُ، وَخَلَقَ الِحجَارَةَ وسَلَّطَ عَلَيْهَا الحَدِيدَ يُكَسِّرُها ويُفَتِّتُها، وخَلَقَ آدَمَ وذُرِّيَّتَهُ وَسَلَّطَ عَلَيْهِ إِبْلِيسَ وذُرِّيَّتَه، وخَلَقَ إِبْلِيسَ وذُرِّيَّتَهُ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الَملَائِكَةَ يُشَرِّدُونَهم كُلَّ مُشَرَّدٍ ويَطْرُودُنَهم كُلَّ مُطَرَّدٍ.

 

وَخَلَقَ الحَرَّ والبَرْدَ والشِّتَاءَ والصَّيْفَ وسَلَّطَ كلا منهما على الآخَرِ يُذْهِبهُ ويَقْهَرُه وخَلَقَ اللَّيلَ والنَّهَارَ وقَهَرَ كَلًّا مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ، وكذلك الحَيْوَانُ عَلَى اخْتِلَافِ ضُرُوبِهِ مِنْ حَيَوانِ البرِّ والبَحْرِ لِكُلٍّ منه مُضَادٌّ ومُغَالِبٌ.

 

فاسْتَبَانَ للعقولِ والفِطَرِ أَنَّ القَاهِرَ الغَالِبَ لذلك كُلِّه وَاحِدٌ، وَأَنَّ تَمَامَ مُلْكِهِ إِيجَادُ العَالَمِ عَلَى هَذَا الوَجْهِ وَرَبْطُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وإِحْوَاجُ بَعْضِهِ إلى بَعْضٍ وَقَهْرُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وابْتِلَاءُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وامْتَزَجَ خَيْرُهُ بِشَرِّهِ وجَعَلَ شَرَّهُ لخيْرِه الفِدَاءَ.

 

وَلهذا يُدْفَعُ إلى كُلِّ مُؤْمِنٍ يَوْمَ القِيَامَةِ كَافِرٌ فَيُقَالُ له: هذا فِدَاؤُك مِنَ النَّارِ.

 

وَهَكَذا المؤْمِنُ في الدُّنْيا يُسَلَّطُ عليه الابْتِلَاءُ والامْتِحَانُ والمصَائِبُ مَا يَكُونُ فِدَاؤُه مِنْ عَذَابِ الله، وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الأَسْبَابُ فِدَاءً له مِنْ شُرُورٍ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي هَذَا العَالَمِ أَيْضًا، فَلْيُعْطِ اللَّبِيبُ هذا الموْضِعَ حَقَّهُ من التَّدَبُّرِ يَتَبَيَّنَ له حِكْمَةُ اللَّطِيفِ الخَبِيرِ»[22].



[1] رَوَى مسلمٌ عن أبي هريرةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: “ما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بيتٍ مِنْ بِيوتِ الله، يَتْلُونَ كِتابَ الله ويَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلا نزلتْ عَليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُم الملائكةُ، وَذَكَرَهُم اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».

[2] َروَى الإمامُ أَحمدُ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (5507) عن أنسِ بنِ مالكٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: “مَا اجْتَمَعَ قَومٌ عَلَى ذِكْرٍ، فَتَفَرَّقُوا عنه إلا قِيلَ لَهُمْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُم»، ومَجَالِسُ الذِّكْرِ هِيَ المجالسُ التي تُذَكِّرُ بِالله وبآياتهِ وأحكامِ شرعهِ ونحو ذلك.

[3] في الصحيحين عن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: “مَنْ غَدَا إلى المسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللهُ له في الجنةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ».

وفي صحيح مُسْلِمٍ عَنْه أيضًا أَنَّ النَّبِي غ قَالَ: “مَنْ تَطَهَّرَ في بيتهِ ثُمَّ مَضَى إلى بيتٍ مِنْ بيوتِ الله لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ الله كانتْ خُطُواتُه: إِحدَاها تَحطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرَى تَرْفَعُ دَرجةً».

[4] رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ت أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: “لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ في صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُه، لا يَمْنَعُه أَنْ يَنْقَلِبَ إِلى أهلهِ إلا الصلاةُ».

ورَوَى البُخَاريُّ عَنه أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: “الملائكةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكم مَا دامَ في مُصَلَّاهُ الذي صَلَّى فيه، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللهُمَّ ارْحَمْه».

[5]، (4) رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ أَن النَّبِيَّ غ قَالَ لعلي بنِ أبي طالبٍ: “فوالله لأنْ يَهْدِي اللهُ بك رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النِّعَمِ».

رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: “مَنْ دَعَا إلى هُدَىً كَانَ لَه مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَه، لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهم شيئًا».

[6] رَوَى التِّرْمِذِيُّ وصحَّحَه الألبانيُّ عن أبي أمامةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: “إنَّ اللهَ وملائكتَه، حتى النملةَ فِي جُحْرِها، وحتى الحوتَ في البحرِ لَيُصَلُّون عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخيرَ»، وَصلاةُ الملائكةِ الاسْتِغْفَارُ.

[7] أخرجه البخاري (244).

[8] المقصد الأسنى (77)، شرح أسماء الله للرازي (229)، الأسماء والصفات للبيهقي (82).

[9] الترمذي في التفسير، باب ومن سورة الكهف (5/ 313) (3153)، وانظر: السلسلة الصحيحة (3153).

[10] أحمد في المسند (5/ 420) (23614)، وانظر: السلسلة الصحيحة (114)، وانظر: لسان العرب (5/ 120).

[11] تفسير ابن جرير (7/ 161)، وانظر: تفسير البيضاوي (2/ 398)، وتفسير القرطبي (6/ 399).

[12] النهج الأسمى (1/ 181-185).

[13] جامع البيان (7/ 103)، (7/ 138-139)، (12/ 130).

[14] تفسير ابن كثير (2/ 126)، (2/ 138-479)، (4/ 74).

[15] شأن الدعاء (ص: 53) وانظر: فتح القدير (3/ 74)، روح المعاني (12/ 244).

[16] تفسير الأسماء (ص: 38).

[17] المنهاج (1/ 202) وذكره في الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه، ونقله البيهقي في الأسماء (ص: 61).

[18] النونية (2/ 232)، وانظر: تيسير الكريم (5/ 2-3).

[19] انظر: شرح الأسماء للرازي (ص 222).

[20] صحيح مسلم (537).

[21] الكتاب الأسنى (ورقة 304 أ).

[22] طريق الهجرتين (ص: 233).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الكافي جل جلاله، وتقدست أسماؤه (1)
  • المؤمن جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • الوارث جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • الوتر جل جلاله، وتقدست أسماؤه (1)
  • المهيمن جل جلاله، وتقدست أسماؤه (1)
  • القوي - المتين جل جلاله، وتقدست أسماؤه (1)
  • القدوس جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • القوي المتين جل جلاله، وتقدست أسماؤه (2)
  • القيوم جل جلاله وتقدست أسماؤه
  • الكبير المتكبر جل جلاله وتقدست أسماؤه
  • المستعان جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • المسعر جل جلاله، وتقدست أسماؤه

مختارات من الشبكة

  • معاني أسماء الله: القوي، المتين، القاهر، القهار، القريب، الوارث(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معاني أسماء الله الحسنى ومقتضاها (القاهر القهار)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اسم الله القاهر / القهار تأصيلا وفقها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التأمينات من الأخطار بإذن الواحد القهار(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • آية الواحد القهار في تعاقب الليل والنهار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فتح العزيز القهار في أحكام الانتحار (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • العظمة والإبهار في قول الواحد القهار: (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • هو الله الواحد القهار (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • وهو الواحد القهار (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب