• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الصيام ورمضان وما يتعلق بهما
علامة باركود

وداع رمضان واستراتيجية المسلم (خطبة)

وداع رمضان واستراتيجية المسلم (خطبة)
حسان أحمد العماري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/4/2024 ميلادي - 4/10/1445 هجري

الزيارات: 6226

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وداع رمضان واستراتيجية المسلم

 

الحمد لله اللطيف الرؤوف المنان، الغني القوي السلطان، الحليم الكريم الرحيم الرحمن، الأول فلا شيء قبله، الآخر فلا شيء بعده، الظاهر فلا شيء فوقه، الباطن فلا شيء دُونَه، المحيط عِلْمًَا بما يكونُ وما كان.


يُعِزُّ وَيُذِلُ، ويُفْقِرُ ويُغْنِي، ويفعلُ ما يشاء بحكْمتِهِ، كلَّ يَوْم هُو في شأن؛ أرسى الأرضَ بالجبالِ في نَوَاحِيها، وأرسَلَ السَّحاب الثِّقالَ بماءٍ يُحْييْها، وقَضَى بالفناءِ على جميع سَاكِنِيها؛ لِيَجزِيَ الذين أساؤوا بِمَا عَمِلوا ويَجْزِي المُحْسنين بالإِحسان. أحْمَدُه على الصفاتِ الكاملةِ الحِسَان، وأشكرُه على نِعَمِهِ السَّابغةِ، وبَالشُّكرِ يزيد العطاء والامْتِنَان.

 

وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحْدَه لا شريكَ له المَلِكُ الدَّيَّان، وأشهد أنَّ محمدًا عَبْدُهُ ورسولُهُ المبعوثُ إلى الإِنس والجان، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعينَ لهم بإحسان، ما توالت الأزمان، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

عباد الله: ما أسرعَ ما تنقضِي الليالي والأيّام! وما أعجلَ ما تنصرِم الشهور والأعوام! وهذه سُنّة الحيَاة؛ أيّامٌ تمرّ، وأعوَام تكرّ، وفي تقلّب الدّهر عِبر، وفي تغيُّر الأحوال مُدّكَر، قال -تعالى-: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [فاطر:37]. فهذا شهرُ رَمضانَ تقوَّضَت خِيامه، وتصرَّمت لياليه وأيّامُه، قرُب رَحيلُه، وأزِف تحويلُه، انتصَب مودِّعا، وسَار مسرعا، ولله الحمد على ما قضَى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم، فاستدركِوا -رحمكم الله- بقيّتَه بالمسارعة إلى المكارم والخيرات، واغتنامِ الفضائل والقرُبات، ومَن أحسن فعليه بالتمام، ومن فرَّط فليختم بالحسنى؛ فالعمل بالخِتام، قال -تعالى-: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس:26].

 

وإنه ينبغي لنا أن نودع رمضان بإعداد خطةٍ استراتيجيةٍ، وبرنامجٍ عمليٍّ يستمر المسلم في أدائه والقيام به طوال العام؛ وبذلك يكون ممن استفاد من رمضان، وممن تعرضوا لنفحات الرحمن، وممن قَبِلَهم الواحد الدَّيَّان.

 

فيعزم المسلم على المحافظة على الصلوات، والتقرب إلى الله بالنوافل والطاعات، وأن يكون له وردٌ من القرآن يقرؤه، أو يسمعه، ويتدبر آياته كل يوم.

 

وعلى المسلم المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وأن يكثر من ذكر الله على كل حال، وعليه تربية نفسه على إتقان الأعمال، وإخلاص النية، ومراقبة الله، والخوف منه.

 

ومن ذلك أن يزكي نفسه بالأخلاق الفاضلة التي تعلم الكثير منها في شهر رمضان، كالصدق، والصبر، والحلم، والعفو، والتسامح، وسلامة المنطق، والبعد عن الفحش والبذاءة والسباب، فتكون زادًا له طَوَال العام، يتخلق بها في المجتمع؛ فيحبه الله، ويحبه الناس.

 

ومن خطة المسلم وبرنامجه في وداع رمضان أن يعزم على القيام بحسن رعاية أهله وتربية أولاده، والإحسان لجيرانه، وصلة أرحامه، وأن يحفظ جوارحه عن المعاصي والآثام، وأن يكون عضوًا فاعلًا وصالحًا وإيجابيًا في مجتمعه، آمرًا بالمعروف، وناهيًا عن المنكر، حسب قدرته واستطاعته، ومسارعًا إلى كل خير، وداعيًا إلى كل فضيلة، يحب للمسلمين ما يحب لنفسه، ويبغض لهم ما يبغض لنفسه.

 

فمن لم يقم بذلك، ولم يعزم على ذلك، ولم يُحدِّث نفسه بذلك؛ فإنه لم يستفد من رمضان، ولم يتعرض لنفحات الرحمن في هذا الشهر، ونعوذ بالله أن يكون ممن كتب الله عليهم الشقاء والحرمان بسبب سوء أعمالهم، وجرأتهم وتقصيرهم وتسويفهم وإهمالهم.

 

وقد حذر -سبحانه- من النكوص بعد الإقدام، ومن المعصية بعد الطاعة، ومن العقوق بعد البر والصلة، فقال -سبحانه-: ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [النحل:92].

 

وعلى المسلم أن يُكثر من الدعاء بأن يتقبل الله منه صيامه وقيامه وسائر العبادات والطاعات التي قام بها في رمضان وغير رمضان، فقد وصف الله حال عباده المؤمنين بعد القيام بالعبادات والطاعات بأنهم: ﴿ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون:60]، أي: يخافون أن ترد أعمالهم.

 

قال الإمام علي -رضي الله عنه-: كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الحق -عز وجل-: ﴿ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة:27]، وكان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري! مَن هذا المقبول منَّا فنهنيه؟! ومن هذا المحروم فنعزيه؟!. ثم ينادي: أيها المقبول، هنيئًا لك! أيها المردود، جبر الله مصيبتك!

 

أيها المؤمنون عباد الله: كما ينبغي أن نودع رمضان بقيام كل واحدٍ منا، رجلًا كان أم امرأة، بصناعة ابتسامة مشرقة، وبسرورٍ ندخله قلوبَ مَن حولنا، وإن هذا العمل وهذه العبادة من أعظم وأجَلّ العبادات عند الله -سبحانه وتعالى-، قال -صلي الله عليه وسلم-: أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دَيْنًَا، أو تطرد عنه جوعا؛ ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرًا، ومَن كف غضبَه ستر الله عورته، ومَن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضًا يوم القيامة، ومَن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله -تعالى- قدمه يوم تزل الأقدام؛ وإنَّ سوء الخلق ليُفْسِدُ العمل كما يفسد الخلُّ العسلَ. صحيح الجامع.

 

ونودع رمضان بابتسامةٍ وسرور ندخله على الآباء والأمهات، وذلك بطاعتهما وبرهما وصلتهما، والإنفاق عليهما، وذلك من أعظم أبواب الجهاد؛ فعن عبد الله بن عمرو، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحيٌّ والداك؟، قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد. أخرجه البخاري.

 

وفي لفظ عند مسلم: ارجع إلى والديك فأحسِنْ صحبتهما، وفي لفظٍ عند أبي داود: ارجع فأضْحِكْهُمَا كما أبكيتَهما. فإدخال السرور عليهما، ورسم البسمة في شفتيهما، من أعظم العبادات، أعظم حتى من الجهاد في سبيل الله.

 

ولقد نهى -صلى الله عليه وسلم- عن عقوقهما، وعَدَّهُ من الكبائر، فعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟، قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. رواه البخاري ومسلم.

 

وكما أن للصائم بابًا إلى الجنة هو بابُ الريان، فكذلك الوالدان؛ فإنهما بابان إلى الجنة. فأين البر؟ وأين الصلة؟ وأين الرحمة بهما؟ إنه -مهما عملنا- فلن نؤدي حقهما.

 

رجل من أهل اليمن يطوف بالبيت، يحمل أمه العجوز على ظهره، ويطوف بها بالبيت. مَن منا يفعل هذا؟ ومَن منا يتصور هذا قبل أن يفعله؟ يحمل أمه على ظهره ثم يطوف حول البيت، هل وصلنا بالبر إلى هذا المستوى؟ هل وصلنا بطاعة الوالدين وحبهما إلى هذه الدرجة؟ يحملها على ظهره يطوف بالبيت، فرأى ابن عمر، ذلك الرجل الصحابي الفقيه، فقال له: يا ابن عمر! أتراني جزيتها؟ أي: هل تراني بهذا الفعل أرجعتُ لأمي حقها؟ فقال له ذلك الرجل العالم ابن عمر: لا؛ ولا بزفرة من زفراتها، ولا بطلقة من طلقاتها حين وضعتك من بطنها.

 

وهذا أحد العلماء المحدثين وهو سفيان الثوري يجلس في مجلس العلم، وعنده عشرات؛ بل ربما المئات من التلاميذ يحدثهم، ويكتبون خلفه، تأتيه أمه أثناء الدرس، فتقول له: يا فلان! فيقول: لبيك يا أماه! فتقول له: أطْعِمْ الدجاج. انظر إلى هذا العمل التافه! وانظر إلى هذا العمل البسيط! لكن صدَرَ مِن مَن؟ من أمٍّ عظيمة، من أم لها حق كبير، أتعرف ماذا فعل هذا الرجل؟ لم يقل لأمه: بعد الدرس، أو بعد قليل. لا والله! بل أغلق الكتاب، ثم قام من مجلسه وأطعم الدجاج، ثم رجع ليُكْمِل حديثه. يا له من بر وصلة! ويا لها من عظمة! ويا لها من تربية!.

 

كما ينبغي أن نودع رمضان بابتسامة مشرقة نزرعها في وجوه الفقراء والمساكين والأيتام، خاصة هذه الأيام، فالعيد على الأبواب، وإدخال الفرح والبهجة والسرور من أعظم القربات عند الله.

 

لقد كان حكيم بن حزام، الصحابي الجليل، يحزن على اليوم الذي لا يجد فيه محتاجا ليقضي له حاجته؛ فيقول: ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها.

 

وهذا ابن المبارك -عليه رحمة الله- حَجَّ مع جمع من أهل مَرْو، فلما كانوا في منتصف الطريق نزلوا في مكان ليستريحوا قليلا بجانب قرية من القرى، فرأوا امرأة أخذت دجاجة ميتة كانت في عرض الطريق، فسألها ابن المبارك: لمَ يا أمَةَ الله؟ قالت: لقد أصيب أهل هذه القرية بالمرض والجوع، ولي صبية صغار، والله ما أجد ما أطعمهم! فتأثر بن المبارك ومَن معه، ونادى فيهم: ليس لكم حج هذا العام. وأخذ الأموال والطعام ودفعها إلى أهل تلك القرية، فأدخل السرور عليهم، وقضى حاجتهم، وعاد إلى بلاده.

 

وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَن أدخل على أهل بيتٍ من المسلمين سرورا لم يرض الله له ثوابا دون الجنة. رواه الطبراني بسند حسن.

 

عباد الله: وأرحامكم! لا تنسوا وأنتم تودعون رمضان أن تحسنوا إليهم، وأن تصلوا ما بينكم وبينهم من قطيعة، وأن تدخلوا البهجة والسرور إلى نفوسهم، فقد قضى جبار السماوات والأرض على نفسه أنه من وصل رحمه وصله الله، ومن قطعها قطعه الله. فلا تنسوا المعروف بينكم مهما كانت الخلافات، ولا تنسوا الحقوق والواجبات مهما بعدت المسافات.

 

هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تأتيه أخته من الرضاعة وقد ابتعدت عنه ما يقارب أربعين سنة، فتأتيه وهو لا يعرفها وهي لا تعرفه، مرت أيام وأيام، وأعوام وأعوام، وتسمع وهي في بادية بني سعد في الطائف بانتصاره، فتأتي لتسلم على أخيها من الرضاعة وهو تحت سدرة -عليه الصلاة والسلام-، والناس بسيوفهم بين يديه، وهو يوزع الغنائم بين العرب، فتستأذن، فيقول لها الصحابة: من أنت؟ فتقول: أنا أخت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة، أنا الشيماء بنت الحارث، أرضعتني أنا وإياه حليمة السعدية، فيخبرون الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيتذكر القربى وصلة الرحم والوشيجة والعلاقة التي أنزلها الله من السماء، فيقوم لها ليلقاها في الطريق، ويعانقها عناق الأخ لأخته بعد طول المدة، وبعد الوحشة والغربة، ويأتي بها ويجلسها مكانه، ويظللها من الشمس.

 

تصوروا! رسول البشرية، ومعلم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، يظلل هذه العجوز من الشمس بسبب رضعه واحدة، فأين الذين قاطعوا عماتهم وخالاتهم، وبناتهم وأخواتهم؟ وهم كثيرٌ! حرموهن من الميراث الذي فرضه الله لهن، وقاطعوهنَّ، فلا صلةَ ولا زيارةَ؛ حتى سمعنا ورأينا من العجائز الطاعنات في السن من تقف الواحدة في فقرٍ، وهي تبكي وتقول: ظلمني وأخذ حقي! أمْره إلى الله!.

 

اللهم أصلح فساد قلوبِنا، وارحم ضعفنا، وحسِّنْ أخلاقنا، ووفِّقْنا إلى كل خير. قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.

 

الخطبة الثانية

عباد الله: ألا بشروا من يسعى في إدخال السرور على الناس وقضاء حوائجهم بقضاء حوائجه في الدنيا ويوم القيامة، رجلًا كان أم امرأة، حاكمًا أم محكومًا، مديرًا أم موظفًا، غنيًا أم فقيرًا، عالمًا أم متعلمًا.

 

ففي الصحيحين، عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُربَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه البخاري. فمن كان الله في حاجته؛ أتظنون أنه يخيب؟.

 

فيا أصحاب الأموال، كم محرومٍ ومحزون تستطيعون أن تُفرحوه! وكم من سجين تستطيعون أن تفرجوا عنه كربته! وكم من مريض يحتاج إلى مساعدةٍ أنتم تقدرون عليها!.

 

ويا أصحاب الوجاهة والمناصب، كم من مظلوم تستطيعون أن تنصفوه وتردوا له حقه وتنصروه! وكم من صاحب حاجة ينتظر مَن يعينه على قضائها! وكم من إنسان انقطعت به السبل يبحث عمن يساعده!.

 

هذا الفاروق عمر -رضي الله عنه- وهو خليفة، وجَد وهو يتفقد أحوال المسلمين بالليل امرأة في حالة المخاض تعاني آلام الولادة مع زوجها في خيمة في أطراف المدينة، فعاد مسرعًا إلى بيته وحث زوجته على قضاء حاجتها وكسب أجرها، وقال لها: هل لك في أجرٍ ساقه الله إلينا؟ فذهبا إلى هذه المرأة وزوجها، فكانت هي تمرض المرأة في الداخل وهو في الخارج ينهمك في إنضاج الطعام بالنفخ على الحطب تحت القدر، حتى يتخلل الدخان لحيته، وتفيض عيناه بالدمع، لا مِن أثر الدخان الكثيف فحسب؛ بل شكرًا لله أن هيأه وزوجته لإدخال السرور وقضاء حوائج الناس! قال -تعالى-: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج:77].

 

عباد الله: ويجب أن نودع رمضان بإخراج زكاة الفطر؛ فهي طهرة للصائمين مما قد يؤثر في صيامهم ويُنْقِص ثوابه من لغوٍ ورفثٍ ونحوهما، وتكميلًا للأجر، وتنمية للعمل الصالح، ومواساة للفقراء والمساكين، وإغناء لهم عن ذل الحاجة والسؤال يوم العيد، إلى جانب أن فيها إشاعة المحبة والمودة بين فئات المجتمع المسلم.

 

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين. وأمر بها أن تُؤَدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة. متفق عليه.


ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، وقال بعض أهل العلم إنه يجوز إخراجها مالًا، وقيمته تختلف من بلد لآخر؛ فإذا كانت الغاية من إخراج الزكاة أن نتعبد الله بمواساة الفقراء والمساكين، بإغنائهم عن ذل الحاجة والسؤال يوم العيد، فإن كثيرًا منهم منقطعون ومغتربون وطلاب علم؛ بل إن كثيرا من البيوت قد لا تجد فيها موقد طعام، ويعتمدون في أكلهم على المطاعم وشراء الطعام الجاهز، فلذلك أجاز بعض أهل العلم إخراجها مالًا للحاجة والمصلحة التي تحقق الغاية منها. وقد اختلف أهل العلم في إخراج زكاة الفطر نقدًا على ثلاثة أقوال:

القول الأول: لا يجوز إخراجها نقدًا، وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.


القول الثاني: يجوز إخراجها نقدًا، وهذا مذهب الحنفية، ووجْه في مذهب الشافعي، ورواية في مذهب أحمد.


القول الثالث: يجوز إخراجها نقدًا إذا اقتضت ذلك حاجة أو مصلحة، وهذا قولٌ في مذهب الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو قول يصلح في زماننا لحاجة الناس إليه.

 

وعليه؛ فمن أخرجها طعامًا أجزأته، ومن رأى المصلحة وأخرجها مالًا أجزأته، والله أعلم.

 

ولا ننسى ونحن نودع رمضان إخواننا المسلمين المظلومين والمشردين والمضطهدين والجوعى والمحاصرين في أصقاع الأرض من دعوة صالحة، ومن سخاء يد، بالإنفاق عليهم، كلٌّ بما يستطيع؛ ولْيَكُنْ عندنا أمل بأن الله سيحدث التغيير في حياة هذه الأمة إلى الأفضل، وبأن بعد العسر يسرا، وبأن بعد الكرب يأتي الفرج، وما ذلك على الله بعزيز.

 

فثِقوا بالله، وأحْسِنوا العمل، مع حسن الظن به -سبحانه-، وبأنه أرحم بعباده من أنفسهم، ولن يخيب الله رجاءكم، ولن يضيع الله أعمالكم؛ فهو الذي يجزل العطاء، ويتجاوز عن التقصير، ويجعل الحسنة بعشر أمثالها.

 

فاللهم تقبل صيامنا وصلاتنا وقيامنا، واجعل شهر رمضان شاهدًا لنا بالحسنات لا شاهدًا علينا بالمعاصي والسيئات، وتقبله منا خالصًا لوجهك الكريم، واحفظ علينا نعمة الإسلام، وبركة الطاعة، وحلاوة الإيمان.

 

وقد أمركم ربكم فقال قولًا كريمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • في وداع رمضان (خطبة)
  • وداع رمضان (خطبة)
  • وداع رمضان (خطبة)
  • وداع رمضان (خطبة)
  • همسات في وداع رمضان (خطبة)
  • وداع شهر رمضان المبارك (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • وداع رمضان استصحاب روحه - الخطبة الأخيرة من رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم طواف الوداع للمعتمر(مقالة - ملفات خاصة)
  • طواف الوداع للحائض(مقالة - ملفات خاصة)
  • خروج الحاج بلا وداع بنية العودة للوداع(مقالة - ملفات خاصة)
  • رمضان حان الوداع (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وداع رمضان (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وداع رمضان (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة: وداعا يا رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • وداعا رمضان (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة في وداع رمضان(محاضرة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب