• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهم مظاهر محبة القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الحديث: أنه سئل عن الرجل يطلق ثم يراجع ولا يشهد؟
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    التجارب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خطبة مختصرة عن أيام التشريق
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    قالوا عن "صحيح البخاري"
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (12)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    عشر أيام = حياة جديدة
    محمد أبو عطية
  •  
    من مائدة الحديث: فضل التفقه في الدين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خطبة: فما عذرهم
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    خطبة: وسائل السلامة في الحج وسبل الوقاية من ...
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    العشر من ذي الحجة وآفاق الروح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فضائل الأيام العشر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    أدلة الأحكام المتفق عليها
    عبدالعظيم المطعني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

الحبل في الطواف بين الإيفاء بالنذر وكرامة الإنسان

الحبل في الطواف بين الإيفاء بالنذر وكرامة الإنسان
أ. د. فهمي أحمد عبدالرحمن القزاز

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/3/2024 ميلادي - 21/8/1445 هجري

الزيارات: 2136

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الْحَبلُ في الطَّوَافِ بين الإيفاء بالنذرِ وكرامة الإنسان

 

الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ ومَنْ والاه وبَعْدُ:

فانتشر في الآونة الأخيرة بين الطائفين حول الكعبة حبل يُربط به صغارُ السنِّ أو كبارُ الأعمارِ، طرفه حلقتان توضعان في معصم القائد والمقود؛ خشية ضياعهم بين الطائفين من جهة، والمحافظة عليه مما يعتري الطائف ومؤدي المناسك من الصعاب من جهة أخرى، ورأيت ذلك بكثرة في طواف العمرة في شهر رجب الأصب، وأتوقع انتشاره بين الطائفين بكثرة في الأيام القادمة في الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة؛ بل في باقي المناسك في الحج؛ ولا سيما في عرفة في النفرة منها وفي مزدلفة ومنى؛ لكثرة الزحام في هذه الأيام، ولسهولة استعمال الحبل وتأدية الغرض منه، فجال بخاطري وأنا أنظر إليهم في الطواف أن المصطفى صلى الله عليه وسلم رأى في طوافه مثل هذه الحالة فَقدم على قطع الحبل بيده الشريفة، ووجه القائد بقوله: «قُدْهُ بِيَدِهِ»، أو: «قُدْهُ بِيَدِكَ»، فعشت في تصارع في الأفكار؛ هل فعله صلى الله عليه وسلم من باب حفظ كرامة الإنسان؟ وهل تعارضها مع مصلحة الحفاظ على النفس والتيهان ترجحها؟ وهل فعله صلى الله عليه وسلم خاص أم عام بتعلقه بالزمان، والمكان في بيت الله الحرام، والأشخاص؟ وهل فعله في وقت الطواف؛ إذ لم يكن مزدحمًا، فتفوت مصلحة الحفاظ على النفس لانتفائها؟ وهل هذا الفعل يخص إن كان القائد هو الابن والمقود هو الأب فيحصل الامتهان فيه لهذه الصورة؟ فإذا انقلبت الصورة، فكان القائد هو الأب والأم والمقود هو الابن جاز ذلك؟ وهنا تبادر لذهني سؤال آخر وهو لو مسك القائد والمقود الحبل دون ربطه باليد هل تحصل صورة الامتهان أم تنتفي؟ وإذا كانت النية هي الحفاظ على هذا الطفل أو الكبير في السن، فهل تكون شافعة للجواز؟ وقبل ذلك كله هل صح النص بفعله هذا صلوات ربي وسلامه عليه؟ فاذا صح النص، فما هي أصل الحادثة التي وردت فيه وسببها؟

 

كل هذه الأسئلة دعتني لمتابعة النصوص في هذا الباب ودراسة طرقها وألفاظها والوقوف على سبب ورودها وإجراء عملية السبر والتقسيم للوقوف على العلة التي سيق النص من أجلها، وبعد ذلك نصل إلى الجواب عن الأسئلة أعلاه.

 

فأقول وبالله التوفيق:

الحديث صحيح أخرجه البخاري في عدة مواطن من كتابه الصحيح من مسند سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وكذا أخرجه أصحاب السنن والمسانيد والمصنفات بألفاظ متقاربة وهي:

أخرج البخاري في باب "الكَلامِ فِي الطَّوَافِ"؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إِلَى إِنْسَانٍ بِسَيْرٍ -أَوْ بِخَيْطٍ أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ - فَقَطَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: «قُدْهُ بِيَدِهِ»[1].

 

قال شمس الدين البِرْماوي: قيل: ليس فيه ما يُترجم عليه البخاري من الكلام في الطَّواف.

 

قلت: بل فيه، وهو قوله: (قُدْهُ بيَدِه)، وإنّما ظَنَّ المعترِض أن المراد بيده: أشار بيده أن قُدْه، والإشارة وإنْ نُزِّلتْ منزِلة الكلام؛ لكنْ ليس بكلامٍ حقيقةً، لكنْ قد ورَد في الحديث الآتي عن ابن عبَّاس رواية: أنَّه -صلى الله عليه وسلم -مرَّ وهو يطُوف بالبَيت بإنسانٍ يقُود إنسانًا بخزامٍ في أنفه، فقطَعه وأمرَه أن يقوده بيده [2].

 

وأخرجه في باب "إِذَا رَأَى سَيْرًا أَوْ شَيْئًا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ قَطَعَهُ"؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِزِمَامٍ -أَوْ غَيْرِهِ- فَقَطَعَهُ» [3].

 

وأخرج البخاري في باب: "النَّذْرِ فِيمَا لا يَمْلِكُ وَفِي مَعْصِيَةٍ" خمسة أحاديث:

الأول: من حديث سيدتنا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ»[4].

 

والثاني: من حديث سيدنا أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ» وَرَآهُ يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ [5].

 

وأخرج الثلاثة الباقية من حديث سيدنا ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:

الأول: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِزِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَطَعَهُ» [6].

 

الثاني: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ يَقُودُ إِنْسَانًا بِخِزَامَةٍ فِي أَنْفِهِ، فَقَطَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَقُودَهُ بِيَدِهِ» [7].

 

الثالث: قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلا يَقْعُدَ، وَلا يَسْتَظِلَّ، وَلا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» [8].

 

ووقع التصريح في رواية الفاكهي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جذب الرجل؛ للزيادة في التنبيه والإنكار وحل الحبل بيده الشريفة فقال: (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَرَجُلٌ يَقُودُهُ بِخِزَامَةٍ فِي أَنْفِهِ، فَجَذَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: "قُدْهُ بِيَدِهِ"، وَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ رَبَطَ بِيَدِهِ إِمَّا سَيْرًا أَوْ إِمَّا خَيْطًا، فَحَلَّهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: "قُدْهُ بِيَدِهِ")[9].

 

ووقع التصريح بلفظ «قُدْهُ بِيَدِكَ» في النسائي، وابن خزيمة، والطبراني، والحاكم وغيرهم [10].

 

وسبب ورود الحديث وارد بالنص مجمل ومفصل في النصوص أعلاه؛ وهو: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرَّ بِهِ إِنْسَان وَهُوَ يطوف بِالْكَعْبَةِ قد ربط يَده إِلَى إِنْسَان آخر بسير أَو بخيط أَو بِشَيْء غير ذَلِك فَقَطعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: "قُدْه بِيَدِهِ" [11].

 

وقَوْلُهُ: (بِسَيْرٍ)، بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وَفِي آخِره رَاء: وَهُوَ: مَا يُقَدُّ مِنَ الْجِلْدِ وَهُوَ الشِّرَاكُ، وَالْقَدُّ: الشقُّ طولًا، يُقَال: قددت السَّيْر أقدُّه [12].

 

وَالْخِزَامَةُ: بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، وَتَخْفِيفِ الزَّايِ: حَلْقَةٌ مِنْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ تُجْعَلُ فِي الْحَاجِزِ الَّذِي بَيْنَ مَنْخِرَيِ الْبَعِيرِ يُشَدُّ فِيهَا الزِّمَامُ لِيَسْهُلَ انْقِيَادُهُ إِذَا كَانَ صَعْبًا ليرتاض [13].

 

وقَوْلُهُ: (قُدْ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ فِعْلُ أَمْرٍ، و"قُدْهُ" بِإِثْبَاتِ هَاءِ الضَّمِيرِ وَهُوَ لِلرَّجُلِ الْمَقُودِ [14].

 

قلت: وهذا الفعل من النذر الحرام الذي لا يُبتغى به وجه الله؛ فأخرج أحمد وغيره قوله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ هَذَا نَذْرًا" فَقَطَعَ قِرَانَهُمَا، وقَالَ: "إِنَّمَا النَّذْرُ مَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ".

 

بل لم يعده المصطفى صلى الله عليه وسلم من النذر ولم يرتب عليه آثاره؛ فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَ رَجُلَيْنِ وَهُمَا مُقْتَرِنَانِ، يَمْشِيَانِ إِلَى الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ الْقِرَانِ؟»، قَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ، نَذَرْنَا أَنْ نَمْشِيَ إِلَى الْبَيْتِ مُقْتَرِنَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ هَذَا نَذْرًا»، فَقَطَعَ قِرَانَهُمَا، وقَالَ...: «إِنَّمَا النَّذْرُ مَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»[15].

 

وفي لفظ: «أَطْلِقَا قرانَكُمَا فَلَا نَذْرَ إِلَّا مَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ» [16].

 

قال الدَّاوُدِيِّ: إنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ نَذَرَ مَا لَا طَاعَةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ [17].

 

وقال العيني: لأن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنهم يَتَقَرَّبُون بِمثلِهِ إِلَى الله تَعَالَى [18].

 

قلت: ووقع التصريح باسم الابن وأبيه، وأصل حادثة النذر، وحكمه صلى الله عليه وسلم عليه بأنه من عمل الشيطان برواية الطبراني؛ فعن فَاطِمَةَ بِنْتِ مُسْلِمٍ، قَالَتْ: حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ أَبِيهِ بِشْرٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، ثُمَّ لَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُ هُوَ وَابْنَهُ طَلْقًا مَقْرُونَيْنِ بِالْحَبلِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا بِشْرُ؟»، قَالَ: حَلَفْتُ لَئِنْ رَدَّ اللهُ عَلِيَّ مَالِي وَوَلَدِي لَأَحُجَّنَّ بَيْتَ اللهِ مَقْرُونًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَبْلَ فَقَطَعَهُ، وَقَالَ لَهُمَا: «حُجَّا فَإِنَّ هَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ»[19].

 

قال ابن الأثير:

بشر أَبُو خليفة له صحبة عداده في أهل البصرة، تفرَّد بالرواية عنه ابنه خليفة أَنَّهُ أسلم، فرد عليه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماله وولده، ثم لقيه، فرآه هو وابنه مقرونين، فقال له: «ما هذا يا بشر؟...» [20].

 

قال ابن حجر: قال الْكِرْمَانِيُّ: فَقَالَ قِيلَ اسْمُ الرَّجُلِ الْمَقُودِ هُوَ ثَوَابٌ ضِدَّ الْعِقَابِ؛ انْتَهَى –قال ابن حجر-: وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ [21].

 

وتعقَّبه العيني بقوله: إِن هَذَا مِمَّا يتعجب مِنْهُ، فَلَا يلْزم من عدم رُؤْيَته كَذَلِك، عدم رُؤْيَة الْغَيْر، وَلَا اطلع هُوَ على الْمَوَاضِع الْمُتَعَلّقَة بِهَذَا جَمِيعًا حتى يستغرب ذَلِك [22].

 

والحاذق يعلم أنَّ الإمام البخاري قد فهم من الحديث من مجموع طرقه واختلاف ألفاظه أن قطعه صلى الله عليه وسلم للحبل وقوله: «قُدْهُ بيده»؛ لأنه نذر معصية؛ وهو أن يحجَّا مقترنين، وأن يقود الابن أباه بحبل أو سير، وأن يجعل ذلك الحبل في حلقة وضعت في أنف أبيه يجره بها كالبهائم، وهذا نذر قد تعارف عليه أهل الجاهلية قبل الإسلام وقد أخذوه من اليهود بفلسفة تعذيب النفس وامتهانها، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فعلًا وقولًا، وعد ذلك معصية لا يجب الوفاء به، ولأن هذا العمل فيه امتهان لكرامة الإنسان الذي قال الله عنه: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70]، وهو نذر باطل لا يجب الوفاء به، ولا يترتب عليه آثار النذر، وعلة نهيه صلى الله عليه وسلم بفعله وقوله قد ذكرت بالنص وهو ما بيَّنَّاه.

 

وهذا ما نبه له ابن حجر وبيَّن الحكمة من إخراج البخاري لهذا الحديث في باب النذر، وظاهره لا يتوافق مع ترجمة الباب، فرد على من أنكر إخراج البخاري له في هذا الباب قائلًا: وَأَمَّا مَا أَنْكَرَهُ مِنَ النَّذْرِ فَمُتَعَقَّبٌ بِمَا فِي النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِث عَن بن جُرَيْجٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ نَذْرٌ؛ وَلِهَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَبْوَابِ النَّذْرِ [23].

 

قلت الحديث في النسائي؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَقُودُ رَجُلًا فِي نَذْرٍ فَتَنَاوَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطَعَهُ فَقَالَ: «إِنَّهُ نَذْرٌ» [24].

 

وهذا ما فهمه الإمام ابن خزيمة فبوَّب له بقوله: (بَابُ الزَّجْرِ عَنْ قِيَادَةِ الطَّائِفِ بِزِمَامٍ أَوْ خَيْطٍ شَبِيهًا بِقِيَادَةِ الْبَهَائِمِ) [25].

 

قال السيوطي: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَخْرِمُ أُنُوفَهَا وَتَخْرِقُ تَرَاقِيَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْذِيبِ، فَوَضَعَهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَقُودَهُ بِيَدِهِ، وَجْهُهُ أَنَّ الْقَوْدَ بِالْأَزِمَّةِ إِنَّمَا يفعل بالبهائم وَهُوَ مثلَة [26].

 

قال القسطلَّاني: فقطعه عليه الصلاة والسلام بيده؛ لأن القود بالأزمة إنما يفعل بالبهائم [27].

 

وأكَّد ذلك السندي بقوله: وَإِنَّمَا مَنعه عَن ذَلِك وَأمره بالقود بِالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يفعل بالبهائم وَهُوَ مثلَة [28].

 

قال ابن بطَّال: وفي قطعه عليه الصلاة والسلام السير من يد الطائف من الفقه: يَجُوزُ لِلطَّائِفِ فِعْلُ مَا خَفَّ مِنَ الْأَفْعَالِ وَتَغْيِيرُ مَا يَرَاهُ الطَّائِفُ مِنَ الْمُنْكَرِ فله أن يُغيِّره بيده، وإنما قطعه والله أعلم؛ لأن القود بالأزمَّة إنما يُفعل بالبهائم، وهو مُثْلَة.

 

وقال:وَفِيهِ جواز الْكَلَام فِي الْأُمُور الْوَاجِبَة [29].

 

قال ابن حجر: قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَطْعُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ السَّيْرَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ إِزَالَةُ هَذَا الْمُنْكَرِ إِلَّا بِقَطْعِهِ، أَوْ أَنَّهُ دَلَّ عَلَى صَاحِبِهِ فَتَصَرَّفَ فِيهِ.

 

وقال: قيل ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ: «قُدْهُ بِيَدِهِ»؛ انْتَهَى. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَمْرِهِ لَهُ بِأَنْ يَقُودَهُ أَنَّهُ كَانَ ضَرِيرًا؛ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنًى آخَرَ غَيْرِ ذَلِكَ [30].

 

وبعد اتضاح الصورة تبين لي أنَّ من فعل هذا الفعل ولم يقصد به نذر الحرام بصورته التي سبق بيانها، ولم يكن على صورة الامتهان، جاز فعله على أي صورة كانت ما لم يقصد به الامتهان، ولا سيما إن كانت نيته الحفاظ على المَقُودِ وصيانته من الضياع والأذى ولا سيما مع كثرة الزحام في الطواف ومناسك الحج عمومًا وخصوصًا، وهو ورح الشريعة ومقصدها، والله أعلم بالصواب.


وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ على سيِّدنا مُحمّدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.



[1] صحيح البخاري (2/ 153) (1620).

[2] ينظر اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (6/ 89).

[3] صحيح البخاري (2/ 153) (1621).

[4] صحيح البخاري (8/ 142) (6700)

[5] صحيح البخاري (8/ 142) (6701).

[6] صحيح البخاري (8/ 142) (6702).

[7] صحيح البخاري (8/ 142) (6703).

[8] صحيح البخاري (8/ 143) (6704).

[9] أخبار مكة للفاكهي (1/ 237) (443).

[10] ينظر سنن النسائي (7/ 18) (3811)، وصحيح ابن خزيمة (4/ 227) (2751)، والمعجم الكبير للطبراني (11/ 42) (10985)، والمستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 631) (1690).

[11] ينظر البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف (2/ 129) (1267).

[12] ينظر فتح الباري لابن حجر (3/ 482)، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري (9/ 263-264).

[13] ينظر كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 221)، وفتح الباري لابن حجر (1/ 111)، و(11/ 589).

[14] ينظر فتح الباري لابن حجر (3/ 482).

[15] ينظر مسند أحمد، ط الرسالة (11/ 324) (6714)، وأخبار مكة للفاكهي (1/ 237) (444).

[16] أخبار مكة للأزرقي (2/ 14).

[17] ينظر فتح الباري لابن حجر (3/ 482-483).

[18] ينظر عمدة القاري شرح صحيح البخاري (9/ 264)

[19] المعجم الكبير للطبراني (2/ 38) (1218).

[20] ينظر أسد الغابة، ط العلمية (1/ 383) (424).

[21] ينظر فتح الباري لابن حجر (3/ 482-483).

[22] ينظر عمدة القاري شرح صحيح البخاري (9/ 264)

[23] ينظر فتح الباري لابن حجر (3/ 483).

[24] السنن الكبرى للنسائي (4/ 450) (4733).

[25] صحيح ابن خزيمة ط 3 (2/ 1300) (2751)

[26] ينظر حاشية السيوطي على سنن النسائي (5/ 222).

[27] ينظر شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (3/ 174)

[28] ينظر حاشية السندي على سنن النسائي (5/ 221).

[29] ينظر شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 302).

[30] ينظر فتح الباري لابن حجر (3/ 482-483).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العفاف عن وضع اليد في الطواف
  • الرمل في الطواف
  • تقبيل الحجر الأسود في الطواف
  • الفرق بين الرجل والمرأة في الطواف
  • شروط الطواف

مختارات من الشبكة

  • قطعت الحبل بيني وبين الله(استشارة - الاستشارات)
  • منتخب الحبل المتين في الأذكار والأدعية المأثورة عن سيد المرسلين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الحبل الوثيق في نصرة الصديق (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الحبل الوثيق في نصرة الصديق ( نسخة أخرى )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الحبل المتين(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • اقطع الحبل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دونكم الحبل فاختنقوا!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • شرح حديث أنس: ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيع حبل الحبلة(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • ما بين سياط الخوف وحبال الرجاء(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/12/1446هـ - الساعة: 8:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب