• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / تفسير القرآن الكريم
علامة باركود

وقفات ودروس من سورة البقرة (6)

وقفات ودروس من سورة البقرة (6)
ميسون عبدالرحمن النحلاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/2/2024 ميلادي - 11/8/1445 هجري

الزيارات: 4252

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفات ودروس من سورة البقرة (6)


وقفات مع قلب السورة:

كنا قد أسلفنا أن جوَّ السورة جوُّ هداية وتربية وتوجيه، وهذا هو المحور الأساسي الذي تدور حوله السورة انطلاقًا من آيات التوحيد التي تؤسس لعقيدة التوحيد، وانتهاء بالأحكام والتشريعات التي تؤسس للمجتمع الإسلامي.


وتأتي حلقة بني إسرائيل لتشغل حيزًا كبيرًا من السورة، فتكون بمثابة الإضاءة العملية للتوجيهات التربوية للمسلمين في تعاملهم مع أوامر ربهم ونواهيه، وأحكامه وقوانينه التي ستأتي السورة على بعض منها في سياق قصصهم، وعلى البعض الآخر بعد الانتهاء من قصصهم.


معالم في سياق السورة:

أولًا: بنو إسرائيل:

وتشغل قصص بني إسرائيل وأخبارهم حيزًا كبيرًا من قلب السورة، يكاد يغطي الجزء الأول برمته، كما لا يغيب ذكرهم عن الجزء الثاني، ويبسط الله عز وجل لنا سيرة هؤلاء القوم دون غيرهم لسيرتهم المتميزة:

• فهم قوم عاشوا الاختيار الإلهي ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [الدخان: 32].


• وعاشوا الملك والنبوَّة، ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 20].


• وأرسل الله لهم رسولًا ليُنجِّيهم من العذاب الذي كانوا يعيشونه في ظل أطغى طغاة الأرض.


• فكانوا قومًا ورثوا مشارق الأرض ومغاربها ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 137].


فماذا كان منهم، وكيف كان شكرهم لنِعَم الله التي لا تُحصَى عليهم؟!


واجهوا نِعَم الله بالعصيان والتمرُّد والمماحكة، والمجادلة في كل أمر، والاستكبار عن الامتثال والخضوع لأمر الله.


وكان منهج الندِّية في سلوكياتهم مع ربهم.


تعاظم في قلوب القوم الكِبْر حتى وصل بهم إلى الظن بأحقيتهم في تنصيب أنفسهم ندًّا لخالقهم، يجادلونه ويعاندونه ويتمردون على أوامره، ويشترطون عليه في طاعته؛ بل ويتصرَّفون في شرائعه التي أنزلها عليهم فيضعون ويرفعون، ينقضون العهود والمواثيق التي قَطَعَها الله عليهم، يُحلِّلون ويُحرِّمون: الله يقول، وهم يقولون؛ بل ويخدعون الله والعياذ بالله، كما فعل أصحاب السبت منهم إلى أن انتهى بهم الأمر إلى قتل أنبياء الله الذين أرسلهم الله فيهم دون أن يرفَّ لهم جفن، فكانت عاقبتهم:﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 112].


يحكي لنا الله عز وجل تفاصيل سلوكياتهم التي أوردتهم الهلاك لتكون لنا عبرةً وعظةً، فلا نقع بها فنكون مثلهم فنستحق عقابهم.


فلنبدأ رحلتنا معهم في سورة البقرة.

بنو إسرائيل في سورة البقرة: دروس وعبر:

لماذا بنو إسرائيل دون غيرهم من الأقوام الغابرة؟

بنو إسرائيل قوم لهم قصة طويلة مع ربهم ورسولهم، فهم أول قوم في البشرية كانت لهم رسالة سماوية كتبت لها الديمومة في نسلهم إلى ما شاء الله، وأرسل الله فيهم من الأنبياء ما لا يحصيه إلا الله، فكانوا هم حملة الرسالة السماوية في الأرض لعدة قرون، تقلبوا معها بين نعيم الإيمان والاصطفاء الإلهي، وجحيم الذلة والمسكنة بسبب عصيانهم وتمرُّدهم وعتوِّهم على ربِّهم.

 

وبالرغم من كل ما مَرَّ بهؤلاء القوم في مسيرتهم الطويلة من دروس إلهية تجَلَّت في أنواع العذاب والعقاب التي نزلت بهم جزاء عصيانهم وتمرُّدهم على ربهم، إلا أنهم ظلوا على اعتقادهم بأنهم شعب الله المختار، وأن النبي المنتظر المذكور في توراتهم لا بد أن يكون من نسلهم، ومن هنا كانت بذرة العداء بينهم وبين المسلمين.


هذه العداوة التي بدأت مع ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وجذرها الحسد، لن تنتهي حتى يُقتَل الدَّجَّال بباب لُدٍّ، ومعلوم أن جنود الدجال عند خروجه هم من يهود أصبهان كما جاء في حديث مسلم: "يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِن يَهُودِ أصْبَهانَ، سَبْعُونَ ألْفًا عليهمُ الطَّيالِسَةُ".


أما مقتله في باب لُدٍّ فقد ورد حديثه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: "فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق واضعًا كفَّيه على أجنحة مَلَكَين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريحه أو ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه" أينما يبلغ مدى عينه، نفسه يذهب على مدى عينه، فيطلبه -يعني يطلب الدَّجَّال- فيدركه في باب لُدٍّ فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم قومًا قد عصمهم الله من الدَّجَّال فيمسح وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم من الجنة".


وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبدالله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود"؛متفق عليه.


وإلى ذلك الحين، سيبقى هؤلاء القوم والمسلمون في جهاد دائم تُنصب فيه رايتا الخير والشر.


لقد عرَف هؤلاء القوم أنهم لا طاقة لهم بالاقتتال مع المسلمين كما يقول تعالى في سورة الحشر:﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الحشر: 14]، فاتبعوا أسلوب إبليس في التلبيس والإضلال، فما تركوا شِعبًا من شِعاب الشرور النفسية والعقلية والعلمية إلا اتَّبعوها؛ لإيقاع المسلمين في العصيان والجحود أكثر مما وقعوا فيه هم أنفسهم، لتكون لهم الخيرية التي زعموها وعاشوا في وهمها قرونًا طويلة "شعب الله المختار".


من هنا، جاء تفنيد قصصهم وفضح سلوكياتهم وانحرافاتهم وتمرُّدهم وضلالاتهم، وأكاذيبهم وخداعهم، وبيان أشكال العقاب الإلهي التي نزلت عليهم منذ سيدنا موسى وحتى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون للمسلمين منارة ودروس وعبر وهداية فلا يقعوا في مثل ما وقع فيه القوم، ولا يأمنوا لهم، ولا يأمنوهم، فمن كانت سلوكياته بهذا الشكل مع خالقه، فهل ستكون أفضل مع ندِّه من العباد؟!


ومن الجدير بالذكر أن سيدنا موسى عليه السلام أكثر الأنبياء ذكرًا في القرآن الكريم، حتى قيل: إن أحدًا لم يُذكَر في كتاب الله لا مِن الأنبياء ولا مِن المُرسَلين ولا من الملائكة المقرَّبين، كما ذُكر موسى - عليه السلام - في كتاب الله، فقد ذُكر نحو مائة وثلاثين مرةً، كما أن قصة بني إسرائيل تكرَّرت في القرآن الكريم كما لم تتكرَّر قصة أخرى من قصص الأمم الأولى، وفي ذلك عبرة.


يستهل المولى جلَّ في علاه سياقَ السورة في بني إسرائيل بمخاطبتهم وتوجيههم بما يجب أن يفعلوه وقد خرج النبي المذكور في كتابهم وأصبح بين ظهرانيهم يدعوهم إلى رسالة ربهم:

فيأمرهم أولًا بمجموعة أوامر:

الوفاء بعهد الله في اتِّباع نبي الله إذا خرج فيهم:﴿ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [البقرة: 40].


"قال ابن عباس: بعهدي الذي أخذت في أعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم ﴿ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾؛ أي: أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتِّباعه، بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من إحداثكم".


﴿ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ الرهبة من عذاب الله إن لم يفعلوا، فقد ذاقوه في سابق عهدهم لما كان منهم من نقض عهد الله وميثاقه.


الإيمان بالرسالة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ ﴾ [البقرة: 41]؛ لأنهم يجدون محمدًا صلى الله عليه وسلم مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.


تحذيرهم من المسارعة إلى الكفر بمحمد ورسالته، وعندهم من العلم ما ليس عند غيرهم ﴿ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ [البقرة: 41].


نهيهم عن المتاجرة بآيات الله: ﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾ [البقرة: 41] ، والتوقف عن هذا الفعل وقد كانوا يفعلونه في سابق العهد والزمان.


نهيهم عن تلبيس الحق بالباطل مع كتمان الحق، وهما جريمتان يمتهنهما كثيرٌ من الناس في سبيل عرض من عروض الحياة الدنيا ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42].


إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43].


نهيهم عن مخالفة القول العمل: فهم يأمرون الناس بالبرِّ، ولا يفعلونه ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44] يقول ابن كثير في تفسير الآية: "أتنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة، وتتركون أنفسكم؛ أي: وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي، وتنقضون ميثاقي، وتجحدون ما تعلمون من كتابي"؛ انتهى.


الاستعانةبالصبر والصلاة في كل حال ومقام:﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 45، 46].


كانت هذه الأوامر بمثابة مقدمة لما سيبسطه الله عز وجل من أمر هذا القوم.


أولًا: بنو إسرائيل بين النعم الإلهية والعصيان:

"التذكير" بالنعم الإلهية، وكيف قابلها القوم:

1- تفضيلهم على العالمين في زمانهم ﴿ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 47]، فكانوا أفضل قوم على الأرض.


2- تنجيتهم من آل فرعون والعذاب الذي كانوا يرزحون تحت وطأته ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 49].


3- معجزة فرق البحر، وإغراق فرعون، ونجاتهم واقعة لم يكن ليتصورها عقل، ولا حتى نبي الله موسى! ﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [البقرة: 50].


4- مواعدة الله لنبيِّهم موسى عليه السلام:

قوبلت مجموعة النعم هذه باتخاذ العجل إلهًا! ﴿ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [البقرة: 51].


العفو عن القوم بعد اتخاذهم العجل: ﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 52 - 54].


وقد اختلف العلماء بشأن التوبة من العقاب الذي تقرر عليهم في قتل أنفسهم، هل أنهم قتلوا أنفسهم فعلًا، أم أن الله عفا عنهم فلم يقع منهم القتل؟!


يقول القرطبي: "قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 52]، العفو: عفو الله جل وعز عن خلقه، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها بخلاف الغفران فإنه لا يكون معه عقوبة البتة، وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفي عنه، فالعفو محو الذنب؛ أي: محونا ذنوبكم، وتجاوزنا عنكم، مأخوذ من قولك: عفت الريح الأثر؛ أي: أذهبته، وعفا الشيء: كثر، فهو من الأضداد، ومنه قوله تعالى: ﴿ حَتَّى عَفَوْا ﴾ [الأعراف: 95]"؛ انتهى.


وتجمع التفاسير على أن العفو كان بعد وقوع العقوبة؛ أي: إن القتل الذي طلبه موسى منهم توبة إلى الله وتكفيرًا عن عبادتهم العجل، قد وقع، وفي وقوعه عدة مقولات:

يقول القرطبي: "وكانت توبة بني إسرائيل القتل، وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده، وقال الزهري: "لما قيل لهم: ﴿ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [البقرة: 54] قاموا صفين، وقتل بعضُهم بعضًا حتى قيل لهم: كفوا، فكان ذلك شهادةً للمقتول وتوبةً للحي على ما تقدم"؛ وقال بعض المُفسِّرين: أرسل الله عليهم ظلامًا ففعلوا ذلك؛ وقيل: وقف الذين عبدوا العجل صفًّا ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم، وقيل: قام السبعون الذين كانوا مع موسى فقتلوا - إذ لم يعبدوا العجل - من عبد العجل، وإنما عوقب الذين لم يعبدوا العجل بقتل أنفسهم على القول الأول؛ لأنهم لم يغيروا المنكر حين عبدوه، وإنما اعتزلوا، وكان الواجب عليهم أن يقاتلوا من عبده، وهذه سنة الله في عباده إذا فشا المنكر ولم يغير عوقب الجميع.


فلما استحرَّ فيهم القتل، وبلغ سبعين ألفًا عفا الله عنهم؛ قاله ابن عباس وعلي رضي الله عنهما، وإنما رفع الله عنهم القتل؛ لأنهم أعطوا المجهود في قتل أنفسهم، فما أنعم الله على هذه الأمة نعمةً بعد الإسلام هي أفضل من التوبة"؛ انتهى القرطبي.


في حين يرى الأستاذ سليمان بن إبراهيم الحصين- أستاذ التفسير وعلوم القرآن ورئيس قسم الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود، فرع الأحساء- أن القتل لم يقع في القوم، وأن الله عفا عنهم وتاب عليهم، فرفع عنهم عقوبة القتل، مستشهدًا بما ورد في نظم الدرر للبقاعي:

"وخصَّه باسم العفو لَمَّا ذكر ذنوبهم؛ لأنَّ المغفور له لا يذكر ذنبه، فإنَّ العفو رَفَعَ العقوبة دون رفع ذكرها، والغفر إماتة ذكر الذنب مع رفع العقوبة"، فدَلَّ هذا العفو على أنَّ المراد بالتوبة في قوله تعالى: ﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 54]؛ أي: رفع عنكم الحُكْم بقتل أنفسكم..ولعل في حرف (ثُمَّ) من قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ [البقرة: 52] ما يدل على صحة هذا القول وأنَّ العفو إنما جاء بعد أن أمرهم نبي الله موسى بقتل أنفسهم فتكون التوبة من قوله: ﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ راجعة إلى رفع الحُكْم عنهم بقتل أنفسهم وليست راجعة إلى استجابتهم بدليل حرف العطف "الفاء" الذي يفيد التعقيب، فالتوبة كانت برفع الحُكْم مباشرةً بعد أمر نبي الله موسى به.


وكيف يُظَنُّ بهم أنهم امتثلوا لأمر موسى عليه السلام بقتل أنفسهم، وقد أمرهم الله تعالى بذبح بقرة فتردَّدوا وتعنَّتوا ولم يمتثلوا للأمر إلا بعد عناء، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [البقرة: 67].


ومما يؤكد أنهم لم يستجيبوا لما أمروا به من قتل أنفسهم أنهم أحرص ما يكون على حياة وليس على الموت شهادة؛ لأنهم قوم عصاة مستكبرون لا يؤمنون إلا بالماديات، قال تعالى: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 96].


فكيف يبادرون بقتل أنفسهم بهذه السرعة وهم أحرصُ الناس على حياة، أية حياة، لا يهم أن تكون حياة كريمة، أو حياة مميزة، أية حياة، بهذا التنكير والتحقير.


هذا فضلًا عن عصيانهم الدائم الملازم لهم واللائق بحالهم، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 63].


وقال تعالى: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾ [النساء: 46].


فهل يظن بقوم هذا حالهم المسارعة إلى امتثال ما أمرهم به نبي الله موسى عليه السلام من قتل أنفسهم؟! هذا بعيد جدًّا، وهذه القصة من جملة ما كذَّبه أهل الكتاب، والله أعلم بالصواب"؛ انتهى[1] (المرجع موقع ملتقى أهل التفسير).


والله أعلم.


وإمعانًا في الوقاحة والتطاول على خالقهم طلبوا من نبيِّهم موسى عليه السلام أن يروا الله عيانًا جهارًا ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ [البقرة: 55]!


فكان العقاب: الصاعقة ﴿ فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [البقرة: 55]؛ لكن رحمة الله غالبة، فكانت النعمة السادسة، تبعتها مجموعة من النعم:

5- ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 56].


6- ﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 57].


7- ثم خصص الله لهم أرضًا مباركةً يدخلوها ليحكموا فيها ويصبحوا سادتها؛ لكن هذا التخصيص كان مشفوعًا بأمر إلهي بسيط جدًّا؛ وهو أن يدخلوها "سُجَّدًا"، ويقولوا "حِطَّة "؛ أي: ربنا حط عنا خطايانا، ما طلب منهم الله عز وجل إلا السجود والاستغفار، فما كان إلا أن قوبلت هذه النعمة بعصيان الأمر والتكبُّر على السجود لخالقهم، وإعراضهم عن الاستغفار بتبديل اللفظ استهتارًا واستهزاءً، نفسية فاسدة، شيطانية! قال البخاري: حدثني محمد، حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، عن ابن المبارك، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قيل لبني إسرائيل: ﴿ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ ﴾ [البقرة: 58]، فدخلوا يزحفون على أستاههم، فبدلوا وقالوا: حطة: حبة في شعرة، فكان العقاب: ﴿ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [البقرة: 59] والرجز هو العذاب، وقيل الطاعون.


8- نعمة العيون الاثني عشر:ثم إن موسى استسقى لقومه، طلب من الله أن يفجر لهم ماء في طريقهم، فكان له ذلك بمعجزة ضرب العصا أيضًا، فجَّر لهم الله اثنتي عشرة عينًا على عدد أسباطهم إمعانًا في الإنعام عليهم، فينتظمون في مشاربهم ولا يختلفون ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 60]، ما أكرمك من إله سبحانك! لقد كفاهم الله جل وعلا مؤونة المأكل باللحم والحلواء "المن والسلوى"، والمشرب بتفجير العيون، فكيف قابل هؤلاء القوم نِعَم ربِّهم عليهم؟! قوبلت هذه النِّعَم بالبطر والازدراء؛ بل وبطلب استبدالها بما هو دونها من الطعام، فطلبوا الفوم والعدس والبصل، وانظر إلى الوقاحة في الخطاب: ﴿ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا ﴾ [البقرة: 61]، وكأنهم حتى تلك اللحظة لم يعترفوا بالله ربًّا لهم؛ بل هو ربُّ موسى فحسب!


فكان العقاب: ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 61]، فكانت الذلة والصغار ملازمة لهم إلى يوم يبعثون، مشفوعة بغضب الله وسخطه، وهنا يذكر سببًا آخر لوجوب الذلة والمسكنة اصطبغت به مسيرتهم القادمة بعد التيه ووفاة موسى عليه السلام؛ ألا وهي قتل الأنبياء بغير الحق!


رفع الطور وأخذ الميثاق: هنا يذكِّر الله بني إسرائيل بالميثاق الذي أخذه عليهم بعد أن أنجاهم من مصنع العذاب الذي كانوا يعيشون فيه، وكان الميثاق أن يؤمنوا به وحده لا شريك له ويتَّبعوا رُسُلَه، أمرهم أن يمتثلوا لهذا الميثاق ويأخذوه بقوة وحزم وهمة؛ لكنهم امتنعوا عن الطاعة، فرفع عليهم الجبل، فلما نظروا إليه وقد غشيهم، سقطوا سُجَّدًا وأخذوا العهد؛ لكنهم تولَّوا بعد ذلك ونقضوا العهد؛ هم قوم أدمنوا نقض العهود.

 

ثانيًا: التذكير بأبرز قصتين في تاريخ القوم، تضيآن أهم ملامح الشخصية اليهودية: قصة أصحاب السبت، وقصة البقرة.

ويبدأ السياق بقصة أصحاب السبت.


أصحاب السبت: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 65، 66].


يأتي السياق في سورة البقرة على قصة أصحاب السبت، في إشارة سريعة، نجدها مبسوطة في سورة الأعراف إن شاء الله؛ لكن هذه الإشارة- على إيجازها- تُلخِّص ما كان من أمر القوم من خداع وعصيان، وما حَلَّ بهم من عقوبة، وكيف جعلها الله عبرةً للناس في زمانهم ولمن خلفهم.


اعتدوا في السبت؛ أي: عصوا أمر الله، واتبعوا أسلوب الحيلة والخداع مع ربِّهم، مع من؟ مع ربهم!


فكانت معصيتهم مخادعة خالقهم الله جل في علاه، فاستحقوا أشد عقوبة نزلت عليهم في تاريخهم: مسخوا قردة! ﴿ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [البقرة: 65].


فكانوا عبرةً للناس من حولهم ومن بعدهم إلى يوم الدين، ﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 66]، هذه القصة كما كل قصص بني إسرائيل يرويها لنا القرآن لا للاستمتاع بها؛ بل للاتعاظ، فنحن المقصودون بالعبرة بقوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلْفَهَا ﴾.


وكم منا اليوم أصحاب السبت ولا حول ولا قوة إلا بالله؟!


ثم قصة البقرة، هذه القصة وردت في القرآن الكريم مرة واحدة فقط وفي هذا السياق ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [البقرة: 67- 71].


وتفصيل قصة البقرة له دلالة في التركيز على صفات العناد والمماحكة والتشديد والتعنُّت التي يتصف بها هؤلاء القوم، ناهيك عن الاستكبار على تطبيق الأمر الإلهي دون جدل، قوم لا يمكن أن يصل لهم أمر من الله ويطبقونه فقط؛ لأنه أمر الله أبدًا.


كان الأمر بكل بساطة: "اذبحوا بقرة"، فجاء الجواب: ما هي؟ كم عمرها؟ ما لونها؟ ما صفاتها؟ ما شأنها؟


فكانت معصيتهم الجدال، والمماحكة في أمر الله.


ومع "بعضٍ" من هذه البقرة كانت معجزة إحياء القتيل الذي قُتِل فيهم ولم يُعرَف قاتله، ليتكلم فيقول: من قتله ثم يعود فيموت، ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 72، 73].

 

يقول ابن كثير في تفسيره: عن ابن عباس، قال: إن أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له، وكانت بقرة تعجبه، قال: فجعلوا يعطونه بها فيأبى، حتى أعطوه ملء مسكها دنانير، فذبحوها، فضربوه- يعني القتيل- بعِضْو منها، فقام تشخب أوداجه دمًا، فسألوه، فقالوا له: مَنْ قتلك؟ قال: قتلني فلان.

 

ونبَّه تعالى على قدرته وإحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل: جعل تبارك وتعالى ذلك الصنع حجة لهم على المعاد، وفاصلًا ما كان بينهم من الخصومة والفساد، والله تعالى قد ذكر في هذه السورة ما خلقه في إحياء الموتى، في خمسة مواضع: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ ﴾ [البقرة: 56]،وهذه القصة، وقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت، وقصة الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها، وقصة إبراهيم والطيور الأربعة"؛ انتهى ابن كثير.


وبعد كل هذا، وعِوَضًا عن أن تستكين نفوسُهم وتخشع قلوبُهم لخالقهم وربِّهم ومجري المعجزات أمامهم المعجزة تِلْوَ الأخرى، ظلوا على نهجهم في ممارسة الندِّيَّة لأوامر الله عز وجل، يقول الله ونقول نحن، فكان أن أورثوا قسوة القلب وأي قسوة!


﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74].

 

انظروا إلى تشبيه القسوة هذه، قسوة صمَّاء تمامًا، تمامًا لا يوجد فيها ثغرة خير واحدة، فإن كان في الحجارة ما يتفجر منه الأنهار، فهم ليسوا كتلك الحجارة هم أشد قسوة، وإن كان منها ما يشقق فيخرج منه الماء - وهو في هذا أقل من سابقه - فهم أشدُّ قسوة، حتى الحجارة التي تسقط من خشية الله لا يشبهونها، هم أشدُّ قسوة من الأحجار بكل أشكالها، قلوب صمَّاء.

 

يا الله، ما هذه الجِبِلَّة؟!

 

وكما هي كل قصص بني إسرائيل في القرآن الكريم، تنطوي هذه الآيات على درس وعبرة لأمة الإسلام، ألَّا يسيروا على خُطى القوم فيورثوا قسوة القلب، فيكون فيه هلاكهم، هذه القسوة التي حذَّرنا الله منها في سورة الحديد، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: "ولهذا نهى الله المؤمنين عن مثل حالهم فقال: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].

 

ومع الأسف نجد اليوم أن شياطين الإنس من بني يهود، قد نجحوا في جعل فريق كبير من أمتنا يمتهن هذه المعصية: الجدال والمماحكة في أوامر الله حتى وصل الأمر بالبعض إلى الإنكار التام! ولله الأمر من قبل ومن بعد.


ثالثًا: تعامل اليهود مع كتاب الله الذي أنزل عليهم والرسالة التي اختصَّهم اللهُ بها.

التحريف بعد العلم والفقه:

بعد أن بيَّن اللهُ عز وجل صفات القسوة التي أضحى عليها القوم بالرغم من كل ما رأوه من آيات ومعجزات تخترق كل النواميس والسنن الكونية، فلا يقدر على إجرائها إلا الواحد القَهَّار، شرع السياق في التوضيح للمؤمنين حقيقة هؤلاء القوم ويبين لهم من أخبارهم في التعامل مع رسالة الله وكتابه الذي أنزله عليهم، التوراة، ما خفي عنهم حتى إنهم ظنوا أنهم سيستمعون لهم ويؤمنون بما آمنوا به من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال لهم جلَّ في عُلاه: ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 75].


هم قوم يسمعون كلام الله، ويعقلونه ويفهمونه من كل جوانبه وبكل جزئياته حتى يتمثله عقلهم ﴿ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ﴾ باحترافية شيطانية".


وقد خرج في الأمة في يومنا هذا من سار على نهج بني إسرائيل في التحريف بعد العقل والفهم؛ نعم.. لقد كانت العقود الأخيرة زمن "نجوميتهم" بامتياز!


المخادعة: الظاهر والباطن.. السر والعلن ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 76].


فالكتاب عندهم ليس لإحقاق الحق وإبطال الباطل؛ بل للتلاعب بمن حولهم، ومنَّا من يفعل ذلك جهارًا نهارًا!


كتمان العلم المنزل من عند الله ﴿ وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 76].


سوء تقديرهم لقدرة الله في معرفة ما يسرُّون وما يعلنون: ﴿ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [البقرة: 77].


اشتغال الأميُّون منهم بالكتاب بالظن والأماني ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [البقرة: 78]، من بني إسرائيل أميُّون لا يجدون القراءة والكتابة، ومع ذلك يتكلمون في التوراة ويجادلون فيها بغير علم وإنما ظنًّا وكذبًا، وما تتمنَّاه أنفسهم.


"عن ابن جريج عن مجاهد: ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ ﴾ قال: أناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئًا، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله، ويقولون: هو من الكتاب، أماني يتمنونها".


وإن كان هؤلاء أميين، فبين ظهرانينا "عالمون" ويتكلمون في الكتاب ظنًّا وكذبًا وأماني!


يكتبون الكتاب بأيديهم: ومنهم الذين يكتبون الكتاب بأيديهم، فيدخلون عليه ويخرجون منه، وقد شابههم اليوم فريق من الأمة، امتهنوا هذه المعصية، لكن باحتراف وإتقان، دخلوا على كتاب الله من باب الحداثة والعصرنة، وأن لكل عصر سمته وحاجاته، وأن عصرنا لم يعد يحتاج إلى كثير مما ورد في القرآن الكريم، فكان أن أبطلوا أحكامًا واستبدلوا أخرى، وأحلوا حرامًا وحرموا حلالًا، والسبب؟ متاع الحياة الدنيا، الهوى، المال، الجاه، باعوا الدين ليشتروا الدنيا، وعقاب هؤلاء عظيم: ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾[البقرة: 79].


هناك وجه آخر درج في الآونة الأخيرة يندرج تحت كتابة الكتاب بأيديهم، وهو تفسير الآيات على غير ما هي عليه، ظنًّا منهم أنهم يخدمون الإسلام برفض حقيقة الآيات التي يخجلون بها أمام من يتهمون الإسلام، وما دروا أن الإسلام عزيز بنهج الله وقرآنه.


وكم منا من يحرم ويحلل ويزيد وينقص من الكتاب عن طريق التأويل والتحريف والإنكار والإثبات بما يمليه عليه الهوى!


وقفة مع المواثيق التي أخذها الله عز وجل على بني إسرائيل:

الميثاق الأول: العبادات والمعاملات السلوكية:

التوحيد ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ [البقرة: 83].
الإحسان للوالدين.


الإحسان لذِي القربى واليتامى والمساكين.


﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83].


إقامة الصلاة.


إيتاء الزكاة.


فكانت الاستجابة لهذا الميثاق بأن تولوا عن ذلك كله، وأعرضوا قصدًا وعمدًا، وهم يعرفونه ويذكرونه، إلا قليلًا منهم ﴿ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [البقرة: 83].


الميثاق الثاني، ويتضمن شطرين: الأول في الوحدة وعدم الاقتتال، والثاني عدم المظاهرة، وتحريم إخراج بعضهم بعضًا من بيوتهم.

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾ [البقرة: 84].

 

وهذا الميثاق مأخوذ عليهم في التوراة؛ لكنهم كانوا يخالفونه حتى مدة قريبة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنهم كانوا قد أقرُّوه وقبلوه وعاهدوا الله عليه، ومدار هذا التذكير الإلهي لهم، كما ورد في سبب نزول الآية في تفسير ابن كثير:

أن الأوس والخزرج، وهم الأنصار، كانوا في الجاهلية عُبَّاد أصنام، وكانت بينهم حروب كثيرة، وكان يهود المدينة ثلاث قبائل: بنو قينقاع، وبنو النضير حلفاء الخزرج، وبنو قريظة حلفاء الأوس، فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه، فيقتل اليهودي أعداءه، وقد يقتل يهودًا مثله من الفريق الآخر، ويخرجونهم من بيوتهم، وينهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال، مع أن هذا فعلٌ مُحرَّم في دينهم، ثم إذا وضعت الحرب أوزارَها استفكوا الأسارى من الفريق المغلوب، عملًا بحكم التوراة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾ [البقرة: 85].

 

﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 85].

 

فكانت منهم المعصية معصيتان: نقض المواثيق، و"الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه"!


وكان العقاب: ﴿ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 85].


ومدار هذا الميثاق أن أهل المِلَّة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة، كما قال عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتواصلهم بمنزلة الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".

 

وأقرب ما يكون إلى هذا الميثاق عندنا ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسَدُوا، ولا تناجَشُوا، ولا تباغَضُوا ولا تدابَرُوا، ولا يبِعْ بعضُكمْ على بيعِ بعضٍ، وكُونُوا عبادَ اللهِ إخوانًا، المسلِمُ أخُو المسلِمِ، لا يَظلِمُهُ ولا يَخذُلُهُ، ولا يَحقِرُهُ، التَّقْوى ههُنا – وأشارَ إلى صدْرِهِ – بِحسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرضُهُ".

 

ونحن اليوم يظلم بعضُنا بعضًا، ويخذل بعضُنا بعضًا، ويسلم بعضنا بعضًا، ويخون بعضُنا بعضًا، ويحقر بعضُنا بعضًا، وكثير منا لا يعترف بحرمة دم ولا مال ولا عرض أخيه المسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

 

إن حب الدنيا واللهاث وراءها وكأنها دار خلود، هو أصل كل المعاصي والخروج عن صراط الحق إلى سبل الشيطان وطرق الباطل، شراء الدنيا بالآخرة، رأس المعصية أن يبيع الإنسان دينه وعقيدته في سبيل متاع الدنيا الفاني الزائل المنقضي.

 

﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ﴾ [البقرة: 86] وعقابهم: ﴿ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 86] غفرانك اللهم.

يتبع.



[1] https://al-maktaba.org/book/31871/4223#p14




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات ودروس من سورة البقرة (1)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (2)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (3)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (4)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (5)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (7)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (8)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (9)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (10)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (11)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (12)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (13)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (14)

مختارات من الشبكة

  • وقفات ودروس من سورة البقرة (16) والأخيرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (15)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العام الهجري الجديد وقفات ودروس(مقالة - ملفات خاصة)
  • عاشوراء .. وقفات ودروس!(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (9)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (8)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (7)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (6)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب