• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

فنعم المرضعة وبئست الفاطمة (خطبة)

فنعم المرضعة وبئست الفاطمة (خطبة)
د. محمد جمعة الحلبوسي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/1/2024 ميلادي - 17/7/1445 هجري

الزيارات: 8984

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هــادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شـــــريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورســــــــولُه القائل: ((سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ))[1].


أنت الذي ولدتكَ أُمُّكَ باكِيًا
والناسُ حَوْلكَ يضحكونَ سُرورا
فاعْمَل لنفسكَ أنْ تكونَ إذا بكوا
في يومِ مَوْتِكَ ضاحِكًا مسرورا

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].


﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].


﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ سيدنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلالَةٍ في النَّارِ.


أيها المسلم الكريم، هذا سيدنا أبو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ رضي الله عنه، في ذات يوم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ أي: ألَا تَجْعَلُنِي عامِلًا وأميرًا على بَعِض الولاياتِ؟ ألا توليني منصبًا من مناصب الدولة؟


فيا ترى بمَ أجابه نبينا صلى الله عليه وسلم؟ هل جامله كما يفعل الكثير من الناس اليوم؟! هل قال له: أنت أهل لهذا المنصب؟! هل قال له: أنت الرجل المناسب في المكان المناسب، وهو في قرارة نفسه غير مقتنع به تمامًا؟!


لا، نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم لا يعرف المجاملة؛ بل هو الناصح الأمين، الذي يريد لأصحابه الخير وما ينفعهم في الدنيا والآخرة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم بكل صراحة بعد أن ضَرَبَه بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِه: ((يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا))[2].


أنا عندما قرأت هذا الموقف تَسَاءَلتُ: أبو ذر الغفاري، الصحابي الجليل رضي الله عنه، الذي له مواقف جريئة في الإسلام، وخاصة في قصة إسلامه، فهو من قبيلة غفار، وهي من القبائل العربية الواقعة بين مكة والمدينة، وقد اشتهرت هذه القبيلة بالسطو، وقطع الطريق على المسافرين والتجار وأخذ أموالهم بالقوة، فكان رضي الله عنه قبل إسلامه يأبى عبادة الأصنام، وينكر على من يشرك بالله تعالى، ولما سمع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم انطلق إليه في مكة، يكتم سبب قدومه عن الناس، حتى لقي سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأخبره بأمره، فدخل به سيدنا علي رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب منه أبو ذر أن يعرض عليه الإسلام، ليدخل نور الإيمان إلى قلبه وعقله وروحه، فأسلم رضي الله عنه، وحَثَّه النبي صلى الله عليه وسلم على كتمان إيمانه حتى يسمع بظهور الإسلام وقوة شوكته، إلا أن أبا ذَرٍّ رضي الله عنه رفض وقال: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فخرج الى البيت الحرام وصرخ بشهادة التوحيد بين الناس فكان أول من جهر بها في الإسلام قائلًا: " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله"، فقام إليه المشركون يضربونه ليموت، لولا أن الله تعالى أنقذه بسيدنا العباس رضي الله عنه بعد أن هددهم بقبيلته غفار، فقال لهم: وَيْلَكُمْ تَقْتُلُونَ رَجُلًا مِنْ غِفَار وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَار، فتركوه، ثم عاد إلى قبيلته، وظَلَّ يدعوهم إلى الإسلام إلى أن أسلموا جميعًا، وجاء بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته من مكة إلى المدينة المنورة[3].

 

بل شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة عظيمة فقال: ((مَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ وَلا أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ مِنْ ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ وَلا أَوْفَى مِنْ أَبِي ذَرٍّ شِبْهَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ))[4] يعني: ما أظلَّت السماء على أحد، ولا حملت الأرض أحدًا أكثر صدقًا في كلامه، ولا أكثر الناس وفاءً في عهوده من أبي ذَرٍّ، وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه شهادة حق؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، ولأنه صلى الله عليه وسلم لا يعرف المحاباة والمدح الكاذب، فأي شهادة أعظم من هذه الشهادة؟!


سيدنا أبو ذر الْغِفَارِيّ رضي الله عنه كان إمامًا في الزهد والعلم والإيمان، كان قوَّالًا بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم، ومع كل هذه الفضائل، يقول له صلى الله عليه وسلم: ((يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ..)).

 

فإذا كان أبو ذر الصحابي الجليل ضعيفًا، فكيف بغيره من الناس؟! فهل يدرك الناس ثقلها، وهل يقدر على تحملها العامة من الناس، وهل يعلم هولها المتسابقون عليها، والباذلون المال من أجلها؟ هل يعلمون أن المسؤولية أمانة، ويوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذه بحقها وأدَّى الذي عليه فيها؟ وهل يفرح بها إلا من جهل قدرها وقد عجزت عن حملها السماوات والأرض؟


ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الحرص على المناصب والإمارة فقال: ((إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ))[5].

 

في هذا الحديث يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي على الناس زمان يحرصون فيه على الإمارة، بل يتقاتلون ويتناحرون ويحرقون الأوطان، سب وشتم وقذف ومهاترات وملاسنات وملاعنات وحقد وكره وانتقام، وهذا نجده في التنافس على إدارة المدرسة، والمؤسسات، والمشيخة، والوزارات، وهذا التنافس ليس من أجل تقديم الأفضل ولكن من أجل الشهرة، والمكانة، والمال، والجاه، فالكثير من الناس اليوم أصبح يرى المنصب مغنمًا؛ ولذلك سيكون عليهم ذلًّا وخزيًا يوم القيامة.

 

ثم ختم النبي صلى الله عليه وسلم حديثه بقوله: ((فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ)) ما معنى ذلك؟

 

معنى قوله: ((فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ))؛ يعني ذلك أولها؛ لأن معها المال والجاه والسلطة، وقوله: ((وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ))؛ أي: آخرها؛ لأن معها القتل والعزل في الدنيا، والحسرة والندامة والتبعات يوم القيامة[6].

 

وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم عواقب المناصب والإمارة والرئاسة ومراحلها الثلاث في قوله: ((إِنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ عَنِ الْإِمَارَةِ وَمَا هِيَ؟))، يقول عوف بن مالك رضي الله عنه: فَقُمْتُ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: ((أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ، وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ، وَثَالِثُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ عَدَلَ وَكَيْفَ يَعْدِلُ مَعَ أَقْرَبِيهِ؟))[7].

 

لذلك كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم تُعرض عليهم الإمارة والمناصب فيعرضون عنها، ويرفضونها، ويفرون منها فرارهم من الأسد؛ لأنهم عرفوا أنها من أعظم ما يُسأل عنها العبد يوم القيامة.

 

هذا سيدنا عُتْبة بْن غَزَوَان الصحابي الجليل رضي الله عنه أرسله أميـر المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أرض البصرة لقتال الفرس، والتقى بأقوى جيوشهم، وما هي إلا جولات مباركة حتى استسلموا، وطهر أرضها من الكفر، وتحرر أهلها من طغيان الفرس، فولاه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البصرة، فكان بانيها وأول ولاتها، وكان رضي الله عنه عادلًا في حكمه، زاهدًا في الدنيا، كارهًا للترف، غير راغب في الإمارة، فقدم عُتْبَة رضي الله عنه إلى المدينة المنورة ليطلب من الخليفة عمر رضي الله عنه أن يعفيه من الولاية بعد ستة أشهر فقط، فقال له سيدنا عمر رضي الله عنه: "تضعون أماناتكم فوق عنقي، ثم تتركونني وحدي! لا والله لا أعفيكم أبدًا". فلم يكن في وسع سيدنا عتبة رضي الله عنه غير السمع والطاعة، واستقبل راحلته ليعود إلى البصرة؛ ولكنه قبل أن يركب دابته - توجَّه إلى ربه - داعيًا ألَّا يردَّه إلى البصرة، ولا إلى الإمارة أبدًا، ثم سار إلى البصرة، وفي طريقه سقط من على راحلته، فمات وهو في طريقه بين مكة والبصرة[8].

 

هكذا أيها الأحبة لما صدقوا مع الله تعالى استجاب الله دعاءهم.


بل كان الواحد منهم إذا أجبر على الإمارة فإنه يكون أمينًا على أموال المسلمين، ويسعى لتحقيق العدالة بينهم، هذا سيدنا عروة ابن الصحابي محمد بن عروة بن عطية السعدي رضي الله عنه، أرسله الخليفة سليمان بن عبدالملك واليًا على اليمن، فعندما وصل اليمن، جمع أهلها ثم قال لهم: (يا أهل اليمن، هذه راحلتي (وفيها مصحفي وسيفي) فإن خرجت بأكثر منها فأنا سارق)... يقول أهل السير: مكث عروة واليًا على اليمن عشرين سنة، توالى فيها على الملك ثلاثة من أمراء بني أمية؛ سليمان بن عبدالملك، وعمر بن عبدالعزيز، ويزيد بن عبدالملك، وعندما خرج عروة من اليمن خرج على راحلته فقط وما معه إلا سيفه و مصحفه[9].

 

أولَئِكَ آبائي فَجِئني بِمِثلِهِم
إِذا جَمَعَتنا يا جَريرُ المَجامِعُ

فأين نحن اليوم من هؤلاء الرجال العظام، أين نحن من أمانتهم؟ أين نحن من عدالتهم؟ أين نحن من خوفهم من الإمارة؟ أين نحن من الذين جعلوا نصب أعينهم قول نبيهم صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ))[10].


فيا أخي الحبيب، من خلال هذه الأحاديث النبوية والآثار أقول لك نصيحة: إن استطعت ألا تكون أميرًا على اثنين فافعل، فإن فيها نجاتك في الدنيا والآخرة.


اللهم وَلِّ أمورنا خيارنا، ولا تولِّ أمورنا شرارنا، اللهم ولِّ علينا من يخافك ويرحمنا، ولا تولِّ علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الشرَّ شرًّا وارزقنا اجتنابه، آمين يا رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

مسألتنا الفقهية تتعلق بشأن الدعاء بالوسيلة بعد الإقامة.

هل يسن دعاء الوسيلة بعد الإقامة كما يسنُّ بعد الأذان؟

إنَّ سؤال الله عزَّ وجلَّ الوسيلة والفضيلة لسيِّدنا النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد النداء أمر مطلوب ومرغب فيه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ))[11] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ))[12].

 

فهذه الأحاديث الشريفة تدلُّ على مشروعية طلب الوسيلة بعد الأذان، وبعد الإقامة؛ لأنَّ كلًّا منهما يسمَّى نداء، ويسمَّى أذانًا.

 

والفقهاء رحمهم الله لا يختلفون في طلبها بعد الأذان؛ لصراحة الأحاديث الواردة في ذلك وكثرتها، وأمَّا بعد الإقامة، فالظاهر من كلام ساداتنا الأحناف، والشافعية، والحنابلة رحمهم الله أنَّ كلَّ ما طلب من سامع الأذان، فهو مطلوب من سامع الإقامة، فعباراتهم في كتبهم تدلُّ على أنَّهم لم يفرقوا بين الأذان والإقامة[13]، وأنَّ على مَنْ سمع الإقامة مثل ما على مَنْ سمع الأذان، بما في ذلك طلب الوسيلة.


وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله في كتابه الأذكار: (وروينا في كتاب ابن السني، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان إذا سمع المؤذِّن يُقيم الصلاة يقول: اللهمَّ ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، صلِّ على محمَّد وآته سؤلَه يومَ القيامة)[14].

 

فبناءً على ذلك نقول: يسن دعاء الوسيلة بعد الإقامة كما يسنُّ بعد الأذان.

 


[1] سنن ابن ماجه، أَبْوَابُ الْفِتَنِ- بَابُ شِدَّةِ الزَّمَانِ: (5/ 162)، برقم (4036) قال شعيب الأرناؤوط: حديث حسن.

[2] صحيح مسلم، كِتَابُ الْإِمَارَةِ- بَابُ كَرَاهَةِ الْإِمَارَةِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ: (3/ 1457)، برقم (1825).

[3] ينظر: البخاري، كتاب المناقب-باب قِصَّةِ إِسْلامِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه: (4/222)، برقم (3522)، ودلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني: (ص: 256).

[4] الترمذي، أَبْوَابُ الْمَنَاقِبِ- بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه: (6/ 146)، برقم (3802) وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

[5] صحيح البخاري، كتاب الأحكام- باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى الإِمَارَةِ: (9/ 79)، برقم (7148).

[6] عمدة القاري شرح صحيح البخاري: (24/ 227).

[7] أخرجه البزار في مسنده: (7/ 188)، برقم (2756)، والطبراني في المعجم الأوسط: (7/ 26) برقم (6747)، والمعجم الكبير: (18/ 71) برقم (132)، وقَالَ الهيثمي: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط، وَرِجَال الْكَبِير رجال الصَّحِيح.

[8] ينظر: أسد الغابة لابن الأثير: (3/ 462)، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: (3/ 223).

[9] ينظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المزي: (20/ 34).

[10] صحيح مسلم، كِتَابُ الْإِيمَان- بَابُ اسْتِحْقَاقِ الْوَالِي الْغَاشِّ لِرَعِيَّتِهِ النَّارَ: (1/ 125)، برقم (142).

[11] صحيح البخاري، كتاب الأذان- باب الدعاء عند النداء: (1/ 159)، برقم (614).

[12] صحيح مسلم، كِتَابُ الصَّلَاةِ- بَابُ الْقَوْلِ مِثْلَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ لِمَنْ سَمِعَهُ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَسْأَلُ لهُ الْوَسِيلَةَ: (1/ 288)، برقم (384).

[13] قال الإمام الكمال بن الهمام رحمه الله: (وَفِي التُّحْفَةِ: يَنْبَغِي أَلَّا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَشْتَغِلَ بِشَيْءٍ حَالَ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ. وَفِي النِّهَايَةِ: تَجِبُ عَلَيْهِم الْإِجَابَةُ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مِن الْجَفَاءِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا: وَمَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَلَمْ يُجِبْ)؛ فتح القدير للكمال ابن الهمام (1/249). وقال الإمام النووي رحمه الله: (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَفِي لفظ الإقامة يقول: أقامها الله وأدامها؛ لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذلك)؛ المجموع شرح المهذب (3/122). وقال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى في الفتاوى: (لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِنَدْبِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَوَّلَ الْإِقَامَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ عَقِبَ الْإِقَامَةِ كَالْأَذَانِ، ثُمَّ بَعْدَهُمَا: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ... إلَخْ)؛ الفتاوى الفقهية الكبرى (1/129). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله جلَّ وعلا: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي الْإِقَامَةِ مِثْلَ مَا يَقُولُ، وَيَقُولَ عِنْدَ كَلِمَةِ الْإِقَامَةِ: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَت الصَّلَاةُ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا». وَقَالَ فِي سَائِرِ الْإِقَامَةِ كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي الْأَذَانِ)؛ المغني (1/310).

[14] الأذكار للنووي (ص: 37).

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها)

مختارات من الشبكة

  • النعم الدائمة والنعم المتجددة (خطبة)‏(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • تفسير: (وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حمر النعم كفر النعم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من النعم أن يحجب عنك بعض النعم!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • هل أتاك نبأ العلماء الذين أحرقوا كتبهم أو دفنوها...؟!(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • سبعة قوانين لفهم الكتاب المبين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آلان وعمران (شعر)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من معاني (نعم وبلى) في القرآن الكريم عند سيبويه(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مقومات الصحة النفسية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إنذار من أنكر نعمة الله باقتراب أمر الله: سورة النحل المعروفة بالنعم (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب