• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: اغتنام عشر ذي الحجة خير الأيام
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تفسير: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    التحذير من الإسراف والتبذير
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    استحباب أخذ يد الصاحب عند التعليم والكلام والمشي
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    مفهوم الخصائص لغة واصطلاحا وبيان أقسامها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أحكام القذف - دراسة فقهية - (WORD)
    شهد بنت علي بن صالح الذييب
  •  
    إلهام الله لعباده بألفاظ الدعاء والتوبة
    خالد محمد شيت الحيالي
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    تخريج حديث: جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إذا توضأت ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    قصة الرجل الذي أمر بنيه بإحراقه (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الإيمان بالقدر خيره وشره
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الذكر والدعاء
علامة باركود

الاستنصار بالدعاء (خطبة)

الاستنصار بالدعاء (خطبة)
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/11/2023 ميلادي - 13/5/1445 هجري

الزيارات: 9788

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الاستنصارُ بالدعاءِ


الحمدُ للهِ مجيبِ مَن دعاه، وناصرِ مَن استغاثه ورجاه، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ؛ لا ربَّ سواه، ولا نعبدُ إلا إياه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلّمَ عليه وعلى آله وصحبِه ومَن اهتدى بهداه.

 

أما بعدُ. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

أيها المؤمنون!

النصرُ مطلبٌ للخلْقِ منشودٌ، وغايةٌ كلُّ حرٍّ يبغي إليها سبيلاً. وقد تباينتْ طرائقُ الخلْقِ في الوصولِ لها، وأضاعَ أكثرُهم سبيلَها القويمَ؛ إذ كان مُعتمدُهم على أسبابٍ ماديةٍ لا تصنعُ نصراً، أو تحوطُه حفظاً. بَيْدَ أنَّ أهلَ الإيمانِ تميَّزوا ببصيرةٍ جَلَّتْ لهم سبيلَ تنزُّلِ النَّصرِ، ومقوماتِ بقائه إنْ هم تمسكوا بها؛ حين استقرَّ في وجدانِهم، وانعقدَ عليه معتقدُهم أنَّ مصدرَ النصرِ الوحيدِ إنما هو اللهُ خيرُ الناصرين؛ فإنِ اسْتُمِدَّ مِن غيرِه فإنما يُطلَبُ النصرُ بالوهْمِ، وما يزيدُه ذلك الطلبُ إلا بُعْداً، ولن يجنيَ صاحبُه إلا الخيبةَ والخذلانَ. هكذا قضى اللهُ سنَّتَه في النصرِ، وأجراها مطردةً بين العبادِ بأوكدِ أساليبِ الحصرِ والتقريرِ، كما قال -تعالى-: ﴿ النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126]، ويقول -سبحانه-: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [آل عمران: 160].

 

ولما استقرتْ تلك العقيدةُ في قلوبِ المؤمنين؛ طَفِقُوا يبحثون عن السُّبلِ التي بها يُنْزِلُ اللهُ نصرَه مما وردَ به الوحيُ المعصومُ الذي لا يَتسرَّبُ لصدقِ وقوعِه احتمالٌ أو شكٌّ. وكان أعظمُ تلك السبلِ التي يتحققُ بها الجهادُ بالنفسِ، وأرجاها في تنزُّلِ النصرِ الإلهيِّ، وأقربُها في تعجيلِه الاستنصارَ بالدعاءِ مع إعدادِ ما يُستطاعُ من عُدَّةٍ ماديةٍ دون رُكونٍ إليها؛ فقد كان ذا منهجَ الأنبياءِ في طلبِ النصرِ والفتحِ المبينِ وإهلاكِ الظالمين. أُبيدتْ أمةٌ ظالمةٌ غَرَقاً إذ كذَّبتْ نبيَّها؛ وقالت: مجنونٌ وازْدُجِرَ؛ ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [القمر: 10 - 12]، فلم يبقَ منهم على الأرضِ ديّارٌ. ولما لجَّ فرعونُ في طغيانِه، وتاهَ في سلطانِه، وأَمْعَنَ في ظلمِ العبادِ، وكذَّبَ بآياتِ ربِّه؛ دعا موسى -عليه السلام- ربَّه بالنصرِ وإهلاكِ الظالمين، فقال: ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [يونس: 88]؛ فكان دعاءً مسموعاً؛ أنجى اللهُ به المؤمنين، وأغرقَ به الظالمين. والدعاءُ كان قرينَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وسلاحَه الذي يَستنصِرُ به ربَّه، ويُقاتِلُ به أعداءَه.

 

قال أَنَسُ بْنُ مالِكٍ -رضيَ اللهُ عنه-: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذا غَزا قالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدي، وَنَصِيري؛ بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقاتِلُ " رواه أبو داودَ وصحّحَه الألبانيُّ. وسببُ لَهَجِه بهذا الدعاءِ ما رواه صُهَيْبٌ الروميُّ -رضي اللهُ عنه- إذ يقولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى هَمَسَ شَيْئًا، لَا نَفْهَمُهُ، وَلَا يُحَدِّثُنَا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " فَطِنْتُمْ لِي؟ "، قَالَ قَائِلٌ: نَعَمْ، قَالَ: " فَإِنِّي قَدْ ذَكَرْتُ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أُعْطِيَ جُنُودًا مِنْ قَوْمِهِ؟ فَقَالَ: مَنْ يُكَافِئُ هَؤُلَاءِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ لِهَؤُلَاءِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: اخْتَرْ لِقَوْمِكَ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، أَوِ الْجُوعَ، أَوِ الْمَوْتَ، فَاسْتَشَارَ قَوْمَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: أَنْتَ نَبِيُّ اللهِ، نَكِلُ ذَلِكَ إِلَيْكَ، فَخِرْ لَنَا، فَقَامَ إِلَى صَلَاتِهِ - وَكَانُوا يَفْزَعُونَ إِذَا فَزِعُوا إِلَى الصَّلَاةِ-، فَصَلَّى، قَالَ: أَمَّا عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَلَا، أَوِ الْجُوعُ فَلَا، وَلَكِنِ الْمَوْتُ، فَسُلِّطَ عَلَيْهِمُ الْمَوْتُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، فَهَمْسِي الَّذِي تَرَوْنَ أَنِّي أَقُولُ: اللهُمَّ يَا رَبِّ! بِكَ أُقَاتِلُ، وَبِكَ أُصَاوِلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ"؛ رواه أحمدُ وصحّحَه الألبانيُّ على شرطِ الشيخين.

 

وقال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي اللهُ عنه -: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، ‌كَفَاكَ ‌مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9]"؛ رواه مسلمٌ.

 

وقال عَلِيٍّ - رضيَ اللهُ عنه-: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَاتَلْتُ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ، ثُمَّ جِئْتُ مُسْرِعًا لِأَنْظُرَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ: " ‌يَا ‌حَيُّ ‌يَا ‌قَيُّومُ، ‌يَا ‌حَيُّ ‌يَا ‌قَيُّومُ "، لَا يَزِيدُ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ، وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الْقِتَالِ ثُمَّ رَجَعْتُ، وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ (رَوَاهُ الْبَزَّارُ وحسَّنه الهيثميُّ).

 

وكان ذلك الدعاءُ أعظمَ ما يَنْصُرُ به المستضعفين من أصحابِه؛ روى أبو هريرةَ -رضيَ اللهُ عنه- أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: " اللَّهُمَّ أَنْجِ عيَّاش ابن أَبِي رَبِيعَةَ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ ‌أَنْجِ ‌الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كسنيِّ يوسفَ " رواه البخاريُّ. وهكذا ورّث الأنبياءُ أتباعَهم ذلكمُ الاستنصارَ؛ فكان لهم نِعمَ العُدَّةِ كما كان لأنبيائِهم؛ ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146، 147]، ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 250، 251]، ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173 - 174].

 

وكان عمرُ -رضيَ اللهُ عنه- إذا أبطأَ عليه خبرُ الجيوشِ قَنَتَ. قال أهلُ العلمِ: " الكفارُ إنما يعوّلون على قوّتِهم وشوكتِهم، والمسلمون يستعينون بالدعاءِ والتضرّعِ؛ فلذا حُقَّ لهمُ النصرُ والظَّفَرُ ". قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: " النصرُ والرزقُ يحصلُ بأسبابٍ، من أوكدِها دعاءُ المسلمين المؤمنين، وصلاتُهم، وإخلاصُهم ". " والمسلمون في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها قلوبُهم واحدةٌ؛ مواليةٌ للهِ ولرسولِه ولعبادِه المؤمنين، معاديةٌ لأعداءِ اللهِ ورسولِه وأعداءِ عبادِه المؤمنين، وقلوبُهم الصادقةُ وأدعيتُهمُ الصالحةُ هي العسكرُ الذي ‌لا ‌يُغلَبُ، والجُندُ الذي لا يُخْذَلُ؛ فإنهم همُ الطائفةُ المنصورةُ إلى يومِ القيامةِ، كما أخبرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم".

 

أكفٌّ طاهراتٌ ضارعاتٌ
تُنيبُ لربِّها ترجو العطاءَ
ولم تَبْغِ سوى المولى نصيراً
وأَعظمتِ الأماني والرجاءَ
فلم يرددْ لها سُؤلاً وجادَ
وأنزلَ نصرَه وجَلَا البلاءَ

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.

أما بعدُ. فاعلموا أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

 

أيها المؤمنون!

إنَّ نصرَ اللهِ قريبٌ؛ قد يُنْزِلُه بدعوةِ خَفِيٍّ صالحٍ، أو عاجزٍ مستضعَفٍ، أو مقهورٍ مظلومٍ لم يجدْ له ناصراً إلا اللهَ؛ فكيف إذا اجتمعتْ في أمةٍ ذاتِ جسدٍ واحدٍ، إنِ اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحُمَّى والسَّهرِ؟! ومِن هنا باتَ نظرُ شُداةِ الفتوحِ والنصرِ مُصَوَّبَ البحثِ عن أولئك الذين يُستنزَلُ بدعائهم النصرُ، كما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ ‌هَذِهِ ‌الْأُمَّةَ ‌بِضَعِيفِهَا؛ بِدَعْوَتِهِمْ، وَصَلَاتِهِمْ، وَإِخْلَاصِهِمْ " رواه النسائيُّ وصحّحَه الألبانيُّ، وكان يقولُ: " ابْغُونِي الضعفاءَ؛ فإنما تُرْزَقُون وتُنْصَرُون بضعفائكم " رواه أبو داودَ وحسَّنه النوويُ. وذَكَرَ الحافظُ ابنُ عبدِالبَرِّ أنَّ أحدَ ولاةِ الجَوْرِ كان يَفتخِرُ بسطْوتِه ويقولُ: قد ضبطتُّ العراقَ بيميني، وشمالي فارغةٌ؛ يريدُ ولايةً أخرى، فأُخبرَ بذلك عبدُالله بنُ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهما- فقال: مُرُوا العجائزَ؛ يدعون اللهَ عليه، ففعلنَ، فخرجَ بأصبعِه طاعونٌ؛ فماتَ منه. ولَمَّا صَافَّ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ التُّركِ، وَهَالَهُ أَمرُهم، سَألَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، فَقِيْلَ: هُوَ ذَاكَ فِي المَيْمَنَةِ، جَامحٌ عَلَى قَوسِهِ، يُبصبصُ بِأُصْبُعِهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، قَالَ: تِلْكَ الأُصْبُعُ الفارِدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مائَةِ أَلْفِ سَيْفٍ ‌شَهِيْرٍ، وَشَابٍّ ‌طرِيْرٍ! وكان صلاحُ الدينِ الأيوبيُّ يَقصدُ في معاركِه الجُمعَ، خاصةً أوقاتَ صلاةِ الجُمعةِ؛ تبرُّكاً بدعاءِ الخطباءِ على المنابرِ، الذي هو أقربُ ما يكونُ إلى الإجابةِ.

 

أيها المسلمون!

إنما كان الاستنصارُ بالدعاءِ أقوى جالبٍ لنصرِ اللهِ؛ لامتلائه بمعاني التوحيدِ التي لا يَستحِقُّ النصرَ إلا مَن حقَّقَها، ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40]؛ فالاستنصارُ بالدعاءِ تفريدٌ لمَصدرِ النصرِ الربانيِّ، وحُسْنُ ظنٍّ بكرمِ الإلهِ، وانكسارٌ لجلالِ المولى النصيرِ، وافتقارٌ للربِّ القديرِ، وتبرُّؤٌ من الحولِ والقوةِ، وإقرارٌ بالذنوبِ والإسرافِ في الأمرِ واستقالةٌ لها بالتوبةِ، وتعاهدٌ على الاستقامةِ؛ فهل يَخْذُلُ اللهُ الكريمُ مَن هذا حالُه؟! ﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 147]. قال ابنُ القيِّمِ: " وَقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنَّ خِلَعَ النَّصْرِ وَجَوَائِزَهُ إِنَّمَا تَفِيضُ عَلَى أَهْلِ ‌الِانْكِسَارِ ".

 

وإذا أنزلَ اللهُ نصرَه على عبادِه لم تَصْمُدْ أمامَهم أعتى قوةٍ وإنْ تآلَبَ العالَمُ عليهم وفاقَهم عدوُّهم عَدداً وعُدَّةً، وإنْ أُديلَ عليهم، وأَثْخنَ فيهمُ الجراحَ؛ ثَبَتوا، وصبروا صبْرَ الجبالِ الرواسي، ولم يَهِنُوا، ولم يَستكينوا، ولم يَستسلموا؛ إذ قصارى قوةِ الأعداءِ ما تَفَتَّقَتْ به طاقةُ البَشرِ وجُهدُهم، وقوةُ أولئك البررةِ المؤمنين التي يُقاتلون بها قوةٌ ربانيةٌ لا تَنْفُدُ، ولا تُغلبُ، ولا تُقهرُ؛ وهل يَصمدُ أمامَ قوةِ اللهِ أيُّ قوةٍ؟! ومِن هنا كان النصرُ هو العاقبةَ المُحَتَّمَةَ وإنْ طال الزمنُ، وأصابَهمُ القَرْحُ، وتوارتْ عن العيونِ علائمُ الفتحِ المبينِ، ما دام طلّابُ النصرِ الربانيِّ على شرعِه سائرين ثابتين، ولتنزلِه سائلين مُلِحِّين، ولإعدادِ القوةِ حسْبِ طاقتِهم جادِّين؛ إذ لا يَعلمُ حينَ تنزُّلِ النصرِ سوى مَن يُنْزِلُه -سبحانه-، الذي يعلمُ بحكمتِه متى يُنْزِلُه؟ وأين يُنْزِلُه؟ وكيف يُنْزِلُه؟

 

ومَن تَعَشَّمَ في الرحمَنِ أيَّدَهُ
وفي التَعَلُّقِ بالأشيَاءِ خُذْلانُ
فلْيَعلَمِ العَبدُ مَهما أحرَزَت يَدُهُ
سَعْيُ المُجِدِّ بِدُونِ اللّهِ خُسْرَانُ
فَالْجَأْ إليهِ ولا تَركَنْ إلى سَبَبٍ
لولا المُسَبِّبُ مَا كُنّا ولا كَانوا




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الاستنصار بالدعاء وعشر ذي الحجة
  • الأمر بالدعاء
  • السنن المتعلقة بالدعاء

مختارات من الشبكة

  • الاستنصار والنصرة بالدعاء(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • مخطوطة مقامة الاستنصار بالواحد القهار(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الاستقواء بغير الله ضعف، والاستنصار بغيره هزيمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (1) التربية بالدعاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة خير الدعاء دعاء عرفة(محاضرة - ملفات خاصة)
  • النصيحة الثالثة: استقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خير الدعاء دعاء عرفة (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • لماذا تتأخر إجابة الدعاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعاء فضائل وآداب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • استحباب الدعاء بالمأثور وجوازه بالعامية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)

 


تعليقات الزوار
1- فتح الله عليك وزادك الله من الخير
محمود محمد إسماعيل - مصر 15-03-2024 06:25 AM

جزاك الله خيرا عالمنا الجليل..

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب