• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ
علامة باركود

موسى عليه السلام (خطبة)

موسى عليه السلام (خطبة)
ساير بن هليل المسباح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/10/2023 ميلادي - 14/4/1445 هجري

الزيارات: 18101

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

موسى عليه السلام


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ‌حَقَّ ‌تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ‌مِنْ ‌نَفْسٍ ‌وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا ‌قَوْلًا ‌سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71]؛ أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها المسلمون، لو قيل لأحد عابر: ما هي أعظم قصة وردت في القرآن الكريم، لأجاب كثير من الناس بأنها قصة نبي الله يوسف عليه السلام، وقد سماها الله تعالى بأحسن القصص، وأنزلها في سورة واحدة، وفي سياق متصل؛ لكن الحقيقة أن أعظم قصة وردت في القرآن الكريم ليست ليوسف عليه السلام؛ بل هي لأكثر نبي ورد ذكره في القرآن الكريم؛ نبي الله موسى عليه السلام.

 

وتبرز الأهمية في ذلك أن الله تعالى ذكر موسى في القرآن الكريم مائة وست وثلاثين مرة، وهو أكبر عدد ذُكِر لنبي من الأنبياء، وهو أول نبي يُذكَر في القرآن بعد أبي البشرية آدم، وهو آخر نبي يذكر في القرآن.

 

﴿ وَإِذْ ‌وَاعَدْنَا ‌مُوسَى ‌أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [البقرة: 51] هذا في البقرة، وفي الأعلى يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي ‌الصُّحُفِ ‌الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18-19]، ثم لا يذكر بعد ذلك اسم نبي حتى نهاية القرآن.

 

وقصة موسى نثرت في القرآن الكريم في مواضع شتى، وبأساليب مختلفة، وجاء ذكر موسى في أوائل السور؛ مثل: سورة طه والشعراء، وفي أواسط السور؛ مثل: سورة الأعراف، وفي آخر السور؛ مثل: سورة يونس.

 

أما قول الله تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ ‌أَحْسَنَ ‌الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ﴾ [يوسف: 3]؛ فالمقصود: أن أحسن القصص هي القصص الواردة في القرآن الكريم، وهي أحسن مما يذكره الناس في أحاديثهم ومجالسهم، وهي قصص مرتبطة بتوحيد الله تعالى، وليست مختصة بانتصار قوم أو هزيمة آخرين، أو سفر أحدهم، أو غناه أو فقره، أو كرمه أو بخله.

 

وإذا تتبعنا ذكر موسى في القرآن، وجدنا أن القرآن اهتمَّ بموسى في جميع مراحل حياته؛ فقد اعتنى بذكر ميلاده: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ ‌أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7].

 

وفي شبابه وقبل أن يكون نبيًّا: ﴿ وَلَمَّا ‌بَلَغَ ‌أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [القصص: 14].

 

وعندما تقدم في السن: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ‌وَكَانَ ‌عِنْدَ ‌اللَّهِ ‌وَجِيهًا ﴾ [الأحزاب: 69].

 

واعتنى بذكر قوم موسى من بعد وفاة موسى، فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ‌مِنْ ‌بَعْدِ ‌مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 246].

 

بل واعتنى بذكر ما تركه موسى: ﴿ وَبَقِيَّةٌ ‌مِمَّا ‌تَرَكَ ‌آلُ ‌مُوسَى وَآلُ هَارُونَ ﴾ [البقرة: 248].

 

واعتنى بذكر سفر موسى وترحاله: ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا ‌مِنْ ‌سَفَرِنَا ‌هَذَا نَصَبًا ﴾ [الكهف: 62].

 

واعتنى القرآن بذكر والدة موسى: ﴿ ‌إِذْ ‌أَوْحَيْنَا ‌إِلَى ‌أُمِّكَ مَا يُوحَى ﴾ [طه: 38].

 

وذكر القرآن أخته: ﴿ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ ﴾ [طه: 40].

 

وذكر الغلام الذي كان يخدمه: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلثُغَ ‌مَجْمَعَ ‌الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ [الكهف: 60].

 

وذكر القرآن أهله وحديثه لأهله: ﴿ فَلَمَّا ‌قَضَى ‌مُوسَى ‌الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ [القصص: 29].

 

وهذا من فضل الرجل وكرامته ألَّا يُكتفى بتسليط الضوء عليه وحده، فهو يَشرُفُ ويَشرُفُ معه آخرون، ويُذكر ويُذكر معه آخرون.

 

ومن شرف موسى الذي تتعجب منه الأجيال أن الله تعالى لما حباه بالنبوة -وهي اصطفاء واختيار من الله لخيرة خلقه- كان من قول موسى لربه: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * ‌هَارُونَ ‌أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾ [طه: 29-32]، وفي آية أخرى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ ‌رَحْمَتِنَا ‌أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ﴾ [مريم: 53].

 

وإذا رأيتم الناس كيف يقتتلون ويتعادون من أجل المناصب والمقامات الرفيعة، وهذا موسى يسأل الله لأخيه هارون خير مقام يصل إليه الإنسان؛ مقام النبوة والرسالة.

 

ومن نبل موسى عليه السلام أن قومه لما أخطأوا ووقع منهم عبادة العجل، وأراد أن يعتذر من الله تعالى مما فعل قومه، لم يذهب وحده ولو ذهب لكان كافيًا ومجزئًا؛ لكنه ذهب بسبعين من قومه يظهرون ندمهم واعتذارهم من الله تعالى وتوبتهم إليه: ﴿ ‌وَاخْتَارَ ‌مُوسَى ‌قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا ﴾ [الأعراف: 155].

 

فإذا أخطأ أحدٌ من قومك وذهبت لتعتذر فلا تكتفي بذهابك وحدك؛ بل كُن في جماعة من قومك؛ تقديرًا وتعظيمًا للطرف الآخر، وهذا يختلف من فعل إلى آخر.

 

وموسى في هذا إنما شرَّف قومه باصطحابهم إلى أن يكونوا قريبين من لقاء موسى بربه تبارك وتعالى.

 

ومن نبل موسى -أيها المسلمون- أن الله تعالى لما أخبره أن هناك عبدًا من عباده هو أعلم منه، طلب موسى من ربه أن يسير إلى لقاء هذا الرجل ويراه، فرحل إليه موسى، وركب البحر حتى يلتقي برجل أعلم منه وليس بنبي، وسار موسى معه كالتلميذ مع أستاذه وتحت شروطه، ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى ‌هَلْ ‌أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66]، فقال له الرجل: ﴿ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 70].

 

وهذا من كمال نفس موسى عليه السلام، يتعلم من جميع الناس بلا استثناء، يتعلمون منه الخضوع لله تعالى، والتواضع مع خلقه، وألا ينظر للناس على أنه أفضل خلق الله، وأعلمهم في كل شيء؛ بل إن في عباد الله مَن يفوقه علمًا وخبرةً في أمور هو لا يعلم عنها ولا يعرف بها، فيعرف لكُلٍّ فضلَه وحقَّه، ولا يحتقرن أحدًا من البشر.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب وإثم وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره، واتبع سنته إلى يوم الدين.

 

أيها المسلمون، لقد كانت عناية النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى لموسى عليه السلام أكثر من غيره من الأنبياء، فقد قال عليه الصلاة والسلام وهو يتشوَّف لحكاية موسى مع الخضر: ((ليت موسى صبر حتى نرى من عجائب علم الله تعالى))، وكان عليه الصلاة والسلام إذا أذاه الناس قال: ((لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر)).

 

وحين روى النبي صلى الله عليه وسلم ورود الأمم يوم القيامة مع أنبيائها قال: ((فرفع لي سوادٌ عظيم؛ فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى في قومه)).

 

وفي ليلة الإسراء والمعراج، فالنبي الذي جادل النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عدد الصلاة المفروضة هو موسى عليه السلام، وكان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ((إني قد بلوت الناس قبلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف))، فكان ناصحًا لهذه الأمة، فبعد أن كانت خمسين صلاةً في اليوم والليلة صارت خمس صلوات، وهذا من نصح موسى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

 

أخيرًا: لماذا كان موسى أكثر الأنبياء ذكرًا في القرآن الكريم، فهو -والله أعلم- لعدة أمور منها:

أولًا: أن موسى عليه السلام واجه أكبر ظالم في الأرض فرعون الذي قال للناس: ﴿ أَنَا ‌رَبُّكُمُ ‌الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38] لأجل أن يعلم المؤمنون أن ظاهرة فرعون لا تنقضي من الأرض، وأنهم في مواجهات دائمة مع أشباه فرعون، فإنه إذا وجد مثل موسى وجد مثل فرعون، فيصبر المؤمنون على دينهم وإيمانهم كما صبر موسى وقومه على دينهم وإيمانهم.

 

ثانيًا: أن الدعوة للخير لا تنتهي بنهاية الشر؛ بل لا بد من بناء جديد يعزز الخير في نفوس الناس، فلا تكتفي بذم السوء والظواهر السلبية ما لم يكن هناك عمل في بناء الخير والحث عليه، فإن في قصة موسى طرفًا من ذلك، فمن قرأ قصص الأنبياء في القرآن وجدها تنتهي عند هلاك أقوامهم، ثم لا يُذكَر شيء من شأنهم مع أقوامهم بعد ذلك، أما في قصة موسى، فقد ابتدأ عهد جديد وحكايات جديدة مع قومه، تجدونها مفصلة في سورة البقرة وسورة الأعراف.

 

وهكذا تُبنى الأمم الجديدة، وكما قالوا: إن للحرب رجالًا وللسلم رجالًا، فبعد أن انتهت مرحلة هدم الشرك والكفر في نفوس الناس، جاءت مرحلة بناء الإيمان والأخلاق في نفوسهم.

 

ثالثًا: أن المؤمن عليه أن يصبر على أذى الناس -كل الناس- مهما بلغ من الفضل والمكانة، ومهما قدم للناس من إحسان ومساعدات، فهذا موسى في فضله ومكانته لم ينظر الناس لهذا الفضل وآذوه وما تركوه، فبعد أن أنقذ قومه من فرعون، وصار البحر لهم يابسة يمشون فيها، ورأوا هلاك فرعون بأعينهم، يدعوهم موسى للقتال في سبيل الله وهم منصورون، فكان جوابهم: ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا ‌قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24].

 

رابعًا: أن الإنسان المؤمن ليس شرطًا أن يحقق الهدف الذي يسعى إليه بنفسه من عمل الخير أو لا يعمل؛ وإنما عليه أن يكمل الجزء الذي بين يديه، ويترك الأمر لله تعالى، فله الشرف أن يكون ممن يعمل للخير، ويسعى فيه، والله سبحانه وتعالى يختار من يكون على يديه تحقيق ما يريد، فإن موسى كان يسعى لدخول الأرض المقدسة، فعصاه قومه، فلما حضره الموت أوصى أن يدفن على حصاة من جهة الأرض المقدسة، ومات ولم يدخلها؛ بل دخلها بعده فتاه الذي كان يخدمه يوشع بن نون عليه السلام.

 

خامسًا: أن الإنسان المصاب بمرض أو عاهة فإنه لا يركن إلى اليأس، ولا يعيش في اكتئاب، فإن حكمة الله عظيمة، فالله سبحانه وتعالى لما أراد أن يكلم أحدًا من بني آدم، ويسمع صوت الرب تبارك وتعالى، ما اختار أصحَّهم لسانًا ولا أحسنهم بيانًا، بل كان موسى عليه السلام الذي كان لديه ثقل في لسانه، كما قال موسى لربه: ﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً ‌مِنْ ‌لِسَانِي ﴾ [طه: 27]، وكان فرعون يقول عن موسى: ﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا ‌الَّذِي ‌هُوَ ‌مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [الزخرف: 52]؛ أي: لا يبين كلامه ولا يوضحه.

 

سادسًا: أن الأصل في المؤمن أن يقدم الخير للناس سواء كان يعرفهم أو لا يعرفهم، فموسى لما وصل مدين ﴿ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 23، 24].

 

فبعد الرحلة الطويلة سيرًا على الأقدام من مصر إلى مدين لم يركن إلى الراحة، بل بادر وسقى للفتاتين، وهذه صورة ختامية توضح كيف يكون النبي قبل أن يكون نبيًّا.

 

أيها المسلمون، هذه شذرات من قصة موسى عليه السلام، جعلنا الله من المنتفعين بها، السائرين على طريق الأنبياء والمرسلين.

 

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المجاهدين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغِنى، اللهم إنا نسألك حبك وحب عمل يُقرِّبنا إلى حبك، اللهم حَبِّب إلينا الإيمان، وزَيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم احفظنا بحفظك، ووفقنا لطاعتك، وارحمنا برحمتك، وارزقنا من رزقك الواسع، وتفضل علينا من فضلك العظيم، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.

 

اللهم أصلح إمامنا وولي أمرنا، اللهم اهده بهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين، وفجور الفاجرين، واعتداء المعتدين.

 

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ ‌عَمَّا ‌يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180-182].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كليم الله موسى عليه السلام (1)
  • كليم الله موسى عليه السلام (3)
  • كليم الله موسى عليه السلام (4)
  • كليم الله موسى عليه السلام (2)
  • موسى عليه السلام (7)
  • موسى عليه السلام (8)
  • موسى عليه السلام (9)
  • موسى عليه السلام (10)
  • نبذة عن موسى عليه السلام
  • موسى عليه السلام (11)
  • موسى عليه السلام (12)
  • موسى عليه السلام (16)
  • {وألقيت عليك محبة مني}: كيف ألقيت على موسى المحبة وقد لقي من العداوة ما لقي؟

مختارات من الشبكة

  • قصة موسى عليه السلام (12) وفاة موسى عليه السلام(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة موسى عليه السلام (13) ما ورد من صفات موسى(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة موسى عليه السلام (9) موسى والخضر(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • موسى عليه السلام (3)(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • متن الآداب المنتخب من كتاب الإقناع للعلامة موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • معالم التأييد والنجاح في قصة موسى عليه السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبر من قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح الخضر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عاشوراء وقصة موسى عليه السلام مع فرعون (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • إضاءات على الطريق من قصة موسى عليه السلام وابنتي شعيب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 9/1/1434 هـ - عبرة من قصة موسى - عليه السلام - وفرعون(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب